الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَبِهَذَا جَزَمَ الْغَزَالِيُّ وَتَبِعَهُ عَبْدُ الْغَفَّارِ الْقَزْوِينِيُّ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَحَكَى الْبَغَوِيّ فِيهَا وَجْهَيْنِ وَصَحَّ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِحُصُولِ ` الضَّرَرِ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْبَائِعُ التَّدْلِيسَ.
[فَائِدَة تَبَيَّنَ لِلْمُشْتَرِي التَّصْرِيَةُ لَكِنْ دَرَّ اللَّبَنُ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي أَشْعَرَتْ بِهِ]
(الْأَرْبَعُونَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا تَبَيَّنَ لِلْمُشْتَرِي التَّصْرِيَةُ لَكِنْ دَرَّ اللَّبَنُ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي أَشْعَرَتْ بِهِ التَّصْرِيَةُ وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَطْلَقَ ثُبُوتَ الْخِيَارِ وَلَمْ يُفَصِّلْ لَكِنَّ هَذِهِ صُورَةٌ نَادِرَةٌ أَعْنِي تَغَيُّرَ الْحَالِ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ. وَصَيْرُورَتُهَا ذَاتَ لَبَنٍ غَزِيرٍ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ قَبْلَ التَّصْرِيَةِ فَيَظْهَرُ أَنَّهَا غَيْرُ مُرَادَةٍ مِنْ الْعُمُومِ فَلَا خِيَارَ فِيهَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ وَيَنْبَغِي بِنَاؤُهَا عَلَى أَنَّ الْفَرْعَ النَّادِرَ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ أَمْ لَا، وَالصَّحِيحُ فِي الْأُصُولِ دُخُولُهُ لَكِنْ شَبَّهَ أَصْحَابُنَا الْوَجْهَيْنِ بِالْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْعَيْبَ الْقَدِيمَ إلَّا بَعْدَ زَوَالِهِ وَبِالْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَوْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ تَحْتَ عَبْدٍ وَلَمْ تَعْلَمْ عِتْقَهَا حَتَّى عَتَقَ الزَّوْجُ وَمُقْتَضَى التَّشْبِيهِ تَصْحِيحُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي تَيْنِك الصُّورَتَيْنِ.
(الْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) أَخَذَ أَصْحَابُنَا مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي الْمُصَرَّاةِ ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ حَصَلَ فِيهِ تَدْلِيسٌ وَتَغْرِيرٌ مِنْ الْبَائِعِ كَمَا لَوْ حَبَسَ مَاءِ الْقَنَاةِ أَوْ الرَّحَى ثُمَّ أَرْسَلَهُ عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ فَظَنَّ الْمُشْتَرِي كَثْرَتَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ الْحَالُ أَوْ حَمَّرَ وَجْهَ الْجَارِيَةِ أَوْ سَوَّدَ شَعْرَهَا أَوْ جَعَّدَهُ أَوْ أَرْسَلَ الزُّنْبُورَ عَلَى وَجْهِهَا فَظَنَّهَا الْمُشْتَرِي سَمِينَةً ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا وَحَكَى أَصْحَابُنَا خِلَافًا فِيمَا لَوْ لَطَّخَ ثَوْبَ الْعَبْدِ بِمِدَادٍ أَوْ أَلْبَسَهُ ثَوْبَ الْكُتَّابِ أَوْ الْخَبَّازِينَ وَخُيِّلَ كَوْنُهُ كَاتِبًا أَوْ خَبَّازًا فَبَانَ خِلَافُهُ، أَوْ أَكْثَرَ عَلَفَ الْبَهِيمَةِ حَتَّى انْتَفَخَ بَطْنُهَا فَظَنَّهَا الْمُشْتَرِي حَامِلًا أَوْ أَرْسَلَ الزُّنْبُورَ عَلَى ضَرْعِهَا فَانْتَفَخَ فَظَنَّهَا لَبُونًا وَالْأَصَحُّ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِتَقْصِيرِ الْمُشْتَرِي، وَأَثْبَتَ الْمَالِكِيَّةُ الْخِيَارَ فِي تَلَطُّخِ الثَّوْبِ بِالْمِدَادِ.
