الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الحادي عشر: (الضمان السابع عشر) : أن الشريعة فرضت لها الميراث ولو طلقت طلاقا بائنا، إذا اتهم زوجها بقصد حرمانها من الميراث
.
هذا أحد الأحكام التي ضمنت بها الشريعة الإسلامية حقوق المرأة الزوجية، ورفعت عنها الظلم الواقع عليها من قبل زوجها، وهو ضمان يتعلق بحق معين، وهو حقها في ميراث زوجها، فالأصل أن المرأة ترث زوجها إذا مات عنها، لكن الرجل قد تسوِّل له نفسه، فيقصد حرمان زوجته من ميراثه، فيطلقها طلاقا بائنا1 وهو في مرض موته، ليظلمها، ويمنعها من حقها في ميراثه، فحينذاك تضمن الشريعة للزوجة حقها بإيجاب الميراث لها ولو طلقها زوجها طلاقاً بائنا ما دام أنه متهم بقصد حرمانها من التركة بالطلاق، صيانة لحقها في الميراث، ومعاملة لنقيض قصد الزوج السيئ بالاعتداء على حق الزوجة.
1 من المعلوم أن المرأة لا تستحق شيئاً من ميراث مطلقها لو طلقها طلاقا بائنا، لانقطاع صلة الزوجية بينهما، كما لا يرثها زوجها لو ماتت وهي في عدة من طلاق بائن.
مسألة: متى ترث المطلقة طلاقا بائنا من ميراث مطلقها.
للعلماء تفصيل في المطلقة طلاقا بائنا وقد اتهم زوجها بقصد حرمانها من الميراث، هل ترثه أبدا، أو أنها لا ترثه إلا إذا مات وهي في عدتها، أو أنها ترثه كذلك، لو مات وقد خرجت من عدتها ما لم تتزوج؟.
فقد اختلف العلماء في ذلك إلى أربعة أقوال:
فيرى الإمام مالك رحمه الله: أنها ترث منه أبدا، بقيت في عدتها، أو خرجت منها، ولو تزوجت بغيره، معاملة له بنقيض قصده على الإطلاق.
ويرى الإمام أحمد رحمه الله: أنها ترثه ما لم تتزوج، ولو خرجت من عدتها، وذلك حتى لا يجمع لها ميراث من رجلين في وقت واحد.
ويرى الإمام أبو حنيفة رحمه الله: أنها ترثه ما دامت في العدة، وذلك اعتبارا لوجود بعض أحكام النكاح، وهو العدة، فإذا انقضت أحكام النكاح جميعها، فلا ميراث.
وأما الإمام الشافعي رحمه الله: فإنه يرى عدم توريثها على الإطلاق، حكما بظاهر الحال، وهو البينونة، التي ينقطع بها النكاح، وأما الاتهام فموكول أمره إلى الله.1
ومستند من ورَّث البائن إذا اتهم زوجها بقصد حرمانها من الميراث، ما رواه البيهقي بسنده عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: إن
1 انظر: العذب الفائض (1/21) ، والمغني (9/194) وما بعدها.
عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه طلق امرأته البتة وهو مريض، فورثها عثمان رضي الله عنه منه بعد انقضاء عدتها.
وفي رواية له عن عبد الله بن الزبير طلق عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه تماضر بنت أصبغ الكلبية فبتها، ثم مات وهي في عدتها فورثها عثمان رضي الله عنه، قال ابن الزبير أما أنا فلا أرى أن ترث المبتوتة1.
وقال ابن قدامة رحمه الله: " واشتهر ذلك في الصحابة فلم يُنكَر فكان إجماعا،
…
وما روي عن ابن الزبير إن صح، فهو مسبوق بالإجماع"2.
الراجح:
بالنظر في أقوال العلماء في هذه المسألة وما استندوا إليه في الحكم، نجد أنه لا يوجد نص من الكتاب أو السنة على حكم المسألة، وإنما الذي عُوِّل عليه في الحكم هو قضاء عثمان رضي الله عنه، وقضاء عثمان رضي الله عنه روي بروايات متعددة، ومنها ما ذكرت أنه ورث تماضر وهي في عدتها، وفي رواية أخرى، أنه ورثها وقد انتهت عدتها، وبالنظر في هذه الروايات المختلفة - التي لا يمكن الجمع بينها لتحديد الوقت الذي ورث فيه عثمان رضي الله عنه تماضر- نجد أن الرواية الأقرب إلى الصحة هي الرواية التي
1 السنن الكبرى (7/362) .
2 المغني (9/195) .
تذكر أن عثمان رضي الله عنه ورثها وقد خرجت من عدتها كما ذكر ذلك الألباني1.
وبناء عليه فإن الراجح من الأقوال في هذه المسألة، أن المطلقة إذا طلقها زوجها ألبتة بقصد حرمانها من الميراث، ترث زوجها إذا مات عنها، وتستحق ميراثه، سواء مات وهي في عدتها، أو مات وقد خرجت من عدتها، عملا بقضاء عثمان رضي الله عنه.
