الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَمَّا كَانَتِ الْحَسَنَةُ مَأْخُوذَةً مِنَ الْحُسْنِ جُعِلَتِ الزِّيَادَةُ فِيهَا مِنَ الزِّيَادَةِ فِي الْحُسْنِ مُرَاعَاةً لِأَصْلِ الِاشْتِقَاقِ فَكَانَ ذِكْرُ الْحُسْنِ مِنَ الْجِنَاسِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِجِنَاسِ الِاشْتِقَاقِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ [الرّوم: 43] ، وَصَارَ الْمَعْنَى نَزِدْ لَهُ فِيهَا مُمَاثِلًا لَهَا.
وَيَتَعَيَّنُ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهَا زِيَادَةٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلِهِ وَلَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ بِعَمَلٍ يَعْمَلُهُ غَيْرُهُ لِأَنَّهَا تَصِيرُ عَمَلًا يَسْتَحِقُّ الزِّيَادَةَ أَيْضًا فَلَا تَنْتَهِي الزِّيَادَةُ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ الزِّيَادَةُ فِي جَزَاءِ أَمْثَالِهَا عِنْدَ اللَّهِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها [الْأَنْعَام: 160] وَقَوْلِهِ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ [الْبَقَرَة: 261] ،
وَقَول النبيء صلى الله عليه وسلم: «مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ»
. وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ تَذْيِيلٌ وَتَعْلِيلٌ لِلزِّيَادَةِ لِقَصْدِ تَحْقِيقِهَا بِأَنَّ اللَّهَ كَثِيرَةٌ مَغْفِرَتِهِ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا، كَثِيرٌ شُكْرُهُ لِلْمُتَقَرِّبِينَ إِلَيْهِ. وَالْمَقْصُودُ بِالتَّعْلِيلِ هُوَ وَصْفُ الشَّكُورِ، وَأَمَّا وَصْفُ الْغَفُورِ فَقَدْ ذُكِرَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى تَرْغِيبِ الْمُقْتَرِفِينَ السَّيِّئَاتِ فِي الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ لِيُغْفَرَ لَهُمْ فَلَا يَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة الله.
[24]
[سُورَة الشورى (42) : آيَة 24]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (24)
إِضْرَابٌ انْتِقَالِيٌّ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى: 21] وَهُوَ الْكَلَامُ الْمُضْرَبُ عَنْهُ وَالْمُنْتَقَلُ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ الِانْتِقَالُ إِلَى تَوْبِيخٍ
آخَرَ، فَالْهَمْزَةُ الْمُقَدِّرَةُ بَعْدَ أَمْ لِلِاسْتِفْهَامِ التَّوْبِيخِيِّ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ فَاسْتَحَقُّوا التَّوْبِيخَ عَلَيْهِ. وَالْمَعْنَى: أَمْ قَالُوا افْتَرَى وَيَقُولُونَهُ.
وَجِيءَ بِفِعْلِ يَقُولُونَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِيَتَوَجَّهَ التَّوْبِيخُ لِاسْتِمْرَارِهِمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الشَّنِيعِ مَعَ ظُهُورِ دَلَائِلِ بُطْلَانِهِ. فَإِذَا كَانَ قَوْلُهُمْ هَذَا شَنَعًا مِنَ الْقَوْلِ فَاسْتِمْرَارُهُمْ عَلَيْهِ أَشْنَعُ.
وَفَرَّعَ عَلَى تَوْبِيخِهِمْ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ: فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَهُوَ تَفْرِيعٌ فِيهِ خَفَاءٌ وَدِقَّةٌ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنَ التَّفْرِيعِ أَنَّ مَا بَعْدَ الْفَاءِ إِبْطَالٌ لِمَا نَسَبُوهُ إِلَيْهِ مِنْ الِافْتِرَاءِ عَلَى اللَّهِ وَتَوْكِيدٌ لِلتَّوْبِيخِ فَكَيْفَ يُسْتَفَادُ هَذَا الْإِبْطَالُ مِنَ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ الْمُفَرَّعَيْنِ عَلَى التَّوْبِيخِ.
وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي بَيَانِ هَذَا التَّفْرِيعِ وَتَرَتُّبِهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ أَفْهَامٌ عَدِيدَةٌ لَا يَخْلُو مُعْظَمُهَا عَنْ تَكَلُّفٍ وَضَعْفِ اقْتِنَاعٍ. وَالْوَجْهُ فِي بَيَانِهِ: أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ وَجَوَابَهُ الْمُفَرَّعَيْنِ فِي ظَاهِرِ اللَّفْظِ عَلَى التَّوْبِيخِ وَالْإِبْطَالِ هُمَا دَلِيلٌ عَلَى الْمَقْصُودِ بِالتَّفْرِيعِ الْمُنَاسِبِ لِتَوْبِيخِهِمْ وَإِبْطَالِ قَوْلِهِمْ، وَتَقْدِيرُ الْمُفَرَّعِ هَكَذَا: فَكَيْفَ يَكُونُ الِافْتِرَاءُ مِنْكَ عَلَى اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يُقِرُّ أَحَدًا أَنْ يَكْذِبَ عَلَيْهِ فَلَوْ شَاءَ لَخَتَمَ عَلَى قَلْبِكَ، أَيْ سَلَبَكَ الْعَقْلَ الَّذِي يُفَكِّرُ فِي الْكَذِبِ فَتُفْحَمُ عَنِ الْكَلَامِ فَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتَقَوَّلَ عَلَيْهِ، أَيْ وَلَيْسَ ثَمَّةَ حَائِلٌ يَحُولُ دُونَ مَشِيئَةِ اللَّهِ ذَلِكَ لَوِ افْتَرَيْتَ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ الشَّرْطُ كِنَايَةً عَنِ انْتِفَاءِ الِافْتِرَاءِ لَأَنَّ اللَّهَ لَا يُقِرُّ مَنْ يَكْذِبُ عَلَيْهِ كَلَامًا، فَحَصَلَ بِهَذَا النَّظْمِ إِيجَازٌ بَدِيعٌ، وَتَكُونُ الْآيَةُ قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ [الحاقة: 44- 46] .
وَلِابْنِ عَطِيَّةَ كَلِمَاتٌ قَلِيلَةٌ يُؤَيِّدُ مَغْزَاهَا هَذَا التَّقْرِيرَ مُسْتَنِدَةٌ لِقَوْلِ قَتَادَةَ مَحْمُولًا عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ مِنْ كَوْنِ مَا بَعْدَ الْفَاءِ هُوَ الْمُفَرَّعُ، وَيَكُونُ الْكَلَامُ كِنَايَةً عَنِ الْإِعْرَاضِ عَنْ قَوْلِهِمُ: افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً، أَيْ أَنَّ اللَّهَ يُخَاطِبُ رَسُولَهُ بِهَذَا تَعْرِيضًا بِالْمُشْرِكِينَ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ افْتِرَاءَهُ عَلَى اللَّهِ لَا يُهِمُّكُمْ حَتَّى تناصبوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم الْعَدَاءَ، فَاللَّهُ أَوْلَى مِنْكُمْ بِأَنْ يُغَارَ عَلَى انْتِهَاكِ حُرْمَةِ رِسَالَتِهِ وَبِأَنْ يَذُبَّ عَنْ جَلَالِهِ فَلَا تَجْعَلُوا هَذِهِ الدَّعْوَى هَمَّكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لَخَتَمَ عَلَى قَلْبِكَ فَسَلَبَكَ الْقُدْرَةَ عَلَى أَنْ تَنْسُبَ إِلَيْهِ كَلَامًا. وَهَذَانَ الْوَجْهَانِ هُمَا الْمُنَاسِبَانِ لِمَوْقِعِ الْآيَةِ، وَلِفَاءِ التَّفْرِيعِ، وَلِمَا فِي الشَّرْطِ مِنْ الِاسْتِقْبَالِ، وَلِوُقُوعِ فِعْلِ الشَّرْطِ مُضَارِعًا، فَالْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: عَلى قَلْبِكَ وَهُوَ انْتِهَاءُ كَلَامٍ.
وَجُمْلَةُ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى التَّفْرِيعِ، وَهِيَ كَلَامٌ مُسْتَأْنِفٌ، مُرَادٌ
مِنْهُ أَنَّ اللَّهَ يَمْحُو بَاطِلَ الْمُشْرِكِينَ وَبُهْتَانَهُمْ وَيُحَقِّقُ مَا جَاءَ بِهِ رَسُوله صلى الله عليه وسلم.
وَعَلَى مُرَاعَاةِ هَذَا الْمَعْنَى جَرَى جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ مِثْلَ الْكِسَائِيِّ وَابْنِ الْأَنْبَارِيِّ وَالزَّجَّاجِ وَالزَّمَخْشَرِيِّ وَلَمْ يَجْعَلُوا وَيَمْحُ عَطْفًا عَلَى فِعْلِ الْجَزَاءِ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ أَنَّ هَذَا وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ بِإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ، وَوَعِيدِ الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ دِينَهُمْ زَائِلٌ. وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ رَفْعِ وَيُحِقُّ بِاتِّفَاقِ الْقُرَّاءِ عَلَى رَفْعِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَحْوِ عَلَى هَذَا: الْإِزَالَةُ. وَالْمُرَادُ بِالْبَاطِلِ:
الْبَاطِلُ الْمَعْهُودُ وَهُوَ دِينُ الشِّرْكِ. وَبِالْحَقِّ: الْحَقُّ الْمَعْهُودُ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ.
أَوْ يَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ مِنْ شَأْنِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُزِيلَ الْبَاطِلَ وَيَفْضَحَهُ بِإِيجَادِ أَسْبَابِ زَوَالِهِ وَأَنْ يُوَضِّحَ الْحَقَّ بِإِيجَادِ أَسْبَابِ ظُهُورِهِ، حَتَّى يَكُونَ ظُهُورُهُ فَاضِحًا لِبُطْلَانِ الْبَاطِلِ فَلَوْ كَانَ الْقُرْآنُ مُفْتَرًى عَلَى اللَّهِ لَفَضَحَ اللَّهُ بُطْلَانَهُ وَأَظْهَرَ الْحَقَّ، فَالْمُرَادُ بِالْبَاطِلِ: جِنْسُ الْبَاطِلِ، وَبِالْحَقِّ جِنْسُ الْحَقِّ، وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ كَالتَّذْيِيلِ لِلتَّفْرِيعِ. وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَنْسَبُ بِالِاسْتِئْنَافِ، وَلِإِفَادَتِهِ الْوَعِيدَ بِإِزَالَةِ مَا هُمْ عَلَيْهِ وَنَصْرِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ.
وَعَلَى كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ فَقَوْلُهُ: وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ لَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى جَزَاءِ الشَّرْطِ إِذْ لَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى: إِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَمْحُ الْبَاطِلَ، بَلْ هُوَ تَحْقِيقٌ لِمَحْوِهِ لِلْبَاطِلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [الْإِسْرَاء: 81] ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ رَفْعُ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ، فَفِعْلُ يَمْحُ مَرْفُوعٌ وَحَقُّهُ ظُهُورُ الْوَاوِ فِي آخِرِهِ، وَلَكِنَّهَا حُذِفَتْ تَخْفِيفًا فِي النُّطْقِ، وَتَبِعَ حَذْفَهَا فِي النُّطْقِ حَذْفُهَا فِي الرَّسْمِ اعْتِبَارًا بِحَالِ النُّطْقِ كَمَا حُذِفَ وَاوُ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ [العلق: 18] وَوَاوُ وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ [الْإِسْرَاء: 11] . وَذَكَرَ فِي «الْكَشَّافِ» أَنَّ الْوَاوَ ثَبَتَتْ فِي بَعْضِ الْمَصَاحِفِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ وَلَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ فِيمَا رَأَيْتُ.
وَإِظْهَارُ اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ: وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ دُونَ أَنْ يَقُولَ: وَيَمْحُ الْبَاطِلَ، لِتَقْوِيَةِ تَمَكُّنِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ مِنَ الذِّهْنِ وَلِإِظْهَارِ عِنَايَةِ اللَّهِ بِمَحْوِ الْبَاطِلِ. وَإِنَّمَا عَدَلَ عَلَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ فِي صَوْغِ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ فَلَمْ يَقُلْ: وَاللَّهُ يَمْحُو الْبَاطِلَ، لِأَنَّهُ أُرِيدَ أَنَّ مَا فِي إِفَادَةِ الْمُضَارِعِ مِنَ التَّجَدُّدِ وَالتَّكْرِيرِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ هَذَا شَأْنُ اللَّهِ وَعَادَتُهُ لَا تَتَخَلَّفُ وَلَمْ يَقْصِدْ تَحْقِيقَ ذَلِكَ وَتَثْبِيتَهُ لِأَنَّ إِفَادَةَ