الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
الدَّيْنَ، وَإِنْ ثَبَتَ إعْسَارُهُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَمْنَعُ غُرَمَاءَهُ مِنْ مُلَازَمَتِهِ.
[فَائِدَة اخْتَلَفَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ وَمَنْ هُوَ عَلَيْهِ]
1
(التَّاسِعَةُ) لَوْ اخْتَلَفَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ وَمَنْ هُوَ عَلَيْهِ فِي أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ مُوسِرٌ أَوْ مُعْسِرٌ فَفِي الْمُصَدَّقِ مِنْهُمَا خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ الْيَسَارُ أَوْ الْإِعْسَارُ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ أَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْجُمْهُورُ إلَى الثَّانِي فَصَدَّقَ الْمَالِكِيَّةُ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ حَتَّى يُقِيمَ غَرِيمُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِعْسَارِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ بِأَنْ اشْتَرَى أَوْ اقْتَرَضَ أَوْ بَاعَ سَلَمًا فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَإِنْ لَزِمَهُ لَا فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ.
وَ (الثَّانِي) : يُحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ. وَ (الثَّالِثُ) إنْ لَزِمَهُ بِاخْتِيَارِهِ كَالصَّدَاقِ وَالضَّمَانِ لَمْ يُقْبَلْ وَاحْتَاجَ إلَى الْبَيِّنَةِ، وَإِنْ لَزِمَهُ لَا بِاخْتِيَارِهِ كَأَرْشِ الْجِنَايَاتِ وَغَرَامَةِ الْمُتْلِفِ قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَشْغَلُ ذِمَّتَهُ إلَّا بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ بَيِّنٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ سَبَبُهُ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْغِنَى ظَاهِرًا وَأَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَالْمَطْلُ حَرَامٌ عَلَى الْغَنِيِّ دُونَ غَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَائِدَة الْحَوَالَةِ عَلَى الْمَلِيءِ]
(الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهُ وَإِذَا (أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ) هُوَ بِإِسْكَانِ التَّاءِ فِي أُتْبِعَ وَفِي فَلْيَتْبَعْ مِثْلَ أُعْلِمَ فَلْيَعْلَمْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: هَذَا الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ وَالْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَكُتُبِ الْغَرِيبِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنْ كُتُبِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ بِتَشْدِيدِهَا فِي الْكَلِمَةِ الثَّانِيَةِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَمَعْنَاهُ إذَا أُحِيلَ بِالدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى مُوسِرٍ فَلْيَحْتَلْ يُقَالُ مِنْهُ تَبِعْت الرَّجُلَ بِحَقِّي أَتْبَعَهُ تِبَاعًا فَأَنَا تَبِيعٌ إذَا طَلَبَتْهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} [الإسراء: 69] . انْتَهَى.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ إذَا اتَّبَعَ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ وَهُوَ غَلَطٌ وَصَوَابُهُ أُتْبِعَ سَاكِنَةُ التَّاءِ عَلَى وَزْنِ أُفْعِلَ.
(الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ الْأَمْرُ بِقَبُولِ الْحَوَالَةِ عَلَى الْمَلِيءِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ.:
(أَحَدُهَا) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالنَّدْبِ دُونَ الْوُجُوبِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ. وَ (الثَّانِي) أَنَّهُ وَاجِبٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد وَابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَقَالَ بِهِ أَبُو ثَوْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَلَسْتُ، وَإِنْ أَوْجَبْتُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى بِمُجْبِرِهِ حُكْمًا عَلَى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
قَبُولِ الْحَوَالَةِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُجْبَرٍ عَلَى ذَلِكَ حُكْمًا. انْتَهَى.
وَقَالَ بِالْوُجُوبِ أَيْضًا الْحَنَابِلَةُ وَعِبَارَةُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهَا إلَّا عَلَى مَلِيءٍ بِمَالِهِ وَقَوْلُهُ وَنَدَبَهُ فَيُجْبَرُ وَهَلْ تَبْرَأُ ذِمَّةُ مُحِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يُجْبِرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَنَقَلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إجْمَاعَ أَهْلِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْوُجُوبُ.