أما القول بأنها ترثه، ولو تزوجت بآخر، ففيه نظر، لعدم وجود دليل أو قول لصحابي على ذلك، ومما رد به ابن قدامة رحمه الله هذا القول، قوله: " ولأن التوريث من حكم النكاح، فلا يجوز اجتماعه مع نكاح آخر كالعدة، ولأنها فعلت باختيارها ما ينافي نكاح الأول لها، فأشبه ما لو كان فسخ النكاح من قِبَلها.2
جدول ببيان مذاهب العلماء في ميراث المطلقة طلاقا بائنا إذا اتهم زوجها بقصد حرمانها من الميراث:
المذهب / حالة المعتدة
…
لازالت في العدة
…
خرجت من العدة
…
تزوجت بآخر
المالكية
…
ترث
…
ترث
…
ترث
الحنابلة
…
ترث
…
ترث
…
لا ترث
الحنفية
…
ترث
…
لا ترث
…
لا ترث
الشافعية
…
لا ترث
…
لا ترث
…
لا ترث
1 انظر للروايات المتعددة، وتصحيح الألباني: إرواء الغليل (6/159-160) .
2 المغني (9/196) .
وبهذا نأتي - بحمد الله - إلى ختام ذكر الضمانات التي قدمتها الشريعة للمرأة حفاظا وصيانة لحقوقها الزوجية.
وسأذكر في الخاتمة ملخصا لتلك الضمانات ليسهل استيعابها اختصارا.
وبالله التوفيق والسداد.
الخاتمة
1-
إن الشريعة الإسلامية ضمنت للمرأة كامل حقوقها، ومنها حقوقها الزوجية، وذلك بالأمر بصيانتها، وإيصالها إليها، ومنع الاعتداء عليها.
2-
إن من ضمانات حقوق المرأة الزوجية، ما تبت وجوبه لها بنصوص وأوامر شرعية، وقد وعد الله بالثواب لمن أداها، وتوعد بالعقاب من هضمها، أو اعتدى عليها.
3-
مما ضمنت به الشريعة الإسلامية للمرأة حقوقها، أنها منعت التنازل عن الحقوق التي يكون في التنازل عنها ضرر مادي أو معنوي عليها، أو مخالفة شرعية في التنازل عنها.
4-
من الضمانات لحقوق المرأة أن تنازلها عن الحقوق لابد وأن يكون برضاها، وقد أبطلت الشريعة كل تصرف لها بالتنازل عن حقوقها إذا اشتمل على إكراه، أو غرر.
5-
لا اعتبار لتنازل المرأة عن حقوقها إذا كان ذلك قبل وجود سببه، ولا اعتبار له كذلك قبل وجوبه، لأن تنازلها حينئذ لا يكون عن بصيرة بعواقب الأمور، فإن تنازلت عنه قبلُ، جاز لها أن ترجع عن تنازلها، وتطالب بحقها إن شاءت، وفي ذلك ضمان لحقوقها.
6-
إن الشريعة الإسلامية ضمانا لحقوق المرأة وصيانة لكرامتها، حرَّمت من الأنكحة التي اشتملت على ضرر مادي أو معنوي عليها، والتي كانت معروفة في الجاهلية.
7-
إن نكاح المتعة، والنكاح المؤقت حرام وباطل باتفاق المسلمين من أهل السنة، لما يشتمل عليه هذا النوع من النكاح من هضم لحقوق المرأة وابتذال لها، ومنافاة لمقاصد الشريعة من النكاح، من ديمومته، ووجود الذرية، واستحقاق المرأة للميراث، ونحو ذلك من الأمور التي جعل الله النكاح من أجلها.
8-
إن نكاح الشغار محرم في الشريعة الإسلامية لما يشتمل عليه من ظلم حق المرأة في المهر، وما قد ينشأ عنه من خلاف قد يؤدي إلى إنهاء العلاقة الزوجية.
9-
إن المحلل والمحلل له ملعونان، ولا تحل المرأة لزوجها الأول بالتحليل، وإن نكاح التحليل يشتمل على أبشع صورة من صور امتهان كرامة المرأة، وجعلها مبتذلة.، فكان حراما.
10-
حرمت الشريعة الإسلامية – ضمانا لحقوق المرأة - تصرفات الزوج الضارة بالمرأة، والتي كانت سائدة في الجاهلية، بقصد الإضرار بالزوجة، وإظهارا لبغض الزوج لها، كالظهار والإيلاء.
11-
إن المظاهر مخالف لأوامر الشرع، مرتكب للكبيرة، وعليه أن يعود عن ظهاره، ويكفر.
12-
من حلف أن لا يطأ زوجته أربعة أشهر فأقل، فلا شيء عليه، إن لم يطأ، إلا أنه لو أراد أن يحنث في حلفه، ويطأ، فعليه كفارة يمين، وأما إن آلى أن لا يطأ زوجته أكثر من أربعة أشهر، فإن عليه أن يفيء، ويكفر، فإن أبى طلق عليه الحاكم.