[فَائِدَة إذَا عَلِمَ التَّصْرِيَةَ وَاخْتَارَ الرَّدَّ بَعْدَ أَنْ حَلَبَهَا]
1
(الثَّانِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) فِيهِ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ التَّصْرِيَةَ وَاخْتَارَ الرَّدَّ بَعْدَ أَنْ حَلَبَهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا أُلْحِقَ بِهِمَا وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّمْرُ قُوتَ الْبَلَدِ أَمْ لَا وَهَذَا مَذْهَبُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي يُوسُفَ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ وَالْجُمْهُورِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةُ: يَرُدُّ صَاعًا مِنْ قُوتِ الْبَلَدِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِالتَّمْرِ وَالتَّنْصِيصُ عَلَى التَّمْرِ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ غَالِبَ قُوتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِصَاعٍ بَلْ يَتَقَدَّرُ الْوَاجِبُ بِقَدْرِ اللَّبَنِ وَيَخْتَلِفُ بِقِلَّتِهِ وَكَثْرَتِهِ فَقَدْ يَزِيدُ الْوَاجِبُ عَلَى الصَّاعِ وَقَدْ يَنْقُصُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَرُدُّ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ رَوَاهَا عَنْهُ أَشْهَبُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ قَدْ سَمِعْت ذَلِكَ وَلَيْسَ بِالثَّابِتِ وَلَا الْمُوَطَّإِ عَلَيْهِ وَلَهُ اللَّبَنُ بِمَا عَلَفَ وَضَمِنَ، قِيلَ لَهُ نَرَاك تُضَعِّفُ الْحَدِيثَ فَقَالَ كُلُّ شَيْءٍ يُوضَعُ مَوْضِعُهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذِهِ رِوَايَةٌ مُنْكَرَةٌ وَالصَّحِيحُ عَنْ مَالِكٍ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ نَأْخُذُ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ نَعَمْ أَوَلِأَحَدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رَأْيٌ؟ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَنَا آخُذُ بِهِ إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ لِي أَرَى لِأَهْلِ الْبُلْدَانِ إذَا نَزَلَ بِهِمْ هَذَا أَنْ يُعْطُوا الصَّاعَ مِنْ عَيْشِهِمْ، وَأَهْلُ مِصْرَ عَيْشُهُمْ الْحِنْطَةُ.
وَوَافَقَ زُفَرُ الْجُمْهُورَ إلَّا أَنَّهُ خَيَّرَ بَيْنَ رَدِّ صَاعِ تَمْرٍ وَنِصْفِ صَاعِ بُرٍّ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا: يَرُدُّ قِيمَةَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «مَنْ ابْتَاعَ مُحَفَّلَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا مِثْلَ أَوْ مِثْلَيْ لَبَنِهَا قَمْحًا» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ جُمَيْعُ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: كَانَ مِنْ أَكْذِبْ النَّاسِ كَانَ يَقُولُ الْكَرَاكِيُّ تُفَرِّخُ فِي السَّمَاءِ وَلَا تَقَعُ فِرَاخُهَا وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ وَقَالَ كَانَ رَافِضِيًّا يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَذَكَرَهُ فِي الثِّقَاتِ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ كُوفِيٌّ صَالِحُ الْحَدِيثِ عَنْ عُنُقِ الشِّيعَةِ.
(الثَّالِثَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي رَدِّ الصَّاعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ بَاقِيًا أَمْ لَا وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُكَلَّفُ رَدُّهُ، وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا؛ لِأَنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ مَلَكَهُ وَاخْتَلَطَ بِالْمَبِيعِ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزَ، وَإِذَا أَمْسَكَهُ كَانَ كَمَا لَوْ تَلِفَ، وَإِنْ أَرَادَ رَدَّهُ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ الْبَائِعُ فِيهِ وَجْهَانِ:
(أَحَدُهُمَا) نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ بَدَلِهِ، وَأَصَحُّهُمَا لَا؛ لِذَهَابِ طَرَاوَتِهِ وَلَا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
خِلَافَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَوْ حَمُضَ لَمْ يُكَلَّفْ أَخْذُهُ، وَالْخِلَافُ فِي إخْبَارِ الْبَائِعِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَيْضًا وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى ذَلِكَ فَحَكَوْا اخْتِلَافًا فِي صِحَّةِ رَدِّهِ بِاتِّفَاقِهِمَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَصِحُّ رَدُّهُ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ يَصِحُّ وَهُوَ إقَالَةٌ؛ وَجَزَمَ أَصْحَابُنَا بِجَوَازِهِ بِالتَّرَاضِي وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُمَا لَوْ تَرَاضَيَا بِغَيْرِ التَّمْرِ مِنْ قُوتٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ عَلَى رَدِّ اللَّبَنِ الْمَحْلُوبِ عِنْدَ بَقَائِهِ جَازَ وَذَكَرَ ابْنُ كَجٍّ وَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ إبْدَالِ التَّمْرِ بِالْبُرِّ إذَا تَرَاضَيَا بِذَلِكَ، وَلَمْ يَرَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ أَنَّ التَّمْرَ فِي مُقَابَلَةِ اللَّبَنِ بَلْ أَوْجَبَ رَدَّ التَّمْرِ مُطْلَقًا، وَقَالَ فِي اللَّبَنِ الْحَاصِلِ وَقْتَ الْبَيْعِ يَرُدُّهُ وَلَوْ تَغَيَّرَ فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ رَدَّ بَدَلَهُ لَبَنًا، وَإِنْ نَقَصَ رَدَّ التَّفَاوُتَ وَلَا يَرُدُّ مَا حَدَثَ مِنْ اللَّبَنِ بَعْدَ الشِّرَاءِ.
(الرَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) الْحَدِيثُ سَاكِتٌ عَمَّا لَوْ عَجَزَ عَنْ التَّمْرِ، وَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا يَرُدُّ قِيمَتَهُ بِالْمَدِينَةِ كَذَا جَزَمَ بِهِ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ لَكِنَّهُ حَكَى فِي الْحَاوِي وَجْهَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَرُدُّ قِيمَتَهُ بِأَقْرَبِ بِلَادِ التَّمْرِ إلَيْهِ. وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ، وَقَدْ يُقَالُ يَجِبُ تَحْصِيلُهُ مِنْ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ، وَقَدْ يُقَالُ إذَا قَدَرَ عَلَى التَّمْرِ بَعْدَ ذَلِكَ دَفَعَهُ، وَأَخَذَ الْقِيمَةَ الَّتِي أَعْطَاهَا فَيَنْظُرُ فِي ذَلِكَ.
(الْخَامِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) قَدْ عَرَفْت أَنَّ نَصَّ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ وَقَدْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى إلْحَاقِ الْبَقَرِ بِهِمَا فِي الْخِيَارِ وَفِي رَدِّ الصَّاعِ بَلْ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ تَعَدِّيهِ إلَى سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الْمَأْكُولَةِ وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ يَخْتَصُّ بِالْأَنْعَامِ.
وَلَوْ اشْتَرَى أَتَانًا فَوَجَدَهَا مُصَرَّاةً فَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ يَرُدُّهَا وَلَا يَرُدُّ لِلَّبَنِ بَدَلًا؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ وَبِهِ قَالَ الْحَنَابِلَةُ. وَ (الثَّانِي) يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ بَدَلَهُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ لِذَهَابِهِ إلَى أَنَّهُ طَاهِرٌ مَشْرُوبٌ. وَ (الثَّالِثُ) لَا يَرُدُّهَا أَصْلًا لِحَقَارَةِ لَبَنِهَا وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا مُصَرَّاةً فَفِيهِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) يَرُدُّهَا وَلَا يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَاضُ عَنْهُ غَالِبًا وَبِهِ قَالَ الْحَنَابِلَةُ. وَ (الثَّانِي) يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ بَدَلَهُ.
(وَالثَّالِثُ) لَا يَرُدُّ بَلْ يَأْخُذُ الْأَرْشَ.
(السَّادِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) قَدْ يُقَالُ إنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَدَدًا مِنْ الْإِبِلِ أَوْ الْغَنَمِ أَوْ غَيْرِهَا فَوَجَدَ الْكُلَّ مُصَرًّا، وَاخْتَارَ الرَّدَّ رَدَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ اثْنَيْنِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام بَعْدَ أَنْ نَهَى عَنْ تَصْرِيَةِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ ذَكَرَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَاهَا وَسَخِطَهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. وَظَاهِرُهُ رَدُّ الصَّاعِ مَعَ الْإِبِلِ أَوْ الْغَنَمِ لَكِنْ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً، فَرَتَّبَ هَذَا الْحُكْمَ عَلَى الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَرُدُّ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ يَرُدُّ الصَّاعَ عَنْ جَمِيعِهَا تَعَبُّدًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِثَمَنٍ لِلَّبَنِ وَلَا قِيمَةٍ، وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْأَوَّلَ عَنْ الْأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِهِمْ وَغَيْرِهِمْ وَالثَّانِيَ عَمَّنْ اسْتَعْمَلَ ظَوَاهِرَ الْآثَارِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ الثَّانِيَ عَنْ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَالْأَوَّلُ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ أَوْلَى بِدَلِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ.
وَنَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ الْأَوَّلَ عَنْ مَذْهَبِهِمْ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ السُّبْكِيُّ لَمْ أَقِفْ لِأَصْحَابِنَا عَلَى نَقْلٍ فِي ذَلِكَ.
(السَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) الْحَدِيثُ إنَّمَا وَرَدَ فِيمَا إذَا رَدَّهَا بِسَبَبِ التَّصْرِيَةِ فَلَوْ رَدَّهَا بِسَبَبٍ آخَرَ وَهَذَا يَتَنَاوَلُ صُورَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ تَكُونَ مُصَرَّاةً وَرَضِيَ بِإِمْسَاكِهَا كَذَلِكَ ثُمَّ اطَّلَعَ بِهَا عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ.
(الثَّانِيَةُ) أَنْ لَا تَكُونَ مُصَرَّاةً فَيَحْلُبَ لَبَنَهَا ثُمَّ يَرُدَّهَا بِعَيْبٍ. فَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ: يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ صَاعًا كَالْمُصَرَّاةِ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ قَلِيلٌ غَيْرُ مُعْتَنًى بِجَمْعِهِ بِخِلَافِ الْمُصَرَّاةِ وَرَأَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَخْرِيجَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اللَّبَنَ هَلْ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْنَا يَأْخُذُ وَهُوَ الْأَصَحُّ رَدَّ بَدَلَهُ، وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى رَدِّ الصَّاعِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا مُصَرَّاةٌ وَقَدْ سَخِطَهَا لَكِنَّهُ لَمْ يَسْخَطْهَا؛ لِأَجْلِ التَّصْرِيَةَ بَلْ لِسَبَبٍ آخَرَ.
وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهَا الْحَدِيثُ وَالْقِيَاسُ فِي مِثْلِ هَذَا بَعِيدٌ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمَالِكِيِّ فَلَوْ رَدَّ بِعَيْبٍ غَيْرِهِ فَفِي الصَّاعِ قَوْلَانِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الصُّورَةَ الْأُولَى أَوَالثَّانِيَةَ أَوْ هُمَا مَعًا وَكَذَا عِبَارَةُ ابْنِ حَزْمٍ الظَّاهِرِيِّ فَإِنْ رَدَّهَا بِعَيْبٍ غَيْرِ التَّصْرِيَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّ التَّمْرِ وَلَا شَيْءَ غَيْرَ اللَّبَنِ الَّذِي كَانَ فِي ضَرْعِهَا إذَا اشْتَرَاهَا.
(الثَّامِنَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) اعْتَلَّ الْحَنَفِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ فِي مُخَالَفَةِ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَمْرَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَاخْتُلِفَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
فِي نَاسِخِهِ فَقِيلَ هُوَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] وَجَوَابُهُ أَنَّ ضَمَانَ الْمُتْلَفَاتِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْعُقُوبَاتِ، وَأَنَّ شَرْطَ النَّسْخِ مَعْرِفَةُ التَّارِيخِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا يَقِينٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَيُعْرَفُ التَّارِيخُ فَالْآيَةُ عَامَّةٌ وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ خَاصَّةٌ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ وَقِيلَ: إنَّ النَّاسِخَ لَهُ مَا نَسَخَ الْعُقُوبَاتِ فِي الْغَرَامَاتِ بِأَكْثَرَ مِنْ الْمِثْلِ فِي مَانِعِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ مَعَ شَطْرِ مَالِهِ، وَفِي سَارِقِ التَّمْرِ مِنْ غَيْرِ الْجَرِينِ غَرَامَةٌ مِثْلِيَّةٌ وَجَلَدَاتٌ تُكَالُ وَنَحْوُ ذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا يُوهِمُ، وَسِعْرُ اللَّبَنِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ أَرْخَصُ مِنْ سِعْرِ التَّمْرِ، وَالتَّصْرِيَةُ وُجِدَتْ مِنْ الْبَائِعِ لَا مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّصْرِيَةِ لَأَشْبَهَ أَنْ يَجْعَلَهُ لِلْمُشْتَرِي بِلَا شَيْءٍ أَوْ بِمَا يَنْقُصُ عَنْ قِيمَةِ اللَّبَنِ بِكُلِّ حَالٍ لَا بِمَا قَدْ تَكُونُ قِيمَتُهُ مِثْلَ قِيمَةِ اللَّبَنِ أَوْ أَكْثَرَ بِكَثِيرٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ رَدُّ مَا كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْبَيْعِ دُونَ مَا حَدَثَ بَعْدَهُ وَهَلَّا جَعَلَهُ شَبِيهًا بِقَضَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ حِينَ لَمْ يُوقَفْ عَلَى حَدِّهِ فَقَضَى فِيهِ بِأَمْرٍ يَنْتَهِي إلَيْهِ؛ ثُمَّ مَنْ أَخْبَرَهُ بِأَنَّ قَضَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُصَرَّاةِ كَانَ قَبْلَ نَسْخِ الْعُقُوبَاتِ فِي الْأَمْوَالِ حَتَّى يَجْعَلَهُ مَنْسُوخًا، وَأَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ أَوَاخِرِ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَحَمَلَ خَبَرَ التَّصْرِيَةِ عَنْهُ فِي آخَرِ عُمُرِهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَفْتَى بِهِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا مُخَالِفَ لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ فَلَوْ صَارَ إلَى قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ وَمَعَهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ الَّتِي لَا مُعَارِضَ لَهَا لَكَانَ أَوْلَى بِهِ مِنْ دَعْوَى النَّسْخِ بِالتَّوَهُّمِ. انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي ادِّعَاءِ النَّسْخِ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ إثْبَاتُ النَّسْخِ بِالِاحْتِمَالِ وَهُوَ غَيْرُ سَائِغٍ، وَقِيلَ نَسَخَهُ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْمُصَرَّاةِ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، وَإِذَا أَلْزَمْنَاهُ فِي ذِمَّتِهِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ كَانَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ نَسِيئَةً وَدَيْنًا بِدَيْنٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا مِنْ الضَّرْبِ الَّذِي تُغْنِي حِكَايَتُهُ عَنْ جَوَابِهِ أَيْ بَيْعٌ جَرَى بَيْنَهُمَا عَلَى اللَّبَنِ بِالتَّمْرِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ؟ وَمِنْ أَتْلَفَ عَلَى غَيْرِهِ شَيْئًا فَالْمُتْلِفُ غَيْرُ حَاضِرٍ وَاَلَّذِي يَلْزَمُهُ مِنْ الضَّمَانِ غَيْرُ حَاضِرٍ فَيَجْعَلُ ذَلِكَ دَيْنًا بِدَيْنٍ حَتَّى لَا نُوجِبَ الضَّمَانَ، وَنَعْدِلَ عَنْ إيجَابِ الضَّمَانِ إلَى حُكْمٍ آخَرَ، وَقَدْ يَكُونُ مَا حَلَبَهُ مِنْ اللَّبَنِ حَاضِرًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
عِنْدَهُ فِي آنِيَتِهِ أَفَيُجْعَلُ ذَلِكَ مَحَلَّ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ أَوْ يَكُونُ خَارِجًا مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ، وَذَلِكَ الْحَدِيثُ لَوْ كَانَ يُصَرِّحُ بِنَسْخِ حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الزَّيْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمُوسَى هُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ كَيْفَ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِ مِمَّا يُوهِمُ قَائِلَ هَذَا شَيْءٌ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. انْتَهَى.
وَقِيلَ نَسَخَهُ حَدِيثُ الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ وَالْمُشْتَرِي ضَامِنٌ لِمَا اشْتَرَاهُ بِخَرَاجِهِ لَهُ فَكَيْفَ يَغْرَمُ بَدَلَهُ لِلْبَائِعِ؟ وَجَوَابُهُ: أَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ وَرَدَ شَيْءٌ مَخْصُوصٌ وَبِتَقْدِيرِ عُمُومِهِ فَالْمُشْتَرِي لَمْ يَغْرَمْ بَدَلَ مَا حَدَثَ عَلَى مِلْكِهِ، وَإِنَّمَا غَرِمَ بَدَلَ اللَّبَنِ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ فِي شَيْءٍ.
