الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحَجٍّ مُفْرَدٍ» وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادِ الصَّحِيحِ «أَفْرَدَ الْحَجَّ» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ» وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «تَمَتَّعْنَا مَعَ
ــ
[طرح التثريب]
أَوْ غَيْرِهِ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِ تَأْدِيَةِ نُسُكِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِكُلِّ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ الْإِفْرَادُ وَالتَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ، وَذَكَرَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ نَوْعَيْنِ آخَرَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) الْإِطْلَاقُ وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِنُسُكٍ مُطْلَقًا ثُمَّ يَصْرِفُهُ إلَى مَا شَاءَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ كِلَيْهِمَا (وَالثَّانِي) التَّعْلِيقُ وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِإِحْرَامٍ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ وَلَا يَرُدُّ عَلَى مَا حَكَيْته مِنْ الْإِجْمَاعِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا نَهَيَا عَنْ التَّمَتُّعِ فَلِأَصْحَابِنَا عَنْ ذَلِكَ جَوَابَانِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُمَا نَهَيَا عَنْهَا تَنْزِيهًا وَحَمَلَا النَّاسَ عَلَى مَا هُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْإِفْرَادُ لَا أَنَّهُمَا يَعْتَقِدَانِ بُطْلَانَ التَّمَتُّعِ، وَكَيْفَ يَظُنُّ بِهِمَا هَذَا مَعَ عِلْمِهِمَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] .
(ثَانِيهُمَا) أَنَّهُمَا نَهَيَا عَنْ التَّمَتُّعِ الَّذِي فَعَلَتْهُ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم فِي حَجَّةِ الْوَادِعِ وَهُوَ فَسْخُ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ كَانَ خَاصًّا لَهُمْ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مَنْ يَقْتَضِي كَلَامُهُ أَنَّ مَذْهَبَ عُمَرَ رضي الله عنه بُطْلَانُ التَّمَتُّعِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَيْهِ بَلْ الْمُخْتَارُ فِي مَذْهَبِهِ مَا قَدَّمْته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَشَذَّ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فَقَالَ إنَّهُ يَتَعَيَّنُ التَّمَتُّعُ عَلَى مَنْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ وَالْقِرَانُ عَلَى مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ، وَلَا يَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرُ ذَلِكَ.
[فَائِدَة حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَلْ كَانَ مُفْرِدًا أَمْ مُتَمَتِّعًا أَمْ قَارِنًا]
1
(الثَّالِثَةُ) فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام عَامَ حَجَّتِهِ أَفْرَدَ الْحَجَّ وَكَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَتَى بِالْحَجِّ وَحْدَهُ» . وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ «أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «أَهَلَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ» . وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ «أَقْبَلْنَا مُهَلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحَجٍّ مُفْرَدٍ» وَفِي لَفْظٍ لَهُ «بِالْحَجِّ خَالِصًا
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَمَتَّعْنَا مَعَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ «قَرَنَ» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ «جَمَعَ بَيْنَهُمَا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ» وَلِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ «إنِّي سُقْتُ
ــ
[طرح التثريب]
وَحْدَهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «لَسْنَا نَنْوِي إلَّا الْحَجَّ» وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادِ الصَّحِيحِ «أَفْرَدَ الْحَجَّ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ» . وَوَرَدَ فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ «أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا» فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَادِعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ» الْحَدِيثَ. وَفِيهِ «وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ» الْحَدِيثَ
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ «أَنَّهُ أَهَلَّ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فَأَمَرَنِي فَطُفْت بِالْبَيْتِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَمَرَنِي فَأَحْلَلْت» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ «تَمَتَّعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَتَمَتَّعْنَا مَعَهُ» . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ «تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ قَارِنًا فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: «اخْتَلَفَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ وَهُمَا بِعُسْفَانَ فِي الْمُتْعَةِ فَقَالَ مَا تُرِيدُ إلَّا أَنْ تَنْهَى عَنْ أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «سَمِعْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهِ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ «قَرَنَ» وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عُمَرَ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ بِوَادِي الْعَقِيقِ «أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ قُلْت لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -
الْهَدْيَ وَقَرَنْت» وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مِثْلُهُ وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ سُرَاقَةَ «قَرَنَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ «جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ» وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي قَتَادَةَ مِثْلُهُ وَلِلْبَرَاءِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى مِثْلُهُ
ــ
[طرح التثريب]
مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِك قَالَ إنِّي قَلَّدْت هَدْيِي وَلَبَّدْت رَأْسِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنْ الْحَجِّ» .
