المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الشورى (42) : آية 6] - التحرير والتنوير - جـ ٢٥

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 47 الى 48]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 49 الى 50]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 54]

- ‌42- سُورَةُ الشُّورَى

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الشورى (42) : الْآيَات 1 إِلَى 2]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : الْآيَات 32 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : الْآيَات 49 الى 50]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : الْآيَات 52 الى 53]

- ‌43- سُورَة الزخرف

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 2 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 6 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 33 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 46 إِلَى 47]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 57 إِلَى 58]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 67 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 77 إِلَى 78]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 81 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 84]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 86]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 89]

- ‌44- سُورَةُ الدُّخَانِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 2 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 17 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 25 الى 28]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 30 إِلَى 31]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 34 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 40 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 43 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 51 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 54 الى 57]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌45- سُورَةُ الْجَاثِيَةِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 3 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 7 الى 10]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 27 الى 29]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 30 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 36 إِلَى 37]

الفصل: ‌[سورة الشورى (42) : آية 6]

وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

جُمْلَةٌ عُطِفَتْ عَلَى جُمْلَةِ يَكَادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ لِإِفَادَتِهَا تَقْرِيرَ مَعْنَى عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَجَلَالِهِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِمَا بَقَوْلِهِ: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [الشورى: 4] .

مَرْتَبَةُ وَاجِبِ الْوُجُودِ سُبْحَانَهُ وَهُوَ أَهْلُ التَّنْزِيهِ وَالْحَمْدِ وَمَرْتَبَةُ الرَّوْحَانِيَّاتِ وَهِيَ الْمَلَائِكَةُ وَهِيَ وَاسِطَةُ الْمُتَصَرِّفِ الْقَدِيرِ وَمُفِيضِ الْخَيْرِ فِي تَنْفِيذِ أَمْرِهِ مِنْ تَكْوِينٍ وَهُدًى وَإِفَاضَةِ خَيْرٍ عَلَى النَّاسِ، فَهِيَ حِينُ تَتَلَقَّى مِنَ اللَّهِ أَوَامِرَهُ تُسَبِّحُهُ وَتَحْمَدُهُ، وَحِينَ تَفِيضُ خَيْرَاتُ رَبِّهَا عَلَى عِبَادِهِ تَسْتَغْفِرُ لِلَّذِينِ يَتَقَبَّلُونَهَا تَقَبُّلَ الْعَبِيدِ الْمُؤْمِنِينَ بِرَبِّهِمْ، وَتِلْكَ إِشَارَةٌ إِلَى حُصُولِ ثَمَرَاتِ إِبْلَاغِهَا، وَذَلِكَ بِتَأْثِيرِهَا فِي نَظْمِ أَحْوَالِ الْعَالَمِ الْإِنْسَانِيِّ. وَمَرْتَبَةُ الْبَشَرِيَّةِ الْمُفَضَّلَةِ بِالْعَقْلِ إِذْ أَكْمَلُهُ الْإِيمَانُ وَهِيَ الْمُرَادُ بِ (مَنْ فِي الأَرْض) .

[6]

[سُورَة الشورى (42) : آيَة 6]

وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6)

جُمْلَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [الشورى: 4] بَعْدَ أَنْ أُفِيدَ مَا هُوَ كَالْحُجَّةِ عَلَى أَنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ يكَاد السَّمَاوَات [الشورى: 4، 5] الْآيَتَيْنِ. فَالْمَعْنَى: قَدْ نَهَضَتْ حُجَّةُ انْفِرَادِهِ تَعَالَى بِالْعِزَّةِ وَالْحِكْمَةِ وَالْعُلُوِّ وَالْعَظَمَةِ وَعَلِمَهَا الْمُؤْمِنُونَ فَاسْتَغْفَرَتْ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ. وَأَمَّا الَّذِينَ لَمْ يُبْصِرُوا تِلْكَ الْحُجَّةَ وَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَدِلَّةُ فَلَا تَهْتَمَّ بِشَأْنِهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ حَسْبُهُمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ. فَهَذَا تَسْكِينٌ لحزن الرّسول صلى الله عليه وسلم مِنْ أَجْلِ عَدَمِ إِيمَانِهِمْ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَهَذِهِ مقدّمة لما سيأمر بِهِ الرّسول صلى الله عليه وسلم مِنَ الدَّعْوَةِ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى [الشورى: 7]

ص: 31

الْآيَةَ، ثُمَّ قَوْلِهِ: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً [الشورى: 13] الْآيَاتِ، ثُمَّ قَوْلِهِ: فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ [الشورى: 15]، وَقَوْلِهِ: قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً [الشورى: 23] الْآيَةَ.