(الثَّالِثُ) أَنَّ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْإِبَاحَةِ دُونَ الْوُجُوبِ وَالِاسْتِحْبَابِ فَأَعْلَمَ الشَّارِعُ بِهَذَا الْكَلَامِ صِحَّةَ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ وَجَوَازَهَا، وَلَمْ يَطْلُبْ تَحْصِيلَهَا.
(الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْحَوَالَةُ إلَّا عَلَى مَلِيءٍ فَلَوْ أَحَالَهُ عَلَى غَيْرِ مَلِيءٍ فَهُوَ فَاسِدٌ وَحَقُّهُ بَاقٍ عَلَى الْمُحِيلِ كَمَا كَانَ سَوَاءٌ دَرَى أَنَّهُ غَيْرُ مَلِيءٍ أَمْ لَا، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ فِي الْحَدِيثِ مِنْ الْحَوَالَةِ عَلَى غَيْرِ الْمَلِيءِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِقَبُولِ الْحَوَالَةِ عَلَى الْمَلِيءِ وَسَكَتَ عَنْ الْحَوَالَةِ عَلَى غَيْرِهِ فَلَمْ يَأْمُرْ بِقَبُولِهَا وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ بَلْ الْأَمْرُ فِيهَا إلَى خِيَرَةِ الْمُحَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) الْحِكْمَةُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ مَطْلَ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ عَقَّبَهُ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي قَبُولُ الْحَوَالَةِ عَلَى الْمَلِيءِ؛ لِمَا فِي قَبُولِهَا مِنْ دَفْعِ الظُّلْمِ الْحَاصِلِ بِالْمَطْلِ فَإِنَّهُ قَدْ تَكُونُ مُطَالَبَةُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ سَهْلَةً عَلَى الْمُحْتَالِ دُونَ الْمُحِيلِ فَفِي قَبُولِ الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ إعَانَةٌ لَهُ عَلَى تَرْكِ الظُّلْمِ.
(ثَانِيهِمَا) أَنَّهُ عَقَّبَ كَوْنَ مَطْلِ الْغَنِيِّ ظُلْمًا بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَحْتَالَ عَلَى الْمَلِيءِ فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ الِاحْتِرَازُ عَنْ الظُّلْمِ أَوْ لِأَنَّ الْمَلِيءَ لَا يَتَعَذَّرُ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْهُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ بَلْ يَأْخُذُهُ مِنْهُ الْحَاكِمُ قَهْرًا وَيُوَفِّيهِ فَيَحْصُلُ الْغَرَضُ بِقَبُولِ الْحَوَالَةِ مِنْ غَيْرِ مَفْسَدَةِ بَقَاءِ الْحَقِّ وَأَوْرَدَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لَفْظَ الْحَدِيثِ (فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ) بِالْفَاءِ وَقَالَ: فِي الْحَدِيثِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِقَبُولِ الْحَوَالَةِ عَلَى الْمَلِيءِ مُعَلَّلٌ بِكَوْنِ مَطْلِ الْغَنِيِّ ظُلْمًا وَلَعَلَّ السَّبَبَ فِيهِ، فَذَكَرَ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَتْهُمَا آنِفًا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي. ثُمَّ قَالَ: وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَرْجَحُ لِمَا فِيهِ مِنْ بَقَاءِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ بِكَوْنِ الْمَطْلِ ظُلْمًا وَعَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي تَكُونُ الْعِلَّةُ عَدَمَ تَوَى الْحَقِّ لَا الظُّلْمِ. اهـ.
وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْأَشْهَرَ فِي الرِّوَايَةِ بِالْوَاوِ وَيُرْوَى بِالْفَاءِ قَالَ: فَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ مَعَ قَوْلِهِ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ جُمْلَتَانِ لَا تَعَلُّقَ لِلثَّانِيَةِ بِالْأُولَى وَعَلَى الثَّانِي