المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 72 الى 74] - التحرير والتنوير - جـ ٣

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 253]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 254]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 255]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 256]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 257]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 258]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 259]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 260]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 261 إِلَى 262]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 263 إِلَى 264]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 265]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 266]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 267]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 268]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 269]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 270]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 271]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 272]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 273]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 274]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 275]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 276]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 277]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 278 إِلَى 279]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 280]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 281]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 282]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 283]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 284]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 285]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 286]

- ‌3- سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 2 الى 4]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 12 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 15 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 21 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 23 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 35 الى 36]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 39 إِلَى 41]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 42 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 48 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 50 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 52 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 55 الى 57]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 59 إِلَى 60]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 70 إِلَى 71]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 72 الى 74]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 79 إِلَى 80]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 81 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 84]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 86]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 87 إِلَى 89]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 91]

الفصل: ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 72 الى 74]

وَقَوْلُهُ: لَوْ يُضِلُّونَكُمْ أَيْ وَدُّوا إِضْلَالَكُمْ وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ وَدُّوا أَنْ يَجْعَلُوهُمْ عَلَى غَيْرِ هُدًى فِي نَظَرِ أَهْلِ الْكِتَابِ: أَيْ يُذَبْذِبُوهُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْإِضْلَالُ فِي نَفْسِ

الْأَمْرِ، وَإِنْ كَانَ وِدُّ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ يُهَوِّدُوهُمْ. وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: إِنَّهُمْ إِذَا أَضَلُّوا النَّاسَ فَقَدْ صَارُوا هُمْ أَيْضًا ضَالِّينَ لِأَنَّ الْإِضْلَالَ ضَلَالٌ، وَأَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: إِنَّهُمْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ ضَالِّينَ بِرِضَاهُمْ بِالْبَقَاءِ عَلَى دِينٍ مَنْسُوخٍ وَقَوْلُهُ: وَما يَشْعُرُونَ يُنَاسِبُ الِاحْتِمَالَيْنِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بالحالتين دَقِيق.

[70، 71]

[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 70 إِلَى 71]

يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)

الْتِفَاتٌ إِلَى خِطَابِ الْيَهُودِ. وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ. وَالْآيَاتُ: الْمُعْجِزَاتُ، وَلِذَلِكَ قَالَ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ. وَإِعَادَةُ نِدَائِهِمْ بِقَوْلِهِ: يَا أَهْلَ الْكِتابِ ثَانِيَةً لِقَصْدِ التَّوْبِيخِ وَتَسْجِيلِ بَاطِلِهِمْ عَلَيْهِمْ. وَلَبْسُ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ تَلْبِيسُ دِينِهِمْ بِمَا أَدْخَلُوا فِيهِ مِنَ الْأَكَاذِيبِ وَالْخُرَافَاتِ وَالتَّأْوِيلَاتِ الْبَاطِلَةِ، حَتَّى ارْتَفَعَتِ الثِّقَةُ بِجَمِيعِهِ. وَكِتْمَانُ الْحَقِّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ كِتْمَانُهُمْ تَصْدِيقَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ كِتْمَانُهُمْ مَا فِي التَّوْرَاةِ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي أَمَاتُوهَا وَعَوَّضُوهَا بِأَعْمَالِ أَحْبَارِهِمْ وَآثَارِ تَأْوِيلَاتِهِمْ، وَهُمْ يَعْلَمُونَهَا وَلَا يَعْمَلُونَ بِهَا.

[72- 74]

[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 72 الى 74]

وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلا تُؤْمِنُوا إِلَاّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)

وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ.

عَطْفٌ عَلَى وَدَّتْ طائِفَةٌ [آل عمرَان: 69] . فَالطَّائِفَةُ الْأُولَى حَاوَلَتِ الْإِضْلَالَ بِالْمُجَاهَرَةِ، وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ حَاوَلَتْهُ بِالْمُخَادَعَةِ: قِيلَ أُشِيرَ إِلَى طَائِفَةٍ مِنَ الْيَهُودِ مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ،

