المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل فيما رثي به الشيخ من القصائد بعد موته وذلك كثير لا ينحصر) - غاية الأماني في الرد على النبهاني - جـ ٢

[محمود شكري الألوسي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌فاتحة الجزء الثاني

- ‌[الكلام على كتاب "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" لابن القيم]

- ‌ترجمة هذا الفاضل

- ‌ترجمة هذا الفاضل

- ‌ترجمة هذا الأديب الأريب

- ‌ذكر من ألّف في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌[ثناء القاضي نور الدين محمود بن أحمد العيني على شيخ الإسلام]

- ‌[ثناء الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي على شيخ الإسلام]

- ‌(فصل في ثناء الأئمة على ابن تيمية)

- ‌(فصل في تصانيف ابن تيمية وسعة حفظه وقوة ملكته رحمة الله عليه)

- ‌(فصل في بعض مآثره الحميدة على سبيل التلخيص وإلا فبسطها يستدعي طولاً)

- ‌(فصل في تمسك ابن تيمية بالكتاب والسنة)

- ‌(فصل في محنة ابن تيمية رحمه الله تعالى وتمسكه بطريق السلف)

- ‌(ذكر خروجه لمصر)

- ‌(ذكر ما وقع للشيخ ابن تيمية بعد عوده لدمشق المحروسة)

- ‌(ذكر حبس الشيخ بقلعة دمشق إلى أن مات فيها)

- ‌(وهذا صورة السؤال وجواب الشيخ عنه)

- ‌(ذكر انتصار علماء بغداد للشيخ)

- ‌(جواب آخر لعلماء الشافعية)

- ‌(جواب آخر لبعض علماء الشام المالكية)

- ‌(كتاب آخر لعلماء بغداد)

- ‌(فصل في ذكر وفاة الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى)

- ‌(فصل فيما رثي به الشيخ من القصائد بعد موته وذلك كثير لا ينحصر)

- ‌(خاتمة نصيحة وموعظة)

- ‌(سؤال آخر وجواب الشيخ أيضاً عنه متعلق بهذا الباب)

- ‌(ما يعارض به ما أورده النبهاني مما فيه استغاثة والتجاء بغير الله تعالى)

- ‌(ذكر بعض آيات تدل على المقصود وما فسرت به)

- ‌(الكلام على سوء خاتمته)

الفصل: ‌(فصل فيما رثي به الشيخ من القصائد بعد موته وذلك كثير لا ينحصر)

والشجاعة، والفراسة، والإقدام في الصدع بالحق، والإغلاظ على أعداء الله ورسوله والمنحرفين عن دينه، والتواضع لأولياء الله، والتذلل لهم والإكرام، والاعتذار والاحترام لجنابهم، وعدم الاكتراث بالدنيا وزخرفها ونعيمها ولذاتها، وشدة الرغبة في الآخرة والمواظبة على طلبها، حتى سمع ذلك ونحوه من الرجال والنساء والصبيان، وكل منهم يثني عليه بما يعلمه من ذلك رضي الله عنه وأرضاه، ونفعنا به في الدنيا والآخرة، آمين.

هذا وقد قال الحافظ ابن عبد الهادي بن قدامة في مناقبه- بعد أن أطال الكلام عليها-: وللشيخ فضائل كثيرة، وأسماء مصنفاته وسيرته وما جرى بينه وبين الفقهاء والدولة والمتصوفة وحبسه مرات وأحواله لا يحتمل ذكر جميعها هذا الكتاب" انتهى.

ص: 264

(فصل فيما رثي به الشيخ من القصائد بعد موته وذلك كثير لا ينحصر)

ولما مات الشيخ ابن تيمية رحمه الله رثاه كثير من الفضلاء والأئمة العلماء بقصائد جمة لا يسع هذا المختصر ذكرها.

قال الشيخ الإمام ابن فضل الله العمري: رثاه جماعات من الناس بالشام، ومصر، والعراق، والحجاز، والغرب- نسأل فضل رحمة الله عليه- وها أنا أذكر شيئاً من ذلك في هذا المختصر:

فمنها: ما قاله الشيخ القاضي الإمام العالم شهاب الدين أبو العباس أحمد بن فضل الله العمري الشافعي نثراً ونظماً في حق الشيخ، قال في كلام طويل: ورفع إلى السلطان غير ما مرة، ورمي بالكبائر، وتربصت به الدوائر، وسعي به ليؤخذ بالجرائر، وحسده من لم ينل سعيه، وكثر فارتاب، وما تم وما زاد على أنه اغتاب، وأزعج من وطنه تارة إلى مصر ثم إلى الإسكندرية، وتارة إلى مجلس القلعة في دمشق، وفي جميعها يودع أخبية السجون، ويلدغ بزباني

ص: 264

المنون، وهو علي لينظر صحفه، ويدخر تحفه، حتى تستهدي أطراف البلاد طرفه، وتستطلع بقايا الأقاليم شرفه، إلى أن خطفه آخر مرة من سجنه عقاب المنايا، وجذبته إلى مهواتها قرارة الرزايا، وكان قبل موته قد منع الدواة والقلم، وطبع على قلبه منه طابع الألم، فكان مبدأ مرضه ومنشأ برضه، حتى نزل قفار المقابر، وترك فقار المنابر، وحل بساحل ربه وما يحاذر، واختار راحة قلبه من اللائم والعاذر، فمات وما مات لا بل حيّ، وعرف قدره لأن مثله ما رُئي، ما بري على المآثر إلى أن ضريحه أحله، وأتاه بشير الجنة يستعجله، فانتقل إلى الله والظن به أنه لا يخجله، وكان يوم دفنه يوماً مشهوداً، ووقتاً معدوداً، ضاقت به البلد وظواهرها، وتذكرت به أوائل الرزايا وأواخرها، ولم يكن أعظم منها منذ مئين من السنين جنازة رفعت على الرقاب، ووطئت في زحامها الأعقاب، وصار مرفوعاً على الرؤوس متبوعاً بالنفوس، تحدوه العبرات، وتتبعه الزفرات، وتقول له الأمم لا فقدت من غائب، ولأقلامه النافعة لا أبعدكن الله من شجرات، كان أمة وحده، وفرداً حتى نزل لحده، ثم قال:

