الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
[مقدمة]
الحمد لله الذي تفرد بالوحدانية فلا له ثان، وفرق بين الحق والباطل وعلم كل قاص ودان، وألهم العلماء لجواب السؤال بلا توان، ومنحهم أسباب النوال، وبلغهم الأماني، فسبحانه وتعالى على أن وفقني للخير وهداني.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو الباقي وكل شيء فان، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله النبي العربي القرشي العدناني، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين شيدوا من الدين المباني، وأظهروا الشريعة الغراء ووضحوا لها المعاني، وعلى من تبعهم وسلك سبلهم وطريقتهم من كل عزيز وقوي وعان، صلاة وسلاما دائمين متلازمين ملازمة الغريم للجاني، وعدد ما قرئ:{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني}
(وبعد) فإن العلماء ورثة الأنبياء ومعالم للهدى، ومصابيح للدجى، ونجوم للاهتدا، وصقال للصدا، وسلاح للأعدا، وحجة لمن اعتدى، زادهم الله تعالى شرفا وتعظيما، ومنحهم عزا وإجلالا ومهابة وتكريما، خصهم الله تعالى بالشرف والعلا بين الأنام
وجعلهم قبلة ومنهاجا لدار السلام، تتشرف الأرض بمواطئ أقدامهم، وتنزل الرحمة عند دروسهم وتقريرهم، ولولاهم لكانت الناس بالدين جهالا، وأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا إضلالا، ولقد غاصوا في مسالك الفقه وساروا، وداروا على مسائله وجدا وهاموا، وبينوا المسائل الفقهية أحسن تبيين، وأظهروا ما خبئ وخفي عن الغبيين، وردوا خصم الخصوم المخالفين، وأقاموا صحة الحجج والبراهين، فأحاطوا بأحكام حرامه وحلاله، ورشفوا من غوامض مائه وزلاله، ووضحوا العبارة بلباب العقول والنقول، واعتمدوا على كل قول صحيح صواب مقبول، على منهج الطريق الواضح المستقيم، غير متعرضين لكلام ضعيف ولا مين ولا ذميم، وأن ما يشتغل به العاقل اللبيب، الكامل الأديب، التفقه في دينه، والاجتهاد في فهمه وتبيينه؛ لأجل إنقاذه من الجهل المهين له في زمانه وحينه، وليعرف الحلال من الحرام والحرام من الحلال، وليحوز الخير الجزيل المتين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين.
ولما كانت الفتوى من أهم ما بها يعتنى، وأجل ثمر يقتطف ويجتنى؛ لكونها من فروض الكفايات، ولعدم الاستغناء عنها في وقت من الأوقات، ولم تزل العلماء الأعلام المفتيون، يقيدون ما يقع لهم من الأسئلة والأجوبة ويجمعون، ومن كتب ما وقع له في لياليه وأيامه، فقد كتب كتابا إلى من يأتي بعده بحوادث دهره وأعوامه، ومن قيد ما رأى وشاهد في أوقاته ودهره، فقد أشهد أحوال عصره لمن لم يكن في عصره، ولقد أفادنا الماضون قبلنا بالأخبار، وأطلعونا على ما دثر وبقي من الآثار، فأبصرنا ما لم نشاهده بالأبصار، وأحطنا بما لم نحط به خبرا من الأخبار، فرحمنا الله تعالى ورحمهم أجمعين، وبوأنا وإياهم جنات عدن فيها خالدين، لقد غرسوا حتى أكلنا وإنا لنغرس حتى يأكل من بعدنا، ويستفيدون ما رأينا وشاهدنا، ويعلمون ما شهدنا وعهدنا، والناس لهم في الفنون مراتب ومقامات، ولهذا رفع بعضهم فوق بعض درجات، وما ذاك إلا فضل من المولى الكريم المتعال، يؤتيه لمن يشاء من عباده ويكسوه ثوب الإجلال، ولقد اهتم العلماء في جميع الوقائع غاية الاهتمام، واجتهدوا في حفظها لينتفع بها من بعدهم من الأنام، حتى صارت كتبا عديدة يرجع إليها، ودواوين فريدة يعتمد عليها، وبراهين غزيرة يتمسك بها، لما فيها من الأحوال النادرة والفروع الشاردة لا تكاد توجد مسطرة إلا على الندور، ولا يلتقي مثلها في الكتب المبسوطة غالبا إلا في العتور.
