المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: (الضمان الثالث) : أن الشريعة أبطلت التنازل عن الحقوق الزوجية إذا كان مشتملا على الإكراه أو الغرر - ضمانات حقوق المرأة الزوجية

[محمد يعقوب الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌المدخل

- ‌الفصل الأول: الصمانات العامة لحقوق المرأة الزوجية

- ‌المبحث الأول: (الضمان الأول) : أن حقوق المرأة الزوجية ثابتة بأحكام شرعية توعد الله من اعتدى عليها، أو قصر في أدائها

- ‌المبحث الثاني: (الضمان الثاني) : أن من الحقوق الزوجية، ما لا يمكن التنازل عنه شرعا

- ‌المبحث الثالث: (الضمان الثالث) : أن الشريعة أبطلت التنازل عن الحقوق الزوجية إذا كان مشتملا على الإكراه أو الغرر

- ‌المبحث الرابع: (الضمان الرابع) : أن الشريعة أبطلت التنازل عن الحقوق الزوجية مسبقا

- ‌المبحث الخامس: (الضمان الخامس) : أن الشريعة حرمت الأنكحة التي فيها ضرر مادي أو معنوي للمرأة

- ‌المبحث السادس: الضمان السادس) : أن الشريعة ألغت تصرفات الزوج الضارة بالمرأة مما كان سائداً في الجاهلية، وعاقبت عليها، كالظهار، والإيلاء

- ‌الفصل الثاني: الضمانات الخاصة لحقوق زوجية معينة

- ‌المبحث الأول: (الضمان السابع) : أن الشريعة منعت الولي من عضل موليته إن أرادت أن تنكح

- ‌المبحث الثاني: (الضمان الثامن) : أن الولاية تتحول من الولي الأقرب إلى الولي الأبعد

- ‌المبحث الثالث: (الضمان التاسع) : أن الشريعة جعلت لها الحق في أن تشترط من الحقوق المادية والمعنوية ما فيه مصلحتها

- ‌المبحث الرابع: (الضمان العاشر) : أن المرأة لو زوِّجت من غير رضاها كان لها حق الفسخ

- ‌المبحث الخامس: (الضمان الحادي عشر) : أن الشريعة الإسلامية ضمنت للمرأة مهرها، بأوجه عدة

- ‌المبحث السادس: (الضمان الثاني عشر) : أن الشريعة جعلت أمر الطلاق بيد الرجل

- ‌المبحث السابع: (الضمان الثالث عشر) : أن الشريعة جعلت أمر الطلاق بيدها بالاشتراط

- ‌المبحث الثامن: (الضمان الرابع عشر) : أن الشريعة جعلت لها الخيار، إذا لحقها ضرر مادي أو معنوي من قبل الزوج

- ‌المبحث التاسع: (الضمان الخامس عشر) : أن الشريعة أباحت للمرأة طلب الخلع إن لم تطق العيش مع زوجها

- ‌المبحث العاشر: (الضمان السادس عشر) : أن الشريعة أمرت ببعث الحكمين للإصلاح بين الزوجين

- ‌المبحث الحادي عشر: (الضمان السابع عشر) : أن الشريعة فرضت لها الميراث ولو طلقت طلاقا بائنا، إذا اتهم زوجها بقصد حرمانها من الميراث

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الثالث: (الضمان الثالث) : أن الشريعة أبطلت التنازل عن الحقوق الزوجية إذا كان مشتملا على الإكراه أو الغرر

‌المبحث الثالث: (الضمان الثالث) : أن الشريعة أبطلت التنازل عن الحقوق الزوجية إذا كان مشتملا على الإكراه أو الغرر

هناك حقوق زوجية للمرأة يمكن أن تتنازل عنها، إن شاءت ذلك، فلها أن تتنازل - مثلا - عن حقها في القسم، أو حقها في النفقة، إذا تحقق فيه شروط التنازل، إلا أن تصرفها ذلك لا يكون معتبرا إلا إذا خلا من الإكراه والغرر،؛ لأن تنازلها حينئذ يكون صادرا من غير رضاها حقيقة، فلا يصح.

وسأذكر فيما يلي - بعون الله تعالى - ما ذكره الفقهاء عن أثر الإكراه والغرر في التصرفات القولية والفعلية، ليتضح بذلك أثر الإكراه والغرر في التنازل عموماً، وأثرهما في تنازل المرأة عن حقوقها خصوصاً.

أولا: أثر الإكراه1 في التنازل:

اتفق الفقهاء2 على أن الإكراه الملجئ والذي تتحقق

1 الإكراه، لغة: من الكره، بالفتح: المشقة، وبالضم: القهر، وأكرهته على الأمر إكراها: حملته عليه قهراً. المصباح المنير (ص 536) .