أهكذا في الدياجي يحجب القمر

ويحبس النوء حتى يحبس المطر

أهكذا تمنع الشمس المنيرة عن

منافع الأرض أحيانا فتستتر

أهكذا السيف لا تمضي مضاربه

والسيف في الفتك ما في عزمه خور

أهكذا القوس ترمى بالعراء وما

تصمى الرمايا وما في باعها قصر

أهكذا يترك البحر الخضم ولا

يلوى عليه وفي أصدافه الدر

أهكذا بتقي الدين قد عبثت

أيدي العدى وتعدي نحوه الضرر

إلى ابن تيمية ترمى سهام أذى

من الأنام ويدمى الناب والظفر

بر السوابق ممتد العبادة لا

يناله ملل فيها ولا ضجر

ولم يكن مثله بعد الصحابة في

علم عظيم وزهد ماله خطر

طريقة كان يمشي قبل مشيته

بها أبو بكر الصديق أو عمر

فرد المذاهب في أقوال أربعة

جاؤوا على أثر السباق وابتدروا

لما بنوا قبله علياً مذاهبهم

بنى وعمر منها مثل ما عمروا

ص: 265

مثل الأئمة قد أحيا زمانهم

كأنه كان فيهم وهو منتظر

أن يرفعوهم جميعاً رفع مبتدأ

فحقه الرفع أيضاً إنه خبر

أمثله بينكم يلقى بمضيعة

حتى يطيح له عمداً دم هدر

يكون وهو أماني لغيركم

تنوبه منكم الأحداث والغير

والله لو أنه في غير أرضكم

لكان منكم على أبوابه زمر

مثل ابن تيمية ينسى بمحبسه

حتى يموت ولم يكحل به بصر

مثل ابن تيمية ترضى حواسده

بحبسه ولكم في حبسه غدروا

مثل ابن تيمية في السجن معتقل

والسجن كالغمد وهو الصارم الذكر

مثل ابن تيمية يرمى بكل أذى

وليس يجلى قذى منه ولا نظر

مثل ابن تيمية تذوى خمائله

وليس يلقط من أفنانه الزهر

مثل ابن تيمية شمس تغيب سدى

وما تروق بها الآصال والبكر

مثل ابن تيمية يمضي وما عبقت

بمسكه العاطر الأردان والطرر

مثل ابن تيمية يمضي وما نهلت

له سيوف ولا خطية سمر

ولا تجاري له خيل مسومة

وجوه فرسانها الأوضاح والغرر

ولا تحف به الأبطال دائرة

كأنهم أنجم في وسطها قمر

ولا تعبس حرب في مواقفه

يوماً ويضحك في أرجائها الظفر

حتى يقوم هذا الدين من ميل

ويستقيم على منهاجه البشر

بل هكذا السلف الأبرار ما برحوا

يبلى اصطبارهم جهداً وهم صبر

تأس بالأنبياء الطهر كم بلغت

فيهم مضرة أقوام وكم هجروا

في يوسف في دخول السجن منقبة

لمن يكابد ما يلقى ويصطبر

ما أهملوا أبداً بل أمهلوا لمدى

والله يعقب تأييداً وينتصر

أيذهب المنهل الصافي وما نقعت

به الظماة ويبقى الحمأة الكدر

مضى حميداً ولم يعلق به وضر

وكلهم وضر في الناس أو ضرر

طود من الحلم لا يرقى له فنن

كأنما الطود من أحجاره حجر

بحر من العلم قد فاضت بقيته

فغاضت الأبحر العظمى وما شعروا

ص: 266

يا ليت شعري هل في الحاسدين له

نظيره في جميع القوم إن ذكروا

هل فيهم لحديث المصطفى أحد

يميز النقد أو يروي له خبر

هل فيهم من يضم البحث في نظر

أو مثله من يضم البحث والنظر

هلا جمعتم له من قومكم ملأ

كفعل فرعون مع موسى ليعتذروا

قولوا لهم قال هذا فابحثوا معه

قدامنا وانظروا الجهّال إن قدروا

يلقى الأباطيل أسحاراً لها دهش

فليلقف الحق ما قالوا وما سحروا

فليتهم مثل ذاك الرهط من ملأ

حتى يكون لكم في شأنهم عبر

وليتهم أذعنوا للحق مثلهم

فآمنوا كلهم من بعدما كفروا

يا طالما نفروا عنه مجانبة

وليتهم نفعوا في الضيم أو نفروا

هل فيهم صاح للحق مقوله

أو خائض للوغى والحرب تستعر

رمى إلى نحو غازان مواجهة

سهامه من دعاء عونه القدر

بتلّ راهط والأعداء قد غلبوا

على الشآم وطار الشر والشرر

وشق في المرج والأسياف مصلتة

طوائف كلها أو بعضها تتر

هذا وأعداؤه في الدور أشجعهم

مثل النساء بظل الباب مستتر

وبعدها كسروان والجبال وقد

أقام أطوادها والطود منفطر

واستحصد القوم بالأسياف جهدهم

وطالما بطروا طغوى وما نظروا

قالوا قبرناه قلنا إن ذا عجب

حقاً وللكواكب الدري قد قبروا

وليس يذهب معنى منه متقد

وإنما تذهب الأجسام والصور

لم يبكه ندماً من لم يصب دماً

يجري به ديماً تهمي وتنهمر

لهفي عليك أبا العباس كم كرم

لما قضيت قضى من عمره العمر

سقى ثراك من الوسمي صيبه

وزار مغناك قطر كله قطر

ولا يزال له برق يغازله

حلو المراشف في أجفانه حور

لفقد مثلك يا من ما له مثل

تأسى المحاريب والآيات والسور

يا وارثاً من علوم الأنبياء نهى

أورثت قلبي ناراً وقدها الفكر

يا واحداً لست أستثني به أحداً

من الأنام ولا أبقي ولا أذر

ص: 267

يا عالماً بنقولى الفقه أجمعها

أعنك تحفظ زلآت كما ذكروا

يا قامع البدع اللاتي تحببها

أهل الزمان وهذا البدو والحضر

ومرشد الفرقة الضلال نهجهم

من الطريق فلا حاروا ولا سهروا

ألم تكن للنصارى واليهود معاً

مجادلاً إذ هم في البحث قد حضروا

وكم فتى جاهل غر أبنت له

رشد المقال فزال الجهل والغرر

ما أنكروا منك إلا أنهم جهلوا

عظيم قدرك لكن ساعد القدر

قالوا بأنك قد أخطأت مسألة

وقد يكون فهلا منك تغتفر

غلطت في الدهر أو أخطأت واحدة

أما أجدت إصابات فتعتذر

ومن يكون على التحقيق مجتهداً

له الثواب على الحالين لا الوزر

أم تكن بأحاديث النبي إذا

سئلت تعرف ما تأتي وما تذر

حاشاك من شبهة فيها ومن شبه

كلاهما منك لا يبقى له أثر

عليك في البحث أن تبدي غوامضه

وما عليك إذا لم تفهم البقر

قدمت لله ما قدمت من عمل

وما عليك بهم ذموك أو شكروا

هل كان مثلك من يخفى عليه هدى

ومن سمائك تبدو الأنجم الزهر

وكيف تحذر من شيء تزل به

أنت التقي فماذا الخوف والحذر

ومنها: للعلامة أبي حفص عمر بن الوردي الشافعي ناظم البهجة عليه الرحمة:

قلوب الناس قاسية سلاط

وليس لها إلى العليا نشاط

أينشط قط بعد وفاة حبر

لنا من نثر جوهره التقاط

تقي الدين ذو ورع وعلم

خروق المعضلات به تخاط

توفي وهو مسجون فريد

وليس له إلى الدنيا انبساط

ولو حضروه حين قضى لألفوا

ملائكة النعيم به أحاطوا

قضى نحباً وليس له قرين

ولا لنظيره لف القماط

فتى في علمه أضحى فريداً

وحل المشكلات به يناط

وكان إلى التقى يدعو البرايا

وينهى فرقة فسقوا ولاطوا

ص: 268

وكان الجن تفرق من سطاه

بوعظ للقلوب هو السياط

فيا لله ما قد ضم لحد

ويالله ما غطى البلاط

هم حسدوه لما لم ينالوا

مناقبه فقد مكروا وشاطوا

وكانوا عن طريقته كسالى

ولكن في أذاه لهم نشاط

وحبس الدر في الأصداف فخر

وعند الشيخ بالسجن اغتباط

بآل الهاشمي له اقتداء

فقد ذاقوا المنون ولم يواطو

بنوا تيمية كانوا فبانوا

نجوم العلم أدركها انهباط

ولكن يا ندامة حاسديه

فشك الشرك كان به يماط

ويا فرح اليهود بما فعلتم

فإن الضد يعجبه الخباط

ألم يك فيكم رجل رشيد

يرى سجن الإمام فيستشاط

إمام لا ولاية كان يرجو

ولا وقف عليه ولا رباط

ولا جاراكم في كسب مال

ولم يعهد له بكم اختلاط

ففيم سجنتموه وغظتموه

أما لجزا أذيته اشتراط

وسجن الشيخ لا يرضاه مثلي

ففيه لقدر مثلكم انحطاط

أما والله لولا كتم سري

وخوف الشر لانحل الرباط

وكنت أقول ما عندي ولكن

لأهل العلم ما حسن اشتطاط

فما أحد إلى الإنصاف يدعو

وكل في هواه له انخراط

سيظهر قصدكم يا حابسيه

ويهنيكم إذا نصب الصراط

فها هو مات عنكم واسترحتم

فعاطوا ما أردتم أن تعاطوا

وحلوا واعقدوا من غير رد

عليكم وانطوى ذاك البساط

ومما ينسب إليه أيضا:

