الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولعل عبد القاهر الجرجاني خير من فصل في هذه القضية، فهو يقرر في معرض الكلام عن التجنيس والسجع أنهما يختصان بالقبول والحسن عند ما يكون المعنى هو الذي يقود المتكلم نحوهما لا أن يقوداه إلى المعنى.
حتى أنه لو تركهما إلى خلافهما مما لا تجنيس ولا سجع فيه لنسب إليه ما ينسب إلى المتكلف للتجنيس المستكره والسجع النافر.
وفي ذلك يقول: «ولن تجد أيمن طائرا وأحسن أولا وآخرا، وأهدى إلى الإحسان، وأجلب إلى الاستحسان من أن ترسل المعاني على سجيتها، وتدعها تطلب لأنفسها الألفاظ، فإنها إذا تركت وما تريد لم تكتس منها إلا ما يليق بها، ولم تلبس من المعارض إلا ما يزينها.
فأما أن تضع في نفسك أنك لا بد من أن تجنس أو تسجع بلفظين مخصوصين فهو الذي أنت منه بعرض الاستكراه، وعلى خطر من الخطأ والوقوع في الذم. فإن ساعدك الجد كما ساعد المحدث- يعني أبا الفتح البستي- في قوله:
ناظراه فيما جنى ناظراه
…
أو دعاني أمت بما أودعاني
وكما ساعد أبا تمام في نحو قوله:
وأنجدتمو من بعد اتهام داركم
…
فيا دمع أنجدني على ساكني نجد
فذاك. وإلا أطلقت ألسنة العيب، وأفضى بك طلب الإحسان من حيث لم يحسن الطلب، إلى أفحش الإساءة وأكبر الذنب» (1).
رد العجز على الصدر
أول من تكلم عن هذا الفن البديعي اللفظي عبد الله بن المعتز،
(1) كتاب أسرار البلاغة ص 4 - 10.
فقد عده في كتابه أحد فنون البديع الخمسة الكبرى، وسماه «رد أعجاز الكلام على ما تقدمها» ، وقسمه ثلاثة أقسام ومثل له نثرا وشعرا للدلالة على أنه يرد في الكلام بنوعيه. وأقسامه عنده هي:
1 -
ما يوافق آخر كلمة فيه آخر كلمة في نصفه مثل قول الشاعر:
تلقى إذا ما الأمر كان عرمرما
…
في جيش رأى لا يفلّ عرمرم
2 -
ما يوافق آخر كلمة فيه أول كلمة في نصفه الأول، كقول الشاعر:
سريع إلى ابن العم يشتم عرضه
…
وليس إلى داعي الندى بسريع
3 -
ما يوافق آخر كلمة فيه بعض ما فيه، كقول الشاعر:
عميد بني سليم أقصدته
…
سهام الموت وهي له سهام
ومن هذا النوع عنده قوله تعالى: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا. وقوله تعالى أيضا: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ* (1).
…
أما المتأخرون من رجال البديع فمنهم من سمى هذا الفن «رد العجز على الصدر» ، ومنهم من سماه «التصدير» ، لأن هذه التسمية في نظرهم أدل على المطلوب وأليق بالمقام وأخف على المستمع.
والخطيب القزويني وهو من المتأخرين يقرر أن رد العجز على الصدر
(1) كتاب البديع لا بن المعتز ص 47.