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَمِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «أَنِّي سُقْت الْهَدْيَ وَقَرَنْت» .
وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مِثْلِهِ وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ سُرَاقَةَ «قَرَنَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» .
وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ «جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ» وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي قَتَادَةَ مِثْلُهُ وَلِلْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى مِثْلُهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ طَعَنَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْجُهَّالِ وَنَفَرٌ مِنْ الْمُلْحِدِينَ فِي الْأَحَادِيثِ وَالرُّوَاةِ حَيْثُ اخْتَلَفُوا فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَلْ كَانَ مُفْرِدًا أَمْ مُتَمَتِّعًا أَمْ قَارِنًا وَهِيَ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ وَأَفْعَالُهَا مُخْتَلِفَةٌ وَلَوْ يُسِّرُوا لِلتَّوْفِيقِ وَأُعِينُوا بِحُسْنِ الْمَعْرِفَةِ لَمْ يُنْكِرُوا ذَلِكَ وَلَمْ يَدْفَعُوهُ.
وَقَدْ أَنْعَمَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله بَيَانَ هَذَا فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وُجُودُ الْكَلَامِ فِيهِ وَفِي اقْتِصَاصِ كُلِّ مَا قَبْلَهُ تَطْوِيلٌ وَلَكِنَّ الْوَجِيزَ الْمُخْتَصَرَ مِنْ جَوَامِعِ مَا قَالَ: أَنَّ مَعْلُومًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ جَوَازُ إضَافَةِ الْفِعْلِ إلَى الْأَمْرِ بِهِ كَجَوَازِ إضَافَتِهِ إلَى الْفَاعِلِ كَقَوْلِك بَنَى فُلَانٌ دَارًا إذَا أَمَرَ بِبِنَائِهَا وَضَرَبَ الْأَمِيرُ فُلَانًا إذَا أَمَرَ بِضَرْبِهِ «وَرَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَاعِزًا وَقَطَعَ سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ» .
وَإِنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ الْقَارِنُ وَالْمُفْرِدُ وَالْمُتَمَتِّعُ وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَأْخُذُ عَنْهُ أَمْرَ نُسُكِهِ وَيَصْدُرُ عَنْ تَعْلِيمِهِ فَجَازَ أَنْ تُضَافَ كُلُّهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا وَأَذِنَ فِيهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَيُحْتَمَلُ: أَنَّ بَعْضَهُمْ سَمِعَهُ يَقُولُ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ فَحَكَى أَنَّهُ أَفْرَدَ وَخَفِيَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَعُمْرَةٍ فَلَمْ يَحْكِ إلَّا مَا سَمِعَ وَسَمِعَ أَنَسٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَغَيْرَهُ الزِّيَادَةَ وَهِيَ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَلَا يُنْكَرُ قَبُولُ الزِّيَادَةِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ التَّنَاقُضُ لَوْ كَانَ الزَّائِدُ نَافِيًا لِقَوْلِ صَاحِبِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مُثْبَتًا لَهُ وَزَائِدًا عَلَيْهِ فَلَيْسَ فِيهِ تَنَاقُضٌ.
قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي سَمِعَهُ يَقُولُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيمِ فَيَقُولُ لَهُ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ عَلَى سَبِيلِ التَّلْقِينِ فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ فِي الظَّاهِرِ لَيْسَ فِيهَا تَكَاذُبٌ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا سَهْلٌ كَمَا ذَكَرْنَا.
وَقَدْ رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ إحْرَامًا مَوْقُوفًا وَخَرَجَ يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ وَهُوَ عَلَى الصَّفَا فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهُ عُمْرَةً وَأَمَرَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَحُجَّ» انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: قَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَأَوْسَعُهُمْ نَفْسًا فِي ذَلِكَ الطَّحَاوِيُّ فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ فِي زِيَادَةٍ عَلَى أَلْفِ وَرَقَةٍ وَتَكَلَّمَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ ثُمَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ ثُمَّ الْمُهَلَّبُ وَالْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْمُرَابِطِ وَالْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ وَأَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمْ.
