المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ترجمة هذا الفاضل - غاية الأماني في الرد على النبهاني - جـ ٢

[محمود شكري الألوسي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌فاتحة الجزء الثاني

- ‌[الكلام على كتاب "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" لابن القيم]

- ‌ترجمة هذا الفاضل

- ‌ترجمة هذا الفاضل

- ‌ترجمة هذا الأديب الأريب

- ‌ذكر من ألّف في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌[ثناء القاضي نور الدين محمود بن أحمد العيني على شيخ الإسلام]

- ‌[ثناء الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي على شيخ الإسلام]

- ‌(فصل في ثناء الأئمة على ابن تيمية)

- ‌(فصل في تصانيف ابن تيمية وسعة حفظه وقوة ملكته رحمة الله عليه)

- ‌(فصل في بعض مآثره الحميدة على سبيل التلخيص وإلا فبسطها يستدعي طولاً)

- ‌(فصل في تمسك ابن تيمية بالكتاب والسنة)

- ‌(فصل في محنة ابن تيمية رحمه الله تعالى وتمسكه بطريق السلف)

- ‌(ذكر خروجه لمصر)

- ‌(ذكر ما وقع للشيخ ابن تيمية بعد عوده لدمشق المحروسة)

- ‌(ذكر حبس الشيخ بقلعة دمشق إلى أن مات فيها)

- ‌(وهذا صورة السؤال وجواب الشيخ عنه)

- ‌(ذكر انتصار علماء بغداد للشيخ)

- ‌(جواب آخر لعلماء الشافعية)

- ‌(جواب آخر لبعض علماء الشام المالكية)

- ‌(كتاب آخر لعلماء بغداد)

- ‌(فصل في ذكر وفاة الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى)

- ‌(فصل فيما رثي به الشيخ من القصائد بعد موته وذلك كثير لا ينحصر)

- ‌(خاتمة نصيحة وموعظة)

- ‌(سؤال آخر وجواب الشيخ أيضاً عنه متعلق بهذا الباب)

- ‌(ما يعارض به ما أورده النبهاني مما فيه استغاثة والتجاء بغير الله تعالى)

- ‌(ذكر بعض آيات تدل على المقصود وما فسرت به)

- ‌(الكلام على سوء خاتمته)

الفصل: ‌ترجمة هذا الفاضل

"‌

‌ترجمة هذا الفاضل

"1

قد أفردت له ترجمة في كتاب "بدائع الإنشاء فيما جرى من المكاتبة بيني وبين المعاصرين من الأدباء"2 وذكرت له فيها كثيراً من شعره الفصيح، وكلامه البليغ الرجيح، وها أنا أذكر ملخص ذلك في هذا المقام، والله ولي التوفيق والإنعام، فمن ذلك أني قلت: هو أحمد بك بن عبد الحميد بك بن سليمان بك، وينتهي نسبه إلى تُبع الأكبر أحد من كان في اليمن من تبابعة حِمْيَر، وهو من سلالة قوم من الأخيار، وأناس سموا لعلو هممهم إلى أوج الفخار.

هم القوم يروون المكارم عن أب

وجد عريق سيداً بعد سيد

تسودهم نفس هناك أبية

فكانوا إذا ما بين نسر وفرقد

وهزتهم يوم الندى أريحية

كأن شربوا من كأس صهباء صرخد

تطربهم سجع الصوارم والقنا

بيوم الوغى لا ما ترى أم معبد

إذا وعدوا الطاغين بالبأس أرهبوا

وإن أحسنوا الحسنى فعن غير موعد

كرام إذا استمطرت وبل أكفهم

أراقته وبلاً من لجين وعسجد

يقال لمن يروي أحاديث فضلهم

أعد واستعد ذكر الكرام وردد

ولد زحمه الله تعالى سنة أربع وأربعين ومائتين وألف من هجرة من لم تبلغ كعب علاه بردة كل مدح ووصف، وقد ذكر لي ذلك عند سؤالي له عما هنالك، ولم يزل يحتسي در الفضائل، ويشتغل على علماء عصره الأماثل، حتى أزهر به روض الأدب بعد يبسه، وأقمر به فلك الفضل بعد أفول شمسه، وأثمرت به أغصان دوحة حديقة العرفان، وأبهرت أنوار حقائق دقائق النطق والبيان، وشدت به أبكار الأفكار نطاقها، ومدت عليه أسرار أنظار خرائد المعاني رواقها، يروي من الحديث أتقنه، ومن الشعر أرصنه، ومن كل علم أحسنه، ومن كل أدب أزينه،

1 ترجم له المصنف في "المسك الأذفر في نثر مزايا القرن الثاني عشر والثالث عشر"(ص 219-224)

2 ولا يزال هذا الكتاب مخطوطاً فيما أعلم.

