المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الشورى (42) : الآيات 25 إلى 26] - التحرير والتنوير - جـ ٢٥

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 47 الى 48]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 49 الى 50]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 54]

- ‌42- سُورَةُ الشُّورَى

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الشورى (42) : الْآيَات 1 إِلَى 2]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : الْآيَات 32 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : الْآيَات 49 الى 50]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : الْآيَات 52 الى 53]

- ‌43- سُورَة الزخرف

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 2 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 6 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 33 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 46 إِلَى 47]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 57 إِلَى 58]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 67 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 77 إِلَى 78]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 81 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 84]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 86]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 89]

- ‌44- سُورَةُ الدُّخَانِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 2 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 17 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 25 الى 28]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 30 إِلَى 31]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 34 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 40 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 43 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 51 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 54 الى 57]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌45- سُورَةُ الْجَاثِيَةِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 3 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 7 الى 10]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 27 الى 29]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 30 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 36 إِلَى 37]

الفصل: ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 25 إلى 26]

التَّكْرِيرِ تَقْتَضِي ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ فَحَصَلَ الْغَرَضَانِ.

وَالْبَاءُ فِي بِكَلِماتِهِ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَالْكَلِمَاتُ هِيَ: كَلِمَاتُ الْقُرْآنِ وَالْوَحْيِ كَقَوْلِهِ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ [الْفَتْح: 15]، أَوِ الْمُرَادُ: كَلِمَاتُ التَّكْوِينِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْإِيجَادِ عَلَى وَفْقَ عِلْمِهِ كَقَوْلِهِ: لَا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ [الْكَهْف: 27] . وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا الرَّدُّ عَلَيْهِمْ بِأُسْلُوبِ الْخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْوَى فِي الِاعْتِنَاءِ بِتَلْقِينِهِ جَوَابَ تَكْذِيبِهِمْ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ تَفْظِيعٍ لِبُهْتَانِهِمْ، وَهَذَا وَجْهُ التَّخَالُفِ بَيْنَ أُسْلُوبِ هَذِهِ الْآيَةِ وَأُسْلُوبِ قَوْلِهِ تَعَالَى:

قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ [يُونُس: 16] لَأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَسُوقًا لِإِبْطَالِ كَلَامٍ صَدَرَ مِنْهُمْ.

وَجُمْلَةُ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ تَعْلِيلٌ لِمَجْمُوعِ جُمْلَتَيْ فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ إِلَى قَوْلِهِ:

بِكَلِماتِهِ، أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ افْتِرَاءُ مُفْتَرٍ وَلَا صِدْقُ مُحِقٍّ. وَ (ذَاتِ الصُّدُورِ) : النَّوَايَا وَالْمَقَاصِدُ الَّتِي يُضْمِرُهَا النَّاسُ فِي عُقُولِهِمْ. وَالصُّدُورُ: الْعُقُولُ، أُطْلِقَ عَلَيْهَا الصُّدُورُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْعَرَبِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ فِي سُورَة الْأَنْفَال [43] .

[25، 26]

[سُورَة الشورى (42) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (26)

لَمَّا جَرَى وَعِيدُ الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ لِتَأْيِيدِ بَاطِلِهِمْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ [الشورى: 16] . ثُمَّ أُتْبِعَ بِوَصْفِ سُوءِ حَالِهِمْ يَوْمَ الْجَزَاءِ بَقَوْلِهِ: تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا [الشورى: 22]، وَقُوبِلَ بِوَصْفِ نَعِيمِ الَّذِينَ آمَنُوا بَقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ [الشورى: 22] ، وَكَانَ ذَلِكَ مَظِنَّةَ أَنْ يَكْسِرَ نُفُوسَ أَهْلِ

ص: 88

الْعِنَادِ وَالضَّلَالَةِ، أُعْقِبَ بِإِعْلَامِهِمْ أَنَّ اللَّهَ مِنْ شَأْنِهِ قَبُولُ تَوْبَةِ مَنْ يَتُوبُ مِنْ عِبَادِهِ، وَعَفْوُهُ بِذَلِكَ عَمَّا سَلَفَ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ.

وَهَذَا الْإِخْبَارُ تَعْرِيضٌ بِالتَّحْرِيضِ عَلَى مُبَادَرَةِ التَّوْبَةِ وَلِذَلِكَ جِيءَ فِيهِ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ الصَّالِحِ لِلِاسْتِقْبَالِ. وَهُوَ أَيْضًا بِشَارَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّهُ قَبِلَ تَوْبَتَهُمْ مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنَ الشِّرْكِ وَالْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَقْبَلَ التَّوْبَةَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يَكُونُ قَدْ قَبِلَ تَوْبَةَ التَّائِبِينَ مِنْ قَبْلُ، بِدَلَالَةِ لَحْنِ الْخِطَابِ أَوْ فَحْوَاهُ، وَأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ الِاسْتِجَابَةَ لِلَّذِينِ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ عِبَادِهِ. وَكُلُّ ذَلِكَ جَرْيٌ عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ فِي تَعْقِيبِ التَّرْهِيبِ بِالتَّرْغِيبِ وَعَكْسِهِ. وَهَذَا كُلُّهُ يَتَضَمَّنُ وَعْدًا لِلْمُؤْمِنِينَ بِقَبُولِ إِيمَانِهِمْ وَلِلْعُصَاةِ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِمْ.