كان والله فقيهاً عالماً

ذا عفاف وتقي ما يتهم

غير لم يدر مداراة الورى

ومداراة الورى أمر مهم

ومنها: للشيخ الإمام محمد العراقي الجزري رضي الله تعالى عنه آمين:

ص: 269

عز عندي يوم الرحيل العزاء

لنعي فيها الدموع دماء

طرق الخافقين خطب جسيم

أطرقت منه في الورى العلماء

خفت أن ترهق السماء وكادت

ترجف الأرض أو تمور السماء

فقد المسلمون قطب المعالي

فبكته الأغواث والأولياء

كسف النيرين فقدك يا أحمـ

ـد حقاً وغابت الجوزاء

أظلمت جلق التي كنت فيها

وأضاءت بغيرك البيداء

يا طليق اللسان في كل فن

فلقد شرفت بك العلياء

إن تكن مت فللعلوم التي أحييـ

ـت من بعد موتها أحياء

مدحت فهمك الحروف جلالاً

وكذاك الأفعال والأسماء

يا مزيل الأشكال عن كل فهم

وله عن كل زلة إغضاء

لا الصباح صباح بعدك عندي

في ضياء ولا المساء مساء

ما حضرت الجدال بين أناس

يقرؤون الحديث إلا وفاءوا

أنت صخر الوجود في كل أرض

والبرايا جميعها الخنساء

من لعلم التفسير فيما رواه

جابر أو مجاهد أو عطاء

عطلت بعدك الدروس فما فيهـ

ـا لرب الفهم السقيم شفاء

من لعلم الفتيا إذا اشتبه الأ

مر وحارت في ردها الأذكياء

من لعلم الحديث بعدك فيما

قاله الواصفون والأتقياء

طاهر الأصل كم حويت خصالاً

قصرت عن فروعها الفصحاء

من تكن هذه السجايا سجاياه

فلا تشتفي به الأعداء

كل ميت يكون مثل تقي الدين

فالموت عنده أحياء

أيها القبر إن فيك لبحراً

جللته مهابة وضياء

وجلال وعفة ووقار

وجمال وبهجة وسناء

تعست ليلة الفراق وغابت

أنجم أشرقت لها لألآء

نعت الناعيات نعيك في الأ

فق وناحت في دوحها الورقاء

أيها الحبر أوحش الآن ربع

كنت فيه ومنزل وفناء

ص: 270

هان قدر الحمراء عندك من ز

هدك واستحقرت لك البيضاء

ونبذت الدنيا فعشت فقيراً

بصفات تودها الأغنياء

يا ابن تيمية الذي حزن الدهر

عليه وغاضت الأنواء

كنت إنسان عين دهرك لا تعرف

حقاً إلا لك الأشياء

خضت بحراً ما فيه إلا إمام

ذواجتها ولكن عداك العداء

كنت في ذروة السنام من العلم

وما قلت للأنام سواء

ضاق ذرع الزمان منك فناء

ليت شعري هل ضاق منك الفضاء

وإذا حلت المنية يوماً

بنفيس فليس يغنى الأساء

نضر الله وجهك يا حسن المنـ

ـظر يا من له السنى والسناء

وسقى الله روضة أنت فيها

ساريات تجري بها النكباء

وعلا قبرك النجار فقيصوم

ورند وفاح منه الكباء

رضي الله عنك حياً وميتاً

وسقى ربعك المصون الحياء

قسماً بالإله لوأنصف الد

هر لأضحى في كل بيت عزاء

(ومنها للشيخ علاء الدين بن غانم رحمه الله تعالى) :

أي حبر مضى وأيّ إمام

فجعت فيه ملة الإسلام

ابن تيمية التقي إمام الـ

ـعصر من كان شامة في الشآم

بحر علم قد غاض من بعد ما فا

ض نداه وعم بالإنعام

زاهد عابد تنزه في دنـ

جاه عن كل ما بها من حطام

كان كنزاً لكل طالب علم

ولمن خاف أن يرى في حرام

ولعاف قد جاء يشكو من الفقر

لديه ينال كل مرام

حاز علماً فما له من مساو

فيه من عالم ولا من مسام

لم يكن في الدنيا له من نظير

في جميع العلوم والأحكام

كم له في حنادس الخطب والناس

نيام حتى الضحى من قيام

وجميع الأنام من شدة الخوف

نيام من الردى في منام

وبنوا فارس قد افترسوا الناس

افتراس الأسود سرح الحوامي

ص: 271

ودمشق الشام بعد انبساط

من ضواحي رستاقها في انضمام

إذ غزانا على العلوج غزاة

وغزانا من فارس بالطغام

فأعاد العزيز منا ذليلاً

ذا صغار ينقاد كالأنعام

فنضاه الجبار جل ثناه

في وجوه العدا كحد الحسام

فحمانا بالله من كل طاغ

لا برمح وصارم وحسام

يا له حين فر كل كمي

من حماة الإسلام عنا يحامي

يا ابن تيمية عليك خصوصاً

وعموماً تحيتي وسلامي

يا سليل العلى عليك القوافي

قد بكت في الطروس والأقلام

يا فقيد المثال علماً وحلماً

وقريب المرمى بعيد المرام

يا بطيء الإحجام إن عز خطب

وكثير القيام جنح الظلام

كف طرفي إن لذ من بعد إلا

ترك أجفانه لذيذ المنام

وبودي لفقد شخصك لو حا

م على أيكة حمام حمامي

ولعمري يا من له في فؤادي

لحد ذكر دوامه في دوامي

إن حللت الثرى فروحك حلت

يا ابن عبد السلام دار السلام

فسقى تربة حواك ثراها

كل مزن بوابل ورهام

وإذا سحت السواري بسح

والغوادي جدناك بالدمع دام

(ومنها لمحمود بن الأثير الحلبي عليه الرحمة) :

يا دموعي سحي كسح الغمام

هاطلات على الخدود سجام

لفراق الشيخ الإمام المفدى

ابن تيمية ونجل الكرام

زاهد عابد تقي نقي

فهمه لا يقاس بالأفهام

ابن تيمية يتيمة دهر

ماله من مساوم ومسامي

فجعت فيه أهل كل البرايا

جمعها للعلوم والأحكام

أوحد في العلوم والفضل والز

هد لا يرائي في ملة الإسلام

بحر علم يغوص كل لبيب

في معانيه حار كل الأنام

فاق بالعلم والفضائل للخلق

فأضحى إمام كل إمام

ص: 272

إن يكن غاب شخصه وتوارى

ومضت روحه لدار السلام

فمناقبه والفضائل تبقى

في ممر الدهور والأعوام

سيد قد علا بعلم وحلم

فعداه لديه كالأنعام

كم رماه الحساد بالكيد والبغي

وهو لا ينثني عن الإقدام

طالب الحق لا يخاف لحيف

وهو يحمي عن ذروة الإسلام

لا يخاف الملوك أيضاً ولا الخلـ

ـق ولا العداة مع اللوم

صدره للعلوم والقلب للرب

ويداه للبذل والإنعام

لا تلمني على المديح ودعني

فهو شيخي وبغيتي ومرام

كل من مات في هواه بوجد

ما عليه في حتفه من ملام

(ومنها للشيخ الإمام زين الدين عمر بن الحسام الشبلي رحمه الله تعالى) :

لو كانت يقنعني عليك بكائي

لجرت سوابق عبرتي بدماء

أو كنت في يوم انتقالك للبلى

صخراً لزدت على بكا الخنساء

لكن أصبر عنك نفسي كاتماً

للحزن خوف شماتة الأعداء

أترى علمت وأنت أفضل عالم

ما عندنا من لوعة وبلاء

أسفي على تلك الديانة والتقى

والجود آذن قربه بتناء

أسفي عليك وما التأسف نافع

صبا عليك مقلقل الأحشاء

أسفي عليك نفى الكرى عن ناظري

من فرط أحزاني وفرط عنائي

غاضت بحار العلم بعد والو

رى في غفلة يا سيد العلماء

بأبي وحيداً مات منفرداً عن الـ

ـأحباب كان بقية الصلحاء

بحر العلوم حوى الفضائل كلها

وسما سمو كواكب الجوزاء

متفرد في كل علم دونه

لعلو رتبته ذرى العلياء

بالفضل قد شهدت له أعداؤه

وبه سما فضلاً على النظراء

شيخ العلوم وتابع السلف الألي

تبعوا الرسول بشدة ورخاء

وإمام أهل الأرض والمبدي لهم

سنن الهدى عن صحة الأنباء

ذو الصالحات وذو الشجاعة والتقى

والجود والبركات والآلاء

ص: 273

من كان لا يني لطالب جوده

حتى يبلغه لكل رجاء

يجفو المضاجع راكعاً أو ساجداً

أو ذاكراً لله في الظلماء

كالصبر في حنك العدو مذاقه

وألذ من شهد إلى الجلساء

المانح البحر الهمام العالم الـ

ـحبر الإمام وحجة الفقهاء

الواهب المال الجزيل وغامر الـ

ـضيف النزيل بوافر النعماء

المحسن لكافي السؤال وحاسم الـ

ـداء العضال وكاشف الغماء

صدر المدارس والمجالس أحمد

المحمود في عود وفي إبداء

وإذا المسائل في الفتاوى أفحمت

أهل العلوم وحجبت بخفاء

وأتت تقي الدين أظهر ما اختفى

منها وأبداه لعين الرائي

قيرى سهاها في الخفاء بكشفه

كالشمس مشرقة بصحو سماء

ويرى البصير الحق فيما قاله

والحق لا يخفى على البصراء

سجنوه خشية أن يرى متبذلاً

صوناً فنال منازل الشهداء

للمؤمنين له وعند عدوهم

ذل الكثير وعزة الخلفاء

في المحدثين أتى بفضل باهر

ومناقب أربت على القدماء

أي خاشع أي شاكر أي ذاكر

لله في الإصباح والإمساء

أي زاهد أي حامد أي باذل

للمسلمين نصائح النصحاء

خير الصفات صفاته وثناؤه

بالجود بين الناس خير ثناء

ويظل يسأل جوده عن سائل

ذي فاقة ليبره بعطاء

وتراه يشرق وجهه متهللاً

للسائلين له شروق ذكاء

بادي التبسم عند بذل نواله

لطفاً إلى الفقراء والضعفاء

أزرى على فض البرامكة الألي

وطوت مكارمه حديث الطائي

من جاء يسأله يشاهد عنده

بذل الملوك وعيشة الفقراء

يربى على سح السحائب جوده

وكذا تكون مواهب الكرماء

والجود يرفع أهله بين الورى

أبداً ويهوي البخل بالبخلاء

وله إذا اصطدم القتال شجاعة

قامت بنصر الدين في الهيجاء

ص: 274

سل عنه غازانا وسل أمراءه

لما أتوا بطلائع الأسراء

والمغل قد ملكوا البلاد وأهلها

كم فك من عان بغير عناء

وكذا بشقحب التتار قد أقبلوا

كالطم في أمم بغير مراء

والمسلمون على النزول قد أجمعوا

والمغل عنهم نظرة للرائي

من حرض السلطان والأمرا على

ترك النزول سواه عند مساء

قال أثبتوا فلكم دليل النصر قد

وافى فكان النصر عند لقاء

وأتى جبال الكسروان فآذنت

بدمارها من بعد طول بقاء

وله بكل مدينة ذكر أتى

كالمسك فهو معطر الأرجاء

سير إذا نظمتها سارت بها الـ

ـركبان دون قصائد الشعراء

وإذا إمام المسلمين وشيخهم

ولي وعز على عزاه عزائي

أدعو إله العرش يجمع بيننا

في جنة الفردوس فهو رجائي

وعليه من رب السماء تحية

تبقى له أبدا بغير فناء

(ومنها للشيخ جمال الدين عبد الصمد بن إبراهيم البغدادي الحنبلي المعروف بابن الحصري) :

