المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3- سورة آل عمران - التحرير والتنوير - جـ ٣

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 253]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 254]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 255]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 256]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 257]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 258]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 259]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 260]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 261 إِلَى 262]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 263 إِلَى 264]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 265]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 266]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 267]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 268]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 269]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 270]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 271]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 272]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 273]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 274]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 275]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 276]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 277]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 278 إِلَى 279]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 280]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 281]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 282]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 283]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 284]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 285]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 286]

- ‌3- سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 2 الى 4]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 12 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 15 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 21 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 23 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 35 الى 36]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 39 إِلَى 41]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 42 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 48 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 50 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 52 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 55 الى 57]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 59 إِلَى 60]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 70 إِلَى 71]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 72 الى 74]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 79 إِلَى 80]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 81 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 84]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 86]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 87 إِلَى 89]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 91]

الفصل: ‌3- سورة آل عمران

بسم الله الرحمن الرحيم

‌3- سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ

سُمِّيَتْ هَذِهِ السُّورَةُ فِي كَلَام النبيء صلى الله عليه وسلم وَكَلَام الصَّحَابَةِ: سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ،

فَفِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقُول: «اقرأوا الزَّهْرَاوَيْنِ: الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ»

وَفِيهِ عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ: قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيءَ يَقُولُ: «يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ»

وَرَوَى الدَّارِمِيُّ فِي «مُسْنَدِهِ» : أَنْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فِي لَيْلَةٍ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ» وَسَمَّاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ.

فِي حَدِيثِهِ فِي «الصَّحِيحِ» . قَالَ: «بِتُّ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى إِذَا كَانَ نِصْفُ اللَّيْلِ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَرَأَ الْآيَاتِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ»

. وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهَا بِسُورَةِ آلِ عِمْرَانَ أَنَّهَا ذُكِرَتْ فِيهَا فَضَائِلُ آلِ عِمْرَانَ وَهُوَ عِمْرَانُ بْنُ مَاتَانَ أَبُو مَرْيَم وءاله هُمْ زَوْجُهُ حَنَّةُ وَأُخْتُهَا زَوْجَةُ زَكَرِيَّاءَ النَّبِيءِ. وَزَكَرِيَّاءُ كَافِلُ مَرْيَمَ إِذْ كَانَ أَبُوهَا عِمْرَانُ تُوُفِّيَ وَتَرَكَهَا حَمْلًا فَكَفَلَهَا زَوْجُ خَالَتِهَا.

وَوَصَفَهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِالزَّهْرَاءِ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الْمُتَقَدِّمِ.

وَذَكَرَ الْأَلُوسِيُّ أَنَّهَا تُسَمَّى: الْأَمَانَ، وَالْكَنْزَ، وَالْمُجَادِلَةَ، وَسُورَةَ الِاسْتِغْفَارِ. وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَلَعَلَّهُ اقْتَبَسَ ذَلِكَ مِنْ أَوْصَافٍ وُصِفَتْ بِهَا هَذِهِ السُّورَةُ مِمَّا سَاقَهُ الْقُرْطُبِيُّ، فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ، مِنْ تَفْسِيرِ أَوَّلِ السُّورَةِ.

وَهَذِهِ السُّورَةُ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ بِالِاتِّفَاقِ، بَعْدَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَقِيلَ: أَنَّهَا ثَانِيَةٌ لِسُورَةِ الْبَقَرَةِ عَلَى أَنَّ الْبَقَرَةَ أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ أَوَّلًا، ثُمَّ الْبَقَرَةُ، ثُمَّ نَزَلَتْ سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ نَزَلَتِ الْأَنْفَالُ فِي وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَهَذَا يَقْتَضِي: أَنَّ سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ نَزَلَتْ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْأَنْفَالَ نَزَلَتْ فِي

ص: 143

وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَيُبْعِدُ ذَلِكَ أَنَّ سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ اشْتَمَلَتْ عَلَى التَّذْكِيرِ بِنَصْرِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَنَّ فِيهَا ذِكْرَ يَوْمِ

أُحُدٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا نَزَلَ مُتَأَخِّرًا. وَذَكَرَ الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ، عَنِ الْمُفَسِّرِينَ: أَنَّ أَوَّلَ هَذِهِ السُّورَةِ إِلَى قَوْلِهِ: وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [آل عمرَان: 84] نَزَلَ بِسَبَبِ وَفْدِ نَجْرَانَ، هُوَ وَفْدُ السَّيِّدِ وَالْعَاقِبِ، أَيْ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالُوا:

نَزَلَتْ سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ بَعْدَ سُورَةِ الْأَنْفَالِ، وَكَانَ نُزُولُهَا فِي وَقْعَةِ أُحُدٍ، أَيْ شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَهَذَا وَأقرب، فَقَدِ اتَّفَقَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ [آل عمرَان: 121] أَنَّهُ قِتَالُ يَوْمِ أُحُدٍ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ [آل عمرَان: 144] فَإِنَّهُ مُشِيرٌ إِلَى الْإِرْجَافِ يَوْمَ أُحُدٍ بقتل النبيء صلى الله عليه وسلم.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُهَا نَزَلَ بَعْدَ الْبَقَرَةِ إِلَى نِهَايَةِ مَا يُشِير إِلَى حَدِيثِ وَفْدِ نَجْرَانَ، وَذَلِكَ مِقْدَارُ ثَمَانِينَ آيَةً مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى قَوْلِهِ: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ [آل عمرَان: 121] قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ، وَفِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: مَا كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ [آل عمرَان:

79] الْآيَةَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي صَدْرِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ: إِنَّنَا بَيَّنَّا إِمْكَانَ تَقَارُنِ نُزُولِ سُوَرٍ عِدَّةٍ فِي مُدَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: نَزَلَتْ سُورَةُ كَذَا بَعْدَ سُورَةِ كَذَا، مُرَادًا مِنْهُ أَنَّ الْمَعْدُودَةَ نَازِلَةً بَعْدَ أُخْرَى أَنَّهَا ابْتُدِئَ نُزُولهَا بعد انْتِهَاء الْأُخْرَى، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهَا ابْتُدِئَ نُزُولُهَا بَعْدَ ابْتِدَاءِ نُزُولِ الَّتِي سَبَقَتْهَا.

وَقَدْ عُدَّتْ هَذِهِ السُّورَةُ الثَّامِنَةَ وَالْأَرْبَعِينَ فِي عداد نزُول سُوَرِ الْقُرْآنِ.

وَعَدَدُ آيِهَا مِائَتَانِ فِي عَدِّ الْجُمْهُورِ وَعَدَدُهَا عِنْدَ أَهْلِ الْعَدَدِ بِالشَّامِ مِائَةٌ وَتِسْعٌ وَتِسْعُونَ.

وَاشْتَمَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ، مِنَ الْأَغْرَاضِ: عَلَى الِابْتِدَاءِ بِالتَّنْوِيهِ بِالْقُرْآنِ، وَمُحَمّد صلى الله عليه وسلم، وَتَقْسِيمِ آيَاتِ الْقُرْآنِ، وَمَرَاتِبِ الْأَفْهَامِ فِي تَلَقِّيهَا، وَالتَّنْوِيهِ بِفَضِيلَةِ الْإِسْلَامِ وَأَنَّهُ لَا يَعْدِلُهُ دِينٌ، وَأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ دِينٌ عِنْدَ اللَّهِ، بَعْدَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ، غَيْرَ الْإِسْلَامِ، وَالتَّنْوِيهِ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَالْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّهُمَا أُنْزِلَا قَبْلَ الْقُرْآنِ، تَمْهِيدًا لِهَذَا الدِّينِ فَلَا يَحِقُّ لِلنَّاسِ، أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ، وَعَلَى التَّعْرِيف بدلائل إلاهية اللَّهِ تَعَالَى، وَانْفِرَادِهِ، وَإِبْطَالِ ضَلَالَةِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنْ دُونِ اللَّهِ: مَنْ جَعَلُوا لَهُ

ص: 144

شُرَكَاءَ، أَوِ اتَّخَذُوا لَهُ أَبْنَاءَ، وَتَهْدِيدِ الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ أَمْرَهُمْ إِلَى زَوَالٍ، وَأَلَّا يَغُرَّهُمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْبَذَخِ، وَأَنَّ مَا أُعِدَّ لِلْمُؤْمِنِينَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، وَتَهْدِيدِهِمْ بِزَوَالِ سُلْطَانِهِمْ، ثُمَّ الثَّنَاءِ عَلَى عِيسَى- عليه السلام وَآلِ بَيْتِهِ، وَذِكْرِ مُعْجِزَةِ ظُهُورِهِ، وَأَنَّهُ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ، وَذِكْرِ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ حَقًا. وَإِبْطَال إلاهية عِيسَى، وَمِنْ ثَمَّ أَفْضَى

