الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَأَوَّلُوا النَّهْيَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ الْمُزَنِيّ: الْفَرَعُ شَيْءٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَطْلُبُونَ بِهِ الْبَرَكَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَذْبَحُ بَكْرَ نَاقَتِهِ أَوْ شَاتِه وَلَا يَغْذُوهُ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِيمَا يَأْتِي بَعْدَهُ «فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ فَقَالَ أَفْرِعُوا إنْ شِئْتُمْ» أَيْ اذْبَحُوا إنْ شِئْتُمْ وَكَانُوا يَسْأَلُونَهُ عَمَّا كَانُوا يَصْنَعُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خَوْفًا أَنْ يُكْرَهَ فِي الْإِسْلَامِ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ عَلَيْهِمْ فِيهِ وَأَمَرَهُمْ اسْتِحْبَابًا أَنْ يُغَذُّوهُ ثُمَّ يُحْمَلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ الْفَرَعَةُ حَقٌّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِبَاطِلٍ وَلَكِنَّهُ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ خَرَجَ عَلَى جَوَابِ السَّائِلِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ عليه السلام «لَا فَرَعَةَ وَلَا عَتِيرَةَ» .
وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا مِنْ الرِّوَايَةِ إنَّمَا هَذَا لَا فَرَعَةَ وَاجِبَةٌ وَلَا عَتِيرَةَ وَاجِبَةٌ وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى ذَا أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُ الذَّبْحَ وَاخْتَارَ أَنْ يُعْطِيَهُ أَرْمَلَةَ أَوْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْعَتِيرَةُ هِيَ الرَّجَبِيَّةُ وَهِيَ ذَبِيحَةٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَبَرَّكُونَ بِهَا فِي رَجَبٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «لَا عَتِيرَةَ» عَلَى مَعْنَى لَا عَتِيرَةَ لَازِمَةٌ «وَقَوْلُهُ عليه السلام حَيْثُ سُئِلَ عَنْ الْعَتِيرَةِ اذْبَحُوا لِلَّهِ فِي أَيِّ شَهْرٍ» مَا كَانَ إنَّهَا فِي رَجَبٍ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنْ الشُّهُورِ هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ حَكَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَذَكَرَ ابْنُ كَجٍّ وَالدَّارِمِيُّ أَنَّهُمَا لَا يُسْتَحَبَّانِ وَهَلْ يُكْرَهَانِ؟
فِيهِ وَجْهَانِ:
(أَحَدُهُمَا) يُكْرَهَانِ لِلْخَبَرِ (وَالثَّانِي) لَا كَرَاهَةَ فِيهِمَا، وَحَكَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله قَالَ إنْ تَيَسَّرَ ذَلِكَ كُلَّ شَهْرٍ كَانَ حَسَنًا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ هَذَا النَّصُّ لِلشَّافِعِيِّ فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ حَدِيثٌ يَقْتَضِي التَّرْخِيصَ فِيهِمَا بَلْ ظَاهِرُهُ النَّدْبُ.
فَالْوَجْهُ الثَّانِي يُوَافِقُهُ فَهُوَ الرَّاجِحُ وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ نَقْلِهِ نَصَّ الشَّافِعِيِّ الْمُتَقَدِّمَ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ اسْتِحْبَابُ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ ثُمَّ حَكَى نَصَّ حَرْمَلَةَ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الصَّحِيحُ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاقْتَضَتْهُ الْأَحَادِيثُ أَنَّهُمَا لَا يُكْرَهَانِ بَلْ يُسْتَحَبَّانِ وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ إنَّهُمَا لَا يُسْتَحَبَّانِ
[فَائِدَةٌ الْقَوْل بِنَفْيِ اسْتِحْبَابِ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ]
1
(الْخَامِسَةُ) الَّذِينَ قَالُوا بِنَفْيِ اسْتِحْبَابِ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ حَمَلُوا قَوْلَهُ لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ مُسْتَحَبَّانِ وَاَلَّذِينَ قَالُوا بِاسْتِحْبَابِهِمَا أَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمَعْنَى لَا فَرَعَ وَاجِبٌ وَلَا عَتِيرَةَ وَاجِبَةٌ وَهَذَا تَأْوِيلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله كَمَا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
تَقَدَّمَ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ وَعَلَى جَوَابِ الْأَوَّلِينَ النَّهْيُ الَّذِي فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَجِيءُ مَعَهُ نَفْيُ الْوُجُوبِ وَلَا الِاسْتِحْبَابِ وَلَعَلَّ رَاوِيَهُ رَوَى بِالْمَعْنَى فِي ظَنِّهِ فَأَخْطَأَ؛ ظَنَّ أَنَّ مَعْنَى النَّفْيِ النَّهْيَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ نَفْيُ الِاسْتِحْبَابِ أَوْ الْوُجُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(ثَانِيهَا) أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمَا لَيْسَا كَالْأُضْحِيَّةِ فِي الِاسْتِحْبَابِ الْمُتَأَكِّدِ أَوْ فِي ثَوَابِ إرَاقَةِ الدَّمِ فَأَمَّا تَفْرِقَةُ اللَّحْمِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَبِرٌّ وَصَدَقَةٌ.