(الْأَمْرُ الثَّانِي) قَالُوا إنَّهُ مُخَالِفٌ لِقِيَاسِ الْأُصُولِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ أَوْجُهٍ:
(أَحَدُهَا) أَنَّ الْمَعْلُومَ مِنْ الْأُصُولِ أَنَّ ضَمَانَ الْمِثْلِيَّاتِ بِالْمِثْلِ وَضَمَانَ الْمُقَوَّمَاتِ بِالْقِيمَةِ مِنْ النَّقْدَيْنِ فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ مِثْلِيًّا فَيَنْبَغِي ضَمَانُ مِثْلِهِ لَبَنًا، وَإِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ مِنْ النَّقْدَيْنِ وَقَدْ ضُمِنَ هُنَا بِالتَّمْرِ، وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْأَصْلَيْنِ مَعًا.
(الثَّانِي) أَنَّ الْقَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةَ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ بِقَدْرِ التَّالِفِ وَهُنَا ضُمِنَ اللَّبَنُ بِمِقْدَارٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الصَّاعُ قَلَّ اللَّبَنُ أَوْ كَثُرَ.
(الثَّالِثُ) أَنَّ اللَّبَنَ التَّالِفَ إنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَقَدْ ذَهَبَ جُزْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ كَمَا لَوْ ذَهَبَ بَعْضُ أَعْضَاءِ الْمَبِيعِ ثُمَّ ظَهَرَ عَيْبٌ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ، وَإِنْ كَانَ حَادِثًا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَقَدْ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَضْمَنُهُ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِطًا بِمَا كَانَ مَوْجُودًا مِنْهُ عِنْدَ الْعَقْدِ مَنَعَ الرَّدَّ وَمَا كَانَ حَادِثًا لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ.
(الرَّابِعُ) إثْبَاتُ الْخِيَارِ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ مُخَالِفٍ لِلْأُصُولِ فَإِنَّ الْخِيَارَاتِ الثَّابِتَةَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لَا تَتَقَدَّرُ بِالثَّلَاثِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارِ الْمَجْلِسِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِمَا.
(الْخَامِسُ) يَلْزَمُ مَنْ يَقُولُ بِظَاهِرِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ لِلْبَائِعِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الشَّاةِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ مَعَ الصَّاعِ الَّذِي هُوَ مِقْدَارُ ثَمَنِهَا.
(السَّادِسُ) أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَاعِدَةِ الرِّبَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى شَاةً بِصَاعٍ فَإِذَا اسْتَرَدَّ مَعَهَا صَاعَ تَمْرٍ فَقَدْ اسْتَرْجَعَ الصَّاعَ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ فَيَكُونُ قَدْ بَاعَ صَاعًا وَشَاةً وَذَلِكَ مِنْ الرِّبَا عِنْدَكُمْ فَإِنَّكُمْ تَمْنَعُونَ مِثْلَ ذَلِكَ.
(السَّابِعُ) إذَا كَانَ اللَّبَنُ بَاقِيًا لَمْ يُكَلَّفْ رَدَّهُ عِنْدَكُمْ فَإِذَا أَمْسَكَهُ فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
تَلِفَ فَيَرُدُّ الصَّاعَ وَفِي ذَلِكَ ضَمَانُ الْأَعْيَانِ مَعَ بَقَائِهَا وَالْأَعْيَانُ لَا تُضْمَنُ بِالْبَدَلِ إلَّا مَعَ فَوَاتِهَا كَالْمَغْصُوبِ وَسَائِرِ الْمَضْمُونَاتِ.
(الثَّامِنُ) قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ أَثْبَتَ الرَّدَّ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ وَلَا شَرْطٍ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ اللَّبَنِ لَوْ كَانَ عَيْبًا لَثَبَتَ بِهِ الرَّدُّ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيَةٍ وَلَا يَثْبُتُ الرَّدُّ فِي الشَّرْعِ إلَّا بِعَيْبٍ أَوْ شَرْطٍ ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ هَذِهِ الْأُمُورَ الثَّمَانِيَةَ، وَأَنَّهُمْ رَتَّبُوا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إذَا خَالَفَ قِيَاسَ الْأُصُولِ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ ظَنِّيٌّ، وَهِيَ قَطْعِيَّةٌ ثُمَّ قَالَ: وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ بِالطَّعْنِ فِي الْمَقَامَيْنِ مَعًا أَعْنِي أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ، وَأَنَّهُ إذَا خَالَفَ الْأُصُولَ لَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِهِ.
(أَمَّا الْمَقَامُ الْأَوَّلُ) فَقَدْ فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ مُخَالَفَةِ الْأُصُولِ وَمُخَالَفَةِ قِيَاسِ الْأُصُولِ وَخَصَّ الرَّدَّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِمُخَالَفَةِ الْأُصُولِ لَا لِمُخَالَفَةِ قِيَاسِ الْأُصُولِ وَهَذَا الْخَبَرُ إنَّمَا يُخَالِفُ قِيَاسَ الْأُصُولِ. قَالَ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ قَالَ: وَسَلَكَ آخَرُونَ تَخْرِيجَ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ. وَالْجَوَابُ عَنْهَا أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ جَمِيعَ الْأُصُولِ تَقْتَضِي الضَّمَانَ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْتُمُوهُ فَإِنَّ الْحُرَّ يُضْمَنُ بِالْإِبِلِ وَلَيْسَتْ بِمِثْلٍ لَهُ وَلَا قِيمَةٍ وَالْجَنِينُ يُضْمَنُ بِالْغُرَّةِ وَلَيْسَتْ بِمِثْلٍ لَهُ وَلَا قِيمَةٍ، وَأَيْضًا فَقَدْ يُضْمَنُ الْمِثْلِيُّ بِالْقِيمَةِ إذَا تَعَذَّرَتْ الْمُمَاثَلَةُ كَمَنْ أَتْلَفَ شَاةً لَبُونًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا مَعَ اللَّبَنِ وَلَا يُجْعَلُ بِإِزَاءِ لَبَنِهَا لَبَنٌ آخَرُ؛ لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ فَكَذَلِكَ هُنَا لَا تَتَحَقَّقُ مُمَاثَلَةُ مَا يَرُدُّهُ مِنْ اللَّبَنِ عِوَضًا عَنْ اللَّبَنِ التَّالِفِ فِي الْقَدْرِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ.
(قُلْتُ) وَوَجَدْنَا بَعْضَ الْمِثْلِيَّاتِ يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ وَبَعْضَ الْمُتَقَوِّمَاتِ يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ وَبَعْضُ الْأَشْيَاءِ يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ مَعًا وَبَعْضُ الْمُتَقَوِّمَاتِ يُضْمَنُ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ وَوَجَدْنَا صُورَةً يَخْتَلِفُ فِيهَا الْمَضْمُونُ بِحَسَبِ الضَّامِنِ، وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ بِتَفَاصِيلِهِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: أَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ السُّنَّةَ إذَا وَرَدَتْ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهَا بِالْمَعْقُولِ.
وَأَمَّا الْحِكْمَةُ فِي تَقْيِيدِهِ بِصَاعِ التَّمْرِ فَلِأَنَّهُ كَانَ غَالِبَ قُوتِهِمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَاسْتَمَرَّ حُكْمُ الشَّرْعِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ مِثْلُهُ وَلَا قِيمَتُهُ بَلْ وَجَبَ صَاعٌ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ حَدًّا يَرْجِعُ إلَيْهِ وَيَزُولُ بِهِ التَّخَاصُمُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَرِيصًا عَلَى رَفْعِ الْخِصَامِ وَالْمَنْعِ مِنْ كُلِّ مَا هُوَ سَبَبٌ لَهُ.
وَقَدْ يَقَعُ بَيْعُ الْمُصَرَّاةِ فِي الْبَوَادِي وَالْقُرَى وَفِي مَوَاضِعَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
لَا يُوجَدُ بِهَا مَنْ يَعْرِفُ الْقِيمَةَ وَيُعْتَمَدُ قَوْلُهُ فِيهَا. وَقَدْ يَتْلَفُ اللَّبَنُ وَيَتَنَازَعُونَ فِي قِلَّتِهِ وَكَثْرَتِهِ وَفِي عَيْنِهِ فَجَعَلَ الشَّرْعُ لَهُمْ ضَابِطًا لَا نِزَاعَ مَعَهُ وَهُوَ صَاعُ تَمْرٍ وَنَظِيرُ هَذَا الدِّيَةُ فَإِنَّهَا مِائَةُ بَعِيرٍ وَلَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْقَتِيلِ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ وَمِثْلُهُ الْغُرَّةُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَنِينِ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى تَامَّ الْخِلْقَةِ أَوْ نَاقِصَهَا جَمِيلًا أَوْ قَبِيحًا، وَمِثْلُهُ الْجُبْرَانُ فِي الزَّكَاةِ بَيْنَ السِّنِينَ جَعَلَهُ الشَّرْعُ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ سَوَاءٌ كَانَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَآخَرُونَ نَحْوَ هَذَا الْمَعْنَى. انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَأَمَّا الِاعْتِرَاضُ الثَّانِي) فَقِيلَ فِي جَوَابِهِ: إنَّ بَعْضَ الْأُصُولِ لَا يَتَقَدَّرُ بِمَا ذَكَرْتُمُوهُ كَالْمُوضِحَةِ فَإِنَّ أَرْشَهَا مُقَدَّرٌ مَعَ اخْتِلَافِهَا بِالْكِبْرِ وَالصِّغَرِ، وَالْجَنِينُ مُقَدَّرٌ وَلَا يَخْتَلِفُ أَرْشُهُ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ وَاخْتِلَافِ الصِّفَاتِ، وَالْحُرُّ دِيَتُهُ مَقْدِرَةٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَ بِالصِّغَرِ وَالْكِبْرِ وَسَائِرِ الصِّفَاتِ، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ مَا يَقَعُ فِيهِ التَّنَازُعُ وَالتَّشَاجُرُ يَقْصِدُ قَطْعَ النِّزَاعِ فِيهِ بِتَقْدِيرِهِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَتُقَدَّمُ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَكَانِ عَلَى تِلْكَ الْقَاعِدَةِ. قَالَ:(وَأَمَّا الِاعْتِرَاضُ الثَّالِثُ) فَجَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ: مَتَى يَمْتَنِعُ الرَّدُّ بِالنَّقْصِ إذَا كَانَ النَّقْصُ لِاسْتِعْلَامِ الْعَيْبِ أَوْ إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ مَمْنُوعًا وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ.
وَأَمَّا (الِاعْتِرَاضُ الرَّابِعُ) فَإِنَّمَا يَكُونُ الشَّيْءُ مُخَالِفًا لِغَيْرِهِ إذَا كَانَ مُمَاثِلًا لَهُ وَخُولِفَ فِي حُكْمٍ وَهَا هُنَا هَذِهِ الصُّورَةُ انْفَرَدَتْ عَنْ غَيْرِهَا بِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ هِيَ الَّتِي يَتَبَيَّنُ فِيهَا لَبَنُ الْحَلْبَةِ الْمُجْتَمِعُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَاللَّبَنُ الْمُجْتَمِعُ بِالتَّدْلِيسِ فَهِيَ مُدَّةٌ يَتَوَقَّفُ عِلْمُ الْغَيْبِ عَلَيْهَا غَالِبًا بِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَخِيَارُ الْمَجْلِسِ لَيْسَ لِاسْتِعْلَامِ عَيْبٍ. وَأَمَّا (الِاعْتِرَاضُ الْخَامِسُ) فَقَدْ قِيلَ فِيهِ: إنَّ الْخَبَرَ وَارِدٌ عَلَى الْعَادَةِ وَالْعَادَةُ أَنْ لَا تُبَاعَ شَاةٌ بِصَاعٍ وَفِي هَذَا ضَعْفٌ. وَقِيلَ: إنَّ صَاعَ التَّمْرِ بَدَلٌ عَنْ اللَّبَنِ لَا عَنْ الشَّاةِ فَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ (قُلْت) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْجَوَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: وَأَمَّا (الِاعْتِرَاضُ السَّادِسُ) فَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْجَوَابَ عَنْهُ أَنَّ الرِّبَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْعُقُودِ لَا فِي الْفُسُوخِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ تَبَايَعَا ذَهَبًا بِفِضَّةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ. وَلَوْ تَقَابَلَا فِي هَذَا الْعَقْدِ لَجَازَ أَنْ يَتَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ. وَأَمَّا (الِاعْتِرَاضُ السَّابِعُ) فَجَوَابُهُ فِيمَا قِيلَ إنَّ