فَجُمْلَةُ: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [الشورى: 21] وَمَا اتَّصَلَ بِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَخَاصَّةً جُمْلَةَ: وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ [الشورى: 24] .

وَابْتِنَاءُ الْإِخْبَارِ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَى أُسْلُوبِ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ لِإِفَادَتِهَا ثَبَاتَ حُكْمِهَا وَدَوَامَهُ. وَمَجِيءُ الْمُسْنَدِ اسْمَ مَوْصُولٍ لِإِفَادَةِ اتِّصَافِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَضْمُونِ صِلَتِهِ وَأَنَّهَا شَأْن من شؤون اللَّهِ تَعَالَى عُرِفَ بِهِ ثَابِتٌ لَهُ لَا يَتَخَلَّفُ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِحِكْمَتِهِ وَعَظْمَةِ شَأْنِهِ وَغِنَاهُ عَنْ خَلْقِهِ. وَإِيثَارُ جُمْلَةِ الصِّلَةِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِإِفَادَةِ تُجَدُّدِ مَضْمُونِهِ وَتَكَرُّرِهِ لِيَعْلَمُوا أَنَّ ذَلِكَ وَعْدٌ لَا يَتَخَلَّفُ وَلَا يَخْتَلِفُ.

وَفِعْلُ (قَبِلَ) يَتَعَدَّى بِ (مِنْ) الِابْتِدَائِيَّةِ تَارَةً كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ [التَّوْبَة: 54] وَقَوْلِهِ: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً [آل عمرَان: 91] ، فَيُفِيدُ مَعْنَى الْأَخْذِ لِلشَّيْءِ الْمَقْبُولِ صَادِرًا مِنَ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ، وَيُعَدَّى بِ عَنْ فَيُفِيدُ مَعْنَى مُجَاوَزَةِ الشَّيْءِ الْمَقْبُولِ أَوِ انْفِصَالَهُ عَنْ مُعْطِيهِ وَبَاذِلِهِ، وَهُوَ أَشَدُّ مُبَالَغَةً فِي مَعْنَى الْفِعْلِ مَنْ تَعْدِيَتِهِ بِحَرْفِ (مِنْ) لَأَنَّ فِيهِ كِنَايَةً عَنِ احْتِبَاسِ الشَّيْءِ الْمَبْذُولِ عِنْدَ الْمَبْذُولِ إِلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يُرَدُّ عَلَى بَاذِلِهِ.

ص: 89

فَحَصَلَتْ فِي جُمْلَةِ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ أَرْبَعُ مُبَالَغَاتٍ: بِنَاءُ الْجُمْلَةِ عَلَى الِاسْمِيَّةِ وَعَلَى الْمَوْصُولِيَّةِ وَعَلَى الْمُضَارِعِيَّةِ، وَعَلَى تَعْدِيَةِ فِعْلِ الصِّلَةِ بِ عَنْ دُونَ (مِنْ) .

والتَّوْبَةَ: الْإِقْلَاعُ عَنْ فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ امْتِثَالًا لِطَاعَةِ اللَّهِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [37] . وَقَبُولُ التَّوْبَةِ مِنَّةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَمَا رَضِيَ عَنِ الَّذِي اقْتَرَفَ الْجَرِيمَةَ وَلَكِنَّهُ جَعَلَهَا مَقْبُولَةً لِحِكْمَتِهِ وَفَضْلِهِ.

وَفِي ذِكْرِ اسْمِ الْعِبَادِ دُونَ نَحْوِ: النَّاسِ أَوِ التَّائِبِينَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ بِعِبَادِهِ لِمَقَامِ الْعُبُودِيَّةِ فَإِنَّ الْخَالِقَ وَالصَّانِعَ يُحِبُّ صَلَاحَ مَصْنُوعِهِ.

وَالْعَفْوُ: عَدَمُ مُؤَاخَذَةِ الْجَانِي بِجِنَايَتِهِ. وَالسَّيِّئَاتُ: الْجَرَائِمُ لِأَنَّهَا سَيِّئَةٌ عِنْدَ الشَّرْعِ.

