الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَالْمَعْنَى: وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ فَشَكُّوا فِي رِسَالَتِهِ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَطَعَنُوا فِيهِ، فَالتَّوَلِّي وَالطَّعْنُ حَصَلَا عِنْدَ حُصُولِ الشَّكِّ وَاللَّعِبِ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ لَا لِتَرَاخِي الزَّمَانِ. وَمَعْنَى التَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ هُنَا أَنَّ التَّوَلِّيَ وَالْبُهْتَانَ أَفْظَعُ مِنَ الشَّكِّ وَاللَّعِبِ. وَالْمُعَلَّمُ الَّذِي يُعَلِّمُهُ غَيْرُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ فِي سُورَةِ النَّحْلِ [103] .
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ وَصَفُوهُ مَرَّةً بِأَنَّهُ يُعَلِّمُهُ غَيْرُهُ، وَوَصَفُوهُ مَرَّةً بِالْجُنُونِ، تَنَقُّلًا فِي الْبُهْتَانِ، أَوْ وَصَفَهُ فَرِيقٌ بِهَذَا وَفَرِيقٌ بِذَلِكَ، فَالْقَوْلُ مُوَزَّعٌ بَيْنَ أَصْحَابِ ضَمِيرِ قالُوا أَوْ
بَيْنَ أَوْقَاتِ الْقَائِلِينَ. وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا وَاحِدًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَا يَكُونُ مُعَلَّمًا وَلَا يتأثر بالتعليم.
[15]
[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 15]
إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ (15)
يَجِيءُ عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ جَمِيعُ الْمُفَسِّرِينَ قَوْلُهُ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ [الدُّخان: 12] ، أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ جَوَابٌ لِسُؤَالِهِمْ، وَيَجِيءُ عَلَى مَا دَرَجْنَا عَلَيْهِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ إِعْلَامًا لِلنَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَكْشِفَ الْعَذَابَ الْمُتَوَعَّدَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ مُدَّةً، فَيَعُودُونَ إِلَى مَا كَانُوا فِيهِ، وَعَلَيْهِ فَضَمِيرُ إِنَّكُمْ عائِدُونَ الْتِفَاتٌ إِلَى خِطَابِ الْمُشْرِكِينَ، أَيْ يُمْسِكُونَ عَنْ ذَلِكَ مُدَّةً وَهِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي أَرْسَلُوا فِيهَا وَفْدَهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَسْأَلَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ بِكَشْفِ الْقَحْطِ عَنْهُمْ فَإِنَّهُمْ أَيَّامَئِذٍ يُمْسِكُونَ عَنِ الطَّعْنِ وَالذَّمِّ رَجَاءَ أَنْ يَدْعُوَ لَهُمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا كَانُوا فِيهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ [الزمر: 8] كَمَا اقْتَضَى أَنَّ الْعَذَابَ عَائِدٌ إِلَيْهِمْ بَعْدَ عَوْدَتِهِمْ إِلَى مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ أَسْبَابِ إِصَابَتِهِمْ بِالْعَذَابِ.
فَمَعْنَى إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ: إِنَّا كَاشِفُوهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ قَبْلَهُ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ [الدُّخان: 10] الْمُقْتَضِي أَنَّهُ يَحْصُلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَالْآيَةُ