المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الزخرف (43) : آية 32] - التحرير والتنوير - جـ ٢٥

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 47 الى 48]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 49 الى 50]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 54]

- ‌42- سُورَةُ الشُّورَى

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الشورى (42) : الْآيَات 1 إِلَى 2]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : الْآيَات 32 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : الْآيَات 49 الى 50]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : الْآيَات 52 الى 53]

- ‌43- سُورَة الزخرف

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 2 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 6 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 33 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 46 إِلَى 47]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 57 إِلَى 58]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 67 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 77 إِلَى 78]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 81 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 84]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 86]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 89]

- ‌44- سُورَةُ الدُّخَانِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 2 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 17 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 25 الى 28]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 30 إِلَى 31]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 34 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 40 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 43 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 51 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 54 الى 57]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌45- سُورَةُ الْجَاثِيَةِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 3 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 7 الى 10]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 27 الى 29]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 30 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 36 إِلَى 37]

الفصل: ‌[سورة الزخرف (43) : آية 32]

فَالتَّعْرِيفُ فِي الْقَرْيَتَيْنِ لِلْعَهْدِ، جَعَلُوا عِمَادَ التَّأَهُّلِ لِسِيَادَةِ الْأَقْوَامِ أَمْرَيْنِ: عَظَمَةُ الْمُسَوَّدِ، وَعَظَمَةُ قَرْيَتِهِ، فَهُمْ لَا يَدِينُونَ إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْ أَشْهَرِ الْقَبَائِلِ فِي أَشْهَرِ الْقُرَى لِأَنَّ الْقُرَى هِيَ مأوى شؤون الْقَبَائِلِ وَتَمْوِينِهِمْ وَتِجَارَتِهِمْ، وَالْعَظِيمُ:

مستعار لصَاحب السؤدد فِي قَوْمِهِ، فَكَأَنَّهُ عَظِيمُ الذَّاتِ.

رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ عَنَوْا بِعَظِيمِ مَكَّةَ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّ، وَبِعَظِيمِ الطَّائِفِ حَبِيبَ بْنَ عَمْرٍو الثَّقَفِيَّ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُمْ عَنَوْا بِعَظِيمِ مَكَّةَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَبِعَظِيمِ الطَّائِفِ كِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَالِيلٍ. وَعَنْ قَتَادَةَ عَنَوُا الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ وَعُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ.

ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ قَالُوا هَذَا اللَّفْظُ الْمَحْكِيُّ عَنْهُمْ فِي الْقُرْآن وَلم يسموا شَخْصَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ سَمَّوْا شَخْصَيْنِ وَوَصَفُوهُمَا بِهَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ، فَاقْتَصَرَ الْقُرْآنُ عَلَى ذِكْرِ الْوَصْفَيْنِ إِيجَازًا مَعَ التَّنْبِيهِ عَلَى مَا كَانُوا يُؤَهِّلُونَ بِهِ الِاخْتِيَارَ لِلرِّسَالَةِ تَحْمِيقًا لِرَأْيِهِمْ.

وَكَانَ الرَّجُلَانِ اللَّذَانِ عَنَوْهُمَا ذَوَيْ مَالٍ لِأَنَّ سَعَةَ الْمَالِ كَانَتْ مِنْ مُقَوِّمَاتِ وَصْفِ السُّؤْدَدِ كَمَا حُكِيَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْلُهُمْ: وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ [الْبَقَرَة: 247] .

[32]

[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 32]

أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)

إِنْكَارٌ عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف:

31] ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا نَصَّبُوا أَنْفُسَهُمْ مَنْصِبَ مَنْ يَتَخَيَّرُ أَصْنَافَ النَّاسِ لِلرِّسَالَةِ عَنِ اللَّهِ، فَقَدْ جَعَلُوا لِأَنْفُسِهِمْ ذَلِكَ لَا لِلَّهِ، فَكَانَ مِنْ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ أَنَّ الِاصْطِفَاءَ لِلرِّسَالَةِ بِيَدِهِمْ، فَلِذَلِكَ قُدِّمَ ضَمِيرُ هُمْ الْمَجْعُولُ مُسْنَدًا إِلَيْهِ، عَلَى مُسْنَدٍ فِعْلِيٍّ لِيُفِيدَ مَعْنَى الِاخْتِصَاصِ فَسَلَّطَ الْإِنْكَارَ عَلَى هَذَا الْحَصْرِ إِبْطَالًا لِقَوْلِهِمْ وَتَخْطِئَةً لَهُمْ فِي تَحَكُّمِهِمْ.

ص: 200

وَلَمَّا كَانَ الِاصْطِفَاءُ لِلرِّسَالَةِ رَحْمَةً لِمَنْ يُصْطَفَى لَهَا وَرَحْمَةً لِلنَّاسِ الْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ، جَعَلَ تَحَكُّمَهُمْ فِي ذَلِكَ قِسْمَةً مِنْهُمْ لرحمة الله بِاخْتِيَار هم مَنْ يَخْتَارُ لَهَا وَتَعْيِينِ الْمُتَأَهِّلِ لِإِبْلَاغِهَا إِلَى الْمَرْحُومِينِ.

وَوُجِّهَ الْخِطَابُ إِلَى النبيء صلى الله عليه وسلم وَأُضِيفَ لِفَظُ (الرَّبِّ) إِلَى ضَمِيرِهِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ اللَّهَ مُؤَيِّدُهُ تَأْنِيسًا لَهُ، لِأَنَّ قَوْلَهُمْ: لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف: 31] قَصَدُوا مِنْهُ الِاسْتِخْفَافَ بِهِ، فَرَفَعَ اللَّهُ شَأْنَهُ بِإِبْلَاغِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ بِالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ بِالْخِطَابِ وَبِإِظْهَارِ أَنَّ اللَّهَ رَبَّهُ، أَيْ مُتَوَلِّي أَمْرَهُ وَتَدْبِيرَهُ.

وَجُمْلَةُ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ تَعْلِيلٌ لِلْإِنْكَارِ وَالنَّفْيِ الْمُسْتَفَادِ مِنْهُ، وَاسْتِدْلَالٌ عَلَيْهِ، أَيْ لَمَّا قَسَمْنَا بَيْنَ النَّاسِ مَعِيشَتَهُمْ فَكَانُوا مُسَيَّرِينَ فِي أُمُورِهِمْ عَلَى نَحْوِ مَا هَيَّأْنَا لَهُمْ مِنْ نِظَامِ الْحَيَاةِ وَكَانَ تَدْبِيرُ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى بِبَالِغِ حِكْمَتِهِ، فَجَعَلَ مِنْهُمْ أَقْوِيَاءَ وَضُعَفَاءَ، وَأَغْنِيَاءَ وَمَحَاوِيجَ، فَسَخَّرَ بَعْضَهُمْ لِبَعْضٍ فِي أَشْغَالِهِمْ عَلَى حِسَابِ دَوَاعِي حَاجَةِ الْحَيَاةِ، وَرَفَعَ بِذَلِكَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ، وَجَعَلَ بَعْضَهُمْ مُحْتَاجًا إِلَى بعض ومسخّرا بِهِ. فَإِذَا كَانُوا بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فِي تَدْبِيرِ الْمَعِيشَةِ الدُّنْيَا، فَكَذَلِكَ الْحَالُ فِي إِقَامَةِ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ لِلتَّبْلِيغِ فَإِنَّ ذَلِك أعظم شؤون الْبَشَرِ. فَهَذَا وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ.

وَالسُّخْرِيُّ بِضَمِّ السِّينِ وَبِكَسْرِهَا وَهُمَا لُغَتَانِ وَلَمْ يُقْرَأْ فِي الْقِرَاءَاتِ الْمَشْهُورَةِ إِلَّا بِضَمِّ السِّينِ. وَقَرَأَ ابْن محيص فِي الشَّاذِّ بِكَسْرِ السِّينِ: اسْمٌ لِلشَّيْءِ الْمُسَخَّرِ، أَيِ الْمَجْبُورِ عَلَى عَمَلٍ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ، وَاسْمٌ لِمَنْ يُسْخَرُ بِهِ، أَيْ يُسْتَهْزَأُ بِهِ كَمَا فِي «مُفْرَدَات» الرَّاغِب و «الأساس» و «الْقَامُوس» . وَقَدْ فُسِّرَ هُنَا بِالْمَعْنَيَيْنِ كَمَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هُمَا لُغَتَانِ فِي مَعْنَى التَّسْخِيرِ وَلَا تَدَخُّلَ لِمَعْنَى الْهُزْءِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ غَيْرُهُ وَكَلَامُ الرَّاغِبِ مُحْتَمَلٌ. وَاقْتَصَرَ الطَّبَرِيُّ عَلَى مَعْنَى التَّسْخِيرِ. فَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَعْنِيَّيْنِ مُعْتَبَرَانِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَإِيثَارُ لَفْظِ سُخْرِيًّا فِي الْآيَةِ دُونَ غَيْرِهِ لِتَحَمُّلِهِ لِلْمَعْنَيَيْنِ وَهُوَ اخْتِيَارٌ مِنْ وُجُوهِ الْإِعْجَازِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى لِيَتَعَمَّلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي شؤون حَيَاتِهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مَدَنِيٌّ، أَيْ مُحْتَاجٌ إِلَى إِعَانَةِ بَعْضِهِ بَعْضًا، وَعَلَيْهِ فَسَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَقَالَهُ السُّدِّيُّ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَاكُ وَابْنُ زَيْدٍ،

