الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع: (الضمان الثالث عشر) : أن الشريعة جعلت أمر الطلاق بيدها بالاشتراط
.
إذا كان الأصل: أن ضمان حقوق المرأة في كون أمر الطلاق بيد الزوج، حفاظا على الحياة الزوجية، إلا أن المرأة قد تحذر أن يظلمها الرجل أو يتقاعس عن أداء حقوقها الزوجية، أو لا يمكنه ذلك لسبب من الأسباب، أو يضارَّها بالزواج عليها من امرأة أخرى، أو يتصف بصفات لا ترغبها، أو أن لا يتصف بصفات ترغب الزوجة وجودها في زوجها، أو غير ذلك من الأمور التي تُعتبر معقولة المعنى، ولا يكون في اشتراطها محظور شرعي، وتخشى المرأة أن لا يلبي لها الرجل ذلك، أو لا توجد فيه الصفات التي ترغبها، فيلحقها الضرر به، فحين ذلك ضمنت الشريعة حقوقها، بإزالة الظلم المحتمل وقوعه عليها، أو نفي ما ترى ضرره عليها، بجعل إنهاء العلاقة الزوجية بيدها، وذلك بأن أباحت لها أن تشترط في عقد النكاح، أن يكون أمرها بيدها لو فعل كذا وكذا، أو لم يفعل كذا.
مثاله: لو اشترطت المرأة قبل العقد، أو في صلبه، على أن لا يتزوج عليها، فإن تزوج عليها كان أمرها بيدها، ونحو ذلك، وقبل الزوج هذا
الشرط، كان اشتراطها جعلَ أمرِ الطلاق بيدها معتبرا، وكذلك لو جعل أمر الطلاق بيدها دون تعليقها على شرط، على ما سيأتي بيانه.
ويسمى هذا التصرف بتفويض الطلاق بالاشتراط، كما يسمى هذا النوع من الاشتراط لدى الفقهاء بتعليق الطلاق، واليمين في الطلاق، وتمليك الطلاق مشروطا، وجعل الأمر بيد الزوجة مشروطا.
يقول ابن القيم رحمه الله: "إذا تزوجت المرأة وخافت أن يسافر عنها الزوج ويدعها، أو يسفر بها ولا تريد الخروج من دارها، أو أن يتزوج عليها، أو أن يتسرى، أو يشرب المسكر، أو يضربها من غير جُرم، أو يتبين فقيرا وقد ظنته غنيا، أو معيبا وقد ظنته سليما، أو أميا وقد ظنته قارئا، أو جاهلا وقد ظنته عالما، أو نحو ذلك، فلا يمكنها التخلص، فالحيلة لها في ذلك كله أن تشترط عليه أنه متى وُجد شيء من ذلك فأمرها بيدها، إن شاءت أقامت معه، وإن شاءت فارقته، وتُشهد عليه بذلك
…
فمتى كان الأمر كذلك ملكت تطليق نفسها، ولا بأس بهذه الحيلة، فإن المرأة تتخلص بها من نكاح مَن لم ترض بنكاحه، وتستغني عن رفع أمرها إلى الحاكم ليفسخ نكاحها بالغيبة والإعسار ونحوهما"1.
1 أعلام الموقعين (3/396) .
وقد اتفق الفقهاء على صحة هذا العقد، ولزوم الوفاء بالشرط المذكور، وأن الزوج لو خالف ما اتفقا عليه، كما لو تزوج بأخرى، كان أمرها بيدها، حسبما اتفقا عليه1.
وقال ابن جُزي2 رحمه الله، وهو يذكر أقسام هذا التصرف: "منها أن يجعل أمرها بيدها إن تزوج، فيجب أن يذكر هل ملَّكها طلقة رجعية،
أو بائنة، أو ثلاثا، أو أي الطلاق شاءت؟، فيعمل على حسبه"3.
وقد نص الحنفية على صحة عقد النكاح على أن أمرها بيدها، من غير تقييد أو شرط.
1 أنظر للتفصيل في شروط، وأقسام هذا النوع من تصرف الزوج، والقيود الواردة عليه، وإضافته إلى زمن معين، أو حالة معينة، أو وجود شيء معين يعلق عليه الطلاق، وحكم رجوع الزوج فيه، ورد الزوجة لهذا الحق، ونوع الطلاق الذي يقع به، المراجع الآتية: بدائع الصنائع (3/113-125) ، وقوانين الأحكام الشرعية ص 242-244، ومغني المحتاج (3/285) ، وما بعدها، وكشاف القناع (5/254) ،ووما بعدها.
2 ابن جُزي هو: محمد بن أحمد بن محمد أحمد بن جزي الكلبي، أبوالقاسم، من أهل غرناطة، ولد سنة (693هـ) ، من علماء المالكية في الفقه والأصول، له كتاب"القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية"، و"تقريب الوصول إلى علم الأصول" وغيرهما. توفي سنة (741هـ) . انظر: الديباج المذهب لابن فرحون (2/274-276) ، الدرر الكامنة (3/356) .
3 قوانين الأحكام الشرعية ص 243.
جاء في رد المحتار: "نكحها على أن أمرها بيدها صح"، وفي حاشية رد المحتار:"قوله: (صح) مقيد بما إذا ابتدأت المرأة فقالت: زوَّجت نفسي منك على أن أمري بيدي، أطلق نفسي كلما أريد، أو على أني طالق، فقال الزوج: قبلت، أما لو بدأ الزوج لا تطلق ولا يصير الأمر بيدها"1.
هذا ومستند جعل الخيار للمرأة، وجعل الطلاق بيدها، ما رواه البخاري في بَاب مَنْ خَيَّرَ نِسَاءه وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{قُلْ لأزوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} 2.
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاخْتَرْنَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَلَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ عَلَيْنَا شَيْئًا"3.
والحديث رواه مسلم أيضا، بطوله، عن عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ:"لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي فَقَال: "إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلا عَلَيْكِ أَنْ لا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ". قَالَت: قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ قَالَتْ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل قَال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ
1 الدر مع الحاشية (3/329) .
2 من الآية 28 من سورة الأحزاب.
3 صحيح البخاري مع فتح الباري (9/367) .
أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} قَالَتْ: فَقُلْتُ: فِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ مَا فَعَلْتُ"1.
فالحديث فيه دلالة على صحة جعل أمر طلاق المرأة بيدها، فتكون بالخيار بين إمضاء النكاح، أو تطليق نفسها2.
1 صحيح البخاري (9/ 369) ، وصحيح مسلم (2/1103) .
2 للعلماء تفصيل في تخيير الرجل زوجته وأمد ذلك التخيير، وماذا تملك من طلاق به، انظر للتفصيل: المراجع الفقهية، أبواب الطلاق.