الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن العذراء في الخلوة يشتد حياؤها أكثر مما تكون خارجة منه لكون الخلوة مظنة وقوع الفعل بها، فالظاهر أن المراد تقييده إذا دخل عليها في خدرها أحد، لا حيث تكون منفردة فيه. انتهى. والأولى أن التقييد بالخدر بمعنى ملازمته، وهي التي لا تكثر الخروج، فهي ملازمة له، وإذا كانت لم يطرق حياءها دنس أصلا ولم تمارس الأجانب، بخلاف البرزة، ويدل لذلك ما ذكره الفقهاء من أن النساء: مخدرات، وهن اللاتي لا يكثرن الخروج إلا لحاجة، وبرزات، وهن اللاتي ينزلن الأسواق ويعاملن الرجال بالبيع وغيره، فتعين التقييد بالخدر، فلو أطلق وقال: أشد حياء من العذراء؛ لصدق بصورتين كونها مخدرة وكونها برزة، وتحته صورتان مع صيانة أو خيانة، وليس المعنى على الكون في الخدر بل المعنى على المخدرة وإن برزت في بعض الأوقات لحاجة، كحمام وزيارة قريب وإعادة مريض ونحوه، ويخرج على أن الجار والمجرور بعد المعارف حال، ولكن الألف واللام هنا للجنس، فيصح الحال، والمعنى حال كونها في ملازمة الخدر ولم تصر برزة، ويصح الوصف؛ لأنها في معنى النكرة، ولم يرد بذلك عذراء بعينها، وإنما أراد العذراء الموصوفة بالخدر الملازمة له، ولم تخرج عنه لغيره، والمعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من عذراء مخدرة لا من مطلق عذراء، ولا من عذراء برزة، وسواء كانت العذراء الموصوفة بكونها في خدرها موجودة فيه أو خارجة عنه؛ لأنها وإن خرجت هي باقية على التخدير لأنها من جملة المخدرات، وحياؤهن أشد من غيرهن كما هو مشاهد، والمراد ما من شأنهن الخدر أي أنها من أهله وصاحبته وملازمته، والله تعالى أعلم.
مطلب ينبغي للعاقل أن يحذر من سرعة انقلاب قلبه
(سئل) عن معنى قول العلامة ابن حجر المكي في شرح الأربعين في الحديث السادس: ومن ثم قيل: ينبغي للعاقل أن يحذر من سرعة انقلاب قلبه؛ فانه ليس بين القلب والقلب إلا التفخيم. ما معنى ذلك؟.
(أجاب) المعنى ليس بين القلب بمعنى الانقلاب، والقلب بمعنى المضغة المودعة اللطيفة الربانية المسماة علما، باعتبار الانكشاف، وحياة باعتبار النمو، وروحا باعتبار الانتشار، وعقلا باعتبار التصريف في الكليات والجزئيات والميل إلى الكمالات، إلا التفخيم، بمعنى التعظيم لجانب الربوبية من حيث ما ورد عليه من الملكوتية، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء، وإن لم يكن هذا التفخيم بمعنى التعظيم، كان ذلك المعنى نفسا أمارة تنقلب مع هواها وتسعى في رداها، فالمعنى الأول مشار له بمنطوق قوله صلى الله عليه وسلم «احفظ الله يحفظك» أي بالمراقبة والوقوف مع الحدود، والثاني مشار له بالمفهوم، أي إن لم تراقب مولاك وكلك إلى هواك فانقلبت إلى غيك وضلالك الأصلي الذي عليه طبعت، والله تعالى أعلم.
مطلب قول الشيخ الأكبر إذا خاطب الله عبده بأن لم تتق الله جهلته وإن اتقيته كنت به أجهل الخ
(سئل) عن
قول الشيخ الأكبر فيما لو أوقف الله تعالى من عباده من شاء بين يديه وخاطبه بما له وعليه، فقال له: إن لم تتق الله جهلته وإن اتقيته كنت به أجهل، ولا بد لك من إحدى الخصلتين، فلهذا خلقت لك الغفلة حتى تتعرى عن حكم الضدين؛ لأنه بدون الغفلة يظهر حكم أحدهما، فاشكر الله تعالى على الغفلة والنسيان، فقد سألنا هذه المسئلة رجل عزيز يرجو شرحها وتفصيلها.
(أجاب) أعلم زادك الله توفيقا وبحثا عن الدقائق أن هذا السؤال ظاهر لمن شرح الله صدره للإيمان والإسلام، فقوله: إن لم تتق الله جهلته؛ أي من كل وجه واعتبار، ولهذا سمي من كان قبل الإسلام جاهليا، ولم يكلفوا بشرائع لقوله {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} فمن لم يتق الله فقد أعرض عنه بكل حال وجهله من كل الأوجه، حتى من وجه الإنعام والإكرام والخلق والرزق والإحياء والإماتة والثواب والعقاب، وذلك لتراكم الظلمات بعضها فوق بعض عليه، من بواعث النفس والهوى المضل والشيطان المغوي وحب العاجل المردي، وهو المشار إليه بقوله تعالى {صم بكم عمي فهم لا يعقلون}} كلا بل ران على قلوبهم {} وطبع على قلوبهم {\30 أم على قلوب أقفالها} وقوله: إن اتقيته؛ أي إن أردت بتقواك الوصول إلى الكنه والحقيقة كنت به أجهل؛ لأن ذلك محال في الدنيا بل وفي الأخرى، وطلب المحال أبلغ من الجهل وإنما المراد من التقوى أمور؛ إما ملاحظة كمال الذات وما لها من جميل الصفات، فيتقي وإن انتقم تعالى منه، وهذا مقام المقربين، وإما ملاحظة النعم الصادرة منه تعالى بالخلق والرزق والإحياء والإماتة، وسائر النعم، وهذا مقام الرابحين، وإما ملاحظة الأمر والنهي وما يترتب عليهما من ثواب وعقاب، وهذا مقام الخائفين، فلا بد للإنسان إما من الجهل المعمي المصم المبكم، فلا يتقي أصلا، وإما يتقي الذات بمعنى الوصول إلى الكنه والحقيقة، وهذا محال أبلغ في الجهل لأنك حادث بكل وجه واعتبار، ومولاك قديم بذاته وصفاته، فلا جامع بينك وبينه بوجه، ولهذا خلقت لك الغفلة لتتعرى عن حكم الضدين؛ أي الجهل المعمي المصم الخ، وطلب الوصول إلى الكنه والحقيقة، فاشكر الله تعالى على الغفلة والنسيان اللذين لم يوقعاك في شيء من الأمرين المذكورين، فلهذا قال تعالى:{وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} والله تعالى يعبد في حال التكليف أي حالا لا غفلة فيه ولا نسيان، إما تعظيما لذاته وإن انتقم وإما مقابلة لإنعامه كما هو عادة الكريم، أن يجازي على الكرم، وإما طمعا في إحسانه ومخافة عقابه، كما هو شأن الحيوان، كالحمار ونحوه، فتأمل شرح الله تعالى صدرك، فهذه إشارة من فيض بحر وعبارة، ووراء ذلك ما يحيل عن درك الأذهان، وثم وراء النقل علم يدق عن مدارك أرباب العقول السليمة، ولا تخفى