ص: 201

فَلَامَ لِيَتَّخِذَ لَامُ التَّعْلِيلِ تَعْلِيلًا لِفِعْلِ قَسَمْنا، أَيْ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ، أَيْ أَسْبَابَ مَعِيشَتِهِمْ لِيَسْتَعِينَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَيَتَعَارَفُوا وَيَتَجَمَّعُوا لِأَجْلِ حَاجَةِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ فَتَتَكَوَّنَ مِنْ ذَلِكَ الْقَبَائِلُ وَالْمُدُنُ.

وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: بَعْضُهُمْ بَعْضاً عَامًّا فِي كُلِّ بَعْضٍ مِنَ النَّاسِ إِذْ مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَهُوَ مُسْتَعْمِلٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ لِغَيْرٍ آخَرَ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اسْمًا مِنَ السُّخْرِيَةِ وَهِيَ الِاسْتِهْزَاءُ. وَحَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ وَلَمْ يُعَيِّنْ قَائِلَهُ وَبِذَلِكَ تَكُونُ اللَّامُ لِلْعَاقِبَةِ مِثْلُ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [الْقَصَص: 8]

وَهُوَ عَلَى هَذَا تَعْرِيضٌ بالمشركين الَّذين استهزؤوا بِالْمُؤْمِنِينَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا فِي سُورَةِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [110] . وَقَدْ جَاءَ لَفْظُ السُّخْرِيِّ بِمَعْنَى الِاسْتِهْزَاءِ فِي آيَاتٍ أُخْرَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 110] وَقَوْلُهُ: أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ [ص: 63] .

وَلَعَلَّ الَّذِي عَدَلَ بِبَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةِ سُورَةِ الزُّخْرُفِ بِهَذَا الْمَعْنَى اسْتِنْكَارُهُمْ أَنْ يَكُونَ اتِّخَاذُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ مَسْخَرَةً عِلَّةً لِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي رَفْعِهِ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ، وَلَكِنَّ تَأْوِيلَ اللَّفْظِ وَاسِعٌ فِي نَظَائِرِهِ وَأَشْبَاهِهِ. وَتَأْوِيلُ مَعْنَى اللَّامِ ظَاهر.

وَجُمْلَة وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ تَذْيِيلٌ لِلرَّدِّ عَلَيْهِمْ، وَفِي هَذَا التَّذْيِيلِ رَدٌّ ثَانٍ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي جَعَلُوهُ عِمَادَ الِاصْطِفَاءِ لِلرِّسَالَةِ هُوَ أَقَلُّ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ فَهِيَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ مِنَ الْمَالِ الَّذِي جَعَلُوهُ سَبَبَ التَّفْضِيلِ حِينَ قَالُوا: لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف: 31] فَإِنَّ الْمَالَ شَيْءٌ جَمَعَهُ صَاحِبُهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ مِثْلَ اصْطِفَاءِ اللَّهِ الْعَبْدَ لِيُرْسِلَهُ إِلَى النَّاسِ.

وَرَحْمَةُ اللَّهِ: هِيَ اصْطِفَاؤُهُ عَبْدَهُ لِلرِّسَالَةِ عَنْهُ إِلَى النَّاسِ، وَهِيَ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ، وَالْمَعْنَى: إِذَا كَانُوا غَيْرَ قَاسِمِينَ أَقَلَّ أَحْوَالِهِمْ فَكَيْفَ يَقْسِمُونَ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ أَهَمِّ أُمُورِهِمْ

ص: 202