المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 23 إلى 25] - التحرير والتنوير - جـ ٣

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 253]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 254]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 255]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 256]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 257]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 258]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 259]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 260]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 261 إِلَى 262]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 263 إِلَى 264]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 265]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 266]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 267]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 268]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 269]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 270]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 271]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 272]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 273]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 274]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 275]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 276]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 277]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 278 إِلَى 279]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 280]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 281]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 282]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 283]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 284]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 285]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 286]

- ‌3- سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 2 الى 4]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 12 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 15 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 21 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 23 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 35 الى 36]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 39 إِلَى 41]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 42 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 48 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 50 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 52 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 55 الى 57]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 59 إِلَى 60]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 70 إِلَى 71]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 72 الى 74]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 79 إِلَى 80]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 81 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 84]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 86]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 87 إِلَى 89]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 91]

الفصل: ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 23 إلى 25]

وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [217] .

وَالْمَعْنَى هُنَا أَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا كَانُوا مُتَدَيِّنِينَ يَرْجُونَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ النَّفْعَ بِهَا فِي الْآخِرَةِ بِالنَّجَاةِ مِنَ الْعِقَابِ، وَالنَّفْعَ فِي الدُّنْيَا بِآثَارِ رِضَا اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، فَلَمَّا كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ، وَجَحَدُوا نبوءة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، وَصَوَّبُوا الَّذِينَ قَتَلُوا الْأَنْبِيَاءَ وَالَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ، فَقَدِ ارْتَدَّوْا عَنْ دِينِهِمْ فَاسْتَحَقُّوا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ، وَلِذَلِكَ ابْتُدِئَ بِهِ بِقَوْلِهِ:

فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ. فَلَا جَرَمَ تَحْبَطُ أَعْمَالُهُمْ فَلَا يَنْتَفِعُونَ بِثَوَابِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَلَا بِآثَارِهَا الطَّيِّبَةِ فِي الدُّنْيَا، وَمَعْنَى وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ مَا لَهُمْ مَنْ يُنْقِذُهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي أُنْذِرُوا بِهِ.

وَجِيء بِمن الدَّالَّةِ عَلَى تَنْصِيصِ الْعُمُومِ لِئَلَّا يُتْرَكَ لَهُمْ مَدْخَلٌ إِلَى التَّأْوِيل.

[23- 25]

[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 23 إِلَى 25]

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَاّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ (24) فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (25)

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ: لِلتَّعْجِيبِ مِنْ حَالَةِ الْيَهُودِ فِي شِدَّةِ ضَلَالِهِمْ. فَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ:

أَلَمْ تَرَ لِلتَّقْرِيرِ وَالتَّعْجِيبِ، وَقَدْ جَاءَ الِاسْتِعْمَالُ فِي مِثْلِهِ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِفْهَامُ دَاخِلًا عَلَى نَفْيِ الْفِعْلِ وَالْمُرَادُ حُصُولُ الْإِقْرَارِ بِالْفِعْلِ لِيَكُونَ التَّقْرِيرُ عَلَى نَفْيِهِ مُحَرِّضًا لِلْمُخَاطَبِ عَلَى الِاعْتِرَافِ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْضَى أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَجْهَلُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ

ص: 208

وَالرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةٌ بِدَلِيلِ تَعْدِيَتِهَا بِحَرْفِ إِلَى: الَّذِي يَتَعَدَّى بِهِ فِعْلُ النَّظَرِ، وَجَوَّزَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [44] : أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَةُ قَلْبِيَّةً، وَتَكُونَ (إِلَى) دَاخِلَةً عَلَى الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ لِتَأْكِيدِ اتِّصَالِ الْعِلْمِ بِالْمَعْلُومِ وَانْتِهَائِهِ الْمَجَازِيِّ إِلَيْهِ، فَتَكُونَ مِثْلَ قَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ [الْبَقَرَة: 258] .

وَعُرِفَ الْمُتَحَدَّثُ عَنْهُمْ بِطَرِيقِ الْمَوْصُولِيَّةِ دُونَ لَقَبِهِمْ، أَعْنِي الْيَهُودَ: لِأَنَّ فِي الصِّلَةِ مَا يَزِيدُ التَّعْجِيبَ مِنْ حَالِهِمْ لِأَنَّ كَوْنَهُمْ عَلَى عِلْمٍ مِنَ الْكِتَابِ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَصُدَّهُمْ عَمَّا أَخْبَرَ بِهِ عَنْهُمْ. عَلَى مَا فِي هَذِهِ الصِّلَةِ أَيْضًا مِنْ تَوْهِينِ عِلْمِهِمُ الْمَزْعُومِ.

وَالْكتاب: التَّوْرَاةُ فَالتَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَقِيلَ: هُوَ لِلْجِنْسِ.

وَالْمُرَادُ بِالَّذِينَ أُوتُوهُ هُمُ الْيَهُودُ، وَقِيلَ: أُرِيدَ النَّصَارَى، أَيْ أَهْلُ نَجْرَانَ.

