المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : آية 253] - التحرير والتنوير - جـ ٣

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 253]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 254]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 255]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 256]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 257]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 258]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 259]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 260]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 261 إِلَى 262]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 263 إِلَى 264]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 265]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 266]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 267]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 268]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 269]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 270]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 271]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 272]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 273]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 274]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 275]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 276]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 277]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 278 إِلَى 279]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 280]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 281]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 282]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 283]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 284]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 285]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 286]

- ‌3- سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 2 الى 4]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 12 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 15 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 21 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 23 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 35 الى 36]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 39 إِلَى 41]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 42 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 48 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 50 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 52 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 55 الى 57]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 59 إِلَى 60]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 70 إِلَى 71]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 72 الى 74]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 79 إِلَى 80]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 81 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 84]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 86]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 87 إِلَى 89]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 91]

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : آية 253]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 253]

تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)

تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ.

مَوْقِعُ هَذِهِ الْآيَةِ مَوْقِعُ الْفَذْلَكَةِ لِمَا قَبْلَهَا وَالْمُقَدِّمَةِ لِمَا بَعْدَهَا. فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَنْبَأَ بِاخْتِبَارِ الرُّسُلِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَمَا عَرَضَ لَهُمْ مَعَ أَقْوَامِهِمْ وَخَتَمَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ [الْبَقَرَة: 252] . جَمَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي قَوْلِهِ:

تِلْكَ الرُّسُلُ لَفْتًا إِلَى الْعِبَرِ الَّتِي فِي خِلَالِ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَلَمَّا أَنْهَى ذَلِكَ كُلَّهُ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ:

وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [الْبَقَرَة: 252] تَذْكِيرًا بِأَنَّ إِعْلَامَهُ بِأَخْبَارِ الْأُمَمِ وَالرُّسُلِ آيَةٌ عَلَى صِدْقِ رِسَالَتِهِ. إِذْ مَا كَانَ لِمِثْلِهِ قِبَلٌ بِعِلْمِ ذَلِكَ لَوْلَا وَحْيُ اللَّهِ إِلَيْهِ. وَفِي هَذَا كُلِّهِ حُجَّةٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَعَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ جَحَدُوا رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. فَمَوْقِعُ اسْمِ الْإِشَارَةِ مِثْلُ مَوْقِعِهِ فِي قَوْلِ النَّابِغَةِ:

بَنِي عَمِّهِ دُنْيَا وَعَمْرِو بْنِ عَامِرٍ

أُولَئِكَ قَوْمٌ بَأْسُهُمْ غَيْرُ كَاذِبِ

وَالْإِشَارَةُ إِلَى جَمَاعَةِ الْمُرْسَلِينَ فِي قَوْلِهِ: وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. وَجِيءَ بِالْإِشَارَةِ لِمَا فِيهَا مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى الِاسْتِحْضَارِ حَتَّى كَأَنَّ جَمَاعَةَ الرُّسُلِ حَاضِرَةٌ لِلسَّامِعِ بَعْدَ مَا مَرَّ مِنْ ذِكْرِ عَجِيبِ أَحْوَالِ بَعْضِهِمْ وَمَا أَعْقَبَهُ مِنْ ذِكْرِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ.

وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَمَّا أُفِيضَ الْقَوْلُ فِي الْقِتَالِ وَفِي الْحَثِّ عَلَى الْجِهَادِ وَالِاعْتِبَارِ بِقِتَالِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ عُقِّبَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَمْرِ الدِّينِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البيّنات ولكنّهم أساؤوا الْفَهْمَ فَجَحَدُوا الْبَيِّنَاتِ فأفضى بهم سود فَهْمِهِمْ إِلَى اشْتِطَاطِ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ حَتَّى أَفْضَى إِلَى الِاقْتِتَالِ. فَمَوْقِعُ اسْمِ الْإِشَارَةِ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ كَمَوْقِعِ

ضَمِيرِ الشَّأْنِ، أَيْ هِيَ قِصَّةُ الرُّسُلِ وَأُمَمِهِمْ، فَضَّلْنَا بَعْضَ الرُّسُلِ عَلَى بَعْضٍ فَحَسَدَتْ بَعْضُ الْأُمَمِ أَتْبَاعَ بَعْضِ الرُّسُلِ فَكَذَّبَ الْيَهُودُ عِيسَى وَمُحَمَّدًا عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَكَذَّبَ النَّصَارَى مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم.

