الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ
عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ؛ قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ تَكْرَارُ التَّرَحُّمِ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا فَلَمَّا كَانَتْ الرَّابِعَةُ قَالَ «وَالْمُقَصِّرِينَ»
ــ
[طرح التثريب]
أَنَّ النَّاسَ إلَّا مَنْ ذَكَرَتْ عَائِشَةُ مِمَّنْ كَانَ يُهِلُّ لِمَنَاةَ كَانُوا يَطُوفُونَ كُلُّهُمْ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ فِي الْقُرْآنِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نَطُوفُ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ فَلَمْ يَذْكُرْ الصَّفَا فَهَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَجٍ أَنْ نَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] الْآيَةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَاسْمَعْ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْفَرِيقَيْنِ كِلَاهُمَا فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْجَاهِلِيَّةِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَاَلَّذِينَ كَانُوا يَطُوفُونَ ثُمَّ تَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِمَا فِي الْإِسْلَامِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّفَا حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَرِيبٌ مِنْهُ
[بَابُ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ]
[حَدِيث اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ]
{بَابُ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ} عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ» .
(فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ رَحِمَ اللَّهُ
وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ الْحُصَيْنِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ ظَاهَرْتَ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ وَاحِدَةً؟ قَالَ إنَّهُمْ لَمْ يَشُكُّوا زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ» .
ــ
[طرح التثريب]
الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ» . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَحْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَقَالَ فِيهِ فَلَمَّا كَانَتْ الرَّابِعَةُ قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ وَذَكَرَهَا الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا فَقَالَ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ وَقَالَ فِي الرَّابِعَةِ وَالْمُقَصِّرِينَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ «حَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَلَقَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ» . وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ مِنْهُ تَعْلِيقًا {الثَّانِيَةُ} قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَكَذَا هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا عَنْ مَالِكٍ وَكَذَا رَوَاهُ سَائِرُ أَصْحَابِ نَافِعٍ لَمْ يَذْكُرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَهُوَ تَقْصِيرٌ وَحَذْفٌ وَالْمَحْفُوظُ أَنَّ دُعَاءَهُ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً إنَّمَا جَرَى يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صُدَّ عَنْ الْبَيْتِ فَنَحَرَ وَحَلَقَ وَدَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ وَهَذَا مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ مَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَحَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ وَغَيْرِهِمْ ثُمَّ بَسَطَ ذَلِكَ. وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ وَقَالَ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي الْبَابِ خِلَافَ مَا قَالُوهُ فَذَكَرَ مَنْ عِنْدَ مُسْلِمٍ حَدِيثَ يَحْيَى بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ جَدَّتِهِ أَنَّهَا «سَمِعَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ دَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً وَاحِدَةً» .
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ كَانَ أَكْثَرُ مَنْ أَحْرَمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الصَّحَابَةِ لَيْسَ مَعَهُمْ هَدْيٌ وَكَانَ صلى الله عليه وسلم قَدْ سَاقَ الْهَدْيَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَإِنَّهُ لَا يَحْلِقُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ فَلَمَّا أَمَرَ مَنْ لَيْسَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَحِلَّ وَجَدُوا مِنْ ذَلِكَ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَحَبُّوا أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي الْمُقَامِ عَلَى إحْرَامِهِمْ حَتَّى يُكْمِلُوا الْحَجَّ وَكَانَتْ طَاعَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى بِهِمْ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُدٌّ مِنْ الْإِحْلَالِ كَانَ الْقَصْرُ فِي نُفُوسِهِمْ أَخَفَّ مِنْ الْحَلْقِ فَمَالُوا إلَى الْقَصْرِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ أَخَّرَهُمْ فِي الدُّعَاءِ وَقَدَّمَ عَلَيْهِمْ مَنْ حَلَقَ وَبَادَرَ إلَى الطَّاعَةِ وَقَصَّرَ بِمَنْ تَهَيَّبَهُ وَحَادَ عَنْهُ ثُمَّ جَمَعَهُمْ فِي الدَّعْوَةِ وَعَمَّهُمْ بِالرَّحْمَةِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لَعَلَّهُ وَقَعَ فِيهِمَا مَعًا وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَقَدْ كَانَ فِي كِلَا الْوَقْتَيْنِ تَوَقُّفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الْحَلْقِ أَمَّا الْحُدَيْبِيَةُ فَلِأَنَّهُ عَظُمَ عَلَيْهِمْ الرُّجُوعُ قَبْلَ تَمَامِ مَقْصُودِهِمْ مِنْ الدُّخُولِ إلَى مَكَّةَ وَكَمَالِ نُسُكِهِمْ وَأَمَّا فِي الْحَجِّ فَلِأَنَّهُ شَقَّ عَلَيْهِمْ فَسْخُ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ وَمَنْ قَصَّرَ شَعْرَهُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الْحَلْقِ إذْ هُوَ يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِلشَّيْءِ وَكَرَّرَ الدُّعَاءَ، لِلْمُحَلِّقِينَ لِأَنَّهُمْ بَادَرُوا إلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ وَأَتَمُّوا فِعْلَ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الْحَلْقِ وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فَقَالَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشُكُّوا (قُلْت) رَوَى ذَلِكَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ ظَاهَرْت لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ وَاحِدَةً؟ قَالَ إنَّهُمْ لَمْ يَشُكُّوا» . وَقَالَ وَالِدِي رحمه الله إسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَفِيهِ زِيَادَةٌ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ «حَلَقَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ إلَّا رَجُلَيْنِ قَصَّرَا وَلَمْ يَحْلِقَا» . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُمَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَأَبُو قَتَادَةَ
{الثَّالِثَةُ} التَّحْلِيقُ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ مِنْ حَلْقِ الشَّعْرِ وَالْمُرَادُ حَلْقَهُ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَالتَّقْصِيرُ الْأَخْذُ مِنْ أَطْرَافِ الشَّعْرِ بِدُونِ اسْتِئْصَالٍ.