ص: 279

وَمَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ يَهُودِ خَيْبَرَ، أَغْوَاهُمُ الْعُجْبُ بِدِينِهِمْ فَتَوَهَّمُوا أَنَّهُمْ قُدْوَةٌ لِلنَّاسِ فَلَمَّا أَعْيَتْهُمُ الْمُجَاهَرَةُ بِالْمُكَابَرَةِ دَبَّرُوا لِلْكَيْدِ مَكِيدَةً أُخْرَى، فَقَالُوا لِطَائِفَةٍ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ:«آمِنُوا بِمُحَمَّدٍ أَوَّلَ النَّهَارِ مُظْهِرِينَ أَنَّكُمْ صَدَّقْتُمُوهُ ثُمَّ اكْفُرُوا آخِرَ النَّهَارِ لِيَظْهَرَ أَنَّكُمْ كَفَرْتُمْ بِهِ عَنْ بَصِيرَةٍ وَتَجْرِبَةٍ فَيَقُولَ الْمُسْلِمُونَ مَا صَرَفَ هَؤُلَاءِ عَنَّا إِلَّا مَا انْكَشَفَ لَهُمْ مِنْ حَقِيقَةِ أَمْرِ هَذَا الدِّينِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الدِّينَ الْمُبَشَّرَ بِهِ فِي الْكُتُبِ السَّالِفَةِ» فَفَعَلُوا ذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ: عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ لَفْظِ الْحِكَايَةِ بِأَنْ يَكُونَ الْيَهُودُ قَالُوا آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى أَتْبَاعِ مُحَمَّدٍ فَحَوَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا تَنْوِيهًا بِصِدْقِ إِيمَانِهِمْ.

وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنَ الْمَحْكِيِّ بِأَنْ يَكُونَ الْيَهُودُ أَطْلَقُوا هَذِهِ الصِّلَةَ عَلَى أَتْبَاعِ مُحَمَّدٍ إِذْ صَارَتْ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ عَلَيْهِمْ. وَوجه النَّهَارِ أَوَّلُهُ وَتَقَدَّمَ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ [آل عمرَان: 45] .

وَقَوْلُهُ: وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ مِنْ كَلَامِ الطَّائِفَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَصَدُوا بِهِ الِاحْتِرَاسَ أَلَّا يَظُنُّوا مِنْ قَوْلِهِمْ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ أَنَّهُ إِيمَانٌ حَقٌّ، فَالْمَعْنَى وَلَا تُؤْمِنُوا إِيمَانًا حَقًّا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، فَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَلَا تُؤْمِنُوا بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْبَعْ دِينَكُمْ فَهَذَا تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ.

وَهَذَا اعْتِذَارٌ عَنْ إِلْزَامِهِمْ بِأَنَّ كُتُبَهُمْ بَشَّرَتْ بِمَجِيءِ رَسُولٍ مُقَفٍّ فَتَوَهَّمُوا أَنَّهُ لَا يَجِيءُ إِلَّا بِشَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ، وَضَلُّوا عَنْ عَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي مَجِيئِهِ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ لِأَنَّهُ مِنْ تَحْصِيل الْحَاصِل، فينزّه فِعْلُ اللَّهِ عَنْهُ، فَالرَّسُولُ الَّذِي يَجِيءُ بَعْدَ مُوسَى لَا يَكُونُ إِلَّا نَاسِخًا لِبَعْضِ شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ فَجَمْعُهُمْ بَيْنَ مَقَالَةِ: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَبَيْنَ مَقَالَةِ: وَلا تُؤْمِنُوا مِثْلَ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ [الْأَنْفَال: 17] .

وَقَوْلُهُ: قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ كَلَامٌ مُعْتَرِضٌ، أُمِرَ النَّبِيءُ عليه الصلاة والسلام أَنْ يَقُولَهُ لَهُمْ. كِنَايَةٌ عَنِ اسْتِبْعَادِ حُصُولِ اهْتِدَائِهِمْ، وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَهْدِهِمْ، لِأَنَّ هُدَى غَيْرِهِ أَيْ مُحَاوَلَتَهُ هُدَى النَّاسِ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ الْمَطْلُوبُ، إِذَا لَمْ يُقَدِّرْهُ اللَّهُ. فَالْقَصْرُ حَقِيقِيٌّ: لِأَنَّ مَا لَمْ يُقَدِّرْهُ اللَّهُ فَهُوَ صُورَةُ الْهُدَى وَلَيْسَ بِهُدًى وَهُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِمْ:

ص: 280

آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ- وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، إِذْ أَرَادُوا صُورَةَ الْإِيمَانِ، وَمَا هُوَ بِإِيمَانٍ، وَفِي هَذَا الْجَوَابِ إِظْهَارُ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ مُتَابَعَتِهِمْ.

أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ.

أَشْكَلَ مَوْقِعُ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدَ سَابِقَتِهَا وَصْفَ نَظْمِهَا، وَمَصْرِفَ مَعْنَاهَا: إِلَى أَيِّ فَرِيقٍ.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إِنَّهَا أَشْكَلُ آيَةٍ فِي هَذِهِ السُّورَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَطِيَّةَ وُجُوهًا ثَمَانِيَةً. تَرْجِعُ إِلَى احْتِمَالَيْنِ أَصْلِيَّيْنِ.

