الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن يكون ملائكة السؤال جماعة كثيرين يسمى بعضهم منكرا وبعضهم نكيرا، فيبعث لكل ميت اثنان منهم، وأما كون الميت يكشف له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجاب عنه الحافظ ابن حجر: إنه لم يرد في حديث، وإنما دعاه بعضهم بغير مستند سوى قوله في هذا الرجل، ولا حجة فيه؛ لأن الإشارة إلى الحاضر في الذهن، انتهى.
أقول: وقد وقع لي بالأزهر مرض شديد حتى رأيت ملائكة عظاما تمر بالأنبياء واحدا بعد واحد فيقولون لي: هذا نبيكم، فأقول: لا، فيقولون لي: صدقت، هذا فلان. وهكذا، وربما أيدت القول الأول، وأما كون السؤال قبل الدفن أم بعده فالصحيح بعده، فإن قدر أنه لم يدفن بأن أغرى عليه الكلاب، أو أكلته الوحوش، أو ألقي في البحر سئل قبل الدفن، ولو بحضور الناس، ولا يعلمون سؤاله، كما يقع للنائم من الرؤيا بحضور الناس مع تكلمه فيها، ولا يسمع الحاضرون له كلاما.
وأما إذا مات على حالة، فإنه يبعث عليها كالميت بالسكر يبعث سكران، وقد أخرج الأصبهاني في الترغيب من طريق أبي هدبة عن أشعث الحراني عن أنس مرفوعا "من فارق الدنيا، وهو سكران دخل القبر سكران" وأخرجه أبو الفضل الطوسي في عيون الأخبار من طريق أبي هدبة عن أنس، وفيه أنه يعاين ملك الموت سكران، ويعاين منكرا ونكيرا سكران، والله أعلم.
مطلب: تمنع اليهود والنصارى من زيارة قبور الأنبياء لما يفعلونه من عدم الاحترام إلخ
(سئل) في مراقد مشهورة للأنبياء الكرام والرسل العظام، مثل مرقد العزير، وشمويل، وشعيب وغيرهم من الأنبياء الكرام على نبينا وعليهم الصلاة والسلام، فهل تمكن اليهود والنصارى من زيارتها مع ما يفعلونه في مراقد الأنبياء من القذرات، وحرق الثياب النفيسة مع ما فيها من القترة والدخان، كما يقع لليهود في مقام شمويل، وركوب أضراحها الشريفة بالجزم والبوابيج، كما يفعله اليهود في مقام شعيب بقرية حطين، وغير ذلك مما يقع منهم فيها مما يخالف الكتاب والسنة، بل والإجماع، والطريقة المألوفة لزيارة القبور لأهل الإسلام، ولما نص عليه العلماء من طريق زيارة الأنبياء الكرام من الآداب والخشوع والخضوع تجاه القبر الشريف لأحدهم؟
(أجاب) نص العلماء الأعلام أن أسماء الأنبياء تصان عن اليهود والنصارى، فلا يمكنون منها لأنهم، وإن اعتقدوا المسمى فاعتقادهم فيه باطل، كما في اعتقاد النصارى في عيسى أنه ابن الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وكذلك في أمه قال تعالى {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} وقولهم فيه ثالث ثلاثة، ونحو ذلك مما لا يقول به عيسى، ولا أمه.
ومثل ذلك قول اليهود في عزير أنه ابن الله، تعالى الله علوا كبيرا، وكذلك ضرائحهم الشريفة تصان عن كفرهم وضلالهم، قال تعالى {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام} ، فإذا منعوا من
المسجد الحرام، وهو لا يعقل، فما بالك بالأنبياء الكرام الذين هم أشرف الخلق وأفضلهم، فقد قالوا في تعريف النبي الشامل للرسول أنه أفضل معاصريه خلقا وخلقا وعقلا وفطنة وقوة، وأنه معصوم، ولو من صغيرة سهوا، ولو قبل النبوة سليم من دناءة أب وخناء أم وإن عليا، ومن منفر كعمى وجذام وبرص، ولا يرد بلاء أيوب وعمى يعقوب بناء على أنه حقيقي لطروه بعد الإنباء، ومن قلة مروءة كأكل بطريق، ومن دناءة صنعة كحجامة إلى آخر ما ذكروه في تعريف النبي والرسول.
إذا علمت ذلك علمت أن الأنبياء الكرام ينزهون عن القذرات، ولو كانت طاهرة، ولو من أهل الإسلام، فما بالك بأهل الكفر والنفاق، بل نفس أبدان أهل الكفر قذرة، ولو كانت نظيفة بحسب الظاهر،} إنما المشركون نجس {، فيجب على كل مؤمن بالله واليوم الآخر أن يصون مراقد الأنبياء الكرام من قذرات اليهود والنصارى، وإن اعتقدوه نبيا وعظموه؛ لأنه اعتقاد باطل مخالف للشرع القويم، ولما هو واجب للأنبياء الكرام من التعظيم والتكريم والاحترام، فلا تمكن اليهود والنصارى من الدخول فضلا عن الركوب على مراقد الأنبياء الكرام، فقد رأينا اليهود تفعل من القذرات في مقام النبي شمويل عليه السلام، كحرق الثياب والقذرات والروائح الكريهة، فمما يجب صيانة أقل قبر ومقام لغير الأنبياء الكرام فضلا عن مراقد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وسألنا اليهود عن ذلك فقالوا: إنه كان يحب ذلك، فانظر لجهلهم، وقبيح فعلهم، لعنهم الله تعالى} إن هم إلا كَالأَنعَام بَل هم أَضَل سَبيلا {فلذلك منعناهم من زيارته ولله الحمد، وأما ركوب القبور والجلوس عليها من غير الأنبياء، فالجمهور على منعه، فقد روى أحمد ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه:"لأن يجلس أحدكم على جمرة، فتحرق ثيابه، فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر".
وروى أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة "لأن يطأ الرجل على جمرة، خير له من أن يطأ على قبر" وعبارة ابن حجر مع المنهاج: ولا يجلس على القبر الذي لمسلم، ولو مهدرا فيما يظهر، ولا يستند إليه، ولا يتكئ عليه احتراما له إلا لضرورة كأن لم يصل إلى قبر ميته، أو لا يتمكن من الحفر إلا به. انتهى.
هذا في قبور غير الأنبياء مع أن الجالس مسلم، فكيف بالكافر مع الأنبياء الكرام، فيمنع ويعزر التعزير اللائق به، فقد قال العلماء: إن الزائر، يحترم الميت احترامه له حيا، فيتأدب معه مثل ما لو كان حيا، ولو كانت الأنبياء أحياء كان يجب تباعد هؤلاء الكفرة عنهم، وقد قالوا في كيفية زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الزائر يقف قبالة وجهه الشريف جاعلا ظهره إلى القبلة المشرفة ووجهه لوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: السلام عليك ورحمة الله وبركاته،