عش ما تشاء فإن آخره الفنا

الموت ما لا بد منه ولا غنى

والدهر إن يوماً أعان فطالما

بالسوء عان فعونه عين العنا

لا بد من يوم يسوءك حتفه

حتما نأى الأجل المقدر أودنا

للنفس سهم من سهام نوائب

يرمي فيصمي من هناك ومن هنا

من غره الأمل المديد فإنه

غر لأن طعامه لن يهتنا

شمس الحياة تضيفت ومشيبه

ضيف يجرمن المنية ضيفنا

من حين أوجد كان نفس وجوده

في الكون بالعدم المحقق مؤذنا

يا من يعد الدهر صاحب دهره

ويعد فيه للإقامة موطنا

أو ما رأيت الموت كيف سطا بمن

في الخلق عن محض العلوم تكونا

ندب مباح الصدر حظر بعده

فلم استحال وكان شيئاً ممكنا

بذ الأنام مع البذاذة فضله

إذ لم يكن بسوى التقى متزينا

ص: 275

ترك الجميع على الجموع فلم يهب

تلك الجموع ولا استراب ولا ونى

ولكم مقامات له في الحق لا

بيض الظبا يخشى ولا سمر القنا

بالعرف يأمر ناهياً عن منكر

متقرباً وهو البعيد عن الخنا

ما حال عن نهج الصواب ولا اعتدى

وبغير تحصيل الفضائل ما اعتنى

أما تبارزه تجده مبرزاً

في أي علم شئت حبراً متقنا

وإذا تجاريه فماء السيل إن

لما جرى في بحثه متفننا

متزهداً متعبداً متهجداً

متخشعاً متورعاً متديناً

في كل عصرسيد هوحجة الـ

ـباري على كل الخلائق في الدنا

وترى أحق من استحق محامداً

من للإمامة لم يزل متعينا

شيخ الأنام وحجة الإسلام من

أغناه نشر الذكر عن ذكر الكنى

أعني أبا العباس أحمد بل

تقي الدين حقاً والعليم الممعنا

في الله ليس يخاف لومة لائم

ويرى النوى فيه نهايات المنى

لما تحقق أن كل مخلف

يفنى وإن كان النفيس المثمنا

لم يدخر قوتاً لأجل غد ولا

أبقى له إرثاً لسوى حسن الثنا

صدر حوى في صدره لكماله

من كل علم معنوي معدنا

ظهرت أمارات الولاية بعده

واسأل لتصبح بالحقائق موقنا

واسمع مقالة أحمد متوعداً

أعداءه يوم الجنائز بيننا

فأحق ما يبكى عليه فقده

ما موت هذا الحبر رزءاً هينا

فيض النفوس يقل فيه تأسفاً

وأعن عيوناً فضن فيه أعينا

يا من أعاد أولي التشدق علمه

خرساً وأنطق بالثناء الألسنا

يا دوحة الفضل التي في أصلها

طيب وزاكي فرعها حلو الجنا

يا حبربل يا بحركم حيرت من

حبر تصير ذا الفصاحة ألكنا

يا خاتم الفضلاء علمك معجز

بهر الورى فصدرت عنه مؤمنا

إن كان ذا حفظاً فوقتك ضيق

عنه ولو كان الزمان له أنا

لكنه من فضل من هو قاذف

بالحق من نور الولاية والسنا

ص: 276

أسست بنيانا على تقوى ورضـ

وان فللأسمى قد ارتفع السنا

غبرت يا من لا يشق غباره

في أوجه الفضلاء قدماً قبلنا

جاهدت في ذات المهيمن صابراً

عند الأذى فأتت بشارات الهنا

إن الذين يجاهدون عدونا

فينا لنهديهم إلينا سبلنا

والله قد أثنى على العلماء في

نص الكتاب وأنت أولى من عنى

لا غرو إن كنت ابتليت بحاسد

فالحر ممتحن بأولاد الزنا

أشكو إليك وأنت أصل شكايتي

من فرط ضر في افتقادك مسنا

قد عبرت عبراتنا عن حزننا

وبما نجن من الجوى نطق الضنا

سقياً لتلك الروح من سحب الرضا

وتبوأت جنات عدن مسكنا

لو كان فيها الموت يقبل فدية

كان الأنام فدى وأولهم أنا

(ومنها للشيخ شهاب الدين أبي العباس أحمد بن عبد الكريم بن أنوشروان التبريزي الحنفي عليه الرحمة) :

صبراً جميلاً فالمصاب كبير

كادت جبال الأرض منه تمور

وجسيم خطب قد علا كل الورى

فقد الضياء وأظلم الديجور

وانهد ركن فضائل وفواضل

فعليهما ركن الأسى معمور

وعلى تقي الدين أحزان الورى

لسحائب الدمع الغزير تثير

لولا ابتغاء الأجر لم يحمد على

صبر على هذا المصاب صبور

أفلت شموس المكرمات وأظلم الـ

ـشام المنير وزال عنه النور

نور الفتى التيمي والقطب الذي

فلك العلوم عليه كان يدور

حبر به كان الزمان ومن به

يزهو ويشرق في الدجى وينير

علم التعبد والتزهد والتقى

في سائر الدنيا له منشور

ورسوخه في كل علم نافع

فحديثه بين الورى مشهور

قد كان صدراً في الصدور فمذ نأى

ضاقت على صدر الصدور صدور

لا غرو إن فاضت عليه مدامع

حروان قصمت عليه ظهور

تبكي السماء عليه والأرض التي

بصفائها لفراقه تكدير

ص: 277

وبكى مصلاه ومنبره ومو

ضع درسه والجامع المعمور

وبكى الغمام لفقده وتفطرت

عن أعين تجري عليه صخور

وكذاك ربات الخدور بكينه

وتهتكت منها عليه ستور

نشرت له العذبات بانات اللوى

عوض الشعور وما لهن شعور

وعليه حن على الأراك حمائم

يندبنه أسفاً وهن طيور

فالصب إن صب المدامع بعد من

يهوى ومات فإنه معذور

والناس في حزن عليه وإنه

عبد بلقيا ربه مسرور

غار الإله عليه من أغياره

فزواه عنهم والمحب غيور

فخلا به يتلو عليه كلامه

وله الحبيب مؤانس وسمير

حتى إذا اشتد التشوق زفه

زف العروس وذيلها مجرور

وشعار كل مشيع لسريره الـ

ـتسبيح والتهليل والتكبير

ولقد سرت فوق الرقاب سريره

فعجبت كيف الراسيات تسير

ما كنت أعلم قبل يوم وفاته

أن البحار الزاخرات تغور

ولقد سرت لسريره لما سرى

سير لها حتى النشور نشور

تفنى الليالي والزمان وذكره

متجدد بين الورى مذكور

قد كان في الدنيا هلالاً لائحاً

كل إليه بالبنان يشير

وكذا جنازته تعالى الله لم

ينظر لها في العالمين نظير

ومن العجائب أنها نطقت على

صمت بما هو كامن مستور

إن المشيع للجنازة لم يعد

إلا وسائر ذنبه مغفور

هذا هو الفضل المبين وهذه

نعم عليها ربنا مشكور

لا أوحش الله الوجود من الذي

أنست به في الموحشات قبور

وإلى جنان الله راحت روحه

يلقاه منها بهجة وسرور

طوبى لميت جاور القبر الذي

فيه فتى تيمية مقبور

بل فاز نزال ثووا بجنابه

إن الكريم نزيله مغفور

فينال حتى الحشر من بركاته

وعليه تنزل رحمة وحبور

ص: 278

يا رب فاجمع بيننا في جنة

المأوى فأنت لما تشاء قدير

وله رحمه الله تعالى:

عم المصاب فلا تبكوا بغير دم

على ابن تيمية ذي العلم والحكم

حبر البرية ولى وهو في دعة

وكل جفن فلا يبكي عليه عمي

لو أن كل تقي في الأنام فدى

نفس الإمام تقي الدين لم يلم

إذا تذكره من كان يألفه

يهزه الشوق من فرق إلى قدم

يا ثلمة ثلمت في الدين واتسعت

فلست حتى اللقا والحشر تلتئمي

هيهات هل تسمح الدنيا بمثل فتى

تيمية أو يرى في عالم الحلم

كانت به تفخر الدنيا وقد بقيت

به تفاخر أجداث وذو رمم

فالعلم والحلم والتقوى بهن غدا

في الناس أشهر من نار على علم

والزهد في زخرف الدنيا وزينتها

من وصفه كان مضموماً إلى الكرم

مولى على حبه الأرواح قد جبلت

ولست في القول والدعوى بمتهم

ما ذاك إلا لما قد كان خصصه

به الإله من الأخلاق والشيم

من للمسائل قد أعيت فيوضحها

وضوح برق لموع لاح في الظلم

كالبحر يزخر إن بث العلوم وكالـ

ـسيل الذي مده صوب من الديم

ما إن رأى الناس أبهى من جنازته

لما استقلت على الأعناق والقمم

وحوله وهو يجلى كالعروس على

سريره أمم ناهيك من أمم

أظمى الأنام إليه حجبه فبدا

على السرير فرواهم بدمعهم

بكى عليه مصلاه ومنبره

وفي الخدور بكته أعين الحرم

والأرض تبكي عليه والسماء كذا

قد جاء عن سيد الأعراب والعجم

لأنه العالم الحبر الذي أبداً

تتلى مناقبه جهراً بكل فم

هذا هو المجد حق الافتخار به

لا بالتكاثر والأموال والحشم

يا جنة الخلد وافيه مزخرفة

وأنت يا نار أشواق الورى اضطرمي

ويا شموس العلى غيبي لغيبته

ويا مباني المعالي بعده انهدمي

فأعظم الله أجر الفاقدين له

الواجدين ذوي الإخلاص كلهم

ص: 279

وأكرم الله مثواه ومضجعه

بوابل من سحاب الجور والكرم

وهي طويلة أربعة وثلاثون بيتاً، وله في الشيخ مرائي أخر.

