الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ نُزُولِ الْمُحَصَّبِ وَبَطْحَاءَ وَذِي الْحُلَيْفَةِ وَمَا يَقُولُ إذَا قَفَلَ
عَنْ عُرْوَةَ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَقَالَتْ إنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ كَانَ مُنْزَلًا أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ» وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِهِ «نُزُولُ الْأَبْطَحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ» وَلِأَبِي دَاوُد (إنَّمَا نَزَلَ الْمُحَصَّبَ لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ) وَلِلشَّيْخَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ إنَّمَا هُوَ مُنْزَلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ «لَمْ يَأْمُرْنِي أَنْ أَنْزِلَ الْأَبْطَحَ حِينَ خَرَجَ مِنْ مِنًى» الْحَدِيثَ. وَلَهُ أَنَّ «ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى التَّحْصِيبَ سُنَّةً، وَكَانَ
ــ
[طرح التثريب]
[بَابُ نُزُولِ الْمُحَصَّبِ وَبَطْحَاءَ وَذِي الْحُلَيْفَةِ وَمَا يَقُولُ إذَا قَفَلَ]
[حَدِيثُ نُزُولِ الْمُحَصَّبِ]
(الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ عُرْوَةَ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَقَالَتْ إنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ كَانَ مُنْزَلًا أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ»
(فِيهِ) فَوَائِدُ:
(الْأُولَى) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنَ عُمَرَ كَانُوا يَنْزِلُونَ بِالْأَبْطَحِ» .
قَالَ الزُّهْرِيُّ (أَنَا عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُ ذَلِكَ) الْحَدِيثَ وَاقْتَصَرَ النَّسَائِيّ عَلَى ذِكْرِ ابْنِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «نُزُولُ الْأَبْطُحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ إنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ كَانَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ إذَا خَرَجَ» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَالْبَاقِي بِمَعْنَاهُ وَلَمْ يَقُلْ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «أَدْلَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْبَطْحَاءِ لَيْلَةَ النَّفْرِ إدْلَاجًا» .
(الثَّانِيَةُ) قَدْ تَبَيَّنَ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ أَنَّ الْإِشَارَةَ فِي قَوْلِهِ (لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُ ذَلِكَ) إلَى النُّزُولِ بِالْأَبْطَحِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ كَانُوا يَنْزِلُونَ بِالْأَبْطَحِ؛ وَالْمُرَادُ النُّزُولُ بِهِ عِنْدَ النَّفْرِ
يُصَلِّي الظُّهْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالْحَصْبَةِ وَقَالَ قَدْ حَصَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ» وَلِلْبُخَارِيِّ «كَانَ يُصَلِّي بِهَا يَعْنِي الْمُحَصَّبَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ أَحْسِبُهُ قَالَ: وَالْمَغْرِبَ. قَالَ خَالِدٌ لَا أَشُكُّ فِي الْعِشَاءِ وَيَهْجَعُ هَجْعَةً وَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» .
ــ
[طرح التثريب]
مِنْ مِنًى.
(الثَّالِثَةُ) الْأَبْطَحُ هُوَ الْوَادِي الْمَبْطُوحُ بِالْبَطْحَاءِ وَالْمُحَصَّبُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ الَّذِي فِيهِ الْحَصْبَاءُ؛ وَالْبَطْحَاءُ وَالْحَصْبَاءُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ الْحَصَى؛ الصِّغَارُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَوْضِعٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ مَكَانٌ مُتَّسِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى وَهُوَ إلَى مِنًى أَقْرَبَ وَهُوَ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ إلَى الْمَقْبَرَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَحْدَهُ مِنْ الْحَجُونِ ذَاهِبًا إلَى مِنًى، وَزَعَمَ الدَّرَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ ذُو طُوًى وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا.
قَالَ النَّوَوِيُّ، الْمُحَصَّبُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالْحَصْبَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ وَالْأَبْطُحُ وَالْبَطْحَاءُ وَخَيْفُ بَنِي كِنَانَةَ اسْمٌ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ وَأَصْلُ الْخَيْفِ كُلُّ مَا انْحَدَرَ عَنْ الْجَبَلِ وَارْتَفَعَ عَنْ الْمَسِيلِ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْأَبْطُحَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا وَفِي حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ الْآتِي ذِكْرُهُ غَيْرُ الْمُحَصَّبِ وَالْبَطْحَاءِ وَخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي ذِكْرُهُ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ الْبَطْحَاءُ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَالَ وَهَذِهِ الْبَطْحَاءُ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ بِالْمُعَرَّسِ انْتَهَى.