وَالنَّصِيبُ: الْقِسْطُ وَالْحَظُّ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [202] .

وَتَنْكِيرُ نَصِيباً لِلنَّوْعِيَّةِ، وَلَيْسَ لِلتَّعْظِيمِ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ تَهَاوُنٍ بِهِمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّنْوِينُ لِلتَّقْلِيلِ.

ومِنَ لِلتَّبْعِيضِ، كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِ النَّصِيب، فَالْمُرَاد بِالْكتاب جِنْسُ الْكُتُبِ، وَالنَّصِيبُ هُوَ كِتَابُهُمْ، وَالْمُرَادُ: أُوتُوا بَعْضَ كِتَابِهِمْ، تَعْرِيضًا بِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مِنْ كِتَابِهِمْ

إِلَّا حَظًّا يَسِيرًا، وَيَجُوزُ كَوْنُ مِنْ لِلْبَيَانِ. وَالْمَعْنَى: أُوتُوا حَظًّا مِنْ حُظُوظِ الْكَمَالِ، هُوَ الْكِتَابُ الَّذِي أُوتُوهُ.

وَجُمْلَةُ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ فِي مَوْضُوع الْحَالِ لِأَنَّهَا مَحَلُّ التَّعْجِيبِ، وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ ضَمِيمَةِ مَا عُطِفَ عَلَيْهَا، وَهُوَ، قَوْلُهُ: ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْعَجِيبُ لَا أَصْلَ دَعْوَتِهِمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ، وَإِذَا جَعَلْتَ (تَرَ) قَلْبِيَّةً فَجُمْلَةُ يُدْعَوْنَ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي وَقَدْ عَلِمْتَ بُعْدَهُ.

وكِتابِ اللَّهِ: الْقُرْآنُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ [الْبَقَرَة: 101] . فَهُوَ غَيْرُ الْكِتَابِ الْمُرَادِ فِي قَوْلِهِ: مِنَ الْكِتابِ كَمَا ينبىء بِهِ تَغْيِيرُ

ص: 209

الْأُسْلُوبِ. وَالْمَعْنَى: يُدْعَوْنَ إِلَى اتِّبَاعِ الْقُرْآنِ وَالنَّظَرِ فِي مَعَانِيهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ فَيَأْبَوْنَ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كِتَابِ اللَّهِ عَيْنَ الْمُرَادِ مِنَ الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا غُيِّرَ اللَّفْظُ تَفَنُّنًا وَتَنْوِيهًا بِالْمَدْعُوِّ إِلَيْهِ، أَيْ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِهِمْ لِيَتَأَمَّلُوا مِنْهُ، فَيَعْلَمُوا تَبْشِيرَهُ بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدُ، وَتَلْمِيحَهُ إِلَى صِفَاتِهِ.

رُوِيَ، فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مِدْرَاسَ الْيَهُودِ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ لَهُ نُعَيْمُ بْنُ عَمْرٍو، وَالْحَارِثُ بْنُ زَيْدٍ: عَلَى أَيِّ دِينٍ أَنْتَ- قَالَ: عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ- قَالَا: فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ يَهُودِيًّا. فَقَالَ لَهُمَا: إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ التَّوْرَاةَ فَهَلُمُّوا إِلَيْهَا، فَأَبَيَا،

وَقَوْلُهُ: ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ (ثُمَّ) عَاطِفَةُ جُمْلَةِ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ عَلَى جملَة يُدْعَوْنَ فالمعطوفة هُنَا فِي حُكْمِ الْمُفْرَدِ فَدَلَّتْ (ثُمَّ) عَلَى أَنَّ تَوَلِّيَهُمْ مُسْتَمِرٌّ فِي أَزْمَانٍ كَثِيرَةٍ تَبْعُدُ عَنْ زَمَانِ الدَّعْوَةِ، أَيْ أَنَّهُمْ لَا يَرْعَوُونَ فَهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ لِأَنَّ الْمَرْءَ قَدْ يُعْرِضُ غَضَبًا، أَوْ لِعِظَمِ الْمُفَاجَأَةِ بِالْأَمْرِ غَيْرِ الْمُتَرَقَّبِ، ثُمَّ يَثُوبُ إِلَيْهِ رُشْدُهُ، وَيُرَاجِعُ نَفْسَهُ، فَيَرْجِعُ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ تَوَلِّيَهُمْ إِثْرَ الدَّعْوَةِ دُونَ تَرَاخٍ حَاصِلٌ بِفَحْوَى الْخِطَابِ.