الِاحْتِمَالُ الأول أَنَّهَا تكلمة لِمُحَاوَرَةِ الطَّائِفَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَأَنَّ جُمْلَةَ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ مُعْتَرِضَةٌ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ الْحِوَارِ، وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ تَأْتِي

وُجُوهٌ نَقْتَصِرُ مِنْهَا عَلَى وَجْهَيْنِ وَاضِحَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ أَرَادُوا تَعْلِيلَ قَوْلِهِمْ: وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ عَلَى أَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ يَقْتَضِي إِرَادَتَهُمُ اسْتِحَالَةَ نَسْخِ شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ، وَاسْتِحَالَةَ بَعْثَةِ رَسُولٍ بَعْدَ مُوسَى، وَأَنَّهُ يُقَدَّرُ لَامُ تَعْلِيلٍ مَحْذُوفٌ قَبْلَ (أَنِ) الْمَصْدَرِيَّةِ وَهُوَ حَذْفٌ شَائِعٌ مِثْلُهُ. ثُمَّ إِمَّا أَنْ يُقَدَّرَ حَرْفُ نَفْيٍ بَعْدَ (أَنْ) يدل عَلَيْهِ هَذَا السِّيَاقُ وَيَقْتَضِيهِ لَفْظُ (أَحَدٌ) الْمُرَادُ مِنْهُ شُمُولُ كُلِّ أَحَدٍ: لِأَنَّ ذَلِكَ اللَّفْظَ لَا يُسْتَعْمَلُ مُرَادًا مِنْهُ الشُّمُولُ إِلَّا فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، وَمَا فِي مَعْنَى النَّفْيِ مِثْلَ اسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِ، فَأَمَّا إِذَا اسْتُعْمِلَ (أَحَدٌ) فِي الْكَلَامِ الْمُوجِبِ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِمَعْنَى الْوَصْفِ بِالْوَحْدَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُنَاسِبٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.

فَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ لِأَن لَا يوتى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ وَحَذْفُ حَرْفِ النَّفْيِ بَعْدَ لَامِ التَّعْلِيلِ، ظَاهِرَةً وَمُقَدَّرَةً، كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [النِّسَاء:

176] ، أَيْ لِئَلَّا تَضِلُّوا.

وَالْمَعْنَى: أَنَّ قَصْدَهُمْ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ تَثْبِيتُ أَنْفُسِهِمْ عَلَى مُلَازَمَةِ دِينِ الْيَهُودِيَّةِ، لِأَنَّ الْيَهُودَ لَا يُجَوِّزُونَ نَسْخَ أَحْكَامِ اللَّهِ، وَيَتَوَهَّمُونَ أَنَّ النَّسْخَ يَقْتَضِي الْبَدَاءَ.

ص: 281

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ أَرَادُوا إِنْكَار أَن يوتى أحد النبوءة كَمَا أُوتِيَهَا أَنْبِيَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَيَكُونُ الْكَلَامُ اسْتِفْهَامًا إِنْكَارِيًّا حُذِفَتْ مِنْهُ أَدَاةُ الِاسْتِفْهَامِ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ ابْنِ كَثِيرٍ قَوْلَهُ: أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ بِهَمْزَتَيْنِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ فَحَرْفُ (أَوْ) فِيهِ لِلتَّقْسِيمِ مِثْلَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً [الْإِنْسَان: 24](أَوْ) مَعْطُوفٌ عَلَى النَّفْيِ، أَوْ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ: عَلَى اخْتِلَافِ التَّقْدِيرَيْنِ، وَالْمَعْنَى: وَلَا يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ- أَو- وَكَيف يحاجونكم عِنْدَ رَبِّكُمْ، أَيْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ عَلَيْكُمْ عِنْدَ اللَّهِ.

وواو الْجَمْعِ فِي يُحاجُّوكُمْ ضَمِيرٌ عَائِدٌ إِلَى (أَحَدٌ) لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْعُمُومِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ أَوِ الْإِنْكَارِ.

وَفَائِدَةُ الِاعْتِرَاضِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِمُ الْمُبَادَرَةُ بِمَا يُفِيدُ ضَلَالَهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ حَرَمَهُمُ التَّوْفِيقَ.

الِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ مِمَّا أُمِرَ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَقُولَهُ لَهُمْ بَقِيَّةً

لِقَوْلِهِ: «إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ» .

وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا رَدٌّ عَلَى قَوْلِهِمْ: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ- وَقَوْلِهِمْ- وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ عَلَى طَرِيقَةِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمَعْكُوسِ، فَقَوْلُهُ:

أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ إِبْطَالٌ لِقَوْلِهِمْ: وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ أَيْ قُلْتُمْ ذَلِكَ حَسَدًا مِنْ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ وَقَوْلُهُ: أَوْ يُحاجُّوكُمْ رَدٌّ لِقَوْلِهِمْ: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ عَلَى طَرِيقَةِ التَّهَكُّمِ، أَيْ مُرَادُكُمُ التَّنَصُّلُ مِنْ أَنْ يُحَاجُّوكُمْ أَيِ الَّذِينَ آمَنُوا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَجَمَعْتُمْ بَيْنَ الْإِيمَانِ بِمَا آمَنَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى إِذَا كَانَ لَهُمُ الْفَوْزُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُحَاجُّونَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بِأَنَّكُمْ كَافِرُونَ، وَإِذَا كَانَ الْفَوْزُ لَكُمْ كُنْتُمْ قَدْ أَخَذْتُمْ بِالْحَزْمِ إِذْ لَمْ تُبْطِلُوا دِينَ الْيَهُودِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَوَاوُ الْجَمَاعَةِ فِي قَوْلِهِ: أَوْ يُحاجُّوكُمْ عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ آمَنُوا. وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَنْسَبُ نَظْمًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ، لِيَكُونَ لِكُلِّ كَلَامٍ حُكِيَ عَنْهُمْ تَلْقِينُ جَوَابٍ عَنْهُ:

فَجَوَابُ قَوْلِهِمْ: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا الْآيَةَ، قَوْلُهُ: قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ. وَجَوَابُ قَوْلِهِمْ: وَلا تُؤْمِنُوا إِلَخْ قَوْلُهُ: قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ

ص: 282

إِلَخْ. فَهَذَا مِلَاكُ الْوُجُوهِ، وَلَا نُطِيلُ بِاسْتِيعَابِهَا إِذْ لَيْسَ مِنْ غَرَضِنَا فِي هَذَا التَّفْسِيرِ.

وَكَلِمَةُ أَحَدٌ اسْمُ نَكِرَةٍ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَمَعْنَاهَا شَخْصٌ أَوْ إِنْسَانٌ وَهُوَ مَعْدُودٌ مِنَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي لَا تَقَعُ إِلَّا فِي حَيِّزِ النَّفْيِ فَيُفِيدُ الْعُمُومَ مِثْلَ عَرِيبٍ وَدِيَارٍ وَنَحْوِهِمَا وَنَدَرَ وُقُوعُهُ فِي حَيِّزِ الْإِيجَابِ، وَهَمْزَتُهُ مُبْدَلَةٌ مِنَ الْوَاوِ وَأَصْلُهُ وَحَدَ بِمَعْنَى وَاحِدٍ وَيَرِدُ وَصْفًا بِمَعْنَى وَاحِدٍ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ جُزْءٌ مِنْ حَرْفِ (أَنْ) . وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ بِهَمْزَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ أُولَاهُمَا هَمْزَةُ اسْتِفْهَامٍ وَالثَّانِيَةُ جُزْءٌ مِنْ حَرْفِ (أَنْ) وَسَهَّلَ الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ.

قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) .

زِيَادَةُ تَذْكِيرٍ لَهُمْ وَإِبْطَالٌ لِإِحَالَتِهِمْ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم رَسُولًا مِنَ اللَّهِ، وَتَذْكِيرٌ لَهُمْ عَلَى طَرْحِ الْحَسَدِ عَلَى نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ كَمَا أَعْطَى اللَّهُ الرِّسَالَةَ مُوسَى كَذَلِكَ أَعْطَاهَا مُحَمَّدًا، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ [النِّسَاء: 54] .

وَتَأْكِيدُ الْكَلَامِ بِ (إِنَّ) لِتَنْزِيلِهِمْ مَنْزِلَةَ مَنْ يُنْكِرُ أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ وَمَنْ يَحْسَبُ أَنَّ

الْفَضْلَ تَبَعٌ لِشَهَوَاتِهِمْ وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ إِنَّ الْفَضْلَ بيد الله إِلَخ أَي أنّ الْفضل بِيَدِ اللَّهِ وَهُوَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِنَوَالِ فَضْلِهِ.

وواسِعٌ اسْمُ فَاعِلِ الْمَوْصُوفِ بِالسِّعَةِ.