وَهُوَ مَرْدُودٌ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ كُلَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَيَرُدُّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ لَفْظَ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ «لَمْ يَأْمُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَنْزِلَ الْأَبْطَحَ حِينَ خَرَجَ مِنْ مِنًى وَلَكِنْ جِئْت فَضَرَبْت قُبَّتَهُ فَجَاءَ فَنَزَلَ» فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَبْطُحِ الْمَكَانُ الَّذِي عِنْدَ مِنًى.
(الرَّابِعَةُ) إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَبْطَحَ هُوَ الْمُحَصَّبُ الَّذِي عِنْدَ مِنًى فَكَوْنُ عَائِشَةَ رضي الله عنها لَمْ تَكُنْ تَنْزِلُهُ عِنْدَ النَّفْرِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِاعْتِقَادِهَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَإِنْ كَانَ سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِاعْتِقَادِهَا أَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَحَبًّا أَصْلًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَحِينَئِذٍ فَنُزُولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَرَى اتِّفَاقًا لَا عَنْ قَصْدٍ كَغَيْرِهِ مِنْ مَنَازِلِ الْحَجِّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَقْصُودٌ لَكِنْ لِمَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ الْمُتَقَدِّمُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ قَوْلُ عَائِشَةَ رضي الله عنها إنَّهُ عليه الصلاة والسلام إنَّمَا نَزَلَهُ لِكَوْنِهِ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ ذَلِكَ لِهَذَا الْمَعْنَى لَا لِكَوْنِهِ قُرْبَةً وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ النُّزُولَ فِيهِ كَانَ بِالْقَصْدِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مِنْ الْغَدِ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ بِمِنًى نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ» ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ وَذَلِكَ فِي حَجَّتِهِ قَالَ وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مُنْزَلًا؟ نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ» يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُحَصَّبَ وَحِينَئِذٍ فَنَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ عَنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا نَفَى أَمْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ بِذَلِكَ وَلَعَلَّهُ بَلَغَهُ كَلَامُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ سَمِعَ كَلَامَهُ فَفَعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ وُفِّقَ لِمَا أَرَادَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إنَّمَا نَفَى أَمْرَهُ بِذَلِكَ حِينَ خُرُوجِهِ مِنْ مِنًى فَلَعَلَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فِي وَقْتٍ آخَرَ وَهَذَا بَعِيدٌ (فَإِنْ قُلْت) فَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «مُنْزَلُنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ إذَا فَتَحَ اللَّهُ الْخَيْفَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ» وَهَذِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ فِي الْفَتْحِ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ حِينَ أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حُنَيْنًا فَهَذِهِ تَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ نَصْرُهُ فِي حُنَيْنٍ لَا فِي الْفَتْحِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ «مُنْزَلُنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ إذَا فَتَحَ اللَّهُ الْخَيْفَ» (قُلْت) قَدْ جَمَعَ بَيْنَهَا الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ جَرَى مِنْهُ عليه الصلاة والسلام مَرَّاتٍ فَقَالَ: تَكَرَّرَ مِنْهُ هَذَا الْقَوْلُ فِي اسْتِقْبَالِ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ أَوَّلُ أَوْقَاتِ غَلَبَةِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْكُفْرِ وَتَنْكِيسِ رَأْسِ الْكُفْرِ بِهَا، ثُمَّ قَالَهُ حِينَ أَرَادَ غَزْوَ هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ ثُمَّ قَالَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَقَالَ ذَلِكَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَإِظْهَارًا لِلدِّينِ وَحُكْمُ الْإِسْلَامِ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ وَحَيْثُ أَظْهَرُوا الْكُفْرَ انْتَهَى وَمَعْنَى قَوْلِهِ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ تَحَالَفُوا وَتَعَاهَدُوا عَلَيْهِ وَهُوَ تَحَالُفُهُمْ عَلَى إخْرَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ مِنْ مَكَّةَ إلَى هَذَا الشِّعْبِ وَهُوَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
خَيْفُ بَنِي كِنَانَةَ وَكَتَبُوا بَيْنَهُمْ الصَّحِيفَةَ الْمَشْهُورَةَ وَكَتَبُوا أَنْوَاعًا مِنْ الْبَاطِلِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالْكُفْرِ فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا الْأَرَضَةَ فَأَكَلَتْ كُلَّ مَا فِيهَا مِنْ كُفْرٍ وَقَطِيعَةِ رَحِمٍ وَبَاطِلٍ، وَتَرَكَتْ مَا فِيهَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَخْبَرَ جَبْرَائِيلُ عليه السلام النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ فَأَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ فَجَاءَ إلَيْهِمْ أَبُو طَالِبٍ فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ فَوَجَدُوهُ كَمَا أَخْبَرَ، وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام فَعَلَ النُّزُولَ هُنَاكَ قَصْدًا لِهَذِهِ الْمَصْلَحَةِ الدِّينِيَّةِ وَهُوَ الشُّكْرُ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى إظْهَارِ الدِّينِ وَدَحْضِ الْكُفْرِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِتْمَامِ نِعْمَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ فِي ذَلِكَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَانَ نُزُولُهُ عليه الصلاة والسلام هُنَاكَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الظُّهُورِ بَعْدَ الِاخْتِفَاءِ وَعَلَى إظْهَارِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى.