وَالْعَفْوُ عَنِ السَّيِّئَاتِ يَكُونُ بِسَبَبِ التَّوْبَةِ بِأَنْ يَعْفُوَ عَنِ السَّيِّئَاتِ الَّتِي اقْتَرَفَهَا الْعَاصِي قَبْلَ تَوْبَتِهِ، وَيَكُونُ بِدُونِ ذَلِكَ مِثْلَ الْعَفْوِ عَنِ السَّيِّئَاتِ عَقِبَ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ، وَمِثْلَ الْعَفْوِ عَنِ السَّيِّئَاتِ لِأَجْلِ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمِثْلَ الْعَفْوِ عَنِ السَّيِّئَاتِ لِكَثْرَةِ الْحَسَنَاتِ بِأَنْ يُمْحَى عَنِ الْعَاصِي مِنْ سَيِّئَاتِهِ مَا يُقَابِلُ مِقْدَارًا مِنْ حَسَنَاتِهِ عَلَى وَجْهٍ يَعْلَمُهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَمِثْلَ الْعَفْوِ عَنِ الصَّغَائِرِ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ.

وَالتَّعْرِيفُ فِي السَّيِّئاتِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ الْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِغْرَاقُ وَهُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الشِّرْكِ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النِّسَاء: 48] وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَهُ عِوَضًا عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَيْ عَنْ سَيِّئَاتِ عِبَادِهِ فَيَعُمَّ جَمِيعَ الْعِبَادِ عُمُومًا مَخْصُوصًا بِالْأَدِلَّةِ لِهَذَا الْحُكْمِ كَمَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ.

وَجُمْلَةُ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَاتِ أَوْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالْمَقْصُودُ: أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ عِبَادِهِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مَا يَفْعَلُونَ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ، أَيْ مَا يَفْعَلُ عِبَادُهُ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَخَلَفٌ بِتَاءِ الْخِطَابِ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ.

وَالِاسْتِجَابَةُ: مُبَالَغَةٌ فِي الْإِجَابَةِ، وَخُصَّتِ الِاسْتِجَابَةُ فِي الِاسْتِعْمَالِ بِامْتِثَالِ الدَّعْوَةِ أَوِ الْأَمْرِ.

ص: 90

وَظَاهِرُ النَّظْمِ أَنَّ فَاعِلَ يَسْتَجِيبُ ضَمِيرٌ يَعُودُ إِلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ ضَمِيرُ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ وَأَن الَّذِينَ آمَنُوا مَفْعُولُ يَسْتَجِيبُ وَأَنَّ الْجُمْلَةَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ.

وَالْغَالِبُ فِي الِاسْتِعْمَالِ أَنْ يُقَالَ: اسْتَجَابَ لَهُ، كَقَوْلِهِ: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غَافِر: 60] وَقَدْ يَحْذِفُونَ اللَّامَ فَيُعَدُّونَهُ بِنَفْسِهِ، كَقَوْلِ كَعْبِ بْنِ سَعْدٍ:

وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إِلَى النِّدَا

فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ

وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ يَسْتَجِيبُ لَهُمْ مَا يَرْجُونَهُ مِنْهُ مِنْ ثَوَابٍ، وَمَا يَدْعُونَهُ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ آمَنُوا فعل يَسْتَجِيبُ أَيْ يَسْتَجِيبُونَ لِلَّهِ فَيُطِيعُونَهُ وَتَكُونَ جُمْلَةُ وَيَسْتَجِيبُ عَطْفًا عَلَى مَجْمُوعِ جُمْلَةِ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ، أَيْ ذَلِكَ شَأْنُهُ وَهَذَا شَأْنُ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ.

وَمَعْنَى وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ يُعْطِيهِمْ مَا أَمَّلَوْا مِنْ دُعَائِهِمْ وَعَمَلِهِمْ وَأَعْظَمَ مِمَّا أَمَّلَوْا حِينَ اسْتَجَابُوا لَهُ وَلِرَسُولِهِ، وَأَنَّهُ يُعْطِيهِمْ مِنَ الثَّوَابِ أَكْثَرَ مِمَّا عَمِلُوا مِنَ الصَّالِحَاتِ إِذْ جَعَلَ لَهُمُ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَأَنَّهُ يُعْطِيهِمْ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا مَا لَمْ يَسْأَلُوهُ إِيَّاهُ كُلُّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَطِيفٌ بِهِمْ وَمُدَبِّرٌ لِمَصَالِحِهِمْ.

وَلَمَّا كَانَتِ الِاسْتِجَابَةُ وَالزِّيَادَةُ كَرَامَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، أُظْهِرَ اسْمُ الَّذِينَ آمَنُوا وَجِيءَ بِهِ مَوْصُولًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ وَجْهُ الِاسْتِجَابَةِ لَهُمْ وَالزِّيَادَةِ لَهُمْ.

وَجُمْلَةُ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ اعْتِرَاضٌ عَائِدٌ إِلَى مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ: تَرَى

الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ

[الشورى: 22] تَوْكِيدًا لِلْوَعِيدِ وَتَحْذِيرًا مِنَ الدَّوَامِ عَلَى الْكُفْرِ بَعْدَ فَتْحِ بَابِ التَّوْبَة لَهُم.

ص: 91