المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الشورى (42) : آية 30] - التحرير والتنوير - جـ ٢٥

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 47 الى 48]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 49 الى 50]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة فصلت (41) : آيَة 54]

- ‌42- سُورَةُ الشُّورَى

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الشورى (42) : الْآيَات 1 إِلَى 2]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : الْآيَات 32 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : الْآيَات 49 الى 50]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الشورى (42) : الْآيَات 52 الى 53]

- ‌43- سُورَة الزخرف

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 2 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 6 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 33 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 46 إِلَى 47]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 57 إِلَى 58]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 67 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 77 إِلَى 78]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 81 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 84]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 86]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 89]

- ‌44- سُورَةُ الدُّخَانِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 2 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 17 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 25 الى 28]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 30 إِلَى 31]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 34 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 40 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 43 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 51 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 54 الى 57]

- ‌[سُورَة الدُّخان (44) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌45- سُورَةُ الْجَاثِيَةِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 3 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 7 الى 10]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 27 الى 29]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 30 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 36 إِلَى 37]

الفصل: ‌[سورة الشورى (42) : آية 30]

يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ [الرَّحْمَن: 22] واللؤلؤ وَالْمَرْجَانُ يَخْرُجَانِ مِنْ أَحَدِ الْبَحْرَيْنِ وَهُوَ الْبَحْرُ الْمَلِحُ لَا مِنَ الْبَحْرِ الْعَذْبِ.

وَجُمْلَةُ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ، مُعْتَرِضَةٌ فِي جُمْلَةِ الِاعْتِرَاضِ لِإِدْمَاجِ إِمْكَانِ الْبَعْثِ فِي عَرْضِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ وَعَلَى تَفَرُّدِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِمَا عَنْ عَدَمٍ قَادِرٌ عَلَى إِعَادَةِ خَلْقِ بَعْضِ مَا فِيهِمَا لِلْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ سَوَاءٌ فِي جَوَازِ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ بِهِ فَكَيْفَ تَعُدُّونَهُ مُحَالًا. وَضَمِيرُ الْجَمَاعَةِ فِي قَوْلِهِ: جَمْعِهِمْ عَائِدٌ إِلَى مَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الَّذِي تَتَعَلَّقُ الْإِرَادَةُ بِجَمْعِهِ فِي الْحَشْرِ لِلْجَزَاءِ هُمُ الْعُقَلَاءُ مِنَ الدَّوَابِّ أَيِ الْإِنْسُ. وَالْمُرَادُ بِ جَمْعِهِمْ حَشْرُهُمْ لِلْجَزَاءِ، قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ [التغابن: 9] .

وَقَدْ وَرَدَ فِي أَحَادِيثَ فِي «الصَّحِيحِ» أَنَّ بَعْضَ الدَّوَابِّ تُحْشَرُ لِلِانْتِصَافِ مِمَّنْ ظَلَمَهَا.

وإِذا ظَرْفٌ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ هُنَا مُجَرَّدٌ عَنْ تَضَمُّنِ الشَّرْطِيَّةِ، فَالتَّقْدِيرُ: حِينَ يَشَاءُ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِ جَمْعِهِمْ. وَهَذَا الظَّرْفُ إِدْمَاجٌ ثَانٍ لِإِبْطَالِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِتَأَخُّرِ يَوْمِ الْبَعْثِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ كَمَا حُكِيَ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً [الْإِسْرَاء: 51] ويَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ [سبأ: 29، 30] .

[30]

[سُورَة الشورى (42) : آيَة 30]

وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (30)

لَمَّا تَضَمَّنَتِ الْمِنَّةُ بِإِنْزَالِ الْغَيْثِ بَعْدَ الْقُنُوطِ أَنَّ الْقَوْمَ أَصَابَهُمْ جُهْدٌ مِنَ الْقَحْطِ بَلَغَ بِهِمْ مَبْلَغَ الْقُنُوطِ مِنَ الْغَيْثِ أَعْقَبَتْ ذَلِكَ بِتَنْبِيهِهِمْ إِلَى أَنَّ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْبُؤْسِ هُوَ جَزَاءٌ عَلَى مَا اقْتَرَفُوهُ مِنَ الشِّرْكِ تَنْبِيهًا يَبْعَثُهُمْ وَيَبْعَثُ الْأُمَّةَ عَلَى أَنْ

ص: 98

يُلَاحِظُوا أَحْوَالَهُمْ نَحْو امْتِثَال رضى خَالِقِهِمْ وَمُحَاسِبَةِ أَنْفُسِهِمْ حَتَّى لَا يَحْسَبُوا أَنَّ الْجَزَاءَ الَّذِي أُوعِدُوا بِهِ مَقْصُورٌ عَلَى الْجَزَاءِ فِي الْآخِرَةِ بَلْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ يُصِيبُهُمُ اللَّهُ بِمَا هُوَ جَزَاءٌ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَمَّا كَانَ مَا أَصَابَ قُرَيْشًا مِنَ الْقَحْطِ وَالْجُوعِ اسْتِجَابَةً لدَعْوَة النبيء صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَانَتْ تِلْكَ الدَّعْوَةُ نَاشِئَةً على مَا لاقوه بِهِ مِنَ الْأَذَى، لَا جَرَمَ كَانَ مَا أَصَابَهُمْ مُسَبَّبًا عَلَى مَا كَسَبَتْ أَيْدِيهِمْ.

فَالْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا [الشورى: 28] ،

وَأُطْلِقَ كَسْبُ الْأَيْدِي عَلَى الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ الْمُنْكَرَةِ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ بِعَلَاقَةِ الْإِطْلَاقِ، أَيْ بِمَا صَدَرَ مِنْكُمْ مِنْ أَقْوَال الشّرك والأذى للنبيء صلى الله عليه وسلم وَفِعْلِ الْمُنْكَرَاتِ النَّاشِئَةِ عَنْ دِينِ الشِّرْكِ.

وَالْخِطَابُ لِلْمُشْرِكِينَ ابْتِدَاءٌ لِأَنَّهُمُ الْمَقْصُودُ مِنْ سِيَاقِ الْآيَاتِ كُلِّهَا وَهُمْ أَوْلَى بِهَذِهِ الْمَوْعِظَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا غَيْرَ مُؤْمِنِينَ بِوَعِيدِ الْآخِرَةِ وَيَشْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ وَبِمَا دَلَّ عَلَى شُمُولِ هَذَا الْحُكْمِ لَهُمْ مِنَ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَمِنْ آيَاتٍ أُخْرَى.

وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، أَيْ سَبَبُ مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ هُوَ أَعْمَالُكُمْ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَر فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ عَلَى أَنَّ (مَا) مَوْصُولَةٌ وَهِي مُبْتَدأ. وفَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ هُوَ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ. وَكَذَلِكَ كُتِبَتْ فِي مُصْحَفِ الْمَدِينَةِ وَمُصْحَفِ الشَّامِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ بِفَاءٍ قَبْلَ الْبَاءِ وَكَذَلِكَ كُتِبَتْ فِي مُصْحَفِ الْبَصْرَةِ وَمُصْحَفِ الْكُوفَةِ، عَلَى أَنَّ (مَا) مُتَضَمِّنَةٌ مَعْنَى الشَّرْطِ فَاقْتَرَنَ خَبَرُهَا بِالْفَاءِ لِذَلِكَ، أَوْ هِيَ شَرْطِيَّةٌ وَالْفَاءُ رَابِطَةٌ لِجَوَابِ الشَّرْطِ وَيَكُونُ وُقُوعُ فِعْلِ الشَّرْطِ مَاضِيًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى التَّحَقُّقِ.

ومِنْ بَيَانِيَّةٌ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ لِمَا فِي الْمَوْصُولِ وَاسْمِ الشَّرْطِ مِنَ الْإِبْهَامِ.

