الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ذكر انتصار علماء بغداد للشيخ)
قالوا لما وصل ما أجاب به الشيخ في هذه المسألة إلى علماء بغداد قاموا في الانتصار له وكتبوا بموافقته، قال الحافظ ابن عبد الهادي بن قدامة: ورأيت خطوطهم بذلك، وينبغي ذكر شيء منها هنا.
هذه صورة جواب الشيخ الإمام العلامة جمال الدين يوسف بن عبد المحمود بن عبد السلام بن البتي الحنبلي ومن خطه نقل قال:
"بسم الله الرحمن الرحيم، بعد حمد الله الذي هو فاتحة كل كلام، والصلاة والسلام على رسوله محمد خير الأنام، وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، أعلام الهدى ومصابيح الظلام، يقول أفقر عباد الله وأحوجهم إلى عفوه:
ما حكاه الشيخ الإمام، البارع الهمام، افتخار الأنام، جمال الإسلام، ركن الشريعة، ناصر السنة، قامع البدعة، جامع أشتات الفضائل، قدوة العلماء الأماثل، في هذا الجواب من أقوال العلماء والأئمة النبلاء، بين لا يدفع، ومكشوف لا يتقنع، بل أوضح من النيرين، وأظهر من فرق الصبح لذي عينين، والعمدة في هذه المسألة الحديث المتفق على صحته، ومنشأ الخلاف بين العلماء من احتمالي صيغته، وذلك أن صيغة قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تشد الرحال" ذات وجهين: نفي، ونهي، لاحتمالها لهما، فإن لحظ معنى النفي فمعناه نفي فضيلة واستحباب شد الرحل وإعمال المطي إلى غير المساجد الثلاثة، ويتعين توجه النفي إلى فضيلتهما واستحبابهما دون ذاتهما، وإلا لزم تخلف الخبر، ولا يلزم من نفي الفضيلة والاستحباب نفي الإباحة، فهذا وجه متمسك من قال بإباحة هذا السفر بالنظر إلى أن هذه الصيغة نفي، وبنى على ذلك جواز القصر، وإن كان النهي ملحوظاً، فالمعنى حينئذ نهيه عن إعمال المطي وشد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة، إذ المقرر عند عامة الأصوليين أن النهي عن الشيء قاض بتحريمه أو كراهته على حسب الأدلة، فهذا وجه متمسك من قال بعدم جواز القصر في هذا السفر لكونه منهياً عنه، وممن قال بحرمته الشيخ الإمام أبو محمد الجويني من
الشافعية، والشيخ الإمام أبو الوفاء بن عقيل من الحنابلة، وهو الذي أشار القاضي عياض من المالكية إلى اختياره، وما جاء من الأحاديث في استحباب زيارة القبور فمحمولة على ما لم يكن فيه شد رحل وإعمال مطي جمعاً بينها، ويحتمل أن يقال لا يصلح أن يكون غير حديث شد الرحال معارضاً له لعدم مساواته إياه في الدرجة لكونه من أعلى أقسام الصحيح، والله تعالى أعلم.
وقد بلغني أنه رزىء وضيق على المجيب، وهذا أمر يحار فيه اللبيب، ويتعجب منه الأريب، ويقع منه في شك مريب، فإن جوابه في هذه المسألة قاض بذكر خلاف العلماء وليس حاكما بالغض من الصالحين والأنبياء، فإن الأخذ بمقتضى كلامه صلوات الله وسلامه عليه في الحديث المتفق على رفعه إليه هو الغاية القصوى في تتبع أوامره ونواهيه، والعدول عن ذلك محذور، وذلك مما لا مرية فيه، وإذا كان كذلك فأي حرج على من سئل عن مسألة فذكر فيها خلاف الفقهاء، ومال فيها إلى بعض أقوال العلماء، فإن الأمر لم يزل كذلك على ممر العصور وتعاقب الدهور، وهل ذلك محمول من القادح إلا على امتطاء نضو الهوى، المفضي بصاحبه إلى التوى، فإن من يقتبس من فوائده ويلتقط من فرائده لحقيق بالتعظيم، وخليق بالتكريم، ممن له الفهم السليم، والذهن المستقيم، وهل حكم المظاهر عليه في الظاهر، إلا كما قيل في المثل السائر "الشعير يؤكل ويذم" ولولا خشية الملالة لما سئمت من الإطالة.
وكتب تحته الإمام صفي الدين بن عبد الحق الحنبلي: الحمد لله رب العالمين، وصلاته على سيدنا محمد، وعلى آله الطاهرين، ما ذكره مولانا الإمام العالم العامل، جامع الفضائل، بحر العلم، ومنشأ الفضل، جمال الدين الكاتب خطه أمام خطي هذا جمل الله به الإسلام، وأسبغ عليه سوابغ الإنعام، أتى فيه بالحق الجلي الواضح، وأعرض فيه عن إغضاء المشايخ، إذ السؤال والجواب اللذان تقدماه لا يخفى على ذي فطنة وعقل أنه أتى في الجواب بالمطابق للسؤال، بحكاية أقوال العلماء الذين تقدموه، ولم يبق عليه في ذلك إلا أن يعترض معترض في نقله فيبرزه له من كتب العلماء الذين حكى أقوالهم، والمتعرض له بالتشنيع إما