وَقَوْلُهُ: الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ مُبْتَدَأٌ وَجُمْلَةُ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ خَبَرٌ عَنِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ.

وَالْحَفِيظُ: فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، أَيْ حَافِظٌ، وَتَخْتَلِفُ مَعَانِيهِ وَمَرْجِعُهَا إِلَى رِعَايَةِ الشَّيْءِ وَالْعِنَايَةِ بِهِ: وَيَكْثُرُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ كِنَايَةً عَنْ مُرَاقَبَةِ أَحْوَالِ الْمَرْقُوبِ وَأَعْمَالِهِ، وَبِاخْتِلَافِ مَعَانِيهِ تَخْتَلِفُ تَعْدِيَتِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِحَرْفِ جَرٍّ يُنَاسِبُ الْمَعْنَى، وَقَدْ عُدِّيَ هُنَا بِحَرْفِ (عَلَى) كَمَا يُعَدَّى الْوَكِيلُ لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ.

وَالْوَكِيلُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَهُوَ الْمَوْكُولُ إِلَيْهِ عَمَلٌ فِي شَيْءٍ أَوِ اقْتِضَاءِ حَقٍّ. يُقَالُ:

وَكَّلَهُ عَلَى كَذَا، وَمِنْهُ الْوَكَالَةُ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ وَالْمُخَاصَمَةِ، وَيَكْثُرُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ كِنَايَةً عَنْ مُرَاقَبَةِ أَحْوَالِ الْمُوَكَّلِ عَلَيْهِ وَأَعْمَالِهِ. وَقَدِ اسْتُعْمِلَ حَفِيظٌ وَ (وَكِيلٌ) هُنَا فِي اسْتِعْمَالِهِمَا الْكِنَائِيِّ عَنْ مُتَقَارِبِ الْمَعْنَى فَلِذَلِكَ قَدْ يُفَسِّرُ أَهْلُ اللُّغَةِ أَحَدَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ بِمَا يَقْرُبُ مِنْ تَفْسِيرِ اللَّفْظِ الْآخَرِ كَتَفْسِيرِ الْمُرَادِفِ بِمُرَادِفِهِ، وَذَلِكَ تَسَامُحٌ. فَعَلَى مَنْ يُرِيدُ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ أَنْ يَرْجِعَ بِهِمَا إِلَى أَصْلِ مَادَّتَيْ (حَفِظَ) وَ (وَكَلَ) ، فَمَادَّةُ (حَفِظَ) تَقْتَضِي قِيَامَ الْحَدَثِ بِفَاعِلٍ وَتَعْدِيَتَهُ إِلَى مَفْعُولٍ، وَمَادَّةُ (وَكَلَ) تَقْتَضِي قِيَامَ الْحَدَثِ بِفَاعِلٍ وَتَعْدِيَتَهُ إِلَى مَفْعُولٍ وَتَجَاوُزَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَفْعُولِ إِلَى شَيْءٍ آخَرَ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وَبِذَلِكَ كَانَ فِعْلُ (حَفِظَ) مُفِيدًا بِمُجَرَّدِ ذِكْرِ فَاعِلِهِ وَمَفْعُولِهِ دُونَ احْتِيَاجٍ إِلَى مُتَعَلِّقٍ آخَرَ، بِخِلَافِ فِعْلِ (وَكَلَ)

فَإِفَادَتُهُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى ذِكْرٍ أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ زَائِدٍ عَلَى الْمَفْعُولِ وَمِنْ عَلَائِقِهِ، فَلِذَلِكَ أُوثِرَ وَصْفُ حَفِيظٌ هُنَا بِالْإِسْنَادِ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ عَنْ أَنْ يُكَلِّفَهُ غَيْرُهُ حِفْظَ شَيْءٍ فَهُوَ فَاعِلُ الْحِفْظِ، وَأُوثِرَ وَصْفُ (وَكِيلٍ) بِالْإِسْنَادِ إِلَى ضمير النبيء صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّفْهُ بِأَكْثَرِ مِنَ التَّبْلِيغِ، وَالْمَعْنَى: اللَّهُ رَقِيبٌ عَلَيْهِمْ لَا أَنْتَ وَمَا أَنْتَ بِمُوَكَّلٍ مِنَ اللَّهِ عَلَى جَبْرِهِمْ عَلَى الْإِيمَانِ. وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلُهُ فِي آخِرِ هَذِهِ

ص: 32

السُّورَةِ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ [الشورى: 48] .

وَأَيْضًا هِيَ كَالْبَيَانِ لِمَا فِي جملَة يكَاد السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ [الشورى: 5] لِأَنَّ مِنْ أَسْبَابِ مُقَارَبَةِ تَفَطُّرِهِنَّ كَثْرَةَ مَا فِيهِنَّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. وَلَوْلَا أَنَّهَا أُرِيدَ مِنْهَا زِيَادَةُ تَقْرِيرِ مَعْنَى جُمْلَةِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [الشورى: 4] لَكَانَتْ جَدِيرَةً بِأَنْ تُفْصَلَ وَلَكِنْ رَجَحَ الْعَطْفُ لِأَجْلِ الِاهْتِمَامِ بِتَقْرِيرِ الْعُلُوِّ وَالْعَظَمَةِ لِلَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا التَّبْيِينُ فَيَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ تَعْقِيبِ جُمْلَةِ يَكَادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ بِهَا كَمَا عَلِمْتَهُ آنِفًا.

فَقَوله: الْمَلائِكَةُ [الشورى: 5] مُبْتَدَأٌ وَجُمْلَة يُسَبِّحُونَ [الشورى: 5] خَبَرٌ وَالْمَقْصُودُ الْإِعْلَامُ بِجَلَالِ اللَّهِ.

وَتَسْبِيحُ الْمَلَائِكَةِ بِحَمْدِ اللَّهِ: خُضُوعٌ لِعَظَمَتِهِ وَعُلُوِّهِ، وَالتَّسْبِيحُ: التَّنْزِيهُ عَنِ النَّقَائِصِ.

فَتَسْبِيحُ الْمَلَائِكَةِ قَدْ يَكُونُ عِبَارَةً عَنْ إِدْرَاكِهِمْ عَظَمَةَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ: انْفِعَالٌ رَوْحَانِيٌّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً [الْأَعْرَاف: 205] ، وَقَدْ يَكُونُ دَلَالَةً عَلَى التَّنْزِيهِ بِمَا يُنَاسِبُ الْمَلَائِكَةَ مِنْ ظَوَاهِرِ الِانْفِعَالِ بِالطَّاعَةِ أَوْ مِنْ كَلَامٍ مُنَاسِبٍ لِلْحَالَةِ الْمَلَكِيَّةِ وَكَذَلِكَ حَمْدُهُمْ رَبَّهُمْ وَاسْتِغْفَارُهُمْ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ.

وَمَفْعُولُ يُسَبِّحُونَ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مُصَاحَبَتُهُ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ [الشورى: 5] تَقْدِيرُهُ: يُسَبِّحُونَ رَبَّهُمْ، وَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ، أَيْ يُسَبِّحُونَ تَسْبِيحًا مُصَاحِبًا لِحَمْدِهِمْ رَبَّهُمْ، أَيِ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِصِفَاتِهِ الْكَمَالِيَّةِ، وَمِنَ الثَّنَاءِ مَا هُوَ شُكْرٌ عَلَى نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ، فَالْمَعْنَى: يُسَبِّحُونَ اللَّهَ وَيَحْمَدُونَهُ. وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِالْمُشْرِكِينَ إِذْ أَعْرَضُوا عَنْ تَسْبِيحِ رَبِّهِمْ وَحَمْدِهِ وَشُغِلُوا بِتَحْمِيدِ الْأَصْنَامِ الَّتِي لَا نِعْمَةَ لَهَا عَلَيْهِمْ وَلَا تَنْفَعُهُمْ وَلَا تَضُرُّهُمْ.

