الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سُورَة الشورى (42) : آيَة 28]
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشاءُ [الشورى: 27] فَإِنَّ الْغَيْثَ سَبَبُ رِزْقٍ عَظِيمٍ وَهُوَ مَا يُنَزِّلُهُ اللَّهُ بِقَدَرٍ هُوَ أَعْلَمُ بِهِ، وَفِيهِ تَذْكِيرٌ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ عَلَى النَّاسِ الَّتِي مِنْهَا مُعْظَمُ رِزْقِهِمُ الْحَقِيقِيِّ لَهُمْ وَلِأَنْعَامِهِمْ. وَخَصَّهَا بِالذِّكْرِ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ النِّعَمِ الدُّنْيَوِيَّةِ لِأَنَّهَا نِعْمَةٌ لَا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهَا لِأَنَّهَا أَصْلُ دَوَامِ الْحَيَاةِ بِإِيجَادِ الْغِذَاءِ الصَّالِحِ لِلنَّاسِ وَالدَّوَابِّ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَقْعُ قَوْلِهِ: وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ [الشورى: 29] عَقِبَ قَوْلِهِ هُنَا وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ.
وَاخْتِيَارُ الْمُضَارِعِ فِي يُنَزِّلُ لِإِفَادَةِ تَكَرُّرِ التَّنْزِيلِ وَتَجْدِيدِهِ. وَالتَّعْبِيرُ بِالْمَاضِي فِي قَوْلِهِ: مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا لِلْإِشَارَةِ إِلَى حُصُولِ الْقُنُوطِ وَتَقَرُّرِهِ بِمُضِيِّ زَمَانٍ عَلَيْهِ.
وَالْغَيْثُ: الْمَطَرُ الْآتِي بَعْدَ الْجَفَافِ، سُمِّيَ غَيْثًا بِالْمَصْدَرِ لِأَنَّ بِهِ غَيْثَ النَّاسِ الْمُضْطَرين، وَتقدم عَنهُ قَوْلِهِ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ فِي سُورَةِ يُوسُفَ [49] .
وَالْقُنُوطُ: الْيَأْسُ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ
[55]
. وَالْمُرَادُ: مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا مِنَ الْغَيْثِ بِانْقِطَاعِ أَمَارَاتِ الْغَيْثِ الْمُعْتَادَةِ وَضِيقِ الْوَقْتِ عَنِ الزَّرْعِ.
وَصِيغَةُ الْقَصْرِ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ تُفِيدُ قَصْرَ الْقَلْبِ لِأَنَّ فِي السَّامِعِينَ مُشْرِكِينَ يَظُنُّونَ نُزُولَ الْغَيْثِ مِنْ تَصَرُّفِ الْكَوَاكِبِ وَفِيهِمُ الْمُسْلِمُونَ الْغَافِلُونَ، نُزِّلُوا مَنْزِلَةَ مَنْ يَظُنُّ نُزُولَ الْغَيْثِ مَنُوطًا بِالْأَسْبَابِ الْمُعْتَادَةِ لِنُزُولِ الْغَيْثِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْمَطَرَ مِنْ تَصَرُّفِ أَنْوَاءِ الْكَوَاكِبِ.
وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ عَلَى إِثْرَ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالَ، قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ
بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ:
مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَنَوْءِ كَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ»
. فَهَذَا الْقَصْرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُشْرِكِينَ قَصْرُ قَلْبٍ أَصْلِيٌّ وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِينَ قَصْرُ قَلْبٍ تَنْزِيلِيٌّ.
وَالنَّشْرُ: ضِدُّ الطَّيِّ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَلْقاهُ مَنْشُوراً فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [13] . وَاسْتُعِيرَ هُنَا لِلتَّوْسِيعِ وَالِامْتِدَادِ. وَالرَّحْمَةُ هُنَا: رَحْمَتُهُ بِالْمَاءِ، وَقِيلَ: بِالشَّمْسِ بَعْدَ الْمَطَرِ. وَضَمِيرُ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا عَائِدٌ إِلَى عِبَادِهِ مِنْ قَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ [الشورى: 25] .
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بِسَبَبِ رَفْعِ الْقَحْطِ عَنْ قُرَيْشٍ بدعوة النبيء صلى الله عليه وسلم بهم بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ دَامَ عَلَيْهِمُ الْقَحْطُ سَبْعَ سِنِينَ أَكَلُوا فِيهَا الْجِيَفَ وَالْعِظَامَ وَهُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ الدُّخان [15] إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ.
فِي «الصَّحِيحِ» عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَعَا قُرَيْشًا كَذَّبُوهُ وَاسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ. فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمْ فَدَعَا. ثُمَّ قَالَ: تَعُودُونَ بَعْدُ»
. وَقَدْ كَانَ هَذَا فِي الْمَدِينَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي استسقاء النبيء صلى الله عليه وسلم لَمَّا سَأَلَهُ الْأَعْرَابِيُّ وَهُوَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ الَّذِي كَلَّمَهُ هُوَ كَعْبُ بْنُ مُرَّةَ
وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِي «الصَّحِيحِ» أَن النبيء صلى الله عليه وسلم قَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِينَ يُوسُفَ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ يُنَزِّلُ بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِسُكُونِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الزَّايِ.
وَذِكْرُ صِفَتَيِ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ دُونَ غَيْرِهِمَا لِمُنَاسَبَتِهِمَا لِلْإِغَاثَةِ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يُحْسِنُ إِلَى مَوَالِيهِ وَالْحَمِيدَ يُعْطِي مَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ. وَوَصْفُ حَمِيدٍ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. وَذَكَرَ الْمَهْدَوِيُّ تَفْسِيرَ يَنْشُرُ رَحْمَتَهُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ بعد الْمَطَر.