الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ النَّذْرِ
عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَأْتِي ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ أَكُنْ قَدَّرْتُهُ لَهُ وَلَكِنْ يُلْفِيهِ النَّذْرُ قَدْ قَدَّرْتُهُ
ــ
[طرح التثريب]
الْقَبِيحَةَ؛ وَلِأَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنْ اتِّخَاذِهَا فَعُوقِبَ مُتَّخِذُهَا بِحِرْمَانِهِ دُخُولَ الْمَلَائِكَةِ بَيْتَهُ وَصَلَاتَهَا فِيهِ وَاسْتِغْفَارَهَا لَهُ وَتَبْرِيكَهَا عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ وَدَفْعَهَا أَذَى الشَّيْطَانِ.
[فَائِدَة كَلْبِ الصَّيْدِ وَالزَّرْعِ وَالْمَاشِيَةِ لَا يَمْتَنِعُ دُخُولُ الْمَلَائِكَةِ بِسَبَبِهِ]
1
(الرَّابِعَةُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ إنَّمَا لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ مِمَّا يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ مِنْ الْكِلَابِ فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِحَرَامٍ مِنْ كَلْبِ الصَّيْدِ وَالزَّرْعِ وَالْمَاشِيَةِ فَلَا يَمْتَنِعُ دُخُولُ الْمَلَائِكَةِ بِسَبَبِهِ. وَأَشَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَى نَحْوِ مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ كَلْبٍ وَأَنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ مِنْ الْجَمِيعِ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ: وَلِأَنَّ الْجَرْوَ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ السَّرِيرِ كَانَ لَهُ فِيهِ عُذْرٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، وَمَعَ هَذَا امْتَنَعَ جِبْرِيلُ عليه السلام مِنْ دُخُولِ الْبَيْتِ، وَعَلَّلَ بِالْجَرْوِ فَلَوْ كَانَ الْعُذْرُ فِي وُجُودِ الْكَلْبِ لَا يَمْنَعُهُمْ لَمْ يَمْتَنِعْ جِبْرِيلُ انْتَهَى.
وَفِيمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ نَظَرٌ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ مِمَّا نَقَلَ هُوَ عَنْ الْعُلَمَاءِ التَّعْلِيلَ بِهِ أَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنْ اتِّخَاذِهَا، وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِي الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ، وَلَا يَصِحُّ اسْتِدْلَالُهُ بِذَلِكَ الْجَرْوِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا فِي اتِّخَاذِهِ بَلْ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إلَّا أَنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ بِهِ أَسْقَطَ الْإِثْمَ فَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ لِلْغَفْلَةِ عَنْهُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ دُخُولِهِمْ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِي اتِّخَاذِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَى أَصْحَابِ الْبَيْتِ؛ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِهِ. امْتِنَاعُهُمْ مِنْ دُخُولِ بَيْتٍ فِيهِ كَلْبٌ مَأْذُونٌ فِي اتِّخَاذِهِ؛ لِعَدَمِ التَّقْصِيرِ مَعَ الْإِذْنِ، وَمَا جَاءَ نُقْصَانُ أَجْرِ الْعَمَلِ إلَّا مَعَ عَدَمِ الْإِذْنِ فِي الِاتِّخَاذِ فَكَذَلِكَ امْتِنَاعُ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ النَّذْرِ]
[حَدِيث لَا يَأْتِي ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ أَكُنْ قَدَّرْتُهُ لَهُ]
(بَابُ النَّذْرِ) .
(الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَأْتِي ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ
لَهُ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ يُؤْتِينِي عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ آتَانِي مِنْ قَبْلُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «لَا تُنْذِرُوا فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يُغْنِي مِنْ الْقَدَرِ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» .
ــ
[طرح التثريب]
أَكُنْ قَدْ قَدَّرْتُهُ لَهُ وَلَكِنْ يُلْفِيهِ النَّذْرُ قَدْ قَدَّرْتُهُ لَهُ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ؛ يُؤْتِينِي عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ آتَانِي مِنْ قَبْلُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ:
(الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ؛ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَا تُنْذِرُوا فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يُغْنِي مِنْ الْقَدَرِ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إيَّاكُمْ وَالنَّذْرَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُنْعِمُ نِعْمَةً عَلَى الرَّشَا وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» .
(الثَّانِيَةُ) : النَّذْرُ بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَحَكَى الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ ضَمَّ النُّونِ أَيْضًا وَهُوَ غَرِيبٌ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ خَلَلِ النُّسْخَةِ قَالَ وَهُوَ مَا يَنْذِرُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ أَيْ يُوجِبُهُ وَيُلْزِمُهُ مِنْ طَاعَةٍ لِسَبَبٍ يُوجِبُهُ لَا تَبَرُّعًا وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ نَذَرْتُ أَنْذِرُ وَأَنْذِرُ نَذْرًا إذَا أَوْجَبْتَ عَلَى نَفْسِك تَبَرُّعًا مِنْ عِبَادَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ النَّذْرَ لُغَةً الْوَعْدُ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَشَرْعًا الْوَعْدُ بِخَيْرٍ؛ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَا يَخْفَى أَنَّ النَّذْرَ الْتِزَامُ شَيْءٍ وَأَنَّهُ قَدْ يَصِحُّ، وَقَدْ لَا يَصِحُّ.
(الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ «لَا يَأْتِي ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ» بِنَصْبِ ابْنِ آدَمَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ وَرَفْعِ النَّذْرِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّذْرَ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ غَيْرِ مُقَدَّرٍ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا مَا قُدِّرَ فَلَا يَظُنُّ النَّاذِرُ الَّذِي يُعَلِّقُ طَاعَةً عَلَى حُصُولِ غَرَضٍ لَهُ كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
مَرِيضَتِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا، وَكَذَا أَنَّ النَّذْرَ هُوَ الَّذِي حَصَّلَ شِفَاءَ مَرِيضِهِ، بَلْ إنْ قُدِّرَ الشِّفَاءُ فَلَا بُدَّ مِنْ حُصُولِهِ سَوَاءٌ نَذَرَ أَمْ لَمْ يَنْذِرْ، وَإِنْ لَمْ يُقَدَّرْ فَلَا يَحْصُلُ نَذَرَ أَمْ لَمْ يَنْذِرْ، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ جَدْوَى النَّذْرِ. وَالْقَصْدُ مِنْهُ دَفْعُ تَوَهُّمِ جَاهِلٍ يَظُنُّ خِلَافَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ وَلَكِنْ يُلْفِيهِ النَّذْرُ قَدْ قَدَّرْتُهُ لَهُ كَذَا ضَبَطْنَاهُ عَنْ شَيْخِنَا وَالِدِي رحمه الله وَغَيْرِهِ بِالْفَاءِ مِنْ أَلْفَاهُ بِمَعْنَى وَجَدَهُ وَلَقِيَهُ وَهُوَ تَأْكِيدٌ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ النَّذْرَ لَا يَأْتِي بِغَيْرِ الْمُقَدَّرِ فَأَكَّدَهُ بِأَنَّ النَّذْرَ يَجِدُ ذَلِكَ الْأَمْرَ مُقَدَّرًا فَيَقَعُ عَلَى وَفْقِ التَّقْدِيرِ لَا لِأَجْلِ النَّذْرِ.
وَالْمُرَادُ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ يَقَعُ فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ إحْدَى الْحَالَتَيْنِ وَهِيَ حُصُولُ الْمَطْلُوبِ وَضَبَطْنَاهُ فِي أَصْلِنَا مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ وَلَكِنْ يُلْقِيهِ الْقَدَرُ بِالْقَافِ فِي قَوْلِهِ يُلْقِيهِ وَ (الْقَدَرُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَمَعْنَاهُ إنْ صَحَّ أَنَّ الْقَدَرَ هُوَ الَّذِي يُلْقِي ذَلِكَ الْمَطْلُوبَ، وَيُوجِدُهُ لَا النَّذْرُ فَإِنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَيُوَافِقُهُ فِي اللَّفْظِ وَيَدُلُّ لِهَذَا الضَّبْطِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ وَلَكِنْ يُلْقِيهِ النَّذْرُ إلَى الْقَدَرِ قَدْ قُدِّرَ لَهُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّذْرَ لَا يَصْنَعُ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُلْقِيهِ إلَى الْقَدَرِ فَإِنْ كَانَ قَدْ قُدِّرَ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا وَبَوَّبَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى بِمَا يُوَافِقُ مَا قَدَّرْتُهُ فِي مَعْنَى الثَّانِيَةِ فَقَالَ (بَابُ إلْقَاءِ الْعَبْدِ النَّذْرَ إلَى الْقَدَرِ) وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ضَبْطِ يُلْقِيهِ بِالْقَافِ وَلَكِنْ لَا تَظْهَرُ مُطَابَقَةُ التَّبْوِيبِ لِلْحَدِيثِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِنَصْبِ الْقَدَرِ فَيَكُونُ بِمَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَيْ وَلَكِنْ يُلْقِيهِ النَّذْرُ الْقَدَرَ أَيْ إلَى الْقَدَرِ فَحَذَفَ حَرْفَ الْجَرِّ وَنَصَبَ مَا بَعْدَهُ عَلَى طَرِيقِ التَّوَسُّعِ، وَهَذَا مَسْمُوعٌ فِي أَلْفَاظٍ مُقْتَصَرٌ فِيهِ عَلَى الْمَسْمُوعِ، وَلَعَلَّ هَذَا مِنْهُ وَلَمْ يَقَعْ هَذَا اللَّفْظُ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِلْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى -.
وَقَوْلُهُ «يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَذِهِ الْقُرْبَةِ تَطَوُّعًا مَحْضًا مُبْتَدِئًا وَإِنَّمَا يَأْتِي بِهَا فِي مُقَابَلَةِ شِفَاءِ الْمَرِيضِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُعَلِّقُ النَّذْرَ عَلَيْهِ انْتَهَى.
وَقَالَ وَالِدِي رحمه الله فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ هُنَا النُّذُورُ الْمَالِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْبُخْلَ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِي الْبُخْلِ بِالْمَالِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِذَلِكَ الْعِبَادَاتُ كُلُّهَا كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ «الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْت عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» ، وَكَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «أَبْخَلُ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلَامِ»
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ «يُؤْتِينِي عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ آتَانِي مِنْ قَبْلُ» مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَبْدَ يُؤْتِي اللَّهَ - تَعَالَى - عَلَى تَحْصِيلِ مَطْلُوبِهِ مَا لَمْ يَكُنْ أَتَاهُ مِنْ قَبْلِ تَحْصِيلِ مَطْلُوبِهِ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى ذَمِّ ذَلِكَ وَأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَأْتِيَ بِتِلْكَ الْقُرْبَةِ سَوَاءٌ حَصَلَ مَطْلُوبُهُ أَمْ لَا؛ فَهَذِهِ هِيَ الْعِبَادَةُ الْخَالِصَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعَةُ) هَذَا الْحَدِيثُ فِي أَصْلِنَا وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَنْقُولٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ حِكَايَةٍ لَهُ عَنْ اللَّهِ - تَعَالَى - وَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ؛ لِقَوْلِهِ «قَدْ قَدَّرْتُهُ لَهُ» وَقَوْلُهُ «يُؤْتِينِي عَلَيْهِ» وَلِهَذَا كَانَ وَالِدِي رحمه الله يَقُولُ لَعَلَّهُ (قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -) وَأَمَّا رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فَهِيَ وَاضِحَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إسْنَادُ ضَمِيرٍ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى -.
(الْخَامِسَةُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى ذَمِّ النَّذْرِ وَأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ وَأَنَّهُ لَا يَصْدُرُ إلَّا مِنْ بِخَيْلٍ لَا يُعْطِي الشَّيْءَ تَبَرُّعًا، وَإِنَّمَا يُعْطِي شَيْئًا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّصْرِيحُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ لَكِنْ سِيَاقُهُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي نَذْرِ الْمُجَازَاةِ وَهُوَ أَنْ يَلْتَزِمَ قُرْبَةً فِي مُقَابَلَةِ حُدُوثِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ بَلِيَّةٍ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي فِيهِ الْأَوْصَافُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلذَّمِّ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ أَمَّا النَّذْرُ الْمُلْتَزَمُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ عَلَى شَيْءٍ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ أَوْ أُعْتِقَ فَلَيْسَ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى وَلَا يَقْتَضِي الْحَدِيثُ ذَمَّهُ وَلَا النَّهْيَ عَنْهُ عَلَى أَنَّ أَصْحَابَنَا يَرَوْنَ أَنَّ الْأَوَّلَ وَهُوَ نَذْرُ الْمُجَازَاةِ آكَدُ مِنْ الثَّانِي فَإِنَّهُمْ يَجْزِمُونَ بِصِحَّةِ الْأَوَّلِ وَلُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَلَهُمْ فِي لُزُومِ الْوَفَاءِ بِالثَّانِي خِلَافٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ لُزُومُ الْوَفَاءِ بِهِ أَيْضًا، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا الْقِسْمَ الثَّانِيَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ وَتَقْدِيرُهُ أَنَّ الْبَخِيلَ لَا يَأْتِي بِالطَّاعَةِ إلَّا إذَا اتَّصَفَتْ بِالْوُجُوبِ فَيَكُونُ النَّذْرُ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ لَهُ فِعْلَ الطَّاعَةِ لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ الْوُجُوبُ لَمْ يَأْتِ بِهِ فَيَكُونُ النَّذْرُ الْمُطْلَقُ مِمَّا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى مَا ذَكَرْتُهُ أَوَّلًا وَآخِرًا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْقُشَيْرِيُّ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ.
(السَّادِسَةُ) ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ النَّذْرِ» وَلَمْ يَذْكُرْ لِأَصْحَابِنَا مَنْقُولًا يُوَافِقُهُ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ فِي ذَلِكَ عَلَى نَقْلٍ، وَجَزَمَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِكَرَاهَةِ النَّذْرِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ حَكَى عَنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ قَالَ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ كَرِهُوا النَّذْرَ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ مَعْنَى الْكَرَاهَةِ فِي النَّذْرِ فِي الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَإِنْ نَذَرَ الرَّجُلُ الطَّاعَةَ فَوَفَّى بِهِ فَلَهُ فِيهِ أَجْرٌ وَيُكْرَهُ لَهُ النَّذْرُ. انْتَهَى.
فَلَمْ يَنْقُلْ فِي ذَلِكَ كَلَامًا عَنْ أَصْحَابِنَا وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَوَى فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْهُ (قُلْت) وَقَدْ قَرَّرَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ كُلَّ مَا رَوَاهُ، وَعَلِمَهُ مِنْ الْحَدِيثِ فَهُوَ مَذْهَبُهُ وَقَائِلٌ بِهِ. وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ النَّذْرِ حَكَاهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ وَجَزَمَ بِهِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَالَ بِهِ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا أَنْذِرُ نَذْرًا أَبَدًا.
وَاخْتَارَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ هَذَا قَدْ وَرَدَ فِيهِ نَهْيٌ مَخْصُوصٌ، وَمَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَكْرُوهِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى يَقُولُ: إنَّ الْمَكْرُوهَ مَا فِيهِ نَهْيٌ خَاصٌّ وَخِلَافُ الْأَوْلَى مَا لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ خَاصٌّ وَإِنَّمَا أُخِذَ مِنْ عُمُومٍ، فَهَذَا قَوْلٌ ثَانٍ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّ النَّذْرَ مُسْتَحَبٌّ جَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فَقَالُوا إنَّهُ قُرْبَةٌ، وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ حِينَ ذَكَرَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ التَّلَفُّظَ بِالنَّذْرِ عَامِدًا فِي الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ مُنَاجَاةٌ لِلَّهِ - تَعَالَى - فَأَشْبَهَ الدُّعَاءَ. وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ: وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ نَذْرِ الْمُجَازَاةِ فَلَا يُسْتَحَبُّ وَالنَّذْرُ الْمُبْتَدَأُ فَيُسْتَحَبُّ جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ فِي الْوَكَالَةِ فَقَالَ: أَمَّا كَوْنُهُ قُرْبَةً فَلَا شَكَّ فِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا فَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا فَلَا نَقُولُ إنَّهُ قُرْبَةٌ بَلْ قَدْ يُقَالُ بِالْكَرَاهَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: وَفِي كَرَاهَةِ النَّذْرِ إشْكَالٌ عَلَى الْقَوَاعِدِ فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ تَقْتَضِي أَنَّ وَسِيلَةَ الطَّاعَةِ طَاعَةٌ وَوَسِيلَةَ الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ، وَيَعْظُمُ قُبْحُ الْوَسِيلَةِ بِحَسَبِ عِظَمِ الْمَفْسَدَةِ، وَكَذَلِكَ تَعْظُمُ فَضِيلَةُ الْوَسِيلَةِ بِحَسَبِ عِظَمِ الْمَصْلَحَةِ، وَلَمَّا كَانَ وَسِيلَةً إلَى الْتِزَامِ قُرْبَةٍ لَزِمَ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِ الْحَدِيثِ دَلَّ عَلَى خِلَافِهِ، وَاتِّبَاعُ الْمَنْصُوصِ أَوْلَى انْتَهَى.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا بَابٌ غَرِيبٌ مِنْ الْعِلْمِ وَهُوَ أَنْ يُنْهَى عَنْ الشَّيْءِ أَنْ يُفْعَلَ حَتَّى إذَا فُعِلَ وَقَعَ وَاجِبًا.