الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: (الضمان الرابع) : أن الشريعة أبطلت التنازل عن الحقوق الزوجية مسبقا
قد ترى المرأة أن تتنازل عن بعض حقوقها الزوجية، فتسارع إلى التنازل عنها قبل وجوبها، أو حتى قبل وجود سببها، وحيث أن هذا التصرف منها بإسقاط حق من حقوقها، قد لا يكون مبنيا على تأن وترو وبصيرة، فيؤدي إلى لحوق الضرر بمصالحها مستقبلا، ولذا أبطلت الشريعة ذلك التصرف ضماناً لحقوقها.
هذا وتنازل المرأة عن حقوقها مسبقاً له صورتان:
الصورة الأولى:
أن تتنازل المرأة عن حق من حقوقها قبل وجود سببه، كأن تتنازل عن نفقتها أو حقها في المبيت قبل عقد النكاح، فإن هذه الصورة اتفق العلماء1 على عدم صحتها، وأنه لا اعتبار لإبرائها ذلك، ولها أن ترجع عن تنازلها متى شاءت، لعدم صحة وقوعه إذ لم يصادف تنازلها محله.
1 انظر: رد المحتار (2/653) ، وتحرير الكلام في مسائل الالتزام للحطاب (مع فتح العلي المالك -1/322) ، والأشباه والنظائر للسيوطي ص490، وحاشية القليوبي (2/211) ، (3/282) ، والمنثور في القواعد (1/86) ، والفروع (4/195) .
وقد نص أحمد في رجل تزوج امرأة وشرط عليها أن يبيت عندها في كل جمعة ليلة، ثم رجعت وقالت: لا أرضى إلا ليلة وليلة، فقال: لها أن تتنازل بطيب نفس منها، فإن ذلك جائز، وإن قالت: لا أرضى إلا بالمقاسمة، كان ذلك حقا لها، تطالبه إن شاءت، ونقل عنه الأثرم1 في الرجل يتزوج المرأة ويشترط عليها أن يأتيها في الأيام: يجوز الشرط، فإن شاءت رجعت2؛ وعدم صحة تصرفها يندرج تحت قاعدة"أن ما لم يوجد سبب الاستحقاق فيه، ساقط أصلا بالكلية، فلا معنى لإسقاط ما هو ساقط فعلا".3
الصورة الثانية:
أن تتنازل عن حق من حقوقها بعد وجود سببه وقبل وجوبه، كما لو أبرأت الزوجة زوجها -بعد العقد- من نفقة المستقبل، فقد اختلف
الفقهاء في ذلك على قولين:
1 الأثرم هو: أحمد بن محمد بن هانئ الطائي، أو الكلبي، الإسكافي، أبوبكر، صاحب الإمام أحمد، ونقل عنه مسائل كثيرة، وصنفها ورتبها أبواباً، وكان من أهل الحفظ والإتقان، وله عناية بالحديث. انظر: طبقات الحنابلة (1/66) ، تذكرة الحفاظ (2/135) ، الأعلام (1/194) .
2 المغني (9/478) .
3 الالتزامات للحطاب (مع فتح العلي المالك -1/322) ، والمنثور في القواعد (1/86) .
القول الأول: أن الإبراء غير صحيح، ولا اعتبار له، لأن وجوب الحق شرط في الإبراء، فلا يصح بدونه وإن انعقد السبب.
وهو قول الجمهور (الحنفية، وقول للمالكية، والشافعية في الأصح، والحنابلة)1.
القول الثاني: إن الإبراء يقع صحيحا، فلو أبرأته عما وجد سببه ولم يجب صح الإبراء، ولزمها ذلك.
وهو القول الراجح عند المالكية.2
والراجح: الذي يعضده المنقول والمعقول هو ما ذهب إليه الجمهور من عدم صحة إسقاط الحق قبل وجوبه.
لأن الحق الذي لم يجب لم يملك ولم يستحق أصلا، فالتصرف فيه بالإبراء والإسقاط تصرف فيما لا يملك كما هو تصرف في المعدوم، فلم يصح.
ولأن من موانع إسقاط الحق أن يتم قبل وجوبه ولو بعد وجود سببه.
1 انظر: رد المحتار (2/653) ، وتحرير الكلام في مسائل الالتزام للحطاب (مع فتح العلي المالك -1/322) ،
والأشباه والنظائر للسيوطي ص490، وحاشية القليوبي (2/211) ، (3/282) ، والمنثور في القواعد (1/86) ،
والفروع (4/195) .
2 الالتزامات للحطاب (1/322) .
وقياسا على بيع ما لم يخلق المنهي عنه، فعن عبد الله بن عمر قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار، وعن بيع المجر، وعن بيع الغرر، وعن بيع كالئ بكالئ، وعن بيع آجل بعاجل"1. والمجر ما في الأرحام.
وبناء عليه، لو أبرأت الزوجة زوجها من حق يثبت لها في زمن المستقبل لم يقع الإبراء صحيحا، فلو أرادت بعدُ، أن ترجع في المطالبة به كان لها ذلك، وليس للزوج أن يمتنع عن أدائه بحجة إبرائها له، لعدم صحة تصرفها فيما سبق2.
1 أخرجه البزار (كشف الأستار - 2/91-92) ، والبيهقي (5/341) ، وفي إسناده موسى ابن عبيدة، وهو ضعيف. انظر: الهداية في تخريج أحاديث البداية (7/244) .
2 لمزيد من التفصيل انظر كتاب: حقوق المرأة الزوجية والتنازل عنها (ص 111 وما بعدها) .