وَأَوْلَى مَا يُقَالُ فِي هَذَا عَلَى مَا فَحَصْنَاهُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَاخْتَرْنَاهُ مِنْ اخْتِيَارَاتِهِمْ مِمَّا هُوَ أَجْمَعُ لِلرِّوَايَاتِ وَأَشْبَهُ بِمَسَاقِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَبَاحَ لِلنَّاسِ فِعْلَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ لِيَدُلَّ عَلَى جَوَازِ جَمِيعِهَا إذْ لَوْ أَمَرَ بِوَاحِدٍ لَكَانَ غَيْرُهُ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فَأُضِيفَ الْجَمِيعُ إلَيْهِ وَأَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ وَأَبَاحَهُ لَهُ وَنَسَبَهُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إمَّا لِأَمْرِهِ بِهِ وَإِمَّا لِتَأْوِيلِهِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إحْرَامُهُ صلى الله عليه وسلم بِنَفْسِهِ فَأَخَذَ بِالْأَفْضَلِ فَأَحْرَمَ مُفْرِدًا لِلْحَجِّ تَظَاهَرَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ بِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا فَمَعْنَاهَا أَمَرَ بِهِ.
وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ بِأَنَّهُ كَانَ قَارِنًا فَإِخْبَارٌ عَنْ حَالَتِهِ الثَّانِيَةِ لَا عَنْ ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ بَلْ إخْبَارٌ عَنْ حَالِهِ حِينَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالتَّحَلُّلِ مِنْ حَجِّهِمْ وَقَلْبِهِ إلَى عُمْرَةٍ لِمُخَالِفَةِ الْجَاهِلِيَّةِ إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ وَكَانَ هُوَ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ فِي آخِرِ إحْرَامِهِمْ قَارِنِينَ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ أَرْدَفُوا الْحَجَّ بِالْعُمْرَةِ وَفَعَلَ ذَلِكَ مُوَاسَاةً لِأَصْحَابِهِ وَتَأْنِيسًا لَهُمْ فِي فِعْلِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِكَوْنِهَا كَانَتْ مُنْكَرَةً عِنْدَهُمْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَلُّلُ مَعَهُمْ بِسَبَبِ الْهَدْيِ وَاعْتَذَرَ إلَيْهِمْ بِذَلِكَ فِي تَرْكِ مُوَاسَاتِهِمْ فَصَارَ صلى الله عليه وسلم قَارِنًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
فِي آخِرِ أَمْرِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَشَذَّ بَعْضُ النَّاسِ فَمَنَعَهُ وَقَالَ لَا يَدْخُلُ إحْرَامٌ عَلَى إحْرَامٍ كَمَا لَا يَدْخُلُ صَلَاةٌ عَلَى صَلَاةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ فَجَوَّزَهُ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَمَنَعَهُ آخَرُونَ وَجَعَلُوا هَذَا خَاصًّا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِضَرُورَةِ الِاعْتِمَارِ حِينَئِذٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ.
قَالَ وَكَذَلِكَ يُتَأَوَّلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ كَانَ مُتَمَتِّعًا أَيْ تَمَتَّعَ بِفِعْلِهِ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفَعَلَهَا مَعَ الْحَجِّ لِأَنَّ لَفْظَ الْمُتْعَةِ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ فَانْتَظَمَتْ الْأَحَادِيثُ وَاتَّفَقَتْ قَالَ وَلَا يَبْعُدُ رَدُّ مَا وَرَدَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ فِعْلٍ مِثْلِ ذَلِكَ إلَى مِثْلِ هَذَا مَعَ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُمْ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ مُفْرِدًا فَيَكُونُ الْإِفْرَادُ إخْبَارًا عَنْ فِعْلِهِمْ أَوَّلًا وَالْقِرَانُ إخْبَارًا عَنْ إحْرَامِ الَّذِينَ مَعَهُمْ هَدْيٌ بِالْعُمْرَةِ ثَانِيًا وَالتَّمَتُّعُ لِفَسْخِهِمْ الْحَجَّ إلَى الْعُمْرَةِ ثُمَّ إهْلَالِهِمْ بِالْحَجِّ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْهَا كَمَا فَعَلَهُ كُلُّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ (قُلْت) نَقْلُهُ عَنْ الشَّافِعِيُّ جَوَازَ إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ هُوَ قَوْلُهُ الْقَدِيمُ لَكِنَّ الْجَدِيدَ الْمَعْمُولَ بِهِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ مَنْعَ ذَلِكَ الْآنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: إنَّهُ أَحْرَمَ إحْرَامًا مُطْلَقًا مُنْتَظِرًا مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ إفْرَادٍ أَوْ تَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ ثُمَّ أُمِرَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أُمِرَ بِالْعُمْرَةِ فِي وَادِي الْعَقِيقِ بِقَوْلِهِ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي وَقُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ قَالَ الْقَاضِي وَاَلَّذِي سَبَقَ أَبْيَنُ وَأَحْسَنُ فِي التَّأْوِيلِ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ: أَحْرَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إحْرَامًا مُطْلَقًا مُبْهَمًا لِأَنَّ رِوَايَةَ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ تَرُدُّهُ وَهِيَ مُصَرِّحَةٌ بِخِلَافِهِ اهـ.
وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فِي كِتَابٍ لَهُ صَنَّفَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَنَّ الرِّوَايَةَ مُخْتَلِفَةٌ عَنْ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فَرُوِيَ عَنْهُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِفْرَادِ لِلْحَجِّ وَمَا يَدُلُّ عَلَى التَّمَتُّعِ وَمَا يَدُلُّ عَلَى الْقِرَانِ حَاشَا جَابِرٌ فَإِنَّهُ إنَّمَا رَوَى عَنْهُ الْإِفْرَادَ وَالْقِرَانَ فَقَطْ ثُمَّ قَالَ فَأَمَّا عِنْدَ صِحَّةِ الْبَحْثِ وَتَحْقِيقِ النَّظَرِ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِمُضْطَرِبٍ بَلْ كُلُّهُ مُتَّفَقٌ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَنْ رَوَى الْقِرَانَ عِنْدَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ لِأَنَّ مَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ قَالَ أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَمَنْ رَوَى التَّمَتُّعَ قَالَ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ.
وَمَنْ رَوَى الْقِرَانَ زَادَ عَلَى الْأَوَّلِ عُمْرَةً وَعَلَى الثَّانِي حَجَّةً وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَأَيْضًا فَمَنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
رَوَى الْقِرَانَ مَنْ الصَّحَابَةِ لَمْ تَخْتَلِفْ الرِّوَايَةُ عَنْهُمْ وَمَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ وَالتَّمَتُّعَ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُمْ وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي الْأَحَادِيثِ شَيْءٌ مَرْفُوعٌ إلَّا الْقِرَانُ وَهُوَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ مَرْفُوعًا «إنِّي سُقْت الْهَدْيَ وَقَرَنْت» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ
وَلَمْ يَرْوِ لَفْظَ الْإِفْرَادِ عَنْ عَائِشَةَ إلَّا عُرْوَةَ وَالْقَاسِمُ وَرَوَى عَنْهَا الْقِرَانَ عُرْوَةُ أَيْضًا وَمُجَاهِدٌ وَلَيْسَ مُجَاهِدٌ دُونَ الْقَاسِمِ فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَا مَنْ رَوَى الْقِرَانَ لَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا أَصْلًا وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهَا أَفْرَدَ الْحَجَّ أَيْ لَمْ يَحُجَّ بَعْدَ فَرْضِ الْحَجِّ إلَّا حَجَّةً فَرْدَةً لَمْ يُثَنِّهَا بِأُخْرَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ سَمِعْته يُلَبِّي بِالْحَجِّ فَرَوَتْهُ وَلَمْ تَسْمَعْ ذِكْرَ الْعُمْرَةِ فَلَمْ تَرْوِ مَا لَمْ تَسْمَعْ ثُمَّ صَحَّ عِنْدَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَرَنَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ كَمَا رَوَى عَنْهَا عُرْوَةُ وَمُجَاهِدٌ.
وَأَمَّا عَمْرَةُ وَالْأَسْوَدُ فَلَمْ يَرْوِيَا عَنْهَا لَفْظَةَ الْإِفْرَادِ وَإِنَّمَا رَوَيَا عَنْهَا «أَهَلَّ بِالْحَجِّ» .
وَلَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ أَيْضًا فَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِمَا مَا يُوجِبُ الْإِفْرَادَ وَلَا مَا يُخَالِفُ مَنْ رَوَى عَنْهَا الْقِرَانَ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ مُهَلِّينَ بِالْحَجِّ» .
فَإِنَّمَا عَنَتْ أَصْحَابَهُ لَا إهْلَالَهُ وَلَمْ تَنْفِ أَيْضًا أَنَّهُ قَرَنَ إلَى الْحَجِّ عُمْرَةً فَقَوْلُ مَنْ زَادَ أَوْلَى وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ سَوَاءٌ بَلْ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ بَيَانُ مَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ عَنْ الْإِفْرَادِ ثُمَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ تَمَتَّعَ وَقَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي آخِرِ زَمَانِهِ» .
وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يُفْرِدُ الْحَجَّ وَاتَّفَقَ سَالِمٌ وَنَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَلَى الْقِرَانِ وَهُمَا أَوْثَقُ النَّاسِ فِيهِ.
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ جَابِرٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَفْرَدَ الْحَجَّ إلَّا الدَّرَاوَرْدِيُّ وَحْدَهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ وَهَذَا يَقِينًا مُخْتَصَرٌ مِنْ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ وَسَائِرُ النَّاسِ عَنْ جَابِرٍ إنَّمَا قَالُوا أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ أَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ حَاشَا مِنْ طَرِيقَيْنِ لَا يُعْتَدُّ بِهِمَا.
(إحْدَاهُمَا) مِنْ رِوَايَةِ مُطَرِّفِ بْنِ مُصْعَبٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَفْرَدَ الْحَجَّ» .
(وَالْأُخْرَى) مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَهُوَ مَجْهُولٌ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ كَذَلِكَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ إنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
كَانَ الطَّائِفِيُّ فَهُوَ سَاقِطٌ أَلْبَتَّةَ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ فَلَا أَدْرِي مَنْ هُوَ وَأَمَّا سَائِرُ الرُّوَاةِ الثِّقَاتِ فَقَالُوا كَمَا قَدَّمْنَا وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ أَهَلَّ مَعَهُ بِعُمْرَةٍ أَيْضًا وَلَكِنَّهُ سَكَتَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ ذِكْرِهَا وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يُحَدِّثَ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِكُلِّ مَا سَمِعَ.
وَقَدْ قَالَ عليه السلام «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ» فَقَوْلُ الْقَائِلِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ يَقْتَضِي الْعُمْرَةَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَمْ يُقَلْ الرَّاوِي أَفْرَدَ الْحَجَّ وَأَهَلَّ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ وَيَشُدُّ هَذَا مَا أَوْرَدْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَرَنَ مَعَ حَجَّتِهِ عُمْرَةً» .
وَالْأَظْهَرُ فِيمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ عليه السلام أَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ» إنَّمَا أَرَادَ إهْلَالَهُ بِقَوْلِهِ «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ» فَصَحَّ أَنَّهُ عَنَى بِالتَّوْحِيدِ هَذِهِ التَّلْبِيَةَ إلَّا إفْرَادَ الْحَجِّ وَصَحَّ أَنَّ قَوْلَ الدَّرَاوَرْدِيِّ أَفْرَدَ الْحَجَّ إنَّمَا هُوَ اخْتِصَارٌ مِنْهُ وَظَنٌّ لَا مِنْ قَوْلِ جَابِرٍ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ.
وَيُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «أَنَّهُ عليه السلام أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ» .
ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُحِلَّ مِنْهَا وَهَذِهِ صِفَةُ الْقِرَانِ وَهَكَذَا مَعْنَى حَدِيثِهِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَأَنْتَ إذَا أَضَفْت قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْعَالِيَةِ وَأَبِي حَسَّانَ عَنْهُ «أَنَّهُ عليه السلام أَهَلَّ بِالْحَجِّ» إلَى قَوْلِ مُسْلِمٍ الْقَوِيِّ عَنْهُ «أَنَّهُ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ» صَحَّ الْقِرَانُ يَقِينًا وَصَدَقَتْ كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ وَلَا يَصِحُّ غَيْرُ هَذَا إلَّا بِتَكْذِيبِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَبِهَذَا يَتَآلَفُ جَمِيعُ الرِّوَايَاتِ وَيَصِحُّ تَصْدِيقُ جَمِيعِهَا وَإِضَافَةُ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ قَالَ فَوَهَتْ رِوَايَاتُ الْإِفْرَادِ وَسَقَطَتْ كُلُّهَا ثُمَّ عُدْنَا إلَى الرِّوَايَاتِ فَوَجَدْنَا عَائِشَةَ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا وَابْنَ عُمَرَ وَعِمْرَانَ وَابْنَ عَبَّاسٍ ذَكَرُوا «أَنَّهُ عليه السلام تَمَتَّعَ» .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ «وَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ» ثُمَّ لَمَّا فَسَّرُوا أَقْوَالَهُمْ فِي ذَلِكَ أَتَوْا بِصِفَةِ الْقِرَانِ وَذَكَرُوا أَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ حَتَّى أَتَمَّ جَمِيعَ عَمَلِ الْحَجِّ وَصَدَرَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إلَى مِنًى فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا احْتَمَلَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ عُثْمَانَ وَسَعْدٍ فِي التَّمَتُّعِ أَنَّهُمَا عَنَيَا بِذَلِكَ الْقِرَانَ مَعَ شُهْرَةِ قَوْلِهِ «لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا سُقْت الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً» .
وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّهُ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ ثُمَّ أَحَلَّ مِنْهَا وَأَهَلَّ بِالْحَجِّ فَصَارَ مُتَمَتِّعًا فَلَمَّا وَهَتْ رِوَايَاتُ التَّمَتُّعِ أَيْضًا وَبَطَلَ الْإِفْرَادُ وَالتَّمَتُّعُ لَمْ يَبْقَ إلَّا رِوَايَاتُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
الْقِرَانِ فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِهَا وَثَبَتَتْ صِحَّتُهَا إذْ مَنْ وَصَفَ الْقِرَانِ لَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا أَلْبَتَّةَ وَكَانَ الرُّوَاةُ لِلْقِرَانِ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ سِتَّةٌ مَدَنِيُّونَ وَوَاحِدٌ مَكِّيٌّ وَاثْنَانِ بَصْرِيَّانِ وَثَلَاثَةٌ كُوفِيُّونَ وَبِدُونِ هَذَا النَّقْلِ تَصِحُّ الْأَخْبَارُ صِحَّةً تَرْفَعُ الشَّكَّ وَتُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ فَصَحَّ بِذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ وَكَانَتْ سَائِرُ الرِّوَايَاتِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا مَنْ ادَّعَى الْإِفْرَادَ وَالتَّمَتُّعَ غَيْرَ مُخَالِفَةٍ لِرِوَايَةِ الَّذِينَ رَوَوْا الْقِرَانَ وَلَا دَافِعَةً لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ قَالَ وَالِدِي رحمه الله فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَعَلَيْهِ مُؤَاخَذَاتٌ:
(مِنْهَا) قَوْلُهُ أَنَّ الدَّرَاوَرْدِيَّ انْفَرَدَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ بِقَوْلِهِ أَفْرَدَ الْحَجَّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ كَمَا هُوَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَعْفٌ وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ ابْنُ حِبَّانَ فِي فَوَائِدِ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَفْرَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْحَجَّ» . ثُمَّ قَالَ وَالِدِي وَهَذَا الَّذِي جَمَعَ بِهِ ابْنُ حَزْمٍ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ «أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ» . وَهَذَا مُنَافٍ لِإِحْرَامِهِ بِهِمَا مَعًا فِي أَوَّلِ دُفْعَةٍ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بَعْدَ ذِكْرِهِ أَنَّ ابْنَ حَزْمٍ اخْتَارَ الْقِرَانَ وَتَأَوَّلَ بَاقِيَ الْأَحَادِيثِ، وَتَأْوِيلُ بَعْضِهَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ فِيمَا قَالَهُ وَالصَّوَابُ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَحْرَمَ أَوَّلًا بِالْحَجِّ مُفْرِدًا ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ فَصَارَ قَارِنًا فَمَنْ رَوَى أَنَّهُ كَانَ مُفْرِدًا وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ اعْتَمَدَ أَوَّلَ الْإِحْرَامِ وَمَنْ رَوَى قَارِنًا اعْتَمَدَ آخِرَهُ. وَمَنْ رَوَى مُتَمَتِّعًا أَرَادَ التَّمَتُّعَ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ وَالِالْتِذَاذُ وَقَدْ انْتَفَعَ بِأَنْ كَفَاهُ عَنْ النُّسُكَيْنِ فِعْلٌ وَاحِدٌ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى إفْرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ بِعَمَلٍ قَالَ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْته أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَعْتَمِرْ تِلْكَ السَّنَةَ عُمْرَةً مُفْرَدَةً لَا قَبْلَ الْحَجِّ وَلَا بَعْدَهُ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنْ إفْرَادِ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ عُمْرَةٍ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ جَعَلْت حَجَّتَهُ مُفْرَدَةً لَزِمَ مِنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ اعْتَمَرَ تِلْكَ السَّنَةَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الْحَجَّ وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ، قُلْت سَيَأْتِي عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْمُتَوَلِّي تَرْجِيحُ الْإِفْرَادِ وَلَوْ لَمْ يَعْتَمِرْ تِلْكَ السَّنَةَ. وَمِنْ