وقلوب أهل هذا الزمن مائلة إليها، ومعولين في الجواب عليها، قال العبد الفقير
إلى مولاه الغني القدير، السيد أحمد بن أمين الدين البسطامي، المتشرف بإفتاء السادة الشافعية بنابلس المحمية لما انتقل بالوفاة إلى رحمة الله تعالى العالم العلامة، الحبر البحر الفهامة، شافعي زمانه، فريد عصره وأوانه، كهف الإسلام والمسلمين، عمدة الفقهاء والمحدثين، شيخ الإفتاء والتدريس، ومحل الفروع والتأسيس، من هو تابع لمذهب الإمام الأعظم الشافعي ابن إدريس، شيخي وأستاذي عمدتي واستنادي، وقدوتي إلى الله تعالى المرحوم المغفور له إن شاء الله تعالى الشيخ محمد الخليلي، نزيل القدس الشريف، أمطر الله تعالى عليه صبيب الرحمة والرضوان، وأسكنه وإيانا أعلى فراديس الجنان، وكان رحمه الله قيد في مسودة شريفة بعض ما وقع له من الأسئلة وما أجاب عليها، فأرسلت طلبتها من ولده مفخر السادات وعين السيادات، الحائز قصب السبق إلى رتب الكمالات، من هو كاسمه فالح وناجح، مولانا السيد محمد الصالح، وفقه الله تعالى للعمل الصالح، وبلغه ما أمل من جميع المصالح، فأجابني لما طلبت، وبلغني ما أملت، وأرسها لي وما ونى، وحملني له بذلك أجل الثناء، فرأيتها فوائد ثمينة، وفرائد يتيمة، وجواهر مضيئة، وبدورا مستضيئة، حقيق أنها بماء العيون ترسم، وبمداد العسجد ترقم، وتكتب في صحائف الورق فضلا عن الورق، بأحسن خط من كتب وورق، فجزاه الله تعالى جزاء وافيا موفورا، وجعل عمله متقبلا وسعيه سعيا مشكورا، فما كل من فعل أجاد في فعله، ولا كل من قال وفى بقوله، والخلائق في الفضائل يتفاوتون، وقد يظفر الأواخر بما ترك الأولون.
وقد جمعت مسائل مهمة كثيرة الوقوع، وفوائد جمة ظاهرة الطلوع، وواقعات شهيرة ومنقولات عزيرة، وأبحاثا مطنبة وجيزة، ينتفع بها الصغير والكبير، ويرتاح بالأخذ منها المأمور والأمير، وتكون عونا لمن بمنصب الإفتاء بلي، وسلك في فتواه منهاج الاستقامة وكفي، وبمطالعتها الغباوة والغشاوة تنجلي؛ ولكونها من وقائع أهل هذا الزمن والأوان، لا يمل قارئها مع توالي الملوان، خالية عن الكلام المعمى، سالمة من الألحان والمغمى، فاستخرت الله تعالى كثيرا، واتخذته هاديا ونصيرا، بيضتها وجمعتها، وعلى أبواب متن الفقه رتبتها، وحذفت منها بعض أسئلة مكررة، وأجوبة مطولة، وبدأتها أول بما يتعلق بالتفسير ثم بالحديث ثم بالنحو ثم بالتوحيد ثم بأبواب الفقه على الترتيب، ثم ختمتها ببابين؛ الأول بما يتعلق بالتصوف، والثاني مسائل منثورة وسميتها بالفتاوى المحمدية الخليلية، في واقعات السادة الشافعية، نويت