وللفاضل برهان الدين ولد شهاب الدين التبريزي الحنفي المتقدم ذكره عليهما الرحمة:

جودي بانسجام الدمع يا مقلة العاني

إلى أن تروي الأرض من فيض أجفاني

وذق يا فؤادي كل يوم وليلة

مرارة أشواق ولوعة أشجان

إلى أن أرى وجه ابن تيمية الذي

به الله من أهل الضلالة نجاني

ومن لي بأن ألقاه والموت قد أتى

فغيبه في الترب عن كل إنسان

فيا وحشة الدنيا لأنوار وجهه

ويا لهف إخوان عليه وجيران

يحق لعين لاترجي لقاءه

إلى الحشر أن ينهل مدمعها القاني

لقد عم أهل الأرض رزء مصابه

ولم ينج فيهم منه قاص ولا دان

لقد كانت الدنيا به ذات بهجة

ونور وإشراق وروح وريحان

وما كان إلا آية في زمانه

وفي كل فضل حاز ليس له ثان

إمام هدى يدعو إلى سبل ربه

دعاء نصوح مشفق غير خوان

فمذهبه ما جاء عن خير مرسل

وأصحابه والتابعين بإحسان

أتى بعلوم حيرت كل واصف

على أنه يهدى بثا كل حيران

فكم مبطل وافاه يبغي جداً له

فأنصقه في البحث من غير عدوان

ويكشف عنه شبهة بعد شبهة

إلى أن يبين الحق أحسن تبيان

فيصبح عن تلك المقالة معرضاً

ولو كان من أحبار سوء ورهبان

يغار على الإسلام من كل بدعة

وما زال منها هادماً كل بنيان

وفي الله لم تأخذه لومة لائم

ولم يخش مخلوقاً من الإنس والجان

ولم ينتقم في الدهر يوماً لنفسه

ولكنه يؤذى فيعفو عن الجاني

وأما سماح الكف فالبحر دونه

ولم يك في بذل العطاء بمنان

ولو وزنوا أهل الشجاعة كلهم

به رجح الشجعان في كل ميزان

فمن جاهد الأعداء في الدين مثله

ومن سل سيف العزم في وجه غازان

ص: 280

ومن قال للناس اثبتوا يوم شقحب

فإن الأعادي في انهزام وخذلان

فمن خشي الرحمن بالغيب واتقى

إله البرايا خافه كل سلطان

وما ضره إن طال في السجن مكثه

إذا كان في نسك وطاعة رحمن

منيباً إلى مولاه يقطع وقته

بنقل حديث أو بتفسير قرآن

ولم يك مشغوفاً بحب رياسة

ولا شد بغلات ولا حسن غلمان

ولا كان مشغولاً بجاه ومنصب

ولا رفع بنيان ولا غرس بستان

ولكن بعلم نافع وعبادة

وزهد وإخلاص وصبر وإيمان

وفي موته قد كان للناس عبرة

لما شاهدوا من غير زور وبهتان

إذ انتشروا مثل الجراد وكاد أن

تزيغ عقول من رجال ونسوان

وسار على أعناقهم نحو قبره

يجاور مولى ذا امتنان وغفران

إلى الذهب الغالي دعاه إلهه

وذاك له خير من الخزف الفاني

دعاه إلى جنات عدن وطيبها

ومتعه فيها بحور وولدان

فنسأل رب العرش يجمع شملنا

به في جنان الخلد من قبل حرمان

ويجبرنا بعد انكسار قلوبنا

ويروي برؤيا وجهه كل ظمآن

(ومنها لبعض الفضلاء من جند مصر أرسلها بعد عرضها على الإمام أبي حيان النحوي) :

