الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ لَهُ ارْكَبْهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا بَدَنَةٌ، فَقَالَ ارْكَبْهَا وَيْلَك فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ» وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «رَأَى رَجُلًا يَسُوقَ بَدَنَةً وَقَدْ جَهِدَهُ الْمَشْيُ» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إذَا أُلْجِئْت إلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا»
ــ
[طرح التثريب]
الثَّانِيَةُ} الْمُرَادُ بِالْبُدْنِ هُنَا الْوَاحِدَةُ مِنْ الْإِبِلِ الْمُهْدَاةِ إلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَيَقَعُ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِالِاتِّفَاقِ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلًا إنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْأُنْثَى وَرَدَّهُ؛ وَهَلْ تَخْتَصُّ فِي أَصْلِ وَضْعِهَا بِالْإِبِلِ أَمْ تُسْتَعْمَلُ فِيهَا وَفِي الْبَقَرِ أَمْ فِيهَا وَفِي الْغَنَمِ؟ فِيهِ خِلَافٌ تَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَةِ فِي الْحَدِيثِ الرَّابِعِ، وَلَوْ اُسْتُعْمِلَتْ الْبَدَنَةُ هُنَا فِي أَصْلِ مَدْلُولِهَا لَمْ يَحْصُلْ الْجَوَابُ بِقَوْلِهِ إنَّهَا بَدَنَةٌ لِأَنَّ كَوْنَهَا مِنْ الْإِبِلِ مُشَاهَدٌ مَعْلُومٌ وَاَلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ خَفِيَ مِنْ أَمْرِهَا كَوْنُهَا هَدْيًا فَدَلَّ بِقَوْلِهِ إنَّهَا بَدَنَةٌ عَلَى أَنَّهَا مُهْدَاةٌ وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى بَدَنَةٌ بِالرَّفْعِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هِيَ بَدَنَةٌ {الثَّالِثَةُ} وَالْمُرَادُ بِالتَّقْلِيدِ أَنْ يُعَلَّقَ فِي أَعْنَاقِهَا مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى إهْدَائِهَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ.
[فَائِدَةٌ رُكُوبِ الْهَدْيِ]
1
{الرَّابِعَةُ} فِيهِ جَوَازُ رُكُوبِ الْهَدْيِ وَقَدْ قَسَّمَ أَصْحَابُنَا الْهَدْيَ إلَى مُتَطَوَّعٍ بِهِ وَمَنْذُورٍ (فَالْأَوَّلُ) بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمُهْدَى لَهُ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا يَشَاءُ (وَالثَّانِي) خَارِجٌ عَنْ مِلْكِهِ بِالنَّذْرِ وَفِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ وَلَمَّا لَمْ يَسْتَفْصِلْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَاحِبُ هَذَا الْهَدْيِ عَنْ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ وَأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ رُكُوبُهُ فِي الْحَالَتَيْنِ وَالْخِلَافُ الَّذِي فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ مَذَاهِبُ:
(أَحَدُهَا) الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَهَذَا هُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الضَّحَايَا وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَالْقَفَّالِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَكَذَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحَيْ مُسْلِمٍ وَالْمُهَذَّبِ عَنْهُمْ وَعَنْ مَالِكٍ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
فِي رِوَايَةٍ وَعَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَصَرَّحَ عَنْهُمَا بِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْتَرِطَا مِنْهُ حَاجَةً إلَيْهِمَا.