(ثَالِثُهَا) أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ مَا كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِأَصْنَامِهِمْ فَأَمَّا الذَّبِيحَةُ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهَا لِلْأَصْنَامِ فَلَا بَأْسَ بِهَا.
(السَّادِسَةُ) النِّتَاجُ بِكَسْرِ النُّونِ وَقَوْلُهُ يُنْتَجُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ عَلَى صِيغَةِ الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَأَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ فَإِنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا بِهَذِهِ الصِّيغَةِ وَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ يُقَالُ نَتَجَتْ النَّاقَةُ إذَا وَلَدَتْ وَقَوْلُهُ (وَفَصَلَهُ) أَبُو دَاوُد بِتَخْفِيفِ الصَّادِ (وَالطَّوَاغِيتُ) هُنَا الْمُرَادُ بِهَا الْأَصْنَامُ وَمُفْرَدُهُ طَاغُوتٌ وَهُوَ مَقْلُوبٌ لِأَنَّهُ مِنْ طَغَى وَالطُّغْيَانُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ وَقَوْلُهُ (نَعْتِرُ) بِكَسْرِ التَّاءِ وَقَوْلُهُ (وَبَرُّوا اللَّهَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ أَطِيعُوهُ وَقَوْلُهُ (نَفْرَعُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ.
(السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «فِي كُلِّ سَائِمَةٍ فَرَعٌ» السَّائِمَةُ الرَّاعِيَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ لِذَلِكَ عَدَدًا وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي قِلَابَةَ رَاوِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ السَّائِمَةُ مِائَةٌ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَيْضًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ شَاةٍ شَاةٌ» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَبِلَفْظٍ آخَرَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْفَرَعَةِ مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ وَاحِدَةٌ» . وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ بِلَفْظِ «أَمَرَ بِالْفَرَعِ فِي كُلِّ خَمْسَةٍ وَاحِدَةٌ» . وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ
ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ السَّائِمَةِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَقَيَّدَ ذَلِكَ بِهَا كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَفِي هَذَا اسْتِحْبَابُ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ أَوْ خَمْسِينَ أَوْ خَمْسٍ بِوَاحِدَةٍ وَهَذَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى الزَّكَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ (تَغْذُوهُ مَاشِيَتُك) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ تُرْضِعُهُ مَاشِيَتُك وَهِيَ أُمُّهُ لِاحْتِيَاجِهِ لِلرَّضَاعَةِ.
وَقَوْلُهُ (اسْتَحْمَلَ) بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ قَوِيَ عَلَى الْحَمْلِ وَأَطَاقَهُ وَهُوَ اسْتَفْعَلَ مِنْ الْحَمْلِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ تَأْخِيرَ ذَبْحِ الْفَرَعِ إلَى أَنْ يَكْمُلَ وَيَشْبَعَ مِنْ لَبَنِ أُمِّهِ وَيَجِيءَ وَقْتُ الْحَمْلِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ الْمُبَادَرَةِ لِذَبْحِهِ فِي أَوَّلِ وِلَادَتِهِ وَخَصَّ ابْنَ السَّبِيلِ لِشِدَّةِ