الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» زَادَ الشَّيْخَانِ «مَسْجِدِي هَذَا» وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ» وَزَادَ
ــ
[طرح التثريب]
(الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) الْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ جَمِيعُ الْحَرَمِ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْمَكَانِ الْمُعَدِّ لِلصَّلَاةِ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ ذَكَرَ النَّاذِرُ بُقْعَةً أُخْرَى مِنْ بِقَاعِ الْحَرَمِ كَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَمَسْجِدِ الْخَيْفِ، وَمِنًى، وَمُزْدَلِفَةَ، وَمَقَامِ إبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام وَقُبَّةِ زَمْزَمَ وَغَيْرِهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ حَتَّى لَوْ قَالَ آتِي دَارَ أَبِي جَهْلٍ أَوْ دَارَ الْخَيْزُرَانٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ؛ لِشُمُولِ حُرْمَةِ الْحَرَمِ فِي تَنْفِيرِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ لِلْجَمِيعِ وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْخَيْفِ، وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي» قَالَ وَالِدِي رحمه الله فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: وَفِي إسْنَادِهِ خَيْثَمُ بْنُ مَرْوَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْحَدِيثُ شَاذٌّ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ إلَّا أَنَّ الْحُكْمَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَسْجِدِ الْخَيْفِ صَحِيحٌ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَصْرِ قَالَ الْغَزَالِيُّ عِنْدَ ذِكْرِ نَذْرِ إتْيَانِ الْمَسَاجِدِ فَلَوْ قَالَ آتِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ فَهُوَ كَمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَرَمِ. انْتَهَى.
1 -
(السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ تَضْعِيفَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ يَخْتَصُّ بِمَسْجِدِهِ عليه الصلاة والسلام الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِهِ دُونَ مَا أُوسِعَ بَعْدَهُ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي بُقْعَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ مِمَّا هُوَ زَائِدٌ عَلَى مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَتَعَيَّنْ، وَكَانَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَفِيهِ بُعْدٌ وَنَظَرٌ ظَاهِرٌ.
1 -
(السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) إنْ قُلْت لِمَ سُمِّيَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى وَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غَيْرُهُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلُ؟ قَالَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ قُلْت ثُمَّ أَيُّ قَالَ ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى قُلْت كَمْ بَيْنَهُمَا قَالَ أَرْبَعُونَ سَنَةً» قُلْت عَلِمَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَنَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ سَيُبْنَى فَيَكُونُ قَاصِيًا أَيْ بَعِيدًا مِنْ مَسْجِدِ مَكَّةَ وَيَكُونُ مَسْجِدُ بَيْتِ الْقُدْسِ أَقْصَى فَسُمِّيَ بِذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولَ حَالُهُ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إلَّا فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، وَعَلَيْهِ تَأَوَّلَ الْخَبَرَ.
[حَدِيثُ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ]
(الْحَدِيثُ الثَّالِثُ) وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» .
(فِيهِ) فَوَائِدُ.
(الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَمُسْلِمٌ وَحْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ رَبَاحٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَفْظُهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ «مَسْجِدِي هَذَا» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ شَكَّا فِي رَفْعِهِ نَصًّا فَأَخْبَرَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ قَارِظٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «فَإِنِّي آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ مَسْجِدِي آخِرُ الْمَسَاجِدِ» وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طُرُقٍ ثَابِتَةٍ صِحَاحٍ مُتَوَاتِرَةٍ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ التَّوَاتُرَ الَّذِي يَذْكُرُهُ أَهْلُ الْأُصُولِ وَإِنَّمَا أَرَادَ الشُّهْرَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِيَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ «إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» فَقَالَ الْجُمْهُورُ مَعْنَاهُ: إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَقَتَادَةَ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَمِنْ الْمَالِكِيَّةِ مُطَرِّفٌ وَابْنُ وَهْبٍ وَجَمَاعَةُ أَهْلِ الْأَثَرِ، وَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَغَيْرُهُمْ عَنْ
أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ «وَصَلَاةٌ فِي ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي هَذَا» .
وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» زَادَ الشَّيْخَانِ «مَسْجِدِي هَذَا» وَزَادَ ابْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث جَابِر «وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ» وَزَادَ أَحْمَد وَابْن حِبَّان مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْرِ «وَصَلَاةٌ فِي ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي هَذَا»
ــ
[طرح التثريب]
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي هَذَا» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ اُخْتُلِفَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، وَمَنْ رَفَعَهُ أَحْفَظُ وَأَثْبَتُ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، وَهُوَ أَيْضًا صَحِيحٌ فِي النَّظَرِ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ مَعَ شَهَادَةِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ لِلَّذِي رَفَعَهُ بِالْحِفْظِ وَالثِّقَةِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَالَ وَالِدِي رحمه الله فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي بِأَلْفِ صَلَاةٍ» وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ» قَالَ وَالِدِي رحمه الله فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ (قُلْت) وَيَقَعُ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ مَاجَهْ «مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ» بِدُونِ أَلْفٍ وَالْمُعْتَمَدُ مَا نَقَلْتُهُ أَوَّلًا. وَالْحَدِيثَانِ مَعًا حَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَحَدِيثُ جَابِرٍ كِلَاهُمَا مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ صَحَابِيَّةٍ وَذَلِكَ غَيْرُ قَادِحٍ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ عَطَاءً إمَامٌ وَاسِعُ الرِّوَايَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ عَنْهُمَا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرٍ نَقَلَتْهُ ثِقَاتٌ كُلُّهُمْ.
وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ عَطَاءٍ فِي ذَلِكَ عَنْهُمَا فَيَكُونَانِ حَدِيثَيْنِ، وَعَلَى هَذَا يَحْمِلُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَفِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَهُوَ أَفْضَلُ قَالَ وَالِدِي: وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَبِلَفْظِ «فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ أَفْضَلُ» وَبِلَفْظِ «فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ بِمِائَةِ صَلَاةٍ» قَالَ: وَهُوَ عِنْدَهُمْ حَدِيثٌ آخَرُ بِلَا شَكٍّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ وُجُوهٍ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ وَالصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
بِأَلْفِ صَلَاةٍ وَالصَّلَاةُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ» وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْبَزَّارُ هَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ حَدِيثٌ آخَرُ يَقْتَضِي تَفْضِيلَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ إلَّا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي قَدْرِ الثَّوَابِ رَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا وَفِيهِ «وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِي بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ، وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ» قَالَ وَالِدِي رحمه الله فِيهِ أَبُو الْخَطَّابِ الدِّمَشْقِيُّ يَحْتَاجُ إلَى الْكَشْفِ عَنْهُ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ بِدُونِ أَلْفِ صَلَاةٍ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَحْيَى سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ نَافِعٍ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَذَكَرَ هَذَا ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ تَأْوِيلُ ابْنِ نَافِعٍ بَعِيدٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِاللِّسَانِ قَالَ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ: إنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِتِسْعِمِائَةِ ضِعْفٍ وَتِسْعَةِ وَتِسْعِينَ ضِعْفًا وَإِذَا كَانَ هَكَذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَضْلٌ عَلَى سَائِرِ الْمَسَاجِدِ إلَّا بِالْجَزَاءِ اللَّطِيفِ عَلَى تَأْوِيلِ ابْنِ نَافِعٍ وَحَسْبُك ضَعْفًا بِقَوْلٍ يَئُولَ إلَى هَذَا، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ مَثَّلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِلِسَانِ الْعَرَبِ الِاسْتِثْنَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِمِثَالٍ بَيَّنَ فِيهِ مَعْنَاهُ. فَإِذَا قُلْتَ الْيَمَنُ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْبِلَادِ بِأَلْفِ دَرَجَةٍ إلَّا الْعِرَاقَ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْعِرَاقُ مُسَاوِيًا لِلْيَمَنِ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا وَأَنْ يَكُونَ مَفْضُولًا فَإِنْ كَانَ مُسَاوِيًا فَقَدْ عُلِمَ فَضْلُهُ، وَإِنْ كَانَ فَاضِلًا أَوْ مَفْضُولًا لَمْ يُعْلَمْ مِقْدَارُ الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَهُمَا إلَّا بِدَلِيلٍ عَلَى عِدَّةِ دَرَجَاتٍ إمَّا زَائِدَةٌ عَلَى ذَلِكَ أَوْ نَاقِصَةٌ عَنْهُ.
(قُلْت) هَذَا كَلَامٌ فِيهِ إنْصَافٌ بِخِلَافِ كَلَامِ ابْنِ نَافِعٍ، وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَاضِلٌ بِمِائَةِ دَرَجَةٍ، وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ صَلَاةٍ، وَمِنْ غَيْرِهِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ قَالَ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ قَالَ سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ قَالَ وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
صلى الله عليه وسلم خَيْرٌ مِنْ تِسْعِمِائَةِ صَلَاةٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ تَأْوِيلٌ لَا يَعْضُدُهُ دَلِيلٌ، وَحَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَتِيقٍ هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي إسْنَادِهِ، وَفِي لَفْظِهِ، وَقَدْ خَالَفَهُ فِيهِ مَنْ هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ فَمِنْ الِاخْتِلَافِ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُمَرَ بِلَفْظِ (صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) وَبِلَفْظِ «صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّمَا فَضَّلَهُ عَلَيْهِ بِمِائَةِ صَلَاةٍ» . قَالَ: فَكَيْفَ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثٍ قَدْ رُوِيَ فِيهِ ضِدُّ مَا ذَكَرُوهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ إلَى مَا فِي إسْنَادِهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ أَيْضًا، وَقَدْ ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَتِيقٍ، وَعَطَاءٌ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا سَمِعَاهُ يَقُولُ صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِيهِ وَيُشِيرُ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَتِيقٍ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُمَرَ (صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّمَا فَضَّلَهُ عَلَيْهِ بِمِائَةِ صَلَاةٍ) ثُمَّ قَالَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُتَابِعْ سُلَيْمَانُ ابْنُ عَتِيقٍ عَلَى ذِكْرِهِ عُمَرَ وَهُوَ مِمَّا أَخْطَأَ فِيهِ عِنْدَهُمْ وَانْفَرَدَ بِهِ، وَمَا انْفَرَدَ بِهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ. انْتَهَى.
(الثَّالِثَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ بِالتَّقْرِيرِ الَّذِي قَدَّمْتُهُ عَلَى تَفْضِيلِ مَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمْكِنَةَ تَشْرُفُ بِفَضْلِ الْعِبَادَةِ فِيهَا عَلَى غَيْرِهَا مِمَّا تَكُونُ الْعِبَادَةُ فِيهِ مَرْجُوحَةً، وَهُوَ مَذْهَبُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَابْنِ وَهْبٍ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ حَبِيبٍ الثَّلَاثَةُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَحَكَاهُ الشَّاجِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالْمَكِّيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ وَبَعْضِ الْبَصْرِيِّينَ وَالْبَغْدَادِيِّينَ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَقَتَادَةَ لَكِنْ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّ الْمَدِينَةَ أَفْضَلُ وَحَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ عُمَرَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ فَقَالَ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ الْأَرْضِ كُلِّهَا قَالَ وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ أَصْحَابِهِ فِي مَذْهَبِهِ تَفْضِيلُ الْمَدِينَةِ، وَمِمَّا يَدُلُّ لِلْجُمْهُورِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ حَمْرَاءَ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاقِفًا عَلَى الْحَزْوَرَةِ فَقَالَ وَاَللَّهِ إنَّك لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْك مَا خَرَجْتُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا مِنْ أَصَحِّ الْآثَارِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَهَذَا قَاطِعٌ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ. انْتَهَى.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى تَفْضِيلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحَكَاهُ زَكَرِيَّا الشَّاجِيُّ عَنْ بَعْضِ الْبَصْرِيِّينَ وَالْبَغْدَادِيِّينَ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ مَنْ حَكَاهُ عَنْ عُمَرَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» قَالَ وَرَكَّبُوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم «مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا، وَمَا فِيهَا» قَالَ وَهَذَا لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ ذَمَّ الدُّنْيَا وَالزُّهْدَ فِيهَا وَالتَّرْغِيبَ فِي الْآخِرَةِ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا كُلِّهَا وَأَرَادَ بِذِكْرِ السَّوْطِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - التَّقْلِيلَ لَا أَنَّهُ أَرَادَ مَوْضِعَ السَّوْطِ بِعَيْنِهِ بَلْ مَوْضِعَ نِصْفِ سَوْطٍ وَرُبُعَ سَوْطٍ مِنْ الْجَنَّةِ الْبَاقِيَةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ، ثُمَّ قَالَ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَهَبُوا إلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ تَفْضِيلُ شَيْءٍ مِنْ الْبِقَاعِ عَلَى شَيْءٍ إلَّا بِخَبَرٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ حَمْرَاءَ الْمُتَقَدِّمَ. وَقَالَ: كَيْفَ يُتْرَكُ مِثْلُ هَذَا النَّصِّ الثَّابِتِ، وَيُمَالُ إلَى تَأْوِيلٍ لَا يُجَامِعُ مُتَأَوِّلُهُ عَلَيْهِ،.
(الرَّابِعَةُ) اسْتَثْنَى الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ الْقَوْلِ بِتَفْضِيلِ مَكَّةَ الْبُقْعَةَ الَّتِي دُفِنَ فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَضَمَّتْ أَعْضَاءَهُ الشَّرِيفَةَ وَحَكَى اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا أَفْضَلُ بِقَاعِ الْأَرْضِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا تَعَرُّضًا لِمَا نَقَلَهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ مِنْ فَضْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ أَنِّي لَا أَعْلَمُ بُقْعَةً فِيهَا قَبْرُ نَبِيٍّ مَعْرُوفٍ غَيْرَهَا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يُرِيدُ مَا لَا يُشَكُّ فِيهِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَزْعُم أَنَّ قَبْرَ إبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَنَّ قَبْرَ مُوسَى عليه الصلاة والسلام هُنَاكَ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْفُوعَ فِي سُؤَالِ مُوسَى عليه السلام رَبَّهُ أَنْ يُدْنِيهِ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ ثُمَّ قَالَ إنَّمَا يُحْتَجُّ بِقَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مِنْ أَنْكَرَ فَضْلَهَا أَمَّا مَنْ أَقَرَّ بِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَفْضَلُ بَعْدَ مَكَّةَ مِنْهَا فَقَدْ أَنْزَلَهَا مَنْزِلَتَهَا وَاسْتَعْمَلَ الْقَوْلَ بِمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَكَّةَ وَفِيهَا ثُمَّ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
أَنَّهُ قَالَ إنِّي لَأَعْلَمُ أَيَّ بُقْعَةٍ أَحَبَّ إلَى اللَّهِ فِي الْأَرْضِ هِيَ الْبَيْتُ الْحَرَامُ، وَمَا حَوْلَهُ.
