الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور} ما تفسير هذه الآية؟
(أجاب) صريح كلام البيضاوي والبغوي وغيرهما أن هذا الأمر واقع يوم القيامة إما على الصراط، وإما في الموقف. قال البيضاوي {يوم يقول المنافقون والمنافقات}: بدل من {يوم ترى} أي يقول لهم من يتلقاهم من الملائكة {بشراكم اليوم جنات} أي في المبشر به جنات أي: دخول جنات وقوله: {ارجعوا وراءكم} أي: إلى الدنيا {فالتمسوا نورا} بتحصيل المعارف الإلهية، والأخلاق الفاضلة؛ فإنه يتولد منها، أو إلى الموقف فإنه من ثم يقتبس، أو إلى حيث شئتم فاطلبوا، وذلك أن الله عز وجل يعطي المؤمنين نورا على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط ويعطي المنافق نورا خديعة هو قوله عز وجل:{وهو خادعهم} فبينما هم يمشون إذ بعث الله ريحا وظلمة فأطفأت نور المنافق فذلك قوله عز وجل: {يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا} مخافة أن يسلبوا نورهم كما سلب نور المنافقين.
وقوله عز وجل: {قيل ارجعوا وراءكم} قال ابن عباس: يقول لهم المؤمنون، وقال قتادة: تقول لهم الملائكة: ارجعوا وراءكم من حيث جئتم {فالتمسوا نورا} : فاطلبوا لأنفسكم هناك نورا لا سبيل لكم إلى الاقتباس من نورنا، فيرجعون في طلب النور فلا يجدون شيئا، أي في باطن ذلك السور الرحمة وهي الجنة {وظاهره} أي خارج ذلك السور {من قبله} أي من قبل ذلك الظاهر {العذاب} وهو النار.
وروي عن عبد الله بين عمرو بن العاص أنه قال: السور الذي ذكره الله تعالى في القرآن {فضرب بينهم بسور له باب} سور بيت المقدس الشرقي، {باطنه فيه} المسجد، {وظاهره من قبله العذاب} وادي جهنم. قال شريح: كان كعب يقول في الباب الذي يسمى باب الرحمة في بيت المقدس إنه الباب الذي قال الله تعالى: {فضرب بينهم بسور له باب} الآية انتهى. وهذا يقتضي أن هذا واقع في الدنيا؛ لأن مسجد بيت المقدس محل الرحمة لتضاعف الصلاة فيه، ولأنه محل المحشر والمنشر، ولأن الكعبة تساق إليه، ووادي النار الذي وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ليلة الإسراء تمثيل حال العصاة من أمته كأكلة الربا وشربة الخمر وأهل الغيبة والزناة وغير ذلك. والله أعلم.
مطلب القرآن قديم متواتر ولا بد فيه من مقدرات إلخ
(سئل) لا شك أن القرآن قديم متواتر ولا بد فيه من تقدير مقدرات لا يتم معنى القرآن بدونها، يقدرها أرباب التفسير وأهل الأصول والعربية، مع اختلافهم فيما يقدرونه، فإن قلتم: هذا المقدر من كلام الله تعالى فيكون القرآن المعجز محتاجا إلى غير المعجز الحادث وهو ظاهر البطلان، ولا شك أن المركب
من المعجز وغير المعجز غير معجز، وإن المركب من القديم والحادث حادث، والتزام أن هذا المقدر من الاحتياج ليس بنقص في كلام الله تعالى وليس بمخرج له عن كونه من كلام الله، التزام أمر ظاهر البطلان، ويلزم أيضا وقوع الاختلاف في القرآن؛ لاختلاف التقادير باختلاف الأغراض مع عدم اتفاقهم على لفظ واحد يقدرونه، فهذا يقدر لفظا وهذا يقدر لفظا وتارة تختلف المعاني وتارة لا، ومن ذلك اختلاف الأئمة فيما اختلفوا فيه في بعض الأحكام، مع قوله تعالى:{ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} ؛ وأيضا ما الداعي إلى حذفه مع كونه من كلام الله تعالى ويلزمه ما يلزم في كلام الله تعالى من حرمة مسه على الجنب والمحدث والحائض، ونحوها.
وإن قلتم: إنه من غير كلام الله تعالى فما الدليل على تقديره؟ وما الدليل على تعينه مع أن هذا أيضا وارد على المعنى الأول، ويلزمه أن يكون القرآن مركبا من كلام الله تعالى وكلام خلقه، ومركبا أيضا من القديم والحادث؛ فإن كان الله تركه لخلقه ليقدروه فهو حوالة لهم على ما لا يعلمونه، وهو أمر مجهول، فهو حوالة على مجهول، وإن كان لغفلة أو ذهول أو نسيان أو خلل في معنى ما تكلم به فذلك كله على الله تعالى محال، تعالى الله علوا كبيرا، ويلزم على هذا أن يكون خلقه تعالى أدركوا ما لا يدركه تعالى؛ لأنهم قدروا ما غفل أو ذهل عنه وذلك باطل باتفاق، بينوا لنا في ذلك جوابا شافيا؟.
(أجاب) اعلم أنا نختار الشق الثاني وهو الحق، والدليل على تقديره القرائن والآيات؛ فإن بعض القرآن يفسر بعضا، والأحاديث:{وأنزلنا إليك الكتاب لتبين للناس} والدليل على تعيينه المقام والغرض المستدل بالقرآن، فالنحوي يقدر ما يناسبه والأصولي كذلك، والفقيه كذلك، وأهل المعاني والبيان يقدرون ما يناسبهم، وليس في ذلك من النقص شيء، بل فيه كمال الكمال والبلاغة كما أجاب بذلك السيد الصفوي، والنقص اللغوي غير مضر، وبه يعلم أنه لا سهو ولا غفلة ولا ذهول ولا جهل ولا حوالة على مجهول، بل فيه من الرقة والمقاصد البليغة والنكت العجيبة كما بين ذلك في حذف المسند والمسند إليه في علم المعاني.
قال السيد المذكور: لإفادة الكلام المقصود مع الاختصار ودلالة السياق والقرائن على المحذوف، فقد اتفق المستشكل والمجيب على أن المحذوف ليس من كلام الله تعالى، وعلم أيضا أن الله تعالى أراد ذلك المقدر من القرآن، ووكله إلى أربابه لأغراضهم المختلفة، فالعجب العجيب من مقدراته وملفوظاته، كيف ما طلبته وجدته على مرادك المطابق للحق، ولا يوجد ذلك في كلام البشر أصلا، وأما قول المستشكل في المعنى الأول، أن المركب من المعجز وغير المعجز غير معجز إلخ ممنوع؛ فإن مجموع القرآن بل السورة الواحدة معجز مع أنه مركب