خطب دهى فبكى له الإسلام

وبكت لعظم بكائه الأيام

وبكت لعبرتها السماء فأمطرت

في غير فصل تسمح الأعوام

وبكت له الأرض الجليدة بعدما

أضحى عليها وحشة وقتام

وتزلزلت كل القلوب لفقده

وتواترت من بعده الآلام

وتفجع الدين القويم لفقده

وبقي غريباً يبتلى ويضام

مذمات ناصره الذي أوصافه

أبداً تكون على سواه حرام

لتقي دين الله وصف باهر

وخصائص خضعت له الأفهام

ومواهب من ذي الجلال تمده

ليتم فخر شامخ ومقام

وعزا تقي الدين أحمد ماله

حد فتحمل فقده الأجسام

ص: 281

العالم الحبر الإمام ومن غدا

في راحتيه من العلوم زمام

ذو المنصب الأعلى الذي نصبت له

في الأرض في أقطارها الأعلام

بحر العلوم وكنز كل فضيلة

في الدهر فرد في الزمان إمام

حبر تخيره الإله لدينه

ختم لأعلام الهدى وختام

فوفى بأحكام الكتاب وكم له

في نصر توحيد الإله قيام

والسنة البيضاء أحيا ميتها

فغدا عليها حرمة وذمام

وأمات من بدع الضلال عوائداً

لا يستطيع لدفعها الصمصام

أس الفضائل والمعارف والذي

لا تهتدي لفنونه الأوهام

وأناله رب السموات العلى

في العلم سبقاً ما إليه مرام

ونعوته في العلم قول محمد

صلى عليه الخالق العلام

إن المنزه ربنا سبحانه

يقضي بما تأتي به الأحكام

يبدي لكم في كل قرن قادم

للدين من يهدي به الأقوام

فلئن تأخر في القرن لثامن

فلقد تقدم في العلوم إمام

فاق القرون سوى الثلاث فإنها

خير القرون يزينهن تمام

وسوى ابن حنبل إنه علم الهدى

حبر إمام صابر قوام

لكن أحمد مثل أحمد قد حوى

علماً وزهداً في العلوم تؤام

حدث بلا حرج وقل عن زهده

ما شئت لا رد ولا آثام

هجر المطاعم والملابس والدنا

ولعزمه في تركها أحزام

ترك المآكل والمنام ولا يرى

لبني الدنا في قلبه إعظام

وتراه يصمت لا لعي دائماً

إلا لعلم يقتنى ويرام

وإذا تكلم لا يراجع هيبة

وسكينة وكلامه إبرام

ألقي عليه مهابة من ربه

فخطابه الإجلال والإكرام

وإذا رُئي فترى الرجال ذليلة

فكأنها في نفسها إحجام

بشر يعظم بالقلوب وقدره

أبداً يعظم بعد وهو غلام

منن يخص بها المهيمن من يشا

من خلقه والجاهلون نيام

ص: 282

وجفا العباد لشغله بحبيبه

فوداده للأقربين سلام

وله مقام في الوصول لربه

ومكانة نطقت بها الأغتام

وله فتوح من غيوب إلهه

وتحزن وتمسكن وكلام

وتصوف وتقشف وتعفف

وقراءة وعبادة وصيام

وعناية وحماية ووقاية

وصيانة وأمانة ومقام

وله كرامات سمت وتعددت

ولها على مر الدهور دوام

من رد من أرض الشآم بعزمه

من صد وجه الكفر وهو حسام

من رد غازان الهمام بحسرة

من خلص الأسرى وهم أيتام

من قام بالفتح المبين مؤيداً

في كسروان وهم طغاة عظام

من جد في بدع الضلالة حربه

فإذا لهم بعد الرضاع فطام

من سار في سنن الرسول ونصرها

حتى استقر لأمرهن نظام

من قام في خذل الصليب ودينه

لما تداعوا للأنأم وقاموا

فوهوا وردوا خائبين بذلة

وعليهم فوق الوجوه ظلام

فالأمر بالمعروف يفقد بعده

والفاعلون النكر ليس يلاموا

فكأن أشراط القيامة قد دنت

وانحل من سرج الزمان حزام

فالعلم فينا ليس يقبض دفعة

كلا ولا يأتي حماه حمام

لكن بقبض الراسخين ذهابه

وزواله وبقي رعاع طغام

لله ما لاقى تقي الدين من

محن تتابعه وهن ضخام

ومكاره حفت بكل شديدة

ومواقف زلت بها الأقدام

ومكايد نصبت له وحبائل

قصدا إليه فردها الإقدام

فحكى ابن حنبل في فنون بلائه

بجنان ثبت ليس فيه مذام

وبسجنه وبحصره ونكاله

حتى رثى العذال واللوام

فأراد رب العرش جل جلاله

للقائه مذ حانه الإعدام

وأتاه آتِ الموت يخطب نفسه

فأجابه طوعاً له القمقام

فخلت منابره وأوحش ربعه

وتهدمت عند الرحيل خيام

ص: 283

وتفجعت كل القلوب لفقده

وعداً عليها حسرة وسقام

ومضت جنازته الشريفة بعدما

سد المسالك صارخ وزحام

وأتت روايات الشام بجمعها

خبراً صحيحاً ليس فيه أثام

إن الألى شهدوا الصلاة وشيعوا

والله لا تحصيهم الأقلام

فعليه أفضل رحمة تهدى له

ومن الإله تحية وسلام

ما دامت الأفلاك في دورانها

أو ناح من فوق الغصون حمام

ومنها للشيخ تقي الدين محمود بن علي الدقوقي البغدادي المحدث- ولم ير الشيخ:

مضى عالم الدنيا الذي جل فقده

وأضرم نار في الجوانح بعده

فدمعي طليق فوق خدي مسلسل

أكفكفه حيناً وجفني يرده

ويرجو التلاقي والفراق يصده

وما حيلة الراجي إذا خاب قصده

مضى الطاهر الأثواب ذو العلم والحـ

ـجى ولم يتدنس قط بالإثم برده

مضى الزاهد الندب ابن تيمية الذي

أقر له بالعلم والفضل ضده

بكته بلاد الشام طراً وأهلها

وجامعها وانماع للحزن صلده

يحن إليه في النهار صيامه

ويشتاقه في ظلمة الليل ورده

ويبكي له نوع الكلام وجنسه

ويندبه فصل الخطاب وجده

حمى نفسه الدنيا وعف تكرماً

ولما يصعر للدنيات خده

ولم يجتمع زوجان من شهواتها

لديه وبين الناس قد صح زهده

ويؤثر عن فقر وفيه قناعة

ويعجبه من كل شيء أشده

عليم بمنسوخ الحديث وحكمه

وناسخه فخر الزمان ومجده

قؤول فعول طيب الجسم طاهر

إمام له في كل حكم أشده

فما قال في دنياه هجراً ولا هوى

ولا زاغ عن حق تبين رشده

علوم كنشر المسك من كل سيرة

يسدد دين المصطفى ويجده

فلله ما ضم التراب وما حوى

من الفضل فليفخر على الأرض لحده

فيا نعشه ماذا حملت من امرىء

جميع الورى فيه وفوقك فرده

ص: 284

وكان لنا بحراً من العلم زاخراً

فما باله لم يصف مذ غاب ورده

وما مات من تبقى التصانيف بعده

مخلدة والعلم والفضل ولده

وخلف آثاراً حساناً حميدة

إذا عددت زادت على ما تعده

ولست مطيقاً شرح ذاك مفصلاً

ولكن على الإجمال يعكس طرده

لقد فارق الأصحاب منه مصاحباً

يراعي وداد الخل إن خان وده

قضى نحبه والله راض بفعله

ولله فيما قد قضى فيه حمده

يدل تراب القبر من جاء زائراً

إليه بطيب فيه يعبق نده

ولا تحسبوا ما فاح عطر حنوطه

ولكنه حسن الثناء ومجده

وكان لأهل العلم تاجاً مكللاً

يحوطهم من مبطل خيف حقده

وما كان إلا التبر عند امتحانه

يبين لعين الحاذق النقد نقده

وكان يقول الحق والحق حلوه

مرير لهذا كان يكره رده

وفي الحق لم تأخذه لومة لائم

ولا خاف من غمر تشدد حرده

وما كان إلا السيف غارت يد العلا

عليه فردته كما غار غمده

ولم تلهه الدنيا وزخرفها الذي

يروق لمن لم يونس الدهر رشده

لقد فقدت منه المحافل زينها

ولما يفارق علمه الجم وجده

وخضبت الأقلام بعد مدادها

عليه دماً قد فاض في الطرس مده

فلله ما ضم الثرى من محقق

ويا لك من عضب تدقق حده

وكان إماماً يستضاء بنوره

وبحراً من الأفضال قد غيض عده

وكنت أرجي أن أراه ونلتقي

ولكن قضاء الله من ذا يرده

ترى الموت مألوف الطباع وربما

يعلل بالمألوف من لا يوده

فآه على تفريق شمل مجمع

وحر فؤاد لا يؤمل برده

ألا إنها نفس وللنفس حسرة

وقلب وقد يشجى ويضنيه وجده

ولست بناس عهد خل تغيبت

محاسنه والخل يحفظ عهده

وما عذر جفن لا يجيش بدمعه

غداة نأى عنه الصدّيق ورفده

يروم الأماني والمنايا تصده

وما حيلة الراجي إذا خاب قصده

ص: 285

عليك أبا العباس فاضت مدامعي

وقلبي ببعدي عنك أجج وقده

على مثلك الآن المراثي مباحة

وإن غاض دمعي فالدماء تمده

شددت عرى الإسلام شدة عارف

قوي على الأعداء لم يأل جهده

تركت لهم دنياهم ترك عالم

علا قدره عند الإله ومجده

وكنت لمجموع الطوائف مقتدى

وعقداً لهذا الدين أبرم عقده

وكنت ربيعاً للمريد وعصمة

فمذ صرت تحت اورض صوح ورده

جمعت علوم الأولين مع التقى

إلى الورع الشافي الذي شاع جهده

وكنت تقي الدين معنى وصورة

وقولاً وخير القول عندك جده

رحلت وخلفت القلوب جريحة

تذوب وجيش الصبر قد فل جنده

عليك سلام الله حياً وميتاً

مدى ما بدى نجم وأشرق سعده

(وله أيضاً رحمه الله تعالى) :

