الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه الأمر بصلاة الجمعة إذا اجتمعت شروطها، وكذا بصلاة العيد وإن قلنا أنها سنة لأن الأمر بالمعروف هو الأمر بالطاعة، ولا يأمر المخالفين له في المذهب بما لا يجوزونه، ولا ينهاهم عما يرونه فرضا عليهم، ويأمر المسلمين بالمحافظة على الفرائض والسنن ولا يعترض عليهم في تأخيرها والوقت باق؛ لاختلاف العلماء في فضل تأخيرها، ويأمرهم فيما يعم نفعه كعمارة سور البلد وشربه ومعونة المحتاجين من أبناء السبيل وغيرهم، ويجب ذلك من بيت المال إن كان فيه مال، وإلا فعلى من له مكنة، وينهى الموسر عن مطل الغريم إن استعدى؛ أي استعداه الغريم عليه، ولو قيل أنه ينهاه من حيث المعصية وإن لم يستعد، لم يكن بعيدا. وينهى الرجل عن الوقوف مع المرأة في طريق خال لأنه موضع ريبة، فينكر عليه ويقول له: إن كانت محرمك فصنها عن مواقف الريب، وإلا فخف الله تعالى من الخلوة معها، ويأمر بنكاح الأكفاء وإيفاء العدد والرفق بالمماليك وتعهد البهائم، وينكر على من تصدى للتدريس والفتوى والوعظ وليس هو من أهله، ويشهر أمره لئلا يغتر به، وينكر على من أسر في صلاة جهرية أو زاد في الأذان، وعكسهما، ولا يطالب الدائن بحق قبل الاستعداء من ذي الحق عليه، ولا يحبس للدين ولا يضرب عليه، وينكر على القضاة إذا احتجبوا عن الخصوم أو قصروا في النظر في الخصومات، وعلى أئمة المساجد المطروقة إن طولوا الصلاة، كما أنكر صلى الله عليه وسلم على معاذ ذلك، ويمنع الخونة من معاملة النساء لما يخشى فيها من الفساد. ولا يختص الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بمسموع القول بل عليه - أي على كل مكلف - أن يأمر وينهى وإن علم بالعادة أنه لا يفيد، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، فلا يسقط ذلك عن المكلف هذا العلم؛ لعموم خبر «من رأى منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» والله تعالى أعلم.
مطلب هل كان له صلى الله عليه وسلم ظل إذا مشى
(سئل) هل كان صلى الله عليه وسلم له ظل إذا مشى؟ وما سر ذلك؟.
(أجاب) لم يكن له صلى الله عليه وسلم ظل أصلا، كما نص على ذلك، وسر ذلك أن ذاته الشريفة نورانية لا كثافة فيها أصلا، فلم يظهر لها ظل كما وقع في بعض الأوهام أن الظلال تحكي قدم وجود النفوس، كما وقع لبعض مدعي الفضل وهو منه بريء؛ لأنه باطل لأنا لا نقول بقدم النفوس بل الكل حادث من النفوس والأجسام والأعراض، وهذا يقتضي قدم نفوس غير الأنبياء وحدوث نفوسهم، وذلك باطل بالعقل والنقل، قال صاحب الهمزية:
…
شمس فضل تحقق الظن فيه
أنه الشمس رفعة والضياء
…
فإذا ما ضحى محى نوره الظلـ
ـل وقد أثبت الظلال الضحاء
أي أنه صلى الله عليه وسلم شمس فضل يستمد من فضله أرباب الفضائل، صار الظن فيه محققا، وأن ذاته بالنسبة إلى ذواتهم الشمس رفعة في الرتبة، وأن نوره بالنسبة إلى أنوارهم الضياء المفيض تلك الأنوار عليهم، فبسبب أن ذاته الشمس ونوره الضياء اختص من غيره بأنه إذا ما ضحى محى نوره الظل؛ أي ظل ذاته الكريمة، والحال أنه قد أثبت الظلال للذوات الضحاء، وما ذكرناه من حمل الظل في كلامه على ظل ذاته الكريمة هو الموافق للمنقول في سيرته الشريفة، وفهم الناظم رحمه الله تعالى أن المراد به ظل ذاته وغيرها، وأن نوره يمحو كل ظل، فمن ثم أجاب عما يرد على ذلك من أن الغمامة أظلته قبل النبوة، وكأن الغمامة بقاء ظلها مع نوره استودعته أي استودعت النبي صلى الله عليه وسلم من
أظلتهم من ظله صلى الله عليه وسلم الرفقاء؛ أي رفقاءه أي إخوانه من المرسلين، والمراد بمن أظلتهم المرسلون من ظله أممهم المؤمنون بهم وبإظلالهم لهم إدخالهم تحت ظلهم المعنوي الذي هو من ظله صلى الله عليه وسلم فإن شرائعهم المبعوثين بها هي شرائعه وهم نوابه فيها، وحاصل الجواب أن بقاء ظلها مع نوره استيداعها؛ أي استحفاظها إياه صلى الله عليه وسلم للموجودين من الأمم السابقة؛ لأنهم مأمورون باتباعه صلى الله عليه وسلم وقد أخذ عليهم أنبياؤهم لئن أدركوه ليؤمنن به وليحفظنه ولينصرنه من الأعداء، كما وقع لبحيرا الراهب، وقال في تائيته السبكي:
لقد نزه الرحمن ظلك أن يرى
…
على الأرض يلقى فانطوى كمزية
وأثر في الأحجار مشيك ثم لم
…
يؤثر برمل أو ببطحاء مكة
قال شارحها المحلي: قيل: إنه صلى الله عليه وسلم لا يقع ظله على الأرض تشريفا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان نورا شريفا روحانيا، وجسما لطيفا نورانيا، والنور لا ظل له كما أن الملائكة عليهم السلام حالين بين أظهرنا لا ينكر ذلك عاقل، ولذلك لا نراهم ولا نرى لهم ظلا للطافتهم ونورانيتهم؛ لأنهم خلقوا نورا صرفا. وقيل: بل تكرما لذاته الشريفة أن يوطأ ظلها بالأرجل ولا يمتهن، وشبه هذا ما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان مسافرا يسايره يهودي، فلما أراد المفارقة قال عبد الله بن عمر لليهودي: بلغني أنكم تدينون بإيذاء المسلمين، فهل قدرت على شيء من ذلك؟ وأقسم عليه، فقال له اليهودي: إن أمنتني أخبرتك، فقال له: قد فعلت، فقال له: لم أقدر عليك بأكثر من أني كنت إذا رأيت ظلك وطئته بقدمي وفاء بأمر ديننا. وقيل: بل كانت الغمامة تظله صلى الله عليه وسلم فلا يرى له ظل. وعن النيسابوري: إنما لم يكن له ظل لأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يكتب، وهو نبي؛ أي لم يقع ليده الكريمة ظل على اسم