وَقُرِنَ اسْمُ الْإِشَارَةِ بِكَافِ الْبُعْدِ تَنْوِيهًا بِمَرَاتِبِهِمْ كَقَوْلِهِ: ذلِكَ الْكِتابُ [الْبَقَرَة: 2] .

ص: 5

وَاسْمُ الْإِشَارَةِ مُبْتَدَأٌ وَالرسل خَبَرٌ، وَلَيْسَ الرُّسُلُ بَدَلًا لِأَنَّ الْإِخْبَارَ عَنِ الْجَمَاعَةِ بِأَنَّهَا الرُّسُلُ أَوْقَعُ فِي اسْتِحْضَارِ الْجَمَاعَةِ الْعَجِيبِ شَأْنُهُمُ الْبَاهِرِ خَبَرُهُمْ، وَجُمْلَةُ «فَضَّلْنَا» حَالٌ.

وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ تَمْجِيدُ سُمْعَةِ الرُّسُلِ عليهم السلام، وَتَعْلِيمُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ هَاتِهِ الْفِئَةَ الطَّيِّبَةَ مَعَ عَظِيمِ شَأْنِهَا قَدْ فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَأَسْبَابُ التَّفْضِيلِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، غَيْرَ أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى مَا جَرَى عَلَى أَيْدِيهِمْ مِنَ الْخَيْرَاتِ الْمُصْلِحَةِ لِلْبَشَرِ وَمِنْ نَصْرِ الْحَقِّ، وَمَا لَقُوهُ مِنَ الْأَذَى فِي سَبِيلِ ذَلِكَ، وَمَا أُيِّدُوا بِهِ مِنَ الشَّرَائِعِ الْعَظِيمَةِ الْمُتَفَاوِتَةِ فِي هُدَى الْبَشَرِ، وَفِي عُمُومِ ذَلِكَ الْهُدَى وَدَوَامِهِ، وَإِذَا

كَانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ»

، فَمَا بَالُكَ بِمَنْ هَدَى اللَّهُ بِهِمْ أُمَمًا فِي أَزْمَانٍ مُتَعَاقِبَةٍ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلَ الرُّسُلِ. وَيَتَضَمَّنُ الْكَلَامُ ثَنَاءً عَلَيْهِمْ وَتَسْلِيَةً لِلرَّسُولِ عليه السلام فِيمَا لَقِيَ مِنْ قَوْمِهِ.

وَقَدْ خَصَّ اللَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الرُّسُلِ بَعْضًا بِصِفَاتٍ يَتَعَيَّنُ بِهَا الْمَقْصُودُ مِنْهُمْ، أَوْ بِذِكْرِ اسْمِهِ، فَذَكَرَ ثَلَاثَةً إِذْ قَالَ: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ، وَهَذَا مُوسَى عليه السلام لِاشْتِهَارِهِ بِهَذِهِ الْخَصْلَةِ الْعَظِيمَةِ فِي الْقُرْآنِ، وَذَكَرَ عِيسَى عليه السلام، وَوَسَّطَ بَيْنِهِمَا الْإِيمَاءَ إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِوَصْفِهِ، بِقَوْلِهِ: وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ.

وَقَوْلُهُ: وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْبَعْضِ هُنَا وَاحِدًا مِنَ الرُّسُلِ مُعَيَّنًا لَا طَائِفَةً، وَتَكُونَ الدَّرَجَاتُ مَرَاتِبَ مِنَ الْفَضِيلَةِ ثَابِتَةً لِذَلِكَ الْوَاحِدِ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْبَعْضِ جَمَاعَةً مِنَ الرُّسُلِ مُجْمَلًا، وَمِنَ الدَّرَجَاتِ دَرَجَاتٍ بَيْنَهُمْ لَصَارَ الْكَلَامُ تَكْرَارًا مَعَ قَوْلِهِ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بَعْضٌ فُضِّلَ عَلَى بَعْضٍ لَقَالَ، وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ [الْأَنْعَام: 165] .

وَعَلَيْهِ فَالْعُدُولُ مِنَ التَّصْرِيحِ بِالِاسْمِ أَوْ بِالْوَصْفِ الْمَشْهُورِ بِهِ لِقَصْدِ دَفْعِ الِاحْتِشَامِ عَنِ الْمُبَلِّغِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْوَصْفِ وَهُوَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وَالْعَرَبُ تُعَبِّرُ بِالْبَعْضِ عَنِ

النَّفْسِ كَمَا فِي قَوْلِ لَبِيدٍ:

تَرَّاكُ أَمْكِنَةٍ إِذَا لَمْ أَرْضَهَا

أَوْ يَعْتَلِقْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهَا

ص: 6

أَرَادَ نَفْسَهُ، وَعَن الْمُخَاطب كَقَوْلي أَبِي الطَّيِّبِ:

إِذَا كَانَ بَعْضُ النَّاسِ سَيْفًا لِدَوْلَةٍ

فَفِي النَّاسِ بُوقَاتٌ لَهَا وَطُبُولُ

وَالَّذِي يُعَيِّنُ الْمُرَادَ فِي هَذَا كُلِّهِ هُوَ الْقَرِينَةُ كَانْطِبَاقِ الْخَبَرِ أَوِ الْوَصْفِ عَلَى وَاحِدٍ كَقَوْلِ طَرَفَةَ:

إِذَا الْقَوْمُ قَالُوا مَنْ فَتًى خِلْتُ أَنَّنِي

عُنِيتُ فَلَمْ أَكْسَلْ وَلَمْ أَتَبَلَّدِ

وَقَدْ جَاءَ عَلَى نَحْوِ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ [الْإِسْرَاء: 54، 55] عَقِبَ قَوْلِهِ: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً- إِلَى أَنْ قَالَ- وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ- إِلَى قَوْلِهِ- وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ [الْإِسْرَاء: 45، 55] .

وَهَذَا إِعْلَامٌ بِأَنَّ بَعْضَ الرُّسُلِ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ وَعَدَمِ تَعْيِينِ الْفَاضِلِ مِنَ الْمَفْضُولِ: ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ اشْتَرَكُوا فِي صِفَةِ خَيْرٍ لَا يَخْلُونَ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ بِمَا لِلْبَعْضِ مِنْ صِفَاتِ كَمَالٍ زَائِدَةٍ عَلَى الصِّفَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمْ، وَفِي تَمْيِيزِ صِفَاتِ التَّفَاضُلِ غُمُوضٌ، وَتَطَرُّقٌ لِتَوَقُّعِ الْخَطَأِ وَعُرُوضٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِسَهْلٍ عَلَى الْعُقُولِ الْمُعَرَّضَةِ لِلْغَفْلَةِ وَالْخَطَأِ. فَإِذَا كَانَ التَّفْضِيلُ قَدْ أَنْبَأَ بِهِ رَبُّ الْجَمِيعِ، وَمَنْ إِلَيْهِ التَّفْضِيلُ، فَلَيْسَ مِنْ قَدْرِ النّاس أَن يتصدّوا لِوَضْعِ الرُّسُلِ فِي مَرَاتِبِهِمْ، وَحَسْبُهُمُ الْوُقُوفُ عِنْدَ مَا يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ.

وَهَذَا مَوْرِدُ

الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ»

يَعْنِي بِهِ النَّهْيَ عَنِ التَّفْضِيلِ التَّفْصِيلِيِّ، بِخِلَافِ التَّفْضِيلِ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ، كَمَا نَقُولُ: الرُّسُلُ أَفْضَلُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ لَيْسُوا رُسُلًا. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ الرُّسُلِ لِمَا تَظَاهَرَ مِنْ آيَاتِ تَفْضِيلِهِ وَتَفْضِيلِ الدِّينِ الَّذِي جَاءَ بِهِ وَتَفْضِيلِ الْكِتَابِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ. وَهِيَ مُتَقَارِنَةُ الدَّلَالَةِ تَنْصِيصًا وَظُهُورًا. إِلَّا أَنَّ كَثْرَتَهَا تُحَصِّلُ الْيَقِينَ بِمَجْمُوعِ مَعَانِيهَا عَمَلًا بِقَاعِدَةِ كَثْرَةُ الظَّوَاهِرِ تُفِيدُ الْقَطْعَ. وَأَعْظَمُهَا آيَةُ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمرَان: 81] الْآيَةَ.

ص: 7

وَأَمَّا

قَوْلُ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى»

يَعْنِي بِقَوْلِهِ:

«أَنَا» نَفْسَهُ عَلَى أَرْجَحِ الِاحْتِمَالَيْنِ،

وَقَوْلُهُ: «لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى مُوسَى»

، فَذَلِكَ صَدَرَ قَبْلَ أَنْ يُنْبِئَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْخَلْقِ عِنْدَهُ.

وَهَذِهِ الدَّرَجَاتُ كَثِيرَةٌ عَرَفْنَا مِنْهَا: عُمُومَ الرِّسَالَةِ لِكَافَّةِ النَّاسِ، وَدَوَامَهَا طُولَ الدَّهْرِ، وَخَتْمَهَا لِلرِّسَالَاتِ، وَالتَّأْيِيدَ بِالْمُعْجِزَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لَا تَلْتَبِسُ بِالسِّحْرِ وَالشَّعْوَذَةِ، وَبِدَوَامِ تِلْكَ الْمُعْجِزَةِ، وَإِمْكَانِ أَنْ يُشَاهِدَهَا كُلُّ مَنْ يُؤَهِّلُ نَفْسَهُ لِإِدْرَاكِ الْإِعْجَازِ، وَبِابْتِنَاءِ شَرِيعَتِهِ عَلَى رَعْيِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ وَالْبُلُوغِ بِالنُّفُوسِ إِلَى أَوَجِ الْكَمَالِ، وَبِتَيْسِيرِ إِدَانَةِ مُعَانَدِيهِ لَهُ، وَتَمْلِيكِهِ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فِي زَمَنٍ قَصِيرٍ، وَبِجَعْلِ نَقْلِ مُعْجِزَتِهِ مُتَوَاتِرًا لَا يَجْهَلُهَا إِلَّا مُكَابِرٌ، وَبِمُشَاهَدَةِ أُمَّتِهِ لِقَبْرِهِ الشَّرِيفِ، وَإِمْكَانِ اقْتِرَابِهِمْ مِنْهُ وَائْتِنَاسِهِمْ بِهِ صلى الله عليه وسلم.

وَقَدْ عَطَفَ مَا دَلَّ عَلَى نَبِيئِنَا عَلَى مَا دَلَّ عَلَى موسَى- عليهما السلام لِشِدَّةِ الشَّبَهِ بَيْنَ شَرِيعَتَيْهِمَا، لِأَنَّ شَرِيعَةَ مُوسَى عليه السلام أَوْسَعُ الشَّرَائِعِ، مِمَّا قَبْلَهَا، بِخِلَافِ شَرِيعَةِ عِيسَى عليه السلام.

وَتَكْلِيمُ اللَّهِ مُوسَى هُوَ مَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ بِدُونِ وَاسِطَةِ جِبْرِيلَ، بِأَنْ أَسْمَعَهُ كَلَامًا أَيْقَنَ أَنَّهُ صَادِرٌ بِتَكْوِينِ اللَّهِ، بِأَنْ خَلَقَ اللَّهُ أَصْوَاتًا مِنْ لُغَةِ مُوسَى تَضَمَّنَتْ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ، وَسَيَجِيءُ بَيَانُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً [النِّسَاء: 164] فِي سُورَةِ النِّسَاءِ.

وَقَوْلُهُ: وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ الْبَيِّنَاتُ هِيَ الْمُعْجِزَاتُ الظَّاهِرَةُ الْبَيِّنَةُ، وَرُوحُ الْقُدُسِ هُوَ جِبْرِيلُ، فَإِنَّ الرُّوحَ هُنَا بِمَعْنَى الْمَلَكِ الْخَاصِّ كَقَوْلِهِ: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها [الْقدر: 4] .

والقدس بِضَمِّ الْقَافِ وَبِضَمِّ الدَّالِ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَسُكُونِهَا عِنْدَ بَنِي تَمِيمٍ بِمَعْنَى الْخُلُوصِ وَالنَّزَاهَةِ، فَإِضَافَةُ رُوحِ إِلَى الْقُدس من إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى الصِّفَةِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ الرُّوحُ الْقُدُسُ، وَقِيلَ الْقُدُسِ اسْمُ اللَّهِ كَالْقُدُّوسِ فَإِضَافَةُ رُوحٍ إِلَيْهِ إِضَافَةٌ أَصْلِيَّةٌ، أَيْ رَوْحٌ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ.

ص: 8

وَرُوحُ الْقُدُسِ هُوَ جِبْرِيلُ قَالَ تَعَالَى: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [النَّحْل:

102] ،

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا»

وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِحَسَّانَ: «اهْجُهُمْ وَمَعَكَ رُوحُ الْقُدُسِ» .