قف بالربوع الهامدات وعدد

واذر الدموع الجامدات وبدد

واحبس مطيك في المنازل ساعة

واسأل ولاتك في سؤالك معتدي

واقطع علائقك التي هي فتنة

واتبع سبيل أولي الهداية تهتدي

ودّع صباك ودّع أباطيل المنى

واهجر دنيات الأمور وسدد

واقنع من الدنيا القليل ولازم الـ

ـفعل الجميل وسر بسير مجرد

وتوخ فعل الخير واصحب أهله

متحبباً متجنباً فعل الردي

لا تعتبن مفارقاً يبكي على

أحبابه وارحمه إن لم تسعد

ودع المروع بالبعاد وعذله

فالعذل أمضى من فعال مهند

ماذا الوقوف عن السرى وصحابنا

ساروا وصاروا بالعراء الغرقد

لا أخضر بعدهم العقيق ولا شدت

ورق الحمام فويق برقة ثهمد

أما أنا فلأبكين فإن وني

دمعي سفكت حشاشة القلب الصدي

أين المعين على الخطوب إذا عرت

أين المساعد عند فقد المسعد

أوما درى من كنت تعرف إذ مضى

لسبيله في ضنك لحد موصد

أين المحامي عن شريعة أحمد

أين المحقق نهج مذهب أحمد

ص: 286

مات الإمام العالم الحبر الذي

بهداه عالم كل قوم يهتدي

من لليهود وللنصارى بعده

يرميهم بمقالة المتشدد

سل عنه ديّان اليهود أما غدا

متلفعاً بصغاره المتهود

نشأت على فعل التقى أطواره

فعنت له التقوى وأعطت عن يد

ورث الزهادة كابراً عن كابر

والعلم إرثاً سيداً عن سيد

قف إن مررت بقاسيون على ثرى

فيه ضريح العالم المتفرد

واعجب لقبر ضم بحراً زاخراً

بالفضل يقذف بالعلا والسؤدد

بشر يبشر بالغنى من جاءه

يسر يسرّ فؤاد عان مزهدى

كانت به أرض الشآم أمينة

من مبطل متهوك صل ردي

لو تستطيع بنات نعش أن ترى

يوماً تسير بنعش ميت ملحد

كانت تسير بنعشه وتحطه

فوق السماك وفوق فرق الفرقد

مات الذي جمع العلوم إلى التقى

والفضل والورع الصحيح الجيد

شيخ الأنام تقي دين محمد

وجمال مذهب ذي الفضائل أحمد

ودّعت قلبي يوم جاء بنعيه

فتقاعدي يا عين بي أو أنجدي

سقت العهاد عراص قبر حله

جسد حوى خلقاً وحسن تودد

من مبلغ العذال فرط صبابتي

وتعلقي يوم النوى وتسهدى

ما بعد رزئك في الزمان رزية

تصمى المقاتل بالفراق ولا تدي

بددت شمل الملحدين جميعهم

وجمعت شمل ذوي التقى المتبدد

يا من ترى أقواله مبيضة

في كل ذي قول ووجه أسود

يا كاليء الإسلام من أعدائه

وسمام كل أخي نفاق ملحد

يا واحد الدنيا ويا فرد الورى

أنت الذي جددت دين محمد

إلى أن قال:

لله درك من إمام كامل

تقفوا الأئمة أثره بل تقتدي

صنفت كتباً قد حوت كل الهدى

وبهديها قد ضل من لا يهتدي

فيها رددت على الفلاسفة الألى

زاغوا عن الحق الصريح الأيدي

ص: 287

وكذا على أهل الكلام وحزبهم

من كل مبتدع خؤون معتدي

فعليك مني ألف ألف تحية

تغشى ضريحك يا قرين الفرقد

(وللحافظ الذهبي رحمه الله يرثي الشيخ) :

يا موت خذ من أردت أو فدع

محوت رسم العلوم والورع

أخذت شيخ الإسلام وانفصمت

عرى التقى واشتفى أولوا البدع

غيبت بحراً مفسراً جبلاً

حبراً تقياً مجانب الشبع

فإن يحدث فمسلم ثقة

وإن يناظر فصاحب اللمع

وإن يخض نحو سيبويه يفه

بكل معنى في الفن مخترع

وصار عالي الإسناد حافظه

كشعبة أو سعيد الضبعي

والفقه فيه فكان مجتهداً

وذا جهاد عار من الجزع

وجوده الحاتمي مشتهر

وزهده القادري في الطبع

أسكنه الله في الجنان ولا

زال علياً في أجمل الخلع

مع مالك والإمام أحمد والـ

ـنعمان والشافعي والنخعي

مضى ابن تيمية وموعده

مع خصمه يوم نفخة الفزع

وقال أحد أدباء عصره:

أشكو إلى الله إلمام الملمات

وما أقاسيه من حزن ولوعات

خف الخليط ودار القاطنين

وأقفرت منهم أرضي وساحاتي

خلت وأقبلت يوم جد البيت في حلل

سود سليمى على تلك اللييلات

يا أيها الصب لا تجزع على وطن

فإن للدهر أطواراً وحالات

وجمل النفس بالصبر الجميل ولا

تذر الدموع على تلك الأويقات

ما كنت أعلم قربي في محبتهم

حتى رمتني إلى الأبعاد راياتي

فاندب على ما مضى من عيشة وصفي

وابك على ما جرى يا قلبي العاتي

واذكر مصارع قوم كيف قد شربوا

بعد الزلال بكاسات المنيات

وأنت من بعدهم تسري كسيرهم

إما لدار هوان أو بجنات

ص: 288

أقول ما قاله العبد1 المنيب وقد

أودى به السجن في بر وطاعات

أنا الذليل أنا المسكين ذو شجن

أنا الفقير إلى رب السموات

ما زال يتبع آثار الرسول على الـ

ـنهج القويم بأعلام الدلالات

يهدي لسنته يفتي بشرعته

يرعى لحرمته في كل ساعات

قطب الزمان وتاج الناس كلهمو

روح المعاني حوى كل العبادات

حبر الوجود فريد في معارفه

أفنى بسيف الهدى أهل الضلالات

حوى من المصطفى علماً ومعرفة

وجاءه منه إمداد النوالات

ما جاءه سائل إلا ويمنحه

إما بجود وإما بالمداراة

ماذا أقول وقولي فيه منحصر

في وصف أخلاقه كلّت عباراتي

في علمه ما علمنا من يناسبه

إلا أئمتنا أهل العنايات

في جوده ما وجدنا من يماثله

غير البرامك كانوا في سعادات

في زهده ما سمعنا من يشاكله

إلا رجال مضوا أهل الكرامات

يجود وهو فقير إن ذا عجب

هذا الذي ما سمعنا في الحكايات

تلوح شمس المعالي في شمائله

وفي صفا وجهه نور الهدايات

بحر المعارف تاهوا في بدايته

أهل المعاني وأرباب النهايات

قطب الحقائق حاروا في فضائله

أهل التصوف أصحاب الرياضات

أعجوبة الدهر فرد في مظاهره

علامة الوقت في الماضي وفي الآتي

وألهف قلبي على من كان يجمعنا

على فنون المعاني والإشارات

1 يشير بذلك إلى قصيدة الشيخ التي قالها في السجن ومطلعها:

أنا الفقير إلى رب السموات

أنا المسكين في مجموع حالاتي

أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي

والخير إن جاءنا من عنده يأتي

لا أستطيع لنفسي جلب منفعة

ولا عن النفس في دفع المضرات

وليس لي دونه مولى يدبرني

ولا شفيع إلى رب البريات

والفقر لي وصف ذات لازم أبداً

كما الغنى أبداً وصف له ذاتي

هذا التعليق موجود في الأصل المطبوع عليه. أهـ

ص: 289