وَالْمُصِيبَةُ: اسْمٌ لِلْحَادِثَةِ الَّتِي تُصِيبُ بِضُرٍّ وَمَكْرُوهٍ، وَقَدْ لَزِمَتْهَا هَاءُ التَّأْنِيثِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْحَادِثَةِ فَلِذَلِكَ تُنُوسِيَتْ مِنْهَا الْوَصْفِيَّةُ وَصَارَتِ اسْمًا لِلْحَادِثَةِ الْمَكْرُوهَةِ.

فَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ تُعَيِّنُ مَعْنَى عُمُومِ التَّسَبُّبِ لِأَفْعَالِهِمْ فِيمَا يُصِيبُهُمْ مِنَ الْمَصَائِبِ لِأَنَّ (مَا) فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ إِمَّا شَرْطِيَّةٌ وَالشَّرْطُ دَالٌّ عَلَى التَّسَبُّبِ وَإِمَّا مَوْصُولَةٌ مُشَبَّهَةٌ بِالشَّرْطِيَّةِ، فَالْمَوْصُولِيَّةُ تُفِيدُ الْإِيمَاءَ إِلَى عِلَّةِ الْخَبَرِ، وَتَشْبِيهُهَا بِالشَّرْطِيَّةِ يُفِيدُ التَّسَبُّبَ.

ص: 99

وَقِرَاءَةُ نَافِعٍ وَابْنُ عَامِرٍ لَا تُعَيِّنُ التَّسَبُّبَ بَلْ تُجَوِّزُهُ لِأَنَّ الْمَوْصُولَ قَدْ يُرَادُ بِهِ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ بِالْوَصْفِ بِالصِّلَةِ، فَتُحَمَلُ عَلَى الْعُمُومِ بِالْقَرِينَةِ وَبِتَأْيِيدِ الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي اخْتِلَافِ الْقِرَاءَاتِ الصَّحِيحَةِ اتِّحَادُ الْمَعَانِي. وَكِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ سَوَاءٌ فِي احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ بِالْخِطَابِ فَرِيقًا مُعَيَّنًا وَأَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ بِهِ جَمِيعَ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ فِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَصَائِبَ مُعَيَّنَةً حَصَلَتْ فِي الْمَاضِي، وَأَنْ يُرَادَ جَمِيعُ الْمَصَائِبِ الَّتِي حَصَلَتْ وَالَّتِي تَحْصُلُ.

وَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ يُفِيدُ: أَنَّ مِمَّا يُصِيبُ النَّاسَ مِنْ مَصَائِبِ الدُّنْيَا مَا هُوَ جَزَاءٌ لَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الَّتِي لَا يَرْضَاهَا اللَّهُ تَعَالَى كَمَثَلِ الْمُصِيبَةِ أَوِ الْمَصَائِبِ الَّتِي أَصَابَتِ الْمُشْرِكِينَ لِأَجْلِ تَكْذِيبِهِمْ وأذاهم للرسول صلى الله عليه وسلم.

ثُمَّ إِنْ كَانَتْ (مَا) شَرْطِيَّةً كَانَتْ دَلَالَتُهَا عَلَى عُمُومِ مَفْهُومِهَا الْمُبَيَّنِ بِحَرْفِ مِنْ الْبَيَانِيَّةِ أَظْهَرَ لِأَنَّ شَرْطَهَا الْمَاضِيَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا هُوَ كَثِيرٌ فِي الشُّرُوطِ الْمَصُوغَةِ بِفِعْلِ الْمُضِيِّ وَالتَّعْلِيقَ الشَّرْطِيَّ يُمَحِّضُهَا لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَإِنْ كَانَتْ (مَا) مَوْصُولَةً كَانَتْ دَلَالَتُهَا مُحْتَمِلَةً لِلْعُمُومِ وَلِلْخُصُوصِ لِأَنَّ الْمَوْصُولَ يَكُونُ لِلْعَهْدِ وَيَكُونُ لِلْجِنْسِ.

وَأَيًّا مَا كَانَ فَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ مِنَ الْمَصَائِبِ الَّتِي تُصِيبُ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا مَا سَلَّطَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ جَزَاءً عَلَى سُوءِ أَعْمَالِهِمْ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ ثَابِتًا بِالنِّسْبَةِ لِأُنَاسٍ مُعَيَّنِينَ كَانَ فِيهِ نِذَارَةٌ وَتَحْذِيرٌ لِغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَفْعَلُ مِنْ جِنْسِ أَفْعَالِهِمْ أَنْ تَحِلَّ بِهِمْ مَصَائِبُ فِي الدُّنْيَا جَزَاءً عَلَى أَعْمَالِهِمْ زِيَادَةً فِي التَّنْكِيلِ بِهِمْ إِلَّا أَنَّ هَذَا الْجَزَاءَ لَا يَطَّرِدُ فَقَدْ يُجَازِي اللَّهُ قُومًا عَلَى أَعْمَالِهِمْ جَزَاءً فِي الدُّنْيَا مَعَ جَزَاءِ الْآخِرَةِ، وَقَدْ يَتْرُكُ قَوْمًا إِلَى جَزَاءِ الْآخِرَةِ، فَجَزَاءُ الْآخِرَةِ فِي الْخَيْرِ الشَّرّ هُوَ الْمُطَّرِدُ الْمَوْعُودُ بِهِ، وَالْجَزَاءُ فِي الدُّنْيَا قَدْ يَحْصُلُ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ.

وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي آيَاتٍ وَأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ بِوَجْهِ الْكُلِّيَّةِ وَبِوَجْهِ الْجُزْئِيَّةِ، فَمِمَّا جَاءَ بِطَرِيقِ الْكُلِّيَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا [الْفجْر: 15- 19] الْآيَةَ،

ص: 100

فَقَوْلُهُ:

بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ مُرَتَّبٌ عَلَى قَوْلِهِ: كَلَّا الْمُرَتَّبِ عَلَى قَوْلِهِ: فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَقَوْلِهِ: فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَرَامَةَ وَالْإِهَانَةَ إِنَّمَا تَسَبَّبَا عَلَى عَدَمِ إِكْرَامِ الْيَتِيمِ وَالْحَضِّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ، وَقَالَ تَعَالَى: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الرّوم: 41] .

وَفِي «سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ» : أَنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُصِيبُ عَبْدًا نَكْبَةٌ فَمَا فَوْقَهَا أَوْ دُونَهَا إِلَّا بِذَنْبٍ وَمَا يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أَكْثَرُ»

. وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَة، وَأما مَا جَاءَ عَلَى وَجْهِ الْجُزْئِيَّةِ فَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً [نوح:

10-

12] وَقَوْلُهُ حِكَايَةً عَنْهُ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فِي سُورَةِ نُوحٍ [3، 4] . وَقَوْلُهُ خِطَابًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا الْآيَةَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [85] ، وَقَوْلُهُ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ

[الْأَعْرَاف: 152] وَقَالَ حِكَايَةً عَنْ مُوسَى أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا [الْأَعْرَاف: 155] وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ فِي الْأَعْرَافِ [167]، وَقَالَ فِي فِرْعَوْنَ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى [النازعات: 25] ، وَقَالَ فِي الْمُنَافِقِينَ أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ فِي بَرَاءَةٌ [126] .

وَفِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ النبيء صلى الله عليه وسلم «نَقْلُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي الْمَكْرُوهَاتِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، مَنْ يُحَافِظُ عَلَيْهِنَّ عَاشَ بِخَيْرٍ وَمَاتَ بِخَيْرٍ» .

وَفِي بَابِ الْعُقُوبَاتِ مِنْ آخَرِ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَن النبيء صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ» .