(الْخَامِسَةُ) قَالَ وَالِدِي رحمه الله فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَجَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَنَسٍ مَرْفُوعًا «إنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ» وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ (أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ) وَهَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا وَفِي بَعْضِ طُرُقِ أَثَرِ عُمَرَ (إنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ) وَفِي حَدِيثِ الْأَرْقَمِ «أَنَّ الصَّلَاةَ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ قَالَ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ أَنْ يُحْمَلَ أَثَرُ عُمَرَ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِمَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمَنْ مَعَهُ وَحَدِيثُ الْأَرْقَمِ وَأَثَرُ عُمَرَ بِاللَّفْظِ الثَّانِي يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِأَلْفِ أَلْفِ صَلَاةٍ وَإِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ فَيُرْجَعُ إلَى التَّرْجِيحِ وَأَصَحُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ حَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَجَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَإِنَّ أَسَانِيدَهَا صَحِيحَةٌ.
قَالَ: وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَأَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ «أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ» وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ «أَنَّهَا بِأَلْفِ صَلَاةٍ» مِنْ غَيْرِ تَفْضِيلٍ عَلَى الْأَلْفِ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ «أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ» وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ «أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ» قَالَ، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي تَضَاعَفَتْ بِهِ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَعِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ» ، وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ «أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ» وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ «أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ» فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الصَّلَاةُ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ إمَّا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ عَلَى مُقْتَضَى حَدِيثِ مَيْمُونَةَ وَإِمَّا بِأَلْفَيْنِ عَلَى مُقْتَضَى حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَإِمَّا بِمِائَتِي أَلْفِ صَلَاةٍ عَلَى مُقْتَضَى حَدِيثِ أَنَسٍ. لَكِنَّهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ سَوَّى بَيْنَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَبَيْنَ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَصَحُّ طُرُقِ أَحَادِيثِ الصَّلَاةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ «أَنَّهَا بِأَلْفِ صَلَاةٍ.» فَعَلَى هَذَا أَيْضًا يَسْتَوِي الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى مَعَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى» ، وَعَلَى هَذَا فَتُحْمَلُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا إلَّا الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى فَإِنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْفَضْلِ وَلَا مَانِعَ مِنْ الْمَصِيرِ إلَى هَذَا أَيْ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَفْضَلَ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيهِ بَلْ هُوَ مُسَاوٍ لَهُ وَأَصَحُّ طُرُقِ أَحَادِيثِ التَّضْعِيفِ فِي الْمَدِينَةِ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفٍ وَالْأَصَحُّ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنَّهَا بِأَلْفٍ فَيُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْأَلْفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ وَالِدِي رحمه الله.
1 -
(السَّادِسَةُ) ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَضْعِيفِ الصَّلَاةِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمُطَرِّفٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَذَهَبَ الطَّحَاوِيُّ إلَى اخْتِصَاصِ التَّضْعِيفِ بِالْفَرْضِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ حَزْمٍ الظَّاهِرِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ صَلَاةَ الْفَرْضِ فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ بِنَذْرِهِ ذَلِكَ وَلَمْ يُوجِبْ التَّطَوُّعَ فِيهَا بِالنَّذْرِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ خِلَافُ إطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (قُلْت) : قَدْ يُقَالُ لَا عُمُومَ فِي اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ وَسَاعَدَ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» ، وَقَدْ يُقَالُ هُوَ عَامٌّ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْإِثْبَاتِ فَهُوَ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ، وَقَالَ وَالِدِي رحمه الله فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: تَكُونُ النَّوَافِلُ فِي الْمَسْجِدِ مُضَاعَفَةً بِمَا ذُكِرَ مِنْ أَلْفٍ فِي الْمَدِينَةِ، وَمِائَةِ أَلْفٍ فِي مَكَّةَ وَيَكُونُ فِعْلُهَا فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» بَلْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّ النَّافِلَةَ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِهَا فِي مَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم.