ص: 69

كان إذا تكلم يؤد السامع لو أن كله ألسن، ولا يبقى فيه جارحة إلا تمنت أنها أذن، صحبته كريمة، وعشرته جميلة، ودعابته لطيفة، ومحاضرته شريفة، وقريحته سديدة، وعارضته شديدة، ومعانيه رقيقة، و"مبانيه وثيقة، يتناثر الدر من فلق فيه، وكأن هذه الأبيات قد أنشدت فيه:

حكم على أهل العقول يبثها

متقونة الأوضاع والأحكام

ويريك في ألفاظه وكلامه

سحر العقول وحيرة الأفهام

كم أعربت ألفاظه عن حاله

يوماً فأعجب منطق الإعجام

أو كأنه هو المقول فيه حيث كان رحمه الله يشبهه ويضاهيه:

أحاديثه مثل زهر الرياض

فهل كان إذ ذاك روضاً جميعا

لطيف رقيق حواشي الطباع

فلو جسمت لاستحالت نسيما

مما قلت أيضاً في ترجمته: مع قوة حافظة وفصاحة لهجة، تظنه لولا ما هو عليه من الفضل والأدب أنه قد ربى في البوادي مع خلص العرب، يحفظ من نوادر الجاهليين وما كان لهم من الأيام والأخبار ما لو جمع في سفر لكان من أعظم الأسفار، وأما معرفته باللغة وغريبها وفصيح تراكيبها وأساليبها فذاك الذي اعترف له به المكابر، وأذعن له الأصاغر والأكابر، هذا مع تواضع ولين جانب، للأقارب الأدنين والأجانب، وقد ضم مع ذلك من الأخلاق أكرمها وألطفها، ومن الأوصاف أفضلها وأشرفها.

من لي بإنسان إذا أغضبته

ورضيت كان الحلم رجع جوابه

وإذا أصر على الذنوب جليسه

وسطا يكون العفو مر عقابه

وإذا ظمئت إلى الشراب رويت

من ألفاظه وسكرت من آدابه

وتراه يصغي للحديث بقلبه

وبسمعه ولعله أدرى به

وإذا تفاخرت الرجال بماجد

فاقت شمائله على أترابه

ولم يزل يتقلب في المناصب، ويتنقل في منازل المراتب، حتى أدت به خاتمة المطاف، وفاتحة النعم والألطاف، إلى أن تقلد إفتاء البصرة الفيحاء، ونشر

ص: 70

الأحكام الشرعية في هاتيك الأنحاء. إلى أن قلت: وقد عاقته العوائق، ومنعته الشواغل والعلائق، أن يتصدى لتأليف كتاب أو تصنيف فصل أو باب، نعم إن له من الشعر الرائق، والنثر اللطيف الفائق، ما لو جمعا لكان كل منهما أعظم ديوان، وفاق ما نسب لحسان ونابغة بني ذبيان، وكم جرت بيني وبينه مكاتبات هي لعمري أرق من مدامع صب صبها على ما فات، وهي مذكورة في ترجمته من كتاب "بدائع الإنشاء" فليراجعها من شاء. ولم يزل يصدع بالحق ويفتي بأصح الأقوال، حتى انتقل إلى رحمة الله المتعال، وذلك سنة تسع عشرة وثلاثمائة وألف من الهجرة، وقد أسف على فقده من كان عارفاً بقدره، ودفن بجوار الزبير رضي الله عنه، وقد رثاه صاحبه وخلفه في الإفتاء الشيخ طه أفندي الشهير بآل الشواف، منحه الله تعالى بالنعم والإلطاف، فقال:

لا تبعدن أبا عبد الحميد وقد

بعدت عني فروى تربك المطر

إذا رثيتك بالشعر البديع فمن

من بعد شخصك يدري منه ما الخبر

فاذهب عليك سلام الله في دعة

فسوف ترثيك مني أعين غزر

وكان رحمه الله تعالى شافعي المذهب، لا يميل إلى غير مذهبه ولا يذهب، غير أنه لا يستحسن رأي الغلاة من الشافعية، وكان يختار كإمامه الآراء السلفية، والله يتولى الصالحين.

ومنهم شبل ذلك الأسد والفاضل الذي لم يطاوله في الفضل من أقرانه أحد، تذكرة أهل الأدب، ومجمع فضائل العرب، عبد الحميد بك الشاوي البغدادي تغمده الله بالرحمة والرضوان، وأسكنه فراديس الجنان، وذلك قوله:

أبا ثابت يهنيك أنك ثابت

على الحق إذ زلت عن الحق أرجل

جلوت العمى والشك عن كل مؤمن

بقول يميط الهزل حقاً ويفصل

فهذا جلا العينين يعجز آخرا

مداه ولم يبلغه قبلك أول

فيا طالب الأخرى ويا مبتغي الهدى

ليسعد عند الله في يوم يسأل

لعمري لهذا الحق يعلو مناره

عليك به أن الأباطيل تسفل

ص: 71