وَفِي «الْبُخَارِيِّ» قَالَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ «إِنَّا آمَنَّا بِاللَّهِ وَجَاهَدْنَا فِي سَبِيلِهِ فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ فَمِنَّا مَنْ ذَهَبَ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، مَاتَ وَمَا تَرَكَ إِلَّا

كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ بَدَا رَأْسُهُ فَأَمَرَنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ نُغَطِّيَ بِهَا رَأْسَهُ وَنَضَعَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الْإِذْخِرِ،

ص: 101

وَمِنْهُمْ مَنْ عُجِّلَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يُهَدِّبُهَا»

. وَإِذَا كَانَتِ الْمُصِيبَةُ فِي الدُّنْيَا تَكُونُ جَزَاءً عَلَى فِعْلِ الشَّرِّ فَكَذَلِكَ خَيْرَاتُ الدُّنْيَا قَدْ تَكُونُ جَزَاءً عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ قَالَ تَعَالَى: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ [يُونُس: 62، 64]، وَقَالَ حِكَايَةً عَنْ إِخْوَةِ يُوسُفَ قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ [يُوسُف: 91] أَيْ مُذْنِبِينَ، أَيْ وَأَنْتَ لَمْ تَكُنْ خَاطِئًا، وَقَالَ: فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ فِي آلِ عِمْرَانَ [148] وَقَالَ: وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ [82]، وَقَالَ: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ إِلَى قَوْلِهِ: وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً فِي سُورَةِ النُّورِ [55] .

وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَنْقُضُ الْجَزَاءَ فِي الْآخِرَةِ، فَمَنْ أَنْكَرُوا ذَلِكَ وَقَالُوا: إِنَّ الْجَزَاءَ إِنَّمَا يَحْصُلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لقَوْله تَعَالَى: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الْفَاتِحَة: 4] أَيْ يَوْمِ الْجَزَاءِ وَإِنَّمَا الدُّنْيَا دَارُ تَكْلِيفٍ وَالْآخِرَةُ دَارُ الْجَزَاءِ، فَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ هُوَ: أَنَّهُ لَيْسَ كَوْنُ مَا يُصِيبُ مِنَ الشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِي الدُّنْيَا جَزَاءً عَلَى عَمَلٍ بِمُطَّرِدٍ، وَلَا مُتَعَيِّنٍ لَهُ فَإِنَّ لِذَلِكَ أَسْبَابًا كَثِيرَةً وَتَدْفَعُهُ أَوْ تَدْفَعُ بَعْضًا مِنْهُ جَوَابِرُ كَثِيرَةٌ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ ذَلِكَ اسْتِحْقَاقًا وَدَفْعًا وَلَكِنَّهُ مِمَّا يَزِيدُهُ اللَّهُ بِهِ

الْجَزَاءَ إِنْ شَاءَ.

وَقَدْ تُصِيبُ الصَّالِحِينَ نَكَبَاتٌ وَمَصَائِبُ وَآلَامٌ فَتَكُونُ بَلْوَى وَزِيَادَةً فِي الْأَجْرِ وَلِمَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، وَقَدْ تُصِيبُ الْمُسْرِفِينَ خَيْرَاتٌ وَنِعَمٌ إِمْهَالًا وَاسْتِدْرَاجًا وَلِأَسْبَابٍ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللَّهُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِخَفَايَا خَلْقِهِ وَنَوَايَاهُمْ وَمَقَادِيرِ أَعْمَالِهِمْ مِنْ حَسَنَاتٍ وَسَيِّئَاتٍ، وَاسْتِعْدَادِ نُفُوسِهِمْ وَعُقُولِهِمْ لِمُخْتَلِفِ مَصَادِرِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الْأَنْفَال: 23] .

وَمِمَّا اخْتَبَطَ فِيهِ ضُعَفَاءُ الْمَعْرِفَةِ وَقُصَّارُ الْأَنْظَارِ أَنْ زَعَمَ أَهْلُ الْقَوْلِ بِالتَّنَاسُخِ أَنَّ هَذِهِ الْمَصَائِبَ الَّتِي لَا نَرَى لَهَا أَسْبَابًا وَالْخَيْرَاتِ الَّتِي تَظْهَرُ فِي مُوَاطِنَ تَحُفُّ بِهَا مُقْتَضَيَاتُ الشُّرُورِ إِنَّمَا هِيَ بِسَبَبِ جَزَاءِ الْأَرْوَاحِ الْمُودَعَةِ فِي الْأَجْسَامِ الَّتِي نُشَاهِدُهَا

ص: 102