1 -
(السَّابِعَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ تَضْعِيفَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ يَخْتَصُّ بِمَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِهِ دُونَ مَا أُحْدِثَ بَعْدَهُ فِيهِ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ التَّضْعِيفَ إنَّمَا وَرَدَ فِي مَسْجِدِهِ وَذَاكَ هُوَ مَسْجِدُهُ، وَأَيْضًا فَقَدْ أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ «مَسْجِدِي هَذَا» وَبِذَلِكَ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ وَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ الْمُصَلِّي عَلَى ذَلِكَ وَيَتَفَطَّنَ لِمَا ذَكَرْتُهُ وَقَالَ وَالِدِي رحمه الله فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: هَذَا شَبِيهٌ بِمَا إذَا اجْتَمَعَ الِاسْمُ وَالْإِشَارَةُ هَلْ تَغْلِبُ الْإِشَارَةُ أَوْ الِاسْمُ (قُلْت) لَمْ يَظْهَرْ لِي ذَلِكَ فَالِاسْمُ وَالْإِشَارَةُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
مُتَّفِقَانِ هُنَا؛ لِكَوْنِهِ أَضَافَ الْمَسْجِدَ إلَيْهِ وَأَشَارَ إلَى الْمَوْجُودِ ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَلَوْ كَانَ لَفْظُهُ (مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ هَذَا) لَكَانَ مِنْ تَعَارُضِ الِاسْمِ وَالْإِشَارَةِ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا فِي تَارِيخِ الْمَدِينَةِ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمَّا فَرَغَ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَوْ انْتَهَى إلَى الْجَبَّانَةِ لَكَانَ الْكُلُّ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «لَوْ زِيدَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ مَا زِيدَ كَانَ الْكُلُّ مَسْجِدِي» وَفِي رِوَايَةٍ «لَوْ بُنِيَ هَذَا الْمَسْجِدُ إلَى صَنْعَاءَ كَانَ مَسْجِدِي» ، وَعَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ (لَوْ مُدَّ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ لَكَانَ مِنْهُ) وَقَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمَوْصِلِيُّ بَلَغَنِي عَنْ ثِقَاتٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا زِيدَ فِي مَسْجِدِي فَهُوَ مِنْهُ وَلَوْ بَلَغَ مَا بَلَغَ» فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَهُوَ بُشْرَى حَسَنَةٌ.
(الثَّامِنَةُ) وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ التَّضْعِيفُ بِالْمَسْجِدِ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم بَلْ يَشْمَلُ جَمِيعَ مَا زِيدَ فِيهِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَعُمُّ الْكُلَّ بَلْ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ التَّضْعِيفَ يَعُمُّ جَمِيعَ مَكَّةَ بَلْ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ يَعُمُّ جَمِيعَ الْحَرَمِ الَّذِي يَحْرُمُ صَيْدُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَرْبَعَ اسْتِعْمَالَاتٍ (أَحَدُهَا) نَفْسُ الْكَعْبَةِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] .
(الثَّانِي) الْكَعْبَةُ، وَمَا حَوْلَهَا مِنْ الْمَسْجِدِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: 1] فَالْمُرَادُ نَفْسُ الْمَسْجِدِ فِي قَوْلِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَرَجَّحَهُ الطَّبَرِيُّ وَفِي الصَّحِيحِ مَا يَدُلُّ لَهُ، وَقِيلَ أُسْرِيَ بِهِ مِنْ بَيْتِ أُمِّ هَانِئٍ وَقِيلَ مِنْ شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ فَيَكُونُ الْمُرَادُ عَلَى هَذَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَكَّةَ.
(الثَّالِثُ) جَمِيعُ مَكَّةَ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [الفتح: 27] قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ، وَعِظَمُ الْقَصْدِ هُنَا إنَّمَا هُوَ مَكَّةُ.
(الرَّابِعُ) جَمِيعُ الْحَرَمِ الَّذِي يَحْرُمُ صَيْدُهُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [التوبة: 7] وَإِنَّمَا كَانَ عَهْدُهُمْ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ مِنْ الْحَرَمِ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّهُ الْحَرَمُ جَمِيعُهُ.
(التَّاسِعَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ وَهَذَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الثَّوَابِ فَثَوَابُ صَلَاةٍ فِيهِ يَزِيدُ عَلَى ثَوَابِ أَلْفٍ فِيمَا سِوَاهُ وَلَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى الْإِجْزَاءِ عَنْ الْفَوَائِتِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاتَانِ فَصَلَّى فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ صَلَاةً لَمْ تُجِزْهُ عَنْهُمَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَعَنْ بُرَيْدَةَ «أَنَّ أَمَةً سَوْدَاءَ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَعَ مِنْ بَعْضِ مَغَازِيهِ فَقَالَتْ إنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ إنْ رَدَّك اللَّهُ صَالِحًا أَنْ أَضْرِبَ عِنْدَك بِالدُّفِّ قَالَ إنْ كُنْتِ فَعَلْتِ فَافْعَلِي وَإِنْ كُنْتِ لَمْ تَفْعَلِي فَلَا تَفْعَلِي، فَضَرَبَتْ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ وَدَخَلَ غَيْرُهُ وَهِيَ تَضْرِبُ وَدَخَلَ عُمَرُ فَجَعَلَتْ دُفَّهَا خَلْفَهَا وَهِيَ مُقَنَّعَةٌ فَقَالَ
ــ
[طرح التثريب]
الْعَاشِرَةُ) وَجْهُ إيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ النَّذْرِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي هَذَيْنِ الْمَسْجِدَيْنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي أَحَدِهِمَا لَزِمَهُ مَا الْتَزَمَهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ قُرْبَةٌ وَشَأْنُ الْقُرَبِ أَنْ تَلْزَمَ بِالنَّذْرِ.
(الْحَدِيثُ الرَّابِعُ) وَعَنْ بُرَيْدَةَ «أَنَّ أَمَةً سَوْدَاءَ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَعَ مِنْ بَعْضِ مَغَازِيهِ فَقَالَتْ إنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ إنْ رَدَّك اللَّهُ صَالِحًا أَنْ أَضْرِبَ عِنْدَك بِالدُّفِّ، قَالَ إنْ كُنْتِ فَعَلْتِ فَافْعَلِي، وَإِنْ كُنْتِ لَمْ تَفْعَلِي فَلَا تَفْعَلِي؛ فَضَرَبَتْ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ، وَدَخَلَ غَيْرُهُ وَهِيَ تَضْرِبُ وَدَخَلَ عُمَرُ قَالَ فَجَعَلَتْ دُفَّهَا خَلْفَهَا وَهِيَ مُقَنَّعَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَفْرَقُ مِنْك يَا عُمَرُ أَنَا جَالِسٌ هَهُنَا وَدَخَلَ هَؤُلَاءِ فَلَمَّا أَنْ دَخَلْتَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ (فِيهِ) فَوَائِدُ:
(الْأُولَى) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ جَامِعِهِ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت نَذَرْت إنْ رَدَّك اللَّهُ سَالِمًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْك بِالدُّفِّ وَأَتَغَنَّى فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنْ كُنْتِ نَذَرْت فَاضْرِبِي وَإِلَّا فَلَا، فَجَعَلَتْ تَضْرِبُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمَّ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَفْرَقُ مِنْك يَا عُمَرُ، أَنَا جَالِسٌ هَهُنَا وَدَخَلَ هَؤُلَاءِ فَلَمَّا أَنْ دَخَلْتَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ «أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْك بِالدُّفِّ وَأَتَغَنَّى فَقَالَ لَهَا إنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي وَإِلَّا فَلَا» وَزَادَ فِيهِ «ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ» وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
ــ
[طرح التثريب]
دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَأَلْقَتْ الدُّفَّ تَحْتَ اسْتِهَا ثُمَّ قَعَدَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْك يَا عُمَرُ إنِّي كُنْتُ جَالِسًا وَهِيَ تَضْرِبُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ فَلَمَّا دَخَلْت أَنْتَ يَا عُمَرُ أَلْقَتْ الدُّفَّ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ.
(الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ.
(إنَّ أَمَةً سَوْدَاءَ) يَحْتَمِلُ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى الرِّقِّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَمَّاهَا أَمَةً بِاعْتِبَارِ مَا مَضَى وَقَوْلُهُ وَرَجَعَ مِنْ بَعْضِ مَغَازِيهِ، جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، وَقَدْ فِيهِ مُقَدَّرَةٌ تَقْدِيرَهُ، وَقَدْ رَجَعَ، (وَالدُّفُّ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ مَعْرُوفٌ وَحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْفَتْحَ فِيهِ لُغَةٌ ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ وَقَوْلُهُ:«إنْ كُنْتِ فَعَلْتِ» أَيْ النَّذْرَ وَقَوْلُهُ «فَافْعَلِي» أَيْ فَاضْرِبِي، وَقَدْ أَوْضَحَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَقَوْلُهُ «فَجَعَلَتْ دُفَّهَا خَلْفَهَا» لَا يُنَافِي قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ (تَحْتَهَا) فَيَكُونُ تَحْتَهَا مِنْ جِهَةِ ظَهْرِهَا، وَقَوْلُهُ: وَهِيَ (مُقَنَّعَةٌ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَفَتْحِهَا أَيْ مُسْتَتِرَةٌ بِقِنَاعِهَا وَقَوْلُهُ (لَيَفْرَقُ مِنْك) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ يَخَافُ.
(الثَّالِثَةُ) قَسَّمَ أَصْحَابُنَا الْفُقَهَاءُ النُّذُورَ إلَى مَعْصِيَةٍ وَطَاعَةٍ، وَمُبَاحٍ فَمَنَعُوا نَذْرَ الْمَعْصِيَةِ ثُمَّ قَسَّمُوا الطَّاعَةَ إلَى (وَاجِبٍ) فَأَبْطَلُوا نَذْرَهُ وَ " مَنْدُوبٍ مَقْصُودٍ " وَهُوَ مَا شُرِعَ لِلتَّقَرُّبِ بِهِ، وَعُلِمَ مِنْ الشَّارِعِ الِاهْتِمَامُ بِتَكْلِيفِ الْخَلْقِ بِإِيقَاعِهِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهِمَا فَجَزَمُوا بِصِحَّةِ نَذْرِهِ (وَمَنْدُوبٍ) لَمْ يُشْرَعْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
لِكَوْنِهِ عِبَادَةً، وَإِنَّمَا هُوَ أَعْمَالٌ وَأَخْلَاقٌ مُسْتَحْسَنَةٌ رَغَّبَ الشَّرْعُ فِيهَا لِعِظَمِ فَائِدَتِهَا، وَقَدْ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ - تَعَالَى - فَيَنَالُ الثَّوَابَ فِيهَا كَعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَزِيَارَةِ الْقَادِمِينَ وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ وَاخْتَلَفُوا فِي لُزُومِ ذَلِكَ بِالنَّذْرِ عَلَى وَجْهَيْنِ وَالْأَصَحُّ اللُّزُومُ. وَأَمَّا الْمُبَاحُ الَّذِي لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَرْغِيبٌ كَالْأَكْلِ وَالنَّوْمِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فَلَوْ نَذَرَ فِعْلَهَا أَوْ تُرْكَهَا لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ. قَالَ الْأَئِمَّةُ: وَقَدْ يَقْصِدُ بِالْأَكْلِ التَّقَوِّي عَلَى الْعِبَادَةِ وَبِالنَّوْمِ النَّشَاطَ عِنْدَ التَّهَجُّدِ فَيَنَالُ الثَّوَابَ لَكِنَّ الْفِعْلَ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَالثَّوَابُ يَحْصُلُ بِالْقَصْدِ الْجَمِيلِ وَالضَّرْبُ بِالدُّفِّ هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ فِي عُرْسٍ أَوْ خِتَانٍ فَهُوَ مَجْزُومٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا بِإِبَاحَتِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِمَا فَأَطْلَقَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا تَحْرِيمَهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ: حَلَالٌ وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالنَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ، وَقَدْ يَقْتَرِنُ بِالضَّرْبِ بِالدُّفِّ قَصْدٌ جَمِيلٌ كَجَبْرِ يَتِيمَةٍ فِي عُرْسِهَا وَإِظْهَارِ السُّرُورِ بِسَلَامَةِ مَنْ يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْ ذَلِكَ ضَرْبُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بِالدُّفِّ فَهُوَ مُبَاحٌ بِلَا شَكٍّ وَلَمَّا قَصَدَتْ بِهِ إظْهَارَ السُّرُورِ بِقُدُومِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَالِمًا حَصَلَ لَهَا الثَّوَابُ بِالْقَصْدِ الْجَمِيلِ، وَقَدْ جَزَمَ أَصْحَابُنَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ تَخْرِيجِ جَوَابٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ (بَابُ مَا يُوَفَّى بِهِ مِنْ نَذْرِ مَا يَكُونُ مُبَاحًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَاعَةً) ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الْحَدِيثِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا أَذِنَ لَهَا فِي الضَّرْبِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُبَاحٌ وَفِيهِ إظْهَارٌ لِلْفَرَحِ بِظُهُورِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرُجُوعِهِ سَالِمًا لَا أَنَّهُ يَجِبُ بِالنَّذْرِ فَتَبْوِيبُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَفْعُولَ وَفَاءٌ لِلنَّذْرِ وَأَنَّ بَعْضَ الْمُبَاحَاتِ يَصِحُّ نَذْرُهُ وَيُوَفَّى بِهِ. وَكَلَامُهُ عَلَى الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ وَفَاءً بِالنَّذْرِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَفَاءٌ بِالنَّذْرِ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «إنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي» .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالنَّذْرِ هُنَا الْيَمِينُ، وَمَعْنَى قَوْلِهَا نَذَرْتُ: حَلَفْتُ. وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «إنْ كُنْتِ نَذَرْتِ» أَيْ حَلَفْتِ وَإِذْنُهُ فِي الضَّرْبِ إذْنٌ فِي الْبِرِّ وَفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَصَحَّ اسْتِعْمَالُ النَّذْرِ فِي الْيَمِينِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَهُوَ إلْزَامُ الشَّخْصِ نَفْسَهُ بِمَا لَا يَلْزَمُهُ وَذَلِكَ يَكُونُ تَارَةً بِالنَّذْرِ وَتَارَةً بِالْيَمِينِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْأَثَرِ اسْتِعْمَالُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
النَّذْرِ فِي الْأَرْشِ فِي قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ إنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَضَيَا فِي الْمِلْطَاةِ بِنِصْفِ نَذْرِ الْمُوضِحَةِ فَإِذَا سَمَّى الْأَرْشَ نَذْرًا فَتَسْمِيَةُ الْيَمِينِ بِذَلِكَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى مَدْلُولِهِ مِنْ الْأَرْشِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
1 -
(الرَّابِعَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ صَوْتَ الْمَرْأَةِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ إذْ لَوْ كَانَ عَوْرَةً مَا سَمِعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَقَرَّ أَصْحَابَهُ عَلَى سَمَاعِهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ لَكِنْ قَالُوا: يَحْرُمُ الْإِصْغَاءُ إلَيْهِ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفِتْنَةَ فِي حَقِّهِ عليه الصلاة والسلام مَأْمُونَةٌ وَلَوْ خَشِيَ أَصْحَابُهُ رضي الله عنهم فِتْنَةً مَا سَمِعُوا؛ هَذَا إنْ كَانَ حَصَلَ مِنْهَا صَوْتٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ (وَأَتَغَنَّى) وَلَيْسَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَلَا فِي رِوَايَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا تَغَنَّتْ بِصَوْتِهَا وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
(الْخَامِسَةُ) إنْ قُلْتَ إذَا كَانَ هَذَا مُبَاحًا، وَقَدْ فُعِلَ بِحُضُورِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِذْنِهِ فَكَيْفَ يُنْسَبُ إلَى الشَّيْطَانِ وَيُوَفِّي بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ كَانَ بِتَسْوِيلِهِ فَلَمَّا حَضَرَ عُمَرُ رضي الله عنه هَرَبَ الشَّيْطَانُ لِخَوْفِهِ مِنْهُ فَانْقَطَعَ ذَلِكَ التَّسْوِيلُ، وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنْ الضَّرْبِ بِالدُّفِّ (قُلْت) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْأَصْلَ فِي الضَّرْبِ بِالدُّفِّ وَالْغِنَاءِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ اللَّهْوِ وَأَنَّهُ يَجُرُّ إلَى مَا لَا يُرْضَى فِعْلُهُ كَمَا يُقَالُ الْغِنَاءُ بَرِيدُ الزِّنَا إلَّا أَنْ تَقْتَرِنَ بِهِ نِيَّةٌ صَالِحَةٌ تَصْرِفُهُ عَنْ ذَلِكَ كَمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَالِمًا بِهَذِهِ الْقَرِينَةِ فَلَمَّا حَضَرَ عُمَرُ رضي الله عنه، وَكَانَ مِنْ شَأْنِهِ الْمُبَادَرَةُ إلَى إنْكَارِ مِثْلِ هَذَا، وَالصُّورَةُ أَنَّهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِهَذِهِ الْقَرِينَةِ فَخَشِيَتْ مِنْ مُبَادَرَتِهِ أَنْ يُوقِعَ بِهَا مَحْذُورًا فَقَطَعَتْ مَا هِيَ عَلَيْهِ فَأَعْلَمَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَخَافُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلشَّيْطَانِ نَصِيبٌ فِيمَا كَانَتْ فِيهِ هَذِهِ الْمَرْأَةُ لَكِنَّ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ يُذْكَرُ فَشَبَّهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَالَتَهَا فِي انْكِفَافِهَا عَمَّا كَانَتْ فِيهِ بِحَالَةِ الشَّيْطَانِ الَّذِي يَخَافُ مِنْ عُمَرَ وَيَهْرُبُ عِنْدَ حُضُورِهِ.
(الثَّانِي) أَنَّ الشَّيْطَانَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ هَذِهِ الدَّقِيقَةُ وَهِيَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّهْوِ يَصِيرُ حَسَنًا بِالْقَصْدِ الْجَمِيلِ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ حُصُولَ هَذَا الْقَصْدِ فَلَمَّا حَضَرَ عُمَرُ هَرَبَ هُوَ لِظَنِّهِ أَنَّ هَذَا اللَّهْوَ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ بِخِلَافِهِ، وَكَمْ يَفُوتُ الْعَارِفِينَ مِنْ الدَّقَائِقِ فَضْلًا عَنْ الشَّيَاطِينِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّادِسَةُ) ذَكَرَ ابْنُ طَاهِرٍ فِي الْمُبْهَمَاتِ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ اسْمُهَا سُدَيْسَةُ مَوْلَاةُ حَفْصَةَ " وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