الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والصالحين، فأرسلوا الزنديق ليفسد اعتقاد الناس عن الأنبياء الكرام والأولياء والأعلام والأماكن المشرفة؛ لتكون لهم الغلبة على البلاد، ونعوذ بالله تعالى من هذا الاعتقاد، فتأمل هذه الدسيسة الخبيثة؛ لأنا رأينا هذا الرجل يداخل بعض من له الكلام لاحتمال أنه يوافقه على المراد، وأظن أن معه شيئا من المعادن يستميل به قلوب بعض الناس، وقد أخبرت أنه دخل محروسة إسلامبول حرست بأنفاس الرسول، فطرد منها إلى مصر، ثم طرد منها إلى بيت المقدس، وتكلم بكلام كثير كله ضلال وبهتان وكفر صراخ ومقاصد خبيثة، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لمرضاته آمين بحرمة سيد المرسلين.
مطلب: في كلام الصوفية في القرآن، هل هو تفسير
؟
(سئل) عن كلام الصوفية في القرآن، هل هو تفسير؟ قال ابن الصلاح في فتاواه: وجدت عن الإمام أبي الحسن الواحدي المفسر أنه قال: صنف أبو عبد الرحمن السلمي حقائق التفسير، فإن كان قد اعتقد أن ذلك تفسير فقد كفر، وتفصيله في الإتقان للسيوطي، فتوضحوا لنا هذا الجواب مع نقل عبارة السيوطي بتمامها مع زيادة كشف للمقام ولكم الثواب من الملك الوهاب.
(أجاب) قال في الإتقان: وأما كلام الصوفية في القرآن فليس بتفسير، قال ابن الصلاح في فتاواه: وجدت عن الإمام أبي الحسن الواحدي المفسر أنه قال: صنف أبو عبد الرحمن السلمي حقائق التفسير، فإن كان قد اعتقد أن ذلك تفسير فقد كفر. قال ابن الصلاح: وأنا أقول الظن بمن يوثق به منهم إذا قال شيئا من ذلك أنه لم يذكره تفسيرا ولا ذهب مذهب الشرح للكلمة، فإنه لو كان كذلك كانوا قد سلكوا مسلك الباطنية، وإنما ذلك منهم لنظم ما ورد به القرآن، فإن النظير يذكر بالنظير، ومع ذلك فيا ليتهم لم يتساهلوا بمثل ذلك لما فيه من الإبهام والإلباس. وقال النسفي في عقائده: النصوص على ظواهرها والعدول عنها إلى معان يدعيها أهل الباطن الحاد. قال التفتازاني في شرحه: سميت الملاحدة باطنية لادعائهم أن النصوص ليست على ظواهرها، بل لها معان باطنية لا يعرفها إلا المعلم وقصدهم بذلك نفي الشريعة بالكلية، قال: وأما ما يذهب إليه بعض المحققين من أن النصوص على ظواهرها، ومع ذلك فيها إشارات خفية إلى دقائق تنكشف على أرباب السلوك يمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة فهو من كمال الإيمان ومحض العرفان. وسئل سراج الدين البلقيني عن رجل قال في قوله تعالى:{من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} أن معناه من ذل أي من الذل ذي إشارة إلى النفس يشف من الشفا جواب من أمر من الوعي، فأفتى بأنه ملحد، فقد قال تعالى:{إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا} . قال ابن عباس: هو أن يضع الكلام على غير موضعه. أخرجه ابن أبي حاتم. فإن قلت: قال الفريابي: حدثنا سفيان عن يونس بن
عبيد عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لكل آيه ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع ". وأخرج الديلمي من حديث عبد الرحمن بن عوف مرفوعا: " القرآن تحت العرش له ظهر وبطن، يحاج العباد ". وأخرج الطبراني وأبو يعلى والبزار وغيرهم عن ابن مسعود موقوفا أن هذا القرآن ليس منه حرف إلا له حد، ولكل حد مطلع. قلت: أما الظهر والبطن ففي معناه أوجه، أحدها: أنك إذا بحثت عن باطنها وقسته على ظاهرها وقفت على معناها. والثاني: أن ما من آية إلا عمل بها قوم ولها قوم سيعملون بها كما قاله ابن مسعود فيما أخرجه ابن أبي حاتم. الثالث: أن ظاهرها لفظها وباطنها تأويلها. الرابع: قال أبو عبيد، وهو أشبهها بالصواب: إن القصص التي قصها الله عن الأمم الماضية وما عاقبهم به ظاهرها الإخبار بهلاك الأولين أنها حديث حدث به عن قوم وباطنها وعظ لآخرين، وتحذير أن يفعلوا كفعلهم، فيحل بهم مثل ما حل بهم. وحكى ابن النقيب قولا خامسا: أن ظاهرها ما ظهر من معانيها لأهل العلم بالظاهر، وباطنها ما تضمنته من الأسرار التي أطلع الله عليها أرباب الحقائق. ومعنى قوله: ولكل حرف حد أي: منتهى فيما أراد الله تعالى من معناه. وقيل: حكم مقدر من الثواب والعقاب. ومعنى قوله: ولكل حد مطلع: لكل غامض من المعاني والأحكام مطلع يتوصل به إلى معرفته ويوقف على المراد به. وقيل: كلما يستحقه من الثواب والعقاب يطلع عليه في الآخرة عند المجازاة. قال بعضهم: الظاهر التلاوة، والباطن الفهم، والحد أحكام الحلال والحرام، والمطلع الإشراف على الوعد والوعيد. قلت: يؤيد هذا ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس قال: إن القرآن ذو شجون وفنون وظهور وبطون، لا تنقضي عجائبه، ولا تبلغ غايته، فمن أوغل فيه برفق نجا، ومن أوغل فيه بعنف هوى، أخبار وأمثال وحلال وحرام وناسخ ومنسوخ وحكم ومتشابه وظهر وبطن، فظهره التلاوة وبطنه التأويل، فجالسوا به العلماء وجانبوا به السفهاء. وقال بعض العلماء: لكل آية ستون ألف فهم، فهذا يدل على أن في فهم معاني القرآن مجالا رحبا ومتسعا بالغا، فإن المنقول من ظاهر التفسير ليس ينتهي الإدراك فيه بالنقل والسماع لابد منه في ظاهر التفسير؛ ليتقى به مواضع الغلط، ثم بعد ذلك يتسع الفهم والاستنباط، ولا يجوز التهاون في حفظ التفسير الظاهر، بل لابد منه أولا إذ لا مطلع في الوصول إلى الباطن قبل أحكام الظاهر، ومن ادعى فهم أسرار القرآن ولم يحكم التفسير الظاهر فهو كمن ادعى البلوغ إلى صدر البيت قبل أن يجاوز البيت. انتهى.
وقال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله في لطائف المنن: اعلم أن تفسير هذه الطائفة لكلام الله تعالى وكلام رسوله بالمعاني العربية ليس إحالة
للظاهر عن ظاهره، ولكن ظاهر الآية مفهوم ما حيلت الآية له، ودلت عليه في عرف اللسان، وثم أفهام باطنة تفهم عند الآية والحديث لمن فتح الله قلبه. وقد جاء في الحديث:" لكل آيه ظهر ". وإنما يكون إحالة لو قالوا: لا معنى للآية إلا هذا، وهم لم يقولوا ذلك، بل يقرون الظواهر على ظواهرها مرادا بها موضوعاتها، ويفهمون عن الله تعالى ما أفهمتم، والله اعلم.
وتوضيح ما قاله هؤلاء الأئمة في الرد على الصوفية هو أنا لا نشك أن القرآن نزل بلغة العرب. وقال تعالى: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} فأناط تعالى عقله وفهمه بإنزاله بلغة العرب لفصاحتها وبلاغتها، وفهم أهلها معانيها منها ووضوحها، فأقل الأعراب إذا خوطب بها على القانون الذي هو بينهم فهم المراد منها، وقد أشكل كثير من القرآن على كثير من الصحابة لسعة اللغة عليهم، ولهذا قالوا: لا يحيط بها إلا نبي مرسل، فكان صلى الله عليه وسلم يفسر لهم المراد، ويعين مدلول اللفظ من غير زيادة ولا نقص ولا خروج عن مدلول اللغة، ولهذا عد من أصول الكفر الجهل باللسان العربي لغة ونحوا ومعاني وبيانا وصرفا عن كثير من الحمقى، فوقع في كفر صراح وبدع منكرة وضلالات مستبشعة؛ لجهلهم بقواعد اللغة وعدم أخذهم لها عن أئمة منورين بنور الإيمان ومتوجين بتاج الإحسان ولابسين ثوب الإسلام لا يحرفهم عن الطريق البيضاء غرض، ولا يضعفهم عن بيان الشريعة الغراء مرض، بل عرفوا الحق فبينوه والباطل فأدحضوه على المنهج القويم والميزان المستقيم، وتبعوا طريق السلف وأعرضوا عن ابتداعات الخلف. قال بعضهم:
فكل خير في اتباع من سلف
…
وكل شر في ابتداع من خلف
\50
فهنا ميزان قويم تزن به جميع ما يرد عليك من البدع والضلالات مما يزنه أهل الأهواء، وذلك أن دين الإسلام لا يخرج عن أمرين: أصول، وهو ما يتعلق بالله ورسوله مما يجب لله تعالى من الصفات ويستحيل عليه ويجوز عليه، ومثل ذلك الرسل عليهم الصلاة والسلام، وما يتعلق بأمر المعاد مثل سؤال القبر وعذابه والجنة والنار ونحو ذلك.
والناس لهم فيه إمامان: الإمام أبو الحسن الأشعري، ويعرف أتباعه بالأشاعرة، وأبو منصور الماتريدي، ويعرف أصحابه بالماتريدية، وبمذهب الأول أخذ الشافعية والمالكية ومن تبعهم، وبمذهب الثاني أخذ الحنفية والحنابلة ومن تبعهم، لا تخرج عن هذين الإمامين، فإذا أورد مبتدع أو ضال مسألة في الأصول فقل له: هل قال بها واحد من هذين الإمامين؟ فإن قال: نعم، فقل له: نطلب منك النقل، فإن ذكره أو أحضره على طبق المراد قبل منه وإلا رد عليه، وإن قال: قلت هذا برأي أو بدليل ذكره