{الرَّابِعَةُ} فِيهِ الِاكْتِفَاءٌ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِالْحَلْقِ عَلَى انْفِرَادِهِ وَالتَّقْصِيرُ عَلَى انْفِرَادِهِ وَأَنَّ الْأَفْضَلَ الْحَلْقُ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ إلَّا أَنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ حَكَى عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَلْزَمُهُ الْحَلْقُ فِي أَوَّلِ حَجَّةٍ وَلَا يُجْزِئُهُ لِلتَّقْصِيرِ، فَقَالَ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ التَّقْصِيرَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
يُجْزِئُ إلَّا شَيْءٌ ذُكِرَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يُوجِبُ الْحَلْقَ فِي أَوَّلِ حَجَّةٍ يَحُجُّهَا الْإِنْسَانُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا إنْ صَحَّ عَنْهُ مَرْدُودٌ بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ (قُلْتُ) رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ فِي الَّذِي لَمْ يَحُجَّ قَطُّ إنْ شَاءَ حَلَقَ وَإِنْ شَاءَ قَصَّرَ وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَ إذَا حَجَّ الرَّجُلُ أَوَّلَ حُجَّةٍ، حَلَقَ وَإِنْ حَجَّ مَرَّةً أُخْرَى إنْ شَاءَ حَلَقَ وَإِنْ شَاءَ قَصَّرَ، وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ وَإِذَا اعْتَمَرَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَحُجَّ قَطُّ فَإِنْ شَاءَ حَلَقَ وَإِنْ شَاءَ قَصَّرَ، وَإِنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا قَصَّرَ ثُمَّ حَلَقَ ثُمَّ رَوَى عَنْهُ أَيْضًا كَانُوا يُحِبُّونَ أَنْ يَحْلِقُوا فِي أَوَّلِ حَجَّةٍ وَأَوَّلِ عُمْرَةٍ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَحْكِيَّ عَنْهُمَا اسْتِحْبَابٌ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ تَفْضِيلِ الْحَلْقِ الْمُعْتَمِرُ إذَا ضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ وَعَلِمَ أَنَّهُ إنْ حَلَقَ رَأْسَهُ لَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ فَالْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِ التَّقْصِيرُ لِيَحْلِقَ فِي الْحَجِّ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ.
{الْخَامِسَةُ} الْمَعْنَى فِي تَفْضِيلِ الْحَلْقِ عَلَى التَّقْصِيرِ بِالنَّظَرِ إلَى سَبَبِهِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ إمَّا فِي الْحُدَيْبِيَةِ أَوْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَدْ سَبَقَ، وَإِمَّا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ هَذَا السَّبَبِ فَكَوْنُهُ أَبْلَغَ فِي الْعِبَادَةِ وَأَدَلَّ عَلَى صِدْقِ النِّيَّةِ فِي التَّذَلُّلِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ الْمُقَصِّرَ مُبْقٍ عَلَى نَفْسِهِ الشَّعْرَ الَّذِي هُوَ زِينَةٌ وَالْحَاجُّ مَأْمُورٌ بِتَرْكِ الزِّينَةِ بَلْ هُوَ أَشْعَثُ أَغْبَرُ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَفِي الْمَعْنَى الْآخَرِ نَظَرٌ: فَإِنَّ الْحَلْقَ إنْ كَانَ فِي عُمْرَةٍ فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ النُّسُكِ، وَإِنْ كَانَ فِي حَجٍّ فَقَدْ انْقَضَى زَمَنُ الشُّعْثِ وَحَلَّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ، فَإِذَا طَافَ حَلَّ جَمِيعُ الْمُحَرَّمَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
{السَّادِسَةُ} اُسْتُدِلَّ بِتَرْجِيحِ الْحَلْقِ عَلَى التَّقْصِيرِ عَلَى أَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ وَنُسُكَانِ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَلَيْسَا مُجَرَّدَ اسْتِبَاحَةِ مَحْظُورٍ كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَحْظُورَاتِ فَإِنَّ الْمُبَاحَ لَا تَفْضِيلَ لِبَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ وَلَيْسَ بِنُسُكٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.
وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً