المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 12 إلى 13] - التحرير والتنوير - جـ ٣

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 253]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 254]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 255]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 256]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 257]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 258]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 259]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 260]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 261 إِلَى 262]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 263 إِلَى 264]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 265]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 266]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 267]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 268]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 269]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 270]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 271]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 272]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 273]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 274]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 275]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 276]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 277]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 278 إِلَى 279]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 280]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 281]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 282]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 283]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 284]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 285]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 286]

- ‌3- سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 2 الى 4]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 12 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 15 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 21 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 23 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 35 الى 36]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 39 إِلَى 41]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 42 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 48 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 50 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 52 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 55 الى 57]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 59 إِلَى 60]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 70 إِلَى 71]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 72 الى 74]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 79 إِلَى 80]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 81 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 84]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 86]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 87 إِلَى 89]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 91]

الفصل: ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 12 إلى 13]

الْحُكْمِ، قَالَ تَعَالَى: أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ [هُودٍ: 60] فِي كَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ نَظَائِرِهَا، وَقَالَ: أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ [الشُّعَرَاء: 10، 11] .

وَقَوْلُهُ: «كَذَّبُوا» بَيَانٌ لِدَأْبِهِمُ، اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ. وَتَخْصِيصُ آلِ فِرْعَوْنَ بِالذِّكْرِ- مِنْ بَيْنِ بَقِيَّةِ الْأُمَمِ- لِأَنَّ هُلْكَهُمْ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ، بِخِلَافِ هُلْكِ عَادٍ وَثَمُودَ فَهُوَ عِنْدَ الْعَرَبِ أَشْهَرُ وَلِأَنَّ تَحَدِّي مُوسَى إِيَّاهُمْ كَانَ بِآيَاتٍ عَظِيمَةٍ فَمَا أَغْنَتْهُمْ شَيْئًا تُجَاهَ ضَلَالِهِمْ وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا أَقْرَبَ الْأُمَمِ عَهْدًا بِزَمَان النبيء صلى الله عليه وسلم فَهُوَ كَقَوْلِ شُعَيْبٍ: وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ [هود: 89] وَكَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُشْرِكِينَ: وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ [الْحجر: 76] وَقَوْلِهِ: وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ [الْحجر: 79] وَقَوْلِهِ: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ

[الصافات: 137، 138] .

[12، 13]

[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 12 إِلَى 13]

قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (12) قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (13)

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ، لِلِانْتِقَالِ مِنَ النِّذَارَةِ إِلَى التَّهْدِيدِ، وَمِنْ ضَرْبِ الْمَثَلِ لَهُمْ بِأَحْوَالِ سَلَفِهِمْ فِي الْكُفْرِ، إِلَى ضَرْبِ الْمَثَلِ لَهُمْ بِسَابِقِ أَحْوَالِهِمُ الْمُؤْذِنَةِ بِأَنَّ أَمْرَهُمْ صَائِرٌ إِلَى زَوَالٍ، وَأَنَّ أَمْرَ الْإِسْلَامِ سَتَنْدَكُّ لَهُ صُمُّ الْجِبَالِ. وَجِيءَ فِي هَذَا التَّهْدِيدِ بِأَطْنَبِ عِبَارَةٍ وَأَبْلَغِهَا لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ إِطْنَابٍ لِمَزِيدِ الْمَوْعِظَةِ، وَالتَّذْكِيرِ بِوَصْفِ يَوْمٍ كَانَ عَلَيْهِمْ، يَعْلَمُونَهُ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا [الْبَقَرَة: 39] يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمُ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ [آل عمرَان: 116] فَيَجِيءُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ وَالْعُدُولُ عَنْ ضَمِيرِ (هُمْ) إِلَى الِاسْمِ الظَّاهِرِ لِاسْتِقْلَالِ هَذِهِ النِّذَارَةِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمُ الْمُشْرِكُونَ خَاصَّةً، وَلِذَلِكَ أُعِيدَ الِاسْمُ الظَّاهِرُ، وَلَمْ يُؤْتَ بِالضَّمِيرِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ: قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ إِلَى قَوْله يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَذَلِكَ مِمَّا شَاهَدَهُ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ.