13-
من ضمانات حقوق المرأة الخاصة، أن الشريعة الإسلامية منعت ولي المرأة أن يعضلها، فيمنعها من الزواج مطلقا، أو مِمَّن تريده، لو كانت من أهل الاختيار، إن أرادت أن تتزوج من كفء؛ لأن عضلها ظلم لها وهضم لحق أساسي من حقوقها.
14-
أن الولي لو عضلها، أو غاب عنها، فإن الشريعة ضمنت حقها في الزواج بإسقاط ولايته بسبب العضل أو الغيبة، وتنتقل ولايتها إلى الولي الأبعد.
15-
إن الشريعة ضمنت للمرأة حقوقا زائدة على ما أوجبتها الشريعة لها، وذلك بإعطائها الحق في أن تشترط من الحقوق المادية والمعنوية التي ترى فيها مصلحتها، ولا تكون منافية للشرع، ولا مناقضة لمقتضى العقد، فتجب لها تلك الحقوق بالاشتراط، ويجب على الزوج الوفاء بها.
16-
لا يجوز إكراه المرأة على الزواج بمن لا ترغب فيه، وضمانا لهذا الحق جعلت الشريعة الإسلامية للمرأة أن تطلب فسخ ذلك النكاح.
17-
ضمنت الشريعة الإسلامية حق المرأة في المهر، فمنعت لذلك نفي المهر في عقد النكاح، وفرضت مهر المثل عند التفويض، كما جعلت لها الحق في منع تسليم نفسها حتى تقبض مهرها المعجل، وضمنت الزوج المهر لو هلك في يده ما لم يسلمه للمرأة، أو يخلي بينه وبينها.
18-
من مقاصد الشريعة الإسلامية استمرار الحياة الزوجية، وفي ذلك مصلحة الزوجين، وقد ضمنت الشريعة هذه المصلحة بجعل أمر الطلاق بيد الرجل، لكونه أحكم في التمسك بعصمة النكاح.
19-
قد تخشى المرأة عدم تمكنها من الحصول على مقاصدها المشروعة كاملة من الزواج، أو تخشى ظلم زوجها لها، أو تقصيره في أدائه حقوقها، فلها أن تشترط أن يكون أمر الطلاق بيدها، فإن رأت أن مصلحتها في الفراق، كان فراقها بيدها، فأوقعت الفرقة، وفي ذلك ضمان لها من احتمال وقوع الظلم عليها.
20-
إن من حقوق المرأة أن لا يصيبها ضرر من قبل الزوج بعقد النكاح، وقد ضمنت الشريعة الإسلامية هذا الحق بتخييرها طلب التفريق، لو أصابها ضرر مادي أو معنوي من قبل الزوج.
21-
ضمانا لحق المرأة في نفي الضرر، جعلت الشريعة لها طلب التفريق لإصابة زوجها بأمراض معدية كالجذام، أو مخلة بأداء واجب الزوجية كالعنة، أو منفرة كالبرص ونحوه.
22-
إذا تضررت المرأة بفراق زوجها لفقده، أو غيبته غيبة منقطعة، أو حبسه، أو وقوعه في الأسر، فإن الشريعة الإسلامية أباحت لها طلب التفريق، إذا تحققت الشروط المعتبرة في مثل تلك الحالات ضمانا لرفع الضرر المادي والنفسي عنها.
23-
إذا أعسر الزوج بنفقة زوجته، أو امتنع عن الإنفاق عليها، مع كونه موسرا، فإن الشريعة ضمنت للمرأة حقها في النفقة بإجباره على النفقة، أو جعل الخيار لها بطلب فسخ النكاح، إذا تحققت القيود المعتبرة في ذلك.
24-
قد يمنع المرأة مانع نفسي من الاستمرار في الحياة الزوجية، دون أن يكون ثمة مبرر مادي يوجب ذلك من قِبل الزوج، ففي هذه الحالة أجازت الشريعة لها طلب الخلع مراعاة لحالتها النفسية، وذلك مقابل ردها ما أخذته من زوجها، وفي ذلك ضمان لها بعدم الاستمرار في الاضطهاد النفسي.
25-
إن من أهم مصالح المرأة الزوجية، أن تستمر الحياة الزوجية، ولا تنقطع، وضمانا لهذه المصلحة، أمرت الشريعة ببعث حكم من أهله وحكم من أهلها، في حالة نشوب خلاف بينها وبين زوجها للإصلاح بينهما.
26-
إن للحكمين أن يقررا ما يريانه من جمع أو تفريق بين الزوجين؛ لأن مصلحة الزوجين قد تكون في جمعهما، وقد تكون في التفريق بينهما، وحُكمُ الحكمين يكون نافذا إذا اتفقا على رأي واحد، واتصفا بالشروط المعتبرة فيهما.
27-
ضمنت الشريعة الإسلامية حق المرأة في ميراث زوجها، إذا أراد أن يحرمها حقها في الميراث ظلما، فطلقها البتة في مرض موته، وذلك بإعطائها ميراث مطلقها، لو مات وهي في عدتها، أو مات وقد خرجت من عدتها، ما لم تتزوج.
والحمد الله أولا وآخرا وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.