والإكراه في اصطلاح الفقهاء: اسم لفعل بفعل الآمر لغيره، فينتفي به رضاه، أو يفسد به اختياره. انظر: المبسوط (24/38) ، رد المحتار (6/128) ، وما بعدها، وأنيس الفقهاء (ص264) .

2 انظر: رد المحتار (6/128) ، وما بعدها، وشرح الخرشي (3/175) ، وما بعدها، والأشباه والنظائر للسيوطي (ص 203) ، والمغني (10/353) ، والإنصاف (8/439) .

ص: 41

فيه شروطه1، يبطل التصرف القولي والفعلي الذي يقع عليه الإكراه، من حيث الجملة، وأنه لا يلزم المكرَه ما صدر منه بالإكراه، من إقرار أو إسقاط، وإن كانوا اختلفوا بعد ذلك في الصور التي يكون للإكراه فيها تأثير من غيرها، وذلك بحسب ما يرد عليه الإكراه.

ومستند اتفاق العلماء على عدم صحة تصرف المكرَه، ما رواه ابن ماجه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ"2.

وبناء عليه إذا أكرهت المرأة على التنازل عن حق من حقوقها الزوجية، لم يصح تصرفها، واعتبر تنازلها عن الحق المتنازَل عنه باطلا، ويستمر ثبوت حقها فيما تنازلت عنه، كما لو لم تتنازل.

وذلك لأن إقرارها بالتنازل وإسقاط حقها، لم يكن بإرادتها المعتبرة في الإسقاط، لخلوها عن الرضا، فلم ينفذ.

يقول ابن القيم رحمه الله:"من أقر أو حلف أو وهب أو صالح لا عن رضا منه، ولكن مُنع حقه إلا بذلك، فهو بالمكرَه أشبه منه بالمختار، ومثل هذا لا يلزمه ما عقده من هذه العقود"3.

1 انظر للتفصيل في شروط الإكراه والمسائل المتعلقة به: رد المحتار (6/128) ، وما بعدها، والإحكام في أصول الأحكام (1/220-221) ، والأشباه والنظائر للسيوطي (ص 203) ، والمغني (10/353) ، والإنصاف (8/439) ، والموسوعة الفقهية (6/98، وما بعدها) .

2 سنن ابن ماجه (1/659)، قال الألباني: صحيح، انظر: إرواء الغليل (1/123) .

3 أعلام الموقعين (4/32) .

ص: 42

ثانيا: حكم التغرير1 وأثره في التنازل:

حكم التغرير:

التغرير في المعاملات والتصرفات والعقود محرم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرر.

فقد روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ "2.

قال النووي رحمه الله: "وأما النهي عن بيع الغرر فهو أصل عظيم من أصول كتاب البيوع

3.

ولأن الحصول على تنازل عن الحق بالتغرير من أكل أموال الناس بالباطل المنهي عنه.

وقد قال تعالى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل} 4.

1 الغرر في اللغة: من غرَّه يغره غرا وغرورا، فهو مغرور، أي: خدعه، وأطمعه بالباطل. لسان العرب (6/314) ، وما بعدها.

والتغرير في اصطلاح الفقهاء: الإغراء بوسيلة قولية أو فعلية كاذبة، لترغيب أحد المتعاقدين في العقد، وحمله عليه. المدخل الفقهي العام للزرقا (1/379) .

2 صحيح مسلم (3/1153) .

3 حاشية صحيح مسلم (3/1153) .

4 من الآية 29 من سورة النساء.

ص: 43

قال القرطبي رحمه الله:"الخطاب بهذه الآية يتضمن جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى: لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق، فيدخل في هذا القمار والخداع والغصوب وجحد الحقوق، وما لا تطيب به نفس مالكه، أو حرمته الشريعة وإن طابت به نفس مالكه، كمهر البغي، وحلوان الكاهن

"1

أثر التغرير في التنازل:

يختلف أثر التغرير في تصرف المغرور، بحسب ما غُرر فيه، وحيث إن موضوعنا هو أثر التغرير في التنازل، والتنازل لا يخلو من كونه عقدا بالتبرع، أو تصرفا محضا به، وعلى كل فهو تبرع بالحق، فمن غُرر به حتى تنازل عن حقه، لم يكن لتنازله أثر، لأن الذي غرر صاحبَ الحق حتى تنازل عنه، لم يأخذ بوجه الشرع، وإنما أكله بالباطل، فاندرج تحت النهي الوارد في الآية المذكورة.2

1 الجامع لأحكام القرآن (2/338) .

2 يذكر الفقهاء أحكام التغرير في العقود والتصرفات في أبواب البيوع، فليرجع إليها للتفصيل، وانظر كذلك: المدخل الفقهي العام (1/379) وما بعدها، والموسوعة الفقهية (31/149) وما بعدها.

ص: 44