ص: 175

وَقَدْ قِيلَ: أُرِيدَ بِالَّذِينَ كَفَرُوا خُصُوصُ الْيَهُودِ، وَذَكَرُوا لِذَلِكَ سَبَبًا رَوَاهُ الْوَاحِدِيُّ، فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ: أَنَّ يَهُودَ يَثْرِبَ كَانُوا عَاهَدُوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى مُدَّةٍ فَلَمَّا أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ النَّكْبَةِ. نَقَضُوا الْعَهْدَ وَانْطَلَقَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ فِي سِتِّينَ رَاكِبًا إِلَى أَبِي سُفْيَانَ بِمَكَّةَ وَقَالُوا لَهُمْ: لَتَكُونَنَّ كَلِمَتُنَا وَاحِدَةً، فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: أَنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا غَلَبَ قُرَيْشًا بِبَدْرٍ، وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، جَمَعَ الْيَهُودَ وَقَالَ لَهُمْ:«يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ احْذَرُوا مِنَ اللَّهِ مِثْلَ مَا نَزَلَ بِقُرَيْشٍ وَأَسْلِمُوا فَقَدْ عَرَفْتُمْ، أَنِّي نَبِيءٌ مُرْسَلٌ» فَقَالُوا: «يَا مُحَمَّدُ لَا يَغُرَّنَّكَ أَنَّكَ لَقِيتَ قَوْمًا أَغْمَارًا لَا مَعْرِفَةَ لَهُمْ بِالْحَرْبِ فَأَصَبْتَ فِيهِمْ فُرْصَةً أَمَا وَاللَّهِ لَوْ قَاتَلْنَاكَ لَعَرَفْتَ أَنَّا نَحْنُ النَّاسُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ

. وَعَلَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فَالْغَلَبُ الَّذِي أُنْذِرُوا بِهِ هُوَ فَتْحُ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَخَيْبَرَ، وَأَيْضًا فَالتَّهْدِيدُ وَالْوَعِيدُ شَامِلٌ لِلْفَرِيقَيْنِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ.

وَعَطْفُ بِئْسَ الْمِهادُ عَلَى سَتُغْلَبُونَ عَطْفُ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ- كِلْتَيْهِمَا بِتَاءِ الْخِطَابِ- وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ: بِيَاءِ الْغَيْبَةِ، وَهُمَا وَجْهَانِ فِيمَا يُحْكَى بِالْقَوْلِ لِمُخَاطَبٍ، وَالْخِطَابُ أَكْثَرُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ [الْمَائِدَة:

117] وَلَمْ يَقُلْ رَبَّكَ وَرَبَّهُمْ.

وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ خِطَابٌ لِلَّذِينِ كَفَرُوا، كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْمَقَامَ لِلْمُحَاجَّةِ، فَأَعْقَبَ الْإِنْذَارَ وَالْوَعِيدَ بِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ. فَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقُولِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَكُونَ اسْتِئْنَافًا نَاشِئًا عَنْ قَوْلِهِ سَتُغْلَبُونَ إِذْ لَعَلَّ كَثْرَةَ الْمُخَاطَبِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، أَوِ الْيَهُودِ، أَوْ كِلَيْهِمَا، يُثِيرُ تَعَجُّبَ السَّامِعِينَ مِنْ غَلَبِهِمْ فَذَكَّرَهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ.

وَالْفِئَتَانِ هُمَا الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ.

وَالِالْتِقَاءُ: اللِّقَاءُ، وَصِيغَةُ الِافْتِعَالِ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَاللِّقَاءُ مُصَادَفَةُ الشَّخْصِ شَخْصًا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَيُطْلَقُ اللِّقَاءُ عَلَى الْبُرُوزِ لِلْقِتَالِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

ص: 176

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ [الْأَنْفَال: 15] وَسَيَأْتِي. وَالِالْتِقَاءُ يُطْلَقُ كَذَلِكَ كَقَوْلِ أُنَيْفِ بْنِ زَبَّانَ:

فَلَمَّا الْتَقَيْنَا بَيَّنَ السَّيْفُ بَيْنَنَا

لِسَائِلَةٍ عَنَّا حَفِيٌّ سُؤَالُهَا

وَهَذِهِ الْآيَةُ تَحْتَمِلُ الْمَعْنَيَيْنِ.

وَقَوْلُهُ: فِئَةٌ تُقاتِلُ تَفْصِيلٌ لِلْفِئَتَيْنِ، وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ صَدْرُ جُمْلَةٍ لِلِاسْتِئْنَافِ فِي التَّفْصِيلِ وَالتَّقْسِيمