الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صارت حنيفة أثلاثا فثلثهم
…
من العبيد وثلث من موالينا
فهو بعد أن ذكر أنهم أقسام ثلاثة ذكر قسمين وسكت عن الثالث، فالقسمة هنا رديئة. قيل: إن جريرا أنشد هذا البيت ورجل من حنيفة حاضر، فقيل له: من أي قسم أنت؟ فقال: من الثلث الملغى ذكره!
ومن هذا النوع أيضا قول ابن القربة: «الناس ثلاثة: عاقل، وأحمق، وفاجر» ، فإن القسمة هنا رديئة لعدم استيفاء أقسامها، لأن الفاجر يجوز أن يكون أحمق، ويجوز أن يكون عاقلا، والعاقل يجوز أن يكون فاجرا، وكذلك
الأحمق.
2 -
دخول أحد القسمين في الآخر، كقول أمية بن أبي الصلت:
لله نعمتنا تبارك ربنا
…
ربّ الأنام ورب من يتأبّد
فالقسمة هنا فاسدة لأن «من يتأبد ويتوحش» داخل في «الأنام» .
وكقول الآخر:
فما برحت تومي إليك بطرفها
…
وتومض أحيانا إذا طرفها غفل
فالقسمان في البيت متداخلان لأن «تومي وتومض» واحد.
وكقول جميل:
لو كان في قلبي كقدر قلامة
…
حبّا وصلتك أو أتتك رسائلي
فالبيت يوهم بالتقسيم، ولكنه ليس كذلك لأن إتيان الرسائل داخل في الوصل.
الالتفات
لعل الأصمعي «214 هـ» أول من ذكر «الالتفات» ، فقد حكى عن
إسحاق الموصلي أنه قال: قال لي الأصمعي: أتعرف التفات جرير؟ قلت:
وما هو؟ فأنشدني قوله:
أتنسى إذ تود عنا سليمى
…
بعود بشامة؟ سقي الغمام
أما تراه مقبلا على شعره، إذ التفت إلى البشام فذكره فدعا له (1).
…
وقد عدّ ابن المعتز «الالتفات» من محاسن الكلام وبديعه، فعرفه ومثل له بعدة أمثلة من القرآن الكريم والشعر. ففي تعريفه له يقول:
ثم مثل لانصراف المتكلم عن المخاطبة إلى الإخبار، أو بعبارة أخرى لانصرافه عن الخطاب إلى الغيبة بقوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ.
فالالتفات في الآية الكريمة هو في قوله تعالى: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ، وعن هذا الالتفات يقول ابن الأثير:
«فإنه إنما صرف الكلام ههنا من الخطاب إلى الغيبة لفائدة وهي أنه ذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها كالمخبر لهم ويستدعي منهم الإنكار عليهم.
(1) انظر كتاب العمدة ج 2 ص 44، وكتاب الصناعتين ص 392، والبشام: شجر ذو ساق وأفنان وورق ولا ثمر له.
(2)
كتاب البديع ص 58.
ولو أنه قال حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بكم بريح طيبة وفرحتم بها، وساق الخطاب معهم إلى آخر الآية، لذهبت تلك الفائدة التي أنتجها خطاب الغيبة» (1).
ومثل ابن المعتز كذلك لانصراف المتكلم عن الإخبار إلى المخاطبة، أو بعبارة أخرى لانصرافه عن الغيبة إلى الخطاب بقول جرير:
طرب الحمام بذي الأراك فشاقني
…
لا زلت في علل وأيك ناضر (2)
فجرير قد أخبر عن الغائب في الشطر الأول وهو «الحمام» ، ولكنه في الشطر الثاني انصرف عن الاستمرار في خطاب هذا الغائب والتفت إلى مخاطبته بقوله «لا زلت في علل وأيك ناضر» لزيادة فائدة في المعنى هي الدعاء للحمام.
أما النوع الثالث من الالتفات عند ابن المعتز وهو انصراف المتكلم عن معنى يكون فيه إلى معنى آخر فقد مثل له بقول أبي تمام:
وأنجدتمو من بعد اتهام داركم
…
فيا دمع أنجدني على ساكني نجد
فالشاعر، وهو المتكلم هنا، يخبر من يخاطبهم بأنه يعلم أنهم قد اتخذوا دارهم في نجد بعد أن كانت في تهامة، ثم ينصرف أو يلتفت بعد ذلك إلى معنى آخر يتمثل في دعاء الدمع ومطالبته بأن يسعفه على ساكني نجد.
…
وجاء قدامة بن جعفر بعد ابن المعتز فعد «الالتفات» من نعوت
(1) المثل السائر ص 170.
(2)
العلل بفتح العين واللام: الشرب بعد الشرب تباعا، والأيك: شجر، الواحدة أيكة، ويقال شجر من الأراك.
المعاني وعرّفه بقوله: «الالتفات أن يكون الشاعر آخذا في معنى فيعترضه إما شك فيه أو ظن بأن رادا يرد عليه قوله، أو سائلا يسأله عن سببه فيعود راجعا إلى ما قدمه، بمعنى يلتفت إليه بعد فراغه، فإما أن يذكر سببه أو يجلي الشك فيه» (1).
ومن أمثلة ذلك عنده قول المعطل الهذلي:
تبين صلاة الحرب منا ومنهمو
…
إذا ما التقينا والمسالم بادن (2)
فقوله: «والمسالم بادن» رجوع عن المعنى الذي قدمه حين بيّن أن علامة «صلاة الحرب» من غيرهم أن المسالم يكون بادنا والمحارب ضامرا.
ومن أمثلته أيضا قول الرماح بن ميادة:
فلا صرمه يبدو وفي اليأس راحة
…
ولا وصله يبدو لنا فنكارمه (3)
فكأنه يقول: «وفي اليأس راحة» والتفت إلى المعنى لتقدير أن معارضا يقول له: وما تصنع بصرمه أي هجره؟ فيقول مبينا علة ما يرجوه من انكشاف صرمه وهجره: لأنه يؤدي إلى اليأس، وفي اليأس راحة.
…
ومن يقارن مفهوم «الالتفات» عند ابن المعتز وقدامة، ثم يتابع مفهومه عند غيرهم من أمثال أبي هلال العسكري، وابن رشيق، وفخر الدين الرازي والسكاكي، يجد أن منهم من يستوحي مفهوم الالتفات عند
(1) كتاب نقد الشعر لقدامة ص 106.
(2)
تبين: تستبين صلاة الحرب بضم الصاد: الذين يقاسون حرها وشدتها وأهوالها جمع صال، مثل: قاض وقضاة.
(3)
الصرم بفتح الصاد: ضد الوصل وهو الهجر والصد.