وَتَقْدِيمُ التَّسْبِيحِ عَلَى الْحَمْدِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ تَنْزِيهَ اللَّهِ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ أَهَمُّ من إِثْبَات صِفَات الْكَمَالِ لَهُ لِأَنَّ التَّنْزِيهَ تَمْهِيدٌ لِإِدْرَاكِ كَمَالَاتِهِ تَعَالَى. وَلِذَلِكَ كَانَتِ

ص: 33

الصِّفَاتُ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِصِفَاتِ السُّلُوبِ مُقَدَّمَةً فِي تَرْتِيبِ عِلْمِ الْكَلَامِ عَلَى صِفَاتِ الْمَعَانِي- عِنْدَنَا-

وَالصِّفَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ.

وَالِاسْتِغْفَارُ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ: طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ لَهُمْ بِحُصُولِ أَسْبَابِهَا لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَعْلَمُونَ مَرَاتِبَ الْمَغْفِرَةِ وَأَسْبَابَهَا، وَهُمْ لِكَوْنِهِمْ مِنْ عَالَمِ الْخَيْرِ وَالْهُدَى يَحْرِصُونَ عَلَى حُصُولِ الْخَيْرِ لِلْمَخْلُوقَاتِ وَعَلَى اهْتِدَائِهِمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالطَّاعَاتِ وَيُنَاجُونَ نُفُوسَ النَّاسِ بِدَوَاعِي الْخَيْرِ، وَهِيَ الْخَوَاطِرُ الْمَلَكِيَّةُ. فَالْمُرَاد ب لِمَنْ فِي الْأَرْضِ [الشورى: 5] مَنْ عَلَيْهَا يَسْتَحِقُّونَ اسْتِغْفَارَ الْمَلَائِكَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ [غَافِر: 7] ثُمَّ قَالَ: وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِ [9] . وَقَدْ أَثْبَتَ الْقُرْآنُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَلْعَنُونَ مَنْ تَحِقُّ عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ بَقَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [161] . فَعُمُومُ مَنْ فِي الْأَرْضِ هُنَا مَخْصُوصٌ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَةُ سُورَةِ الْمُؤْمِنِ.

وَجُمْلَةُ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الشورى: 5] تَذْيِيلٌ لِجُمْلَةِ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ [الشورى: 5] إِلَى آخِرِهَا لِإِبْطَالِ وَهْمِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّ شُرَكَاءَهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُمْ، وَلِذَلِكَ جِيءَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِصِيغَةِ الْقَصْرِ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ، أَيْ أَنَّ غَيْرَ اللَّهِ لَا يَغْفِرُ لِأَحَدٍ. وَصُدِّرَتْ بِأَدَاةِ التَّنْبِيهِ لِلِاهْتِمَامِ بِمُفَادِهَا. وَقَدْ أَشَارَتِ الْآيَةُ إِلَى مَرَاتِبِ الْمَوْجُودَاتِ، وَهِيَ:

وَالْمَقْصُودُ رَفْعُ التَّبَعِيَّةِ عَن النبيء صلى الله عليه وسلم مِنْ عَدَمِ اسْتِجَابَتِهِمْ لِلتَّوْحِيدِ، أَيْ لَا تَخْشَ أَنْ نَسْأَلَكَ عَلَى عَدَمِ اهْتِدَائِهِمْ إِذْ مَا عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [107] .

وَإِذْ قَدْ كَانَ الْحَفِيظُ الْوَكِيل بِمَعْنًى كَانَ إِثْبَاتُ كَوْنِ اللَّهِ حَفِيظًا عَلَيْهِمْ وَنَفْيُ كَون الرّسول صلى الله عليه وسلم وَكِيلًا عَلَيْهِمْ مُفِيدًا قَصْرَ الْكَوْنِ حَفِيظًا عَلَيْهِمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى دون الرّسول صلى الله عليه وسلم بِطَرِيقٍ غَيْرِ أَحَدِ طُرُقِ الْقَصْرِ الْمَعْرُوفَةِ فَإِنَّ هَذَا مِنْ صَرِيحِ الْقَصْرِ وَمَنْطُوقِهِ لَا مِنْ مَفْهُومِهِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْقَصْرِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا، وَمِنْه قَول السموأل:

ص: 34