وَحَقِيقَةُ السِّعَةِ امْتِدَادُ فَضَاءِ الْحَيِّزِ مِنْ مَكَانٍ أَوْ ظَرْفٍ امْتِدَادًا يَكْفِي لِإِيوَاءِ مَا يَحْوِيهِ ذَلِكَ الْحَيِّزُ بِدُونِ تَزَاحُمٍ وَلَا تَدَاخُلٍ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْمَحْوِيِّ، يُقَالُ أَرْضٌ وَاسِعَةٌ وَإِنَاءٌ

ص: 283

وَاسِعٌ وَثَوْبٌ وَاسِعٌ، وَيُطْلَقُ الِاتِّسَاعُ وَمَا يُشْتَقُّ مِنْهُ عَلَى وَفَاءِ شَيْءٍ بِالْعَمَلِ الَّذِي يَعْمَلُهُ نَوْعُهُ دُونَ مَشَقَّةٍ يُقَالُ: فُلَانٌ وَاسِعُ الْبَالِ، وَوَاسِعُ الصَّدْرِ، وَوَاسِعُ الْعَطَاءِ. وَوَاسِعُ الْخُلُقِ، فَتَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ أَوْ كَثْرَةِ مَا يُسْنَدُ إِلَيْهِ أَوْ يُوصَفُ بِهِ أَو يعلق بِهِ مِنْ أَشْيَاءَ وَمَعَانٍ، وَشَاعَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَ مَعْنًى ثَانِيًا.

وواسِعٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَهُوَ بِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لَا مَحَالَةَ لِاسْتِحَالَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فِي شَأْنِهِ تَعَالَى، وَمَعْنَى هَذَا الِاسْمِ عَدَمُ تَنَاهِي التَّعَلُّقَاتِ لِصِفَاتِهِ ذَاتِ التَّعَلُّقِ فَهُوَ وَاسِعُ الْعِلْمِ، وَاسِعُ الرَّحْمَةِ، وَاسِعُ الْعَطَاءِ، فَسِعَةُ صِفَاتِهِ تَعَالَى أَنَّهَا لَا حَدَّ لِتَعَلُّقَاتِهَا، فَهُوَ أَحَقُّ الْمَوْجُودَاتِ بِوَصْفِ وَاسِعٍ، لِأَنَّهُ الْوَاسِعُ الْمُطْلَقُ.

وَإِسْنَادُ وَصْفِ وَاسِعٍ إِلَى اسْمِهِ تَعَالَى إِسْنَادٌ مجازي أَيْضا لأنّ الْوَاسِعُ صِفَاتُهُ وَلِذَلِكَ يُؤْتَى بَعْدَ هَذَا الْوَصْفِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ فِعْلِ السِّعَةِ بِمَا يُمَيِّزُ جِهَةَ السِّعَةِ مِنْ تَمْيِيزٍ نَحْوَ:

وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا، رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا. فَوَصْفُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِأَنَّهُ وَاسِعٌ هُوَ سِعَةُ الْفَضْلِ لِأَنَّهُ وَقَعَ تَذْيِيلًا لِقَوْلِهِ: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ.

وَأَحْسَبُ أَنَّ وَصْفَ اللَّهِ بِصِفَةِ وَاسِعٍ فِي الْعَرَبِيَّةِ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ الْقُرْآنِ.

وَقَوْلُهُ: عَلِيمٌ صفة ثَانِيَة بِقُوَّة عِلْمِهِ أَيْ كَثْرَةِ مُتَعَلِّقَاتِ صِفَةِ عِلْمِهِ تَعَالَى.

وَوَصْفُهُ بِأَنَّهُ عَلِيمٌ هُنَا لِإِفَادَةِ أَنَّهُ عَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَأْهِلُ أَنْ يُؤْتِيَهُ فَضْلَهُ وَيَدُلَّ عَلَى عِلْمِهِ بِذَلِكَ مَا يَظْهَرُ مِنْ آثَارِ إِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ الْجَارِيَةِ عَلَى وَفْقِ عِلْمِهِ مَتَى ظَهَرَ لِلنَّاسِ مَا أَوْدَعَهُ اللَّهُ مِنْ فَضَائِلَ فِي بَعْضِ خَلْقِهِ، قَالَ تَعَالَى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [الْأَنْعَام: 124] .

وَجُمْلَةُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ لِجُمْلَةِ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ فَإِنَّ رَحْمَتَهُ بَعْضٌ مِمَّا هُوَ فَضْلُهُ.

وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ تَذْيِيلٌ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ نَظِيرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّهُ

يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ

فِي سُورَة الْبَقَرَة [105] .

ص: 284