الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اختيار مفردات الألفاظ المسجوعة والتراكيب، بحيث تكون بعيدة عن الغثاثة والبرودة، والثاني أن يكون اللفظ في الكلام المسجوع تابعا للمعنى لا المعنى تابعا للفظ، والثالث أن تكون كل واحدة من الفقرتين المسجوعتين دالة على معنى غير المعنى الذي دلت عليه أختها.
ومن السجع الحسن المستوفي لهذه الشروط قول ابن الأثير من كتاب يتضمن العناية ببعض الناس، قال:«الكريم من أوجب لسائله حقا، وجعل كواذب آماله صدقا، وكان خرق العطايا منه خلقا، ولم ير بين ذممه ورحمه فرقا. وكل ذلك موجود في كرم مولانا أجراه الله من فضله على وتيرة، وجعل هممه على تمام كل نقص قديرة» .
ومن السجع الذي خرج إلى التطويل والتكرار لاتفاق السجعتين في معنى واحد وإن اختلفت الألفاظ قول الصابي من تحميد في كتاب:
«الحمد لله الذي لا تدركه العيون بألحاظها، ولا تحده الألسن بألفاظها، ولا تخلقه العصور بمرورها، ولا تهرمه
الدهور بكرورها، ثم الصلاة على النبي الذي لم ير للكفر أثرا إلا طمسه ومحاه، ولا رسما إلا أزاله وعفّاه».
فلا فرق هنا بين مرور العصور وكر الدهور، وكذلك لا فرق بين محو الأثر وعفاء الرسم.
أقسام السجع
والسجع ليس صورة واحدة، وإنما هو يأتي في الكلام على أربعة أضرب أو أقسام: المطرّف، والمرصع، والمتوازي، والمشطر.
1 -
فالمطرّف: هو ما اختلفت فيه الفاصلتان أو الفواصل وزنا واتفقت رويا، وذلك بأن يرد في أجزاء الكلام سجعات غير موزونة
عروضيا وبشرط أن يكون رويها روي القافية، نحو قوله تعالى: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً، وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً.
ومنه شعرا على الرأي القائل بأن السجع غير مختص بالنثر، وإنما هو يدخل النثر والشعر معا- قول أبي تمام:
تجلى به رشدي وأثرت به يدي
…
وفاض به ثمدي وأورى به زندي (1)
2 -
الترصيع: وهو عبارة عن مقابلة كل لفظة من فقرة النثر أو صدر البيت بلفظة على وزنها ورويها.
ومن أمثلته في القرآن الكريم قوله تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ، وقوله تعالى أيضا: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ. ومنه قول الحريري في المقامات: «يطبع الأسجاع بجواهر لفظه، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه» .
ومن أمثلته الشعرية قول أبي فراس الحمداني:
وأفعالنا للراغبين كرامة
…
وأموالنا للطالبين نهاب
ومنه قول الشاعر:
فيا يومها كم من مناف منافق
…
ويا ليلها كم من مواف موافق
والمبرز في هذا النوع يجرد نظم بيته من الحشو، والحشو في الترصيع عبارة عن تكرار الألفاظ التي ليست منه، بحيث لا يأتي في صدر بيته
(1) تجلى به رشدي: أي ظهر بهذا الممدوح بلوغ المقاصد، وأثرت به يدي: صارت ذات ثراء، والثمد بكسر الثاء وسكون الميم: هو في الأصل الماء القليل، والمراد به هنا المال القليل، وأورى به زندي بفتح الزاي: أي صار ذا وري، وهذا كناية عن الظفر بالمطلوب.
بلفظة إلا ولها أخت تقابلها في العجز، حتى في العروض والضرب، كقول ابن النبيه الشاعر:
فحريق جمرة سيفه للمعتدي
…
ورحيق خمرة سيبه للمعتفي
فهذا البيت وقع الترصيع في جميع ألفاظه، فإن المقابلة فيه حاصلة بين حريق ورحيق، وبين جمرة وخمرة، وبين سيفه وسيبه، وبين المعتدي والمعتفي.
وبيت أبي فراس السابق خال من تصريع العروض والضرب، والشاهد الثاني كرر فيه ناظمه حرف النداء فدخل عليه الحشو.
3 -
المتوازي: وهو أن تتفق اللفظة الأخيرة من القرينة (1) أي الفقرة مع نظيرتها في الوزن والروي، كقوله تعالى: فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ، وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ.
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم أعط منفقا خلفا، وأعط ممسكا تلفا» .
ومنه قول الحريري في المقامات: «الجأني حكم دهر قاسط إلى أن أنتجع أرض واسط» ، وقوله:«وأودى بي الناطق والصامت، ورثى لي الحاسد والشامت» .
ومن أمثلته شعرا قول المتنبي:
فنحن في جذل والروم في وجل
…
والبر في شغل والبحر في خجل (2)
(1) القرينة: الفقرة، وسميت الفقرة كذلك، لأنها تقارن أختها.
(2)
الجذل: الفرح، والوجل: الخوف، والمعنى: نحن المسلمين فرحون بانتصاره، والروم في خوف منه لغاراته وغزواته، والبر مشتغل بجيشه لا يتفرغ لغيره، والبحر في خجل من غزارة كرمه وندى يديه.