الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْ سَأَلْتَهُمْ سُؤَالَ تَقْرِيرٍ عَمَّن خلقهمْ فَإِنَّهُ يُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُمْ، وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ حَالِ الْمُشْرِكِينَ كَقَوْلِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَة للنبيء صلى الله عليه وسلم:«أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلِكَ اللَّهُ أَرْسَلَكَ» ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَكَّدَ إِنَّهُمْ يُقِرُّونَ لِلَّهِ بِأَنَّهُ الْخَالِقُ فَقَالَ: لَيَقُولُنَّ اللَّهُ، وَذَلِكَ كَافٍ فِي سَفَاهَةِ رَأْيِهِمْ إِذْ كَيْفَ يَكُونُ إِلَهًا مَنْ لَمْ يَخْلُقْ، قَالَ تَعَالَى: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [النَّحْل: 17] .
وَالْخُطَّابُ فِي قَوْلِهِ: سَأَلْتَهُمْ للنبيء صلى الله عليه وسلم. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، أَيْ إِنْ سَأَلَهُمْ مَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ أَنْ يَسْأَلَ. وَفُرِّعَ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ وَالْإِقْرَارِ الْإِنْكَارُ وَالتَّعْجِيبُ مِنِ انْصِرَافِهِمْ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ إِلَى عِبَادَةِ آلِهَةٍ أُخْرَى بِقَوْلِهِ: فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ.
وَ (أَنَّى) اسْمُ اسْتِفْهَامٍ عَنِ الْمَكَانِ فَمَحَلُّهُ نَصْبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، أَيْ إِلَى أَيِّ مَكَانٍ يُصْرَفُونَ. ويُؤْفَكُونَ يُصْرَفُونَ: يُقَالُ: أَفَكَهُ عَنْ كَذَا، يَأْفِكُهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ، إِذَا صَرَفَهُ عَنْهُ، وَبُنِيَ لِلْمَجْهُولِ إِذْ لَمْ يَصْرِفْهُمْ صَارِفٌ وَلَكِنْ صَرَفُوا أَنْفُسَهُمْ عَنْ عِبَادَةِ خَالِقِهِمْ، فَقَوْلُهُ: فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ هُوَ كَقَوْلِ الْعَرَبِ: أَيْنَ يُذْهَبُ بِكَ، أَيْ أَيْنَ تَذْهَبُ بِنَفْسِكَ إِذْ لَا يُرِيدُونَ أَنَّ ذَاهِبًا ذَهَبَ بِهِ يَسْأَلُونَهُ عَنْهُ وَلَكِنَّ الْمُرَادَ: أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ بِهِ أَحَدٌ وَإِنَّمَا ذهب بِنَفسِهِ.
[88]
[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 88]
وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88)
الْقِيلُ مَصْدَرُ قَالَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ اسْمٌ مُرَادٌ بِهِ الْمَفْعُولُ، أَيِ الْمَقُولُ مِثْلُ الذِّبْحِ وَأَصْلُهُ: قَوْلٌ، بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْوَاوِ. وَالْمَعْنَى: وَمَقُولِهِ.
وَالضَّمِيرُ الْمُضَافُ إِلَيْهِ: (قِيلَ) ضمير الرَّسُول صلى الله عليه وسلم بِقَرِينَةِ سِيَاقِ الِاسْتِدْلَالِ وَالْحِجَاجِ مِنْ قَوْلِهِ: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ [الزخرف: 81]، وَبِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: يَا
رَبِ
وَبِقَرِينَةِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ وَبِقَرِينَةِ إِجَابَتِهِ بِقَوْلِهِ: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ [الزخرف: 89] ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ ضَمِيرَ الْغَائِبِ الْتِفَاتًا عَنِ الْخِطَابِ
فِي قَوْلِهِ:
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ [الزخرف: 87] ، فَإِنَّهُ بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ الْمُحَاجَّةِ وَمِنْ حِكَايَةِ إِقْرَارِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ، ثُمَّ إِنَّهُمْ لَمْ يَتَزَحْزَحُوا عَنِ الْكُفْرِ قَيْدَ أَنْمُلَةٍ، حَصَلَ الْيَأْسُ لِلرَّسُولِ مِنْ إِيمَانِهِمْ فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ الْتِجَاءً إِلَى اللَّهِ فِيهِمْ وَتَفْوِيضًا إِلَيْهِ لِيَجْرِيَ حُكْمُهُ عَلَيْهِمْ.
وَهَذَا مِنِ اسْتِعْمَالِ الْخَبَرِ فِي التَّحَسُّرِ أَوِ الشِّكَايَةِ وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْإِنْشَاءِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً [الْفرْقَان: 30] ، أَيْ لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ فَلَمْ يُؤْمِنُوا، وَيُؤَيِّدُ هَذَا تَفْرِيعُ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ [الزخرف: 89] ، فَفِي ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ الْتِفَاتٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ كَانَ جَارِيًا عَلَى أُسْلُوبِ الْخِطَابِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ [الزخرف: 87] فَمُقْتَضَى الظَّاهِرِ: وَقَوْلُكَ: يَا رَبِّ إِلَخْ. وَيُحَسِّنُ هَذَا الِالْتِفَاتَ أَنَّهُ حِكَايَةٌ لِشَيْءٍ فِي نَفْسِ الرَّسُولِ فَجَعَلَ الرَّسُولَ بِمَنْزِلَةِ الْغَائِبِ لِإِظْهَارِ أَنَّ اللَّهَ لَا يُهْمِلُ نِدَاءَهُ وَشَكْوَاهُ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: عَبَسَ وَتَوَلَّى [عَبَسَ: 1] . وَإِضَافَةُ الْقِيلِ إِلَى ضَمِيرِ الرَّسُولِ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّهُ تَكَرَّرَ مِنْهُ وَعُرِفَ بِهِ عِنْدَ رَبِّهِ، أَيْ عُرِفَ بِهَذَا وَبِمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ نَحْوِ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً وَقَوْلُهُ: حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ [الْبَقَرَة: 214] .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَقِيلِهِ بِنَصْبِ اللَّامِ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ مَصْدَرٌ نُصِبَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ بَدَلٌ مِنْ فِعْلِهِ.
وَالتَّقْدِيرُ: وَقَالَ الرَّسُولُ قِيلَهُ، وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ [الزخرف: 87] أَوْ عَلَى جُمْلَةِ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ [الزخرف: 87]، أَيْ وَقَالَ الرَّسُولُ حِينَئِذٍ يَا رَبِّ إِلَخْ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
تَمْشِي الْوُشَاةُ جَنَابَيْهَا وَقِيلُهُمُ
…
إِنَّكَ يَا بن أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ
عَلَى رِوَايَةِ (قَيْلِهِمْ) وَنَصْبِهِ، أَيْ وَيَقُولُونَ: قِيلَهُمْ وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَصْمَعِيِّ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّصْبُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ لِقَوْلِهِ: لَا نَسْمَعُ [الزخرف: 80]، وَالتَّقْدِيرُ: بَلَى وَنَعْلَمُ قِيلَهُ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْفَرَّاءِ وَالْأَخْفَشِ، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ وَالزَّجَّاجُ: هُوَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [الزخرف: 85] أَيْ وَيَعْلَمُ قِيلَهُ.