وَإِنَّمَا وُصِفَ عِيسَى بِهَذَيْنِ مَعَ أَنَّ سَائِرَ الرُّسُلِ أُيِّدُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَبِرُوحِ الْقُدُسِ، لِلرَّدِّ

عَلَى الْيَهُودِ الَّذِينَ أَنْكَرُوا رِسَالَتَهُ وَمُعْجِزَاتِهِ، وَلِلرَّدِّ عَلَى النَّصَارَى الَّذِينَ غَلَوْا فَزَعَمُوا أُلُوهِيَّتَهُ، وَلِأَجْلِ هَذَا ذُكِرَ مَعَهُ اسْمُ أُمِّهِ- مَهْمَا ذُكِرَ- لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ ابْنَ الْإِنْسَانِ لَا يَكُونُ إِلَهًا، وَعَلَى أَنَّ مَرْيَمَ أَمَةُ اللَّهِ تَعَالَى لَا صَاحِبَةٌ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَذْكُرُ أَسْمَاءَ نِسَائِهَا وَإِنَّمَا تَكْنِي، فَيَقُولُونَ رَبَّةُ الْبَيْتِ، وَالْأَهْلُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ وَلَا يَذْكُرُونَ أَسْمَاءَ النِّسَاءِ إِلَّا فِي الْغَزَلِ، أَوْ أَسْمَاءَ الْإِمَاءِ.

وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ.

اعْتِرَاضٌ بَيْنَ الْفَذْلَكَةِ- الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الرُّسُلُ إِلَى آخرهَا- وَبَين الْجُمْلَة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ [الْبَقَرَة: 254]، فَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ: فَإِنَّ مَا جَرَى مِنَ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ وَمِنَ الْأَمْثَالِ الَّتِي بَيَّنَتْ خِصَالَ الشَّجَاعَةِ وَالْجُبْنِ وَآثَارَهُمَا، الْمَقْصُودُ مِنْهُ تَشْرِيعًا وَتَمْثِيلًا قِتَالُ أَهْلِ الْإِيمَانِ لِأَهْلِ الْكُفْرِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ وَنَصْرِ الْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ وَبَثِّ الْهُدَى وَإِزْهَاقِ الضَّلَالِ. بَيَّنَ اللَّهُ بِهِذَا الِاعْتِرَاضِ حُجَّةَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا: بِأَنَّ الْكَافِرِينَ هُمُ الظَّالِمُونَ إِذِ اخْتَلَفُوا عَلَى مَا جَاءَتْهُمْ بِهِ الرُّسُلُ، وَلَوِ اتَّبَعُوا الْحَقَّ لَسَلَّمُوا وَسَالَمُوا.

ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ الْمُضَافُ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: مِنْ بَعْدِهِمْ مُرَادًا بِهِ جُمْلَةُ الرُّسُلِ أَيْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِ أُولَئِكَ الرُّسُلِ مِنَ الْأُمَمِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الْعَقَائِدِ

ص: 9

مِثْلَ اقْتِتَالِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي الْيَمَنِ فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ، وَمُقَاتَلَةِ الْفِلَسْطِينِيِّينَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ انْتِصَارًا لِأَصْنَامِهِمْ، وَمُقَاتَلَةِ الْحَبَشَةِ لِمُشْرِكِي الْعَرَبِ انْتِصَارًا لِبَيْعَةِ الْقُلَّيْسِ الَّتِي بَنَاهَا الْحَبَشَةُ فِي الْيَمَنِ، وَالْأُمَمِ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ الْإِسْلَامِ وَنَاوَوُهُ وَقَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ أَهْلَهُ، وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْبَيِّنَاتِ دَلَائِلَ صِدْقِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَتكون الْآيَة بإنحاء عَلَى الَّذِينَ عَانَدُوا النَّبِيءَ وَنَاوَوُا الْمُسْلِمِينَ وَقَاتَلُوهُمْ، وَتَكُونُ الْآيَةُ عَلَى هَذَا ظَاهِرَةَ التَّفَرُّعِ عَلَى قَوْلِهِ: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا [الْبَقَرَة: 244] إِلَخ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ «مِنْ بَعْدِهِمْ» ضَمِيرَ الرُّسُلِ عَلَى إِرَادَةِ التَّوْزِيعِ، أَيِ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِ كُلِّ رَسُولٍ مِنَ الرُّسُلِ، فَيَكُونُ مُفِيدًا أَنَّ أُمَّةَ كُلِّ رَسُولٍ مِنَ الرُّسُلِ اخْتَلَفُوا وَاقْتَتَلُوا اخْتِلَافًا وَاقْتِتَالًا نَشَآ مِنْ تَكْفِيرِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا كَمَا وَقَعَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فِي عُصُورٍ كَثِيرَةٍ بَلَغَتْ فِيهَا طَوَائِفُ مِنْهُمْ فِي الْخُرُوجِ مِنَ الدِّينِ إِلَى حَدِّ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَكَمَا وَقَعَ لِلنَّصَارَى فِي

عُصُورٍ بَلَغَ فِيهَا اخْتِلَافُهُمْ إِلَى حَدِّ أَنْ كَفَّرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَتَقَاتَلَتِ الْيَهُودُ غَيْرَ مَرَّةٍ قِتَالًا جَرَى بَيْنَ مَمْلَكَةِ يَهُوذَا وَمَمْلَكَةِ إِسْرَائِيلَ، وَتَقَاتَلَتِ النَّصَارَى كَذَلِكَ مِنْ جَرَّاءِ الْخِلَافِ بَيْنَ الْيَعَاقِبَةِ وَالْمَلَكِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَأَشْهَرُ مُقَاتَلَاتِ النَّصَارَى الْحُرُوبُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي نَشَأَتْ فِي الْقَرْنِ السَّادِسِ عَشَرَ مِنَ التَّارِيخِ الْمَسِيحِيِّ بَيْنَ أَشْيَاعِ الْكَاثُولِيكِ وَبَيْنَ أَشْيَاعِ مَذْهَبِ لُوثِيرَ الرَّاهِبِ الْجِرْمَانِيِّ الَّذِي دَعَا النَّاسَ إِلَى إِصْلَاحِ الْمَسِيحِيَّةِ وَاعْتِبَارِ أَتْبَاعِ الْكَنِيسَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ كُفَّارًا لِادِّعَائِهِمْ أُلُوهِيَّةِ الْمَسِيحِ، فَعَظُمَتْ بِذَلِكَ حروب بَين فرانسا وَأَسْبَانْيَا وَجِرْمَانْيَا وَانْكِلْتِرَا وَغَيْرِهَا مِنْ دُوَلِ أُورُوبَّا.

وَالْمَقْصُودُ تَحْذِيرُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ مَا وَقَعَ فِيهِ أُولَئِكَ، وَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ تَحْذِيرًا مُتَوَاتِرًا

بِقَوْلِهِ فِي خُطْبَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ»

، يُحَذِّرُهُمْ مَا يَقَعُ مِنْ حُرُوبِ الرِّدَّةِ وَحُرُوبِ الْخَوَارِجِ بِدَعْوَى التَّكْفِيرِ، وَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ من دَلَائِل النبوءة الْعَظِيمَةِ.

وَوَرَدَ فِي «الصَّحِيحِ» قَوْلُهُ: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ، قَالَ:«أَمَا إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ أَخِيهِ»

، وَذَلِكَ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا أَنَّهُ الْقِتَالُ عَلَى اخْتِلَافِ الْعَقِيدَةِ.

ص: 10

وَالْمُرَادُ بِالْبَيِّنَاتِ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ أَدِلَّةُ الشَّرِيعَةِ الْوَاضِحَةُ الَّتِي تُفَرِّقُ بَيْنَ مُتَّبِعِ الشَّرِيعَةِ وَمُعَانِدِهَا وَالَّتِي لَا تَقْبَلُ خَطَأَ الْفَهْمِ وَالتَّأْوِيلِ لَوْ لَمْ يَكُنْ دَأْبُهُمُ الْمُكَابَرَةَ وَدَحْضَ الدِّينِ لِأَجْلِ عَرَضِ الدُّنْيَا، وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ شَاءَ اقْتِتَالَهُمْ فَاقْتَتَلُوا، وَشَاءَ اخْتِلَافَهُمْ فَاخْتَلَفُوا، وَالْمَشِيئَةُ هُنَا مَشِيئَةُ تَكْوِينٍ وَتَقْدِيرٍ لَا مَشِيئَةُ الرِّضَا لِأَنَّ الْكَلَامَ مَسُوقٌ مَسَاقَ التَّمَنِّي لِلْجَوَابِ وَالتَّحْسِيرِ عَلَى امْتِنَاعِهِ وانتفائه المفاد بلو كَقَوْلِ طَرَفَةَ:

فَلَوْ شَاءَ رَبِّي كُنْتُ قَيْسَ بْنَ خَالِدٍ

وَلَوْ شَاءَ رَبِّي كُنْتُ عَمْرَو بْنَ مَرْثَدِ

وَقَوْلُهُ: وَلكِنِ اخْتَلَفُوا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ جَوَابُ لَوْ شَاءَ اللَّهُ: وَهُوَ مَا اقْتَتَلَ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الِاسْتِدْرَاكِ لَازِمَ الضِّدِّ لِجَوَابِ لَوْ وَهُوَ الِاخْتِلَافُ لِأَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا اقْتَتَلُوا وَلَوْ لَمْ يَخْتَلِفُوا لَمَا اقْتَتَلُوا. وَإِنَّمَا جِيءَ بِلَازِمِ الضِّدِّ فِي الِاسْتِدْرَاكِ لِلْإِيمَاءِ إِلَى سَبَبِ الِاقْتِتَالِ لِيَظْهَرَ أَنَّ مَعْنَى نَفْيِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَرْكُهُمُ الِاقْتِتَالَ، هُوَ أَنَّهُ خَلَقَ دَاعِيَةَ الِاخْتِلَافِ فِيهِمْ، فَبِتِلْكَ الدَّاعِيَةِ اخْتَلَفُوا، فَجَرَّهُمُ الْخِلَافُ إِلَى أَقْصَاهُ وَهُوَ الْخِلَافُ فِي الْعَقِيدَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ، فَاقْتَتَلُوا لِأَنَّ لُزُومَ الِاقْتِتَالِ لِهَذِهِ الْحَالَةِ أَمْرٌ عُرْفِيٌّ شَائِعٌ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ اخْتِلَافَ أُمَّةِ الرَّسُولِ الْوَاحِدِ فَالْإِيمَانُ وَالْكُفْرُ فِي الْآيَةِ عِبَارَةٌ عَنْ خَطَأِ أَهْلِ الدِّينِ فِيهِ

إِلَى الْحَدِّ الَّذِي يُفْضِي بِبَعْضِهِمْ إِلَى الْكُفْرِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ اخْتِلَافَ أُمَمِ الرُّسُلِ كُلٍّ لِلْأُخْرَى كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ [الْبَقَرَة: 113] ، فَالْإِيمَانُ وَالْكُفْرُ فِي الْآيَةِ ظَاهِرٌ، أَيْ فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِالرَّسُولِ الْخَاتَمِ فَاتَّبَعَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ بِهِ فَعَادَاهُ، فاقتتل الْفَرِيقَانِ.

وأياما كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ فَإِنَّ قَوْلَهُ: فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ يُنَادِي عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ الَّذِي لَا يَبْلُغُ بِالْمُخْتَلِفِينَ إِلَى كُفْرِ بَعْضِهِمْ بِمَا آمَنَ بِهِ الْآخَرُ لَا يَبْلُغُ بِالْمُخْتَلِفِينَ إِلَى التَّقَاتُلِ، لِأَنَّ فِيمَا أَقَامَ اللَّهُ لَهُمْ مِنْ بَيِّنَاتِ الشَّرْعِ مَا فِيهِ كِفَايَةُ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي اخْتِلَافِهِمْ إِذَا لَمْ تَغْلِبْ عَلَيْهِمُ الْمُكَابَرَةُ وَالْهَوَى أَوْ لَمْ يَعُمَّهُمْ سُوءُ الْفَهْمِ وَقِلَّةُ الْهُدَى.

لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ فِي خِلْقَةِ الْعُقُولِ اخْتِلَافَ الْمُيُولِ وَالْأَفْهَامِ، وَجَعَلَ فِي تَفَاوُتِ الذَّكَاءِ وَأَصَالَةِ الرَّأْيِ أَسْبَابًا لِاخْتِلَافِ قَوَاعِدِ الْعُلُومِ وَالْمَذَاهِبِ، فَأَسْبَابُ الِاخْتِلَافِ إِذَنْ مَرْكُوزَةٌ فِي الطِّبَاعِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ

ص: 11

ثُمَّ قَالَ: وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَصَارَ الْمَعْنَى لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اخْتَلَفُوا، لَكِنَّ الْخِلَافَ مَرْكُوزٌ فِي الْجِبِلَّةِ. بَيْدَ أَن الله تَعَالَى قَدْ جَعَلَ- أَيْضًا- فِي الْعُقُولِ أُصُولًا ضَرُورِيَّةً قَطْعِيَّةً أَوْ ظَنِّيَّةً ظَنًّا قَرِيبًا مِنَ الْقَطْعِ بِهِ تَسْتَطِيعُ الْعُقُولُ أَنْ تُعَيِّنَ الْحَقَّ مِنْ مُخْتَلِفِ الْآرَاءِ، فَمَا صَرَفَ النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِهِ إِلَّا التَّأْوِيلَاتُ الْبَعِيدَةُ الَّتِي تَحْمِلُ عَلَيْهَا الْمُكَابَرَةُ أَوْ كَرَاهِيَةُ ظُهُورِ الْمَغْلُوبِيَّةِ، أَو حب المدحة مِنَ الْأَشْيَاعِ وَأَهْلِ الْأَغْرَاضِ، أَوِ السَّعْيُ إِلَى عَرَضٍ عَاجِلٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا غَرَزَ فِي خِلْقَةِ النُّفُوسِ دَوَاعِيَ الْمَيْلِ إِلَى هَاتِهِ الْخَوَاطِرِ السَّيِّئَةِ فَمَا اخْتَلَفُوا خِلَافًا يَدُومُ، وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا هَذَا الْخِلَافَ فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ، فَلَا عُذْرَ فِي الْقِتَالِ إِلَّا لِفَرِيقَيْنِ: مُؤْمِنٍ، وَكَافِرٍ بِمَا آمَنَ بِهِ الْآخَرُ، لِأَنَّ الْغَضَبَ وَالْحَمِيَّةَ النَّاشِئَيْنَ عَنِ الِاخْتِلَافِ فِي الدِّينِ قَدْ كَانَا سَبَبَ قِتَالٍ مُنْذُ قَدِيمٍ، أَمَّا الْخِلَافُ النَّاشِئُ بَيْنَ أَهْلِ دِينٍ وَاحِدٍ لَمْ يَبْلُغْ إِلَى التَّكْفِيرِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَبَبَ قِتَالٍ.