(الثَّانِي) الْجَوَازُ بِشَرْطِ الِاحْتِيَاجِ لِذَلِكَ وَلَا يَرْكَبُهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ تَصْرِيحِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبِ الْبَيَانِ وَآخَرِينَ قَالَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ يَرْكَبُ الْهَدْيَ إذَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ أَنَّ تَجْوِيزَ الرُّكُوبِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ خِلَافُ النَّصِّ قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ الْإِسْنَوِيُّ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْقَادِرِ عَلَى الْمَشْيِ إذَا رَكِبَ مُتَرَفَّهًا كَكَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ وَلَا لِلْقَادِرِ عَلَى غَيْرِهَا بِمِلْكٍ أَوْ إجَارَةٍ وَفِي الْإِعَارَةِ نَظَرٌ اهـ. وَتَقْيِيدُ الْجَوَازِ بِشَرْطِ الْحَاجَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، قَالَ ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ وَلَا يَرْكَبُهَا إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى رُكُوبِهَا فَيَرْكَبَهَا ثُمَّ يَنْزِلَ إذَا اسْتَرَاحَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا رَكِبَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَنْزِلَ وَإِنْ اسْتَرَاحَ انْتَهَى وَكَأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ اعْتَبَرَ الْحَاجَةَ فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الدَّوَامِ وَجَزَمَ الْمَجْدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ بِجَوَازِ رُكُوبِهَا مَعَ الْحَاجَةِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِهَا وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَجَمَاعَةٌ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءِ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٍ وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ {الثَّالِثُ} الْجَوَازُ بِشَرْطِ الِاضْطِرَارِ لِذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ الَّذِي قَدَّمْتُ ذِكْرَهُ وَإِنْ كَانَ النَّوَوِيُّ اسْتَشْهَدَ بِهِ لِلتَّجْوِيزِ بِشَرْطِ الْحَاجَةِ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الضَّرُورَةَ أَشَدُّ مِنْ الْحَاجَةِ وَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرْكَبُهَا إذَا اُضْطُرَّ رُكُوبًا غَيْرَ قَادِحٍ وَلَا يَرْكَبُهَا إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ، وَكَذَا حَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَجَزَمَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ وَمَنْ سَاقَ بَدَنَةً فَاضْطُرَّ إلَى رُكُوبِهَا رَكِبَهَا وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا لَمْ يَرْكَبْهَا لَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى رُكُوبِهَا وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا مُحْتَاجًا انْتَهَى وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الضَّرُورَةَ وَالْحَاجَةَ عِنْدَهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ هُنَا وَيُوَافِقُ التَّعْبِيرَ بِالضَّرُورَةِ كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ بَعْدَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
حِكَايَةِ الْمَذْهَبَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ قَالَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرْكَبُهَا إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ مِنْهُ بُدًّا وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا يَرْكَبُهَا وَإِنْ احْتَاجَ وَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ بُدًّا حَمَلَ عَلَيْهِ وَرَكِبَهُ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ لَا يَرْكَبُ الْبَدَنَةَ وَلَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا إلَّا مِنْ أَمْرٍ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ كَرَاهِيَةُ رُكُوبِ الْهَدْيِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ {الرَّابِعُ} مَنْعُ رُكُوبِهَا مُطْلَقًا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ فِي قَوْلِهِ {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج: 36] قَالَ الْوَلَدُ وَاللَّبَنُ وَالرُّكُوبُ فَإِذَا سُمِّيَتْ بُدْنًا ذَهَبَتْ الْمَنَافِعُ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الحج: 33] قَالَ فِي أَلْبَانِهَا وَظُهُورِهَا وَأَوْبَارِهَا حَتَّى تُسَمَّى بُدْنًا فَإِذَا سُمِّيَتْ بُدْنًا فَمَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ {الْخَامِسُ} وُجُوبُ رُكُوبِهَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ فَمَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا تَمَسَّكَ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمَرَ بِذَلِكَ وَالْأَمْرُ هُنَا لِلْإِبَاحَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَمَنْ قَيَّدَ الْجَوَازَ بِالْحَاجَةِ أَوْ الضَّرُورَةِ قَالَ هَذِهِ وَاقِعَةٌ مُحْتَمَلَةٌ وَقَدْ دَلَّتْ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَلَى أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَ مُحْتَاجًا لِلرُّكُوبِ أَوْ مُضْطَرًّا لَهُ رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً وَقَدْ جَهِدَهُ الْمَشْيُ قَالَ ارْكَبْهَا» الْحَدِيثَ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ فَقَالَ «سَمِعْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إذَا أُلْجِئْت إلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِدُونِ قَوْلِهِ إذَا أُلْجِئْت إلَيْهَا وَمَنْ مَنَعَ مُطْلَقًا فَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ وَلَعَلَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ بِهَذَا الْمَذْهَبِ وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ الثَّوْرِيِّ ذَهَبَتْ الْمَنَافِعُ أَيْ بِالْمِلْكِ وَإِنْ بَقِيَتْ بِالِارْتِفَاقِ، وَمَنْ أَوْجَبَ فَإِنَّهُ حَمَلَ الْأَمْرَ عَلَى الْوُجُوبِ، وَوَجْهُهُ أَيْضًا مُخَالَفَةُ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ عَلَيْهِ مِنْ إكْرَامِ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِي وَإِهْمَالِهَا بِلَا رُكُوبٍ، وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَهْدَى وَلَمْ يَرْكَبْ هَدْيَهُ وَلَمْ يَأْمُرْ النَّاسَ بِرُكُوبِ الْهَدَايَا» وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْخِلَافَ فِي الْهَدْيِ الْوَاجِبِ وَالتَّطَوُّعِ {الْخَامِسَةُ} مَحَلُّ جَوَازِ رُكُوبِ الْهَدْيِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِهِ الرُّكُوبُ وَهَذَا