فَدُخُولُ ثُمَّ لِلدَّلَالَةِ عَلَى التَّرَاخِي الرُّتَبِيِّ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَتَوَلَّوْنَ إِثْرَ الدَّعْوَةِ، وَلَكِنْ أُرِيدَ التَّعْجِيبُ مِنْ حَالِهِمْ كَيْفَ يَتَوَلَّوْنَ بَعْدَ أَنْ أُوتُوا الْكِتَابَ وَنَقَلُوهُ، فَإِذَا دُعُوا إِلَى كِتَابِهِمْ تَوَلَّوْا. وَالْإِتْيَانُ بِالْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ: يَتَوَلَّوْنَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى التَّجَدُّدِ كَقَوْلِ جَعْفَرِ ابْن عُلْبَةَ الْحَارِثِيِّ:

وَلَا يَكْشِفُ الْغَمَّاءَ إِلَّا ابْنُ حُرَّةٍ

يَرَى غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ثُمَّ يَزُورُهَا

وَالتَّوَلِّي مَجَازٌ عَنِ النُّفُورِ وَالْإِبَاءِ، وَأَصْلُهُ الْإِعْرَاضُ وَالِانْصِرَافُ عَنِ الْمَكَانِ.

وَجُمْلَةُ وَهُمْ مُعْرِضُونَ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ لِجُمْلَةِ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ إِذِ التَّوَلِّي هُوَ الْإِعْرَاضُ، وَلَمَّا كَانَتْ حَالًا لَمْ تَكُنْ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ فَكَانَتْ دَالَّةً عَلَى تَجَدُّدِ الْإِعْرَاضِ، مِنْهُمُ الْمُفَادُ أَيْضًا مِنَ الْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ.

وَقَوْلِهِ: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ الْإِشَارَةُ إِلَى تَوَلِّيهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ، وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ: أَيْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا فَعَلُوا بِسَبَبِ زَعْمِهِمْ أَنَّهُمْ فِي أَمَانٍ مِنَ الْعَذَابِ إِلَّا أَيَّامًا قَلِيلَةً،

ص: 210

فَانْعَدَمَ اكْتِرَاثُهُمْ بِاتِّبَاعِ الْحَقِّ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُمُ النَّجَاةَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ جَرَّأَهُمْ عَلَى ارْتِكَابِ مِثْلِ هَذَا الْإِعْرَاضِ. وَهَذَا الِاعْتِقَادُ مَعَ بُطْلَانِهِ مُؤْذِنٌ أَيْضًا بِسَفَالَةِ هِمَّتِهِمُ الدِّينِيَّةِ، فَكَانُوا لَا يُنَافِسُونَ فِي تَزْكِيَةِ الْأَنْفُسِ. وَعَبَّرَ عَنِ الِاعْتِقَادِ بِالْقَوْلِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وأنّه قَول مُفْتَرًى مُدَلَّسٌ، وَهَذِهِ الْعَقِيدَةُ عَقِيدَةُ الْيَهُودِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ.

وَقَوْلُهُ: وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ أَيْ مَا تَقَوَّلُوهُ عَلَى الدِّينِ وَأَدْخَلُوهُ فِيهِ، فَلذَلِك أُتِي بفي الدَّالَّةِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ. وَمِنْ جُمْلَةِ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَهُ قَوْلُهُمْ: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً [الْبَقَرَة: 80] ، وَكَانُوا أَيْضًا يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ وَعَدَ يَعْقُوبَ أَلَّا يُعَذِّبَ أَبْنَاءَهُ.

وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مَفَاسِدِ هَذَا الْغُرُورِ وَالِافْتِرَاءِ بِإِيقَاعِهَا فِي الضَّلَالِ الدَّائِمِ، لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ إِذَا لَمْ تَكُنْ عَنْ غُرُورٍ فَالْإِقْلَاعُ عَنْهَا مَرْجُوٌّ، أَمَّا الْمَغْرُورُ فَلَا يُتَرَقَّبُ مِنْهُ إِقْلَاعٌ. وَقَدِ ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ بِغُرُورٍ كَثِيرٍ فِي تَفَارِيعِ دِينِهِمْ وَافْتِرَاءَاتٍ مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ عَادَتْ عَلَى مَقَاصِدِ الدِّينِ وَقَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ بِالْإِبْطَالِ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَجَالِ.

وَقَوْلُهُ: فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ تَفْرِيعٌ عَنْ قَوْلِهِ: وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ أَيْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ غُرُورًا فَكَيْفَ حَالُهُمْ أَوْ جَزَاؤُهُمْ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ وَوَفَّيْنَاهُمْ جَزَاءَهُمْ وَالِاسْتِفْهَامُ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيبِ وَالتَّفْظِيعِ مَجَازًا.

«وَكَيف» هُنَا خَبَرٌ لِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَى نَوْعِهِ السِّيَاقُ، وإِذا ظَرْفٌ مُنْتَصِبٌ بِالَّذِي عَمِلَ فِي مَظْرُوفِهِ: وَهُوَ مَا فِي كَيْفَ مِنْ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ التَّفْظِيعِيِّ كَقَوْلِكَ: كَيْفَ أَنْتَ إِذَا لَقِيتَ الْعَدُوَّ، وَسَيَجِيءُ زِيَادَةُ بَيَانٍ لِمِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ فِي سُورَة النِّسَاء [41] .

ص: 211