إِلَى قَضِيَّةِ وَفْدِ نَجْرَانَ وَلَجَاجَتِهِمْ، ثُمَّ مُحَاجَّةِ أَهِلَ الْكِتَابَيْنِ فِي حَقِيقَةِ الْحَنِيفِيَّةِ وَأَنَّهُمْ بُعَدَاءُ عَنْهَا، وَمَا أَخَذَ اللَّهُ مِنَ الْعَهْدِ عَلَى الرُّسُلِ كُلِّهِمْ: أَنْ يُؤْمِنُوا بِالرَّسُولِ الْخَاتَمِ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْكَعْبَةَ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ، وَقَدْ أَعَادَ إِلَيْهِ الدِّينَ الْحَنِيفَ كَمَا ابْتَدَأَهُ فِيهِ، وَأَوْجَبَ حَجَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَأَظْهَرَ ضَلَالَاتِ الْيَهُودِ، وَسُوءَ مَقَالَتِهِمْ، وَافْتِرَائِهِمْ فِي دِينِهِمْ وَكِتْمَانِهِمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ. وَذَكَّرَ الْمُسْلِمِينَ بِنِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ بِدِينِ الْإِسْلَامِ، وَأَمَرَهُمْ بِالِاتِّحَادِ وَالْوِفَاقِ، وَذَكَّرَهُمْ بِسَابِقِ سُوءِ حَالِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهَوَّنَ عَلَيْهِمْ تَظَاهُرَ مُعَانِدِيهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ، وَذَكَّرَهُمْ بِالْحَذَرِ مِنْ كَيْدِهِمْ وَكَيْدِ الَّذِينَ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ ثُمَّ عَادُوا إِلَى الْكُفْرِ فَكَانُوا مَثَلًا لِتَمْيِيزِ الْخَبِيثِ مِنَ الطِّيبِ، وَأَمَرَهُمْ بِالِاعْتِزَازِ بِأَنْفُسِهِمْ، وَالصَّبْرِ عَلَى تَلَقِّي الشَّدَائِدِ، وَالْبَلَاءِ، وَأَذَى الْعَدُوِّ، وَوَعَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ وَإِلْقَاءِ الرُّعْبِ مِنْهُمْ فِي نُفُوسِ عَدُوِّهِمْ، ثُمَّ ذَكَّرَهُمْ بِيَوْمِ أُحُدٍ، وَيَوْمِ بَدْرٍ، وَضَرَبَ لَهُمُ الْأَمْثَالَ بِمَا حَصَلَ فِيهِمَا، وَنَوَّهَ، بِشَأْنِ الشُّهَدَاءِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ الْمُسْلِمِينَ بِفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ: مِنْ بَذْلِ الْمَالِ فِي مُوَاسَاةِ الْأُمَّةِ، وَالْإِحْسَانِ، وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، وَتَرْكِ الْبُخْلِ، وَمَذَمَّةِ الرِّبَا وَخُتِمَتِ السُّورَةُ بِآيَاتِ التَّفْكِيرِ فِي مَلَكُوتِ الله.

وَقد عملت أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ قَضِيَّةُ وَفْدِ نَجْرَانَ مِنْ بِلَادِ الْيَمَنِ. وَوَفْدُ نَجْرَانَ هُمْ قَوْمٌ مِنْ نَجْرَانَ بَلَغَهُمْ مبعث النبيء صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ أَهْلُ نَجْرَانَ مُتَدَيِّنِينَ بِالنَّصْرَانِيَّةِ، وَهُمْ مِنْ أَصْدَقِ الْعَرَبِ تَمَسُّكًا بِدِينِ الْمَسِيحِ، وَفِيهِمْ رُهْبَانٌ مَشَاهِيرُ، وَقَدْ أَقَامُوا لِلْمَسِيحِيَّةِ كَعْبَةً بِبِلَادِهِمْ هِيَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الْأَعْشَى حِينَ مَدَحَهُمْ بِقَوْلِهِ:

فَكَعْبَةُ نَجْرَان حتم عَلَيْك حَتَّى تُنَاخِي بِأَبْوَابِهَا فَاجْتَمَعَ وَفْدٌ مِنْهُمْ يَرْأَسُهُ الْعَاقِبُ- فِيهِ سِتُّونَ رَجُلًا- وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَسِيحِ، وَهُوَ أَمِيرُ الْوَفْدِ، وَمَعَهُ السَّيِّدُ وَاسْمُهُ الْأَيْهَمُ، وَهُوَ ثِمَالُ الْقَوْمِ وَوَلِيُّ تَدْبِيرِ الْوَفْدِ، وَمُشِيرُهُ وَذُوِِ

ص: 145