(الْخَامِسَةُ) ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ إذَا فَرَغَ مِنْ الرَّمْيِ وَنَفَرَ مِنْ مِنًى أَنْ يَأْتِيَ الْمُحَصَّبَ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ وَيَنْزِلَ بِهِ وَيُصَلِّيَ بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَيَبِيتَ بِهِ لَيْلَةَ الرَّابِعَ عَشْرَ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ ثُمَّ رَكِبَ إلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ» .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى التَّحْصِيبَ سُنَّةً وَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالْحَصْبَةِ قَالَ نَافِعٌ قَدْ حَصَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ سُئِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ الْحُصَيْبِ فَحَدَّثَنَا عَنْ نَافِعٍ قَالَ نَزَلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ يُصَلِّي بِهَا يَعْنِي الْمُحَصَّبَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ أَحْسِبُهُ قَالَ وَالْمَغْرِبَ قَالَ خَالِدٌ لَا أَشُكُّ فِي الْعِشَاءِ وَيَهْجَعُ هَجْعَةً وَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا وَلَوْ تَرَكَ النُّزُولَ بِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي نُسُكِهِ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ وَمَا ذَكَرْته مِنْ اسْتِحْبَابِ النُّزُولِ بِهِ هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَتَقَدَّمَ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الرِّوَايَةُ مُرْسَلَةً لِأَنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ سَالِمٍ فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَنْزِلُونَ بِالْأَبْطَحِ» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَفِيهِ زِيَادَةُ ذِكْرِ عُثْمَانُ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ يَا آلَ خُزَيْمَةَ حَصِّبُوا لَيْلَةَ النَّفْرِ، وَعَنْ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ نَزَلَ بِالْأَبْطَحِ فَسَمِعَ دُعَاءً فَنَظَرَ فَإِذَا هُوَ ابْنُ عُمَرَ يَرْتَحِلُ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ لَمَّا نَفَرَ أَتَى الْأَبْطَحَ حِينَ أَقْبَلَ مِنْ مِنًى.
وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ إذَا انْتَهَى إلَى الْأَبْطَحِ فَلْيَضَعْ رَحْلَهُ ثُمَّ لِيَزُرْ الْبَيْتَ وَلْيَضْطَجِعْ فِيهِ هُنَيْهَةً ثُمَّ لِيَنْفِرْ وَعَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ كَانَ يَحْصِبُ فِي شِعْبِ الْخَوْرِ وَأَنْكَرَ التَّحْصِيبَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ فَرَوَى الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ إنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَنْزِلُ الْأَبْطَحَ وَقَالَ إنَّمَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ انْتَظَرَ عَائِشَةَ وَعَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَحْصِبُونَ.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا أَنَّهُ أَنْكَرَهُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَانَتْ عَائِشَةُ لَا تَحْصِبُ هِيَ وَلَا أَسْمَاءُ وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثُمَّ تَرَكَهُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَالْخُلَفَاءُ رضي الله عنهم عَنْهُمْ يَفْعَلُونَهُ وَكَانَتْ عَائِشَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَقُولَانِ بِهِ وَيَقُولَانِ هُوَ مُنْزَلُ اتِّفَاقِي لَا مَقْصُودَ فَحَصَلَ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ اسْتِحْبَابُهُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى لَكِنَّهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ حَكَى عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّهُ قَالَ النُّزُولُ بِالْمُحَصَّبِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ عِنْدَ الْحِجَازِيِّينَ آكَدُ مِنْهُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ انْتَهَى وَلَمْ يَعْتَرِضْهُ فِي نَقْلِ الِاتِّفَاقِ وَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُ الْحَافِظُ زَكِيُّ الدِّينِ عَبْدُ الْعَظِيمِ فَقَالَ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَالِدِي رحمه الله فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ فَإِنَّ التِّرْمِذِيَّ حَكَى اسْتِحْبَابَهُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ ثُمَّ حَكَى كَلَامَ النَّوَوِيِّ الْمُتَقَدِّمَ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ (قُلْت) وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ هُوَ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مُسْتَحَبٌّ إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْحِجَازِيِّينَ آكَدُ مِنْهُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَالْكُلُّ مُجْمِعٌ عَلَى أَنَّهُ