وَلِهَذَا

قَالَ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ هُوَ بِهَا»

لِأَنَّهُ إِذَا نَسَبَ أَخَاهُ فِي الدِّينِ إِلَى الْكُفْرِ فَقَدْ أَخَذَ فِي أَسْبَابِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَتَوْلِيدِ سَبَبِ التَّقَاتُلِ، فَرَجَعَ هُوَ بِإِثْمِ الْكُفْرِ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ فِيمَا يَتَسَبَّبُ عَلَى الْكُفْرِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا كَانَ يَرَى بَعْضَ أَحْوَالِ الْإِيمَانِ كُفْرًا، فَقَدْ صَارَ هُوَ كَافِرًا لِأَنَّهُ جَعَلَ الْإِيمَانَ كُفْرًا.

وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ»

، فَجَعَلَ الْقِتَالَ شِعَارَ التَّكْفِيرِ. وَقَدْ

صَمَّ الْمُسْلِمُونَ عَنْ هَذِهِ النَّصِيحَةِ الْجَلِيلَةِ فَاخْتَلَفُوا خِلَافًا بَلَغَ بِهِمْ إِلَى التَّكْفِيرِ وَالْقِتَالِ، وَأَوَّلُهُ خِلَافُ الرِّدَّةِ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ خِلَافُ الْحَرُورِيَّةِ فِي زَمَنِ عَلِيٍّ وَقَدْ كَفَّرُوا عَلِيًّا فِي قبُوله تحكيم الْحكمِي، ثُمَّ خِلَافُ أَتْبَاعِ الْمُقَنَّعِ بِخُرَاسَانَ الَّذِي ادّعى الإلاهية وَاتَّخَذَ وَجْهًا مِنْ ذَهَبٍ، وَظَهَرَ سَنَةَ 159 وَهَلَكَ سَنَةَ 163، ثُمَّ خِلَافُ الْقَرَامِطَةِ مَعَ بَقِيَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ شَائِبَةٌ مِنَ الْخِلَافِ الْمَذْهَبِيِّ لِأَنَّهُمْ فِي الْأَصْلِ مِنَ الشِّيعَةِ ثُمَّ تَطَرَّفُوا فَكَفَرُوا وَادَّعَوُا الْحُلُولَ- أَيْ حُلُولَ الرَّبِّ فِي الْمَخْلُوقَاتِ- وَاقْتَلَعُوا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ مِنَ الْكَعْبَةِ وَذَهَبُوا بِهِ إِلَى بَلَدِهِمْ فِي الْبَحْرَيْنِ، وَذَلِكَ مِنْ سَنَةِ 293. وَاخْتَلَفَ الْمُسْلِمُونَ أَيْضًا خِلَافًا كَثِيرًا فِي الْمَذَاهِبِ جَرَّ بِهِمْ تَارَاتٍ إِلَى مُقَاتَلَاتٍ عَظِيمَةٍ، وَأَكْثَرُهَا حُرُوبُ الْخَوَارِجِ غَيْرِ الْمُكَفِّرِينَ لِبَقِيَّةِ الْأُمَّةِ فِي الْمَشْرِقِ، وَمُقَاتَلَاتُ أَبِي يَزِيدَ النَّكَارِيِّ الْخَارِجِيِّ بِالْقَيْرَوَانِ وَغَيْرِهَا سَنَةَ 333، وَمُقَاتَلَةُ الشِّيعَةِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ بِالْقَيْرَوَانِ سَنَةَ 407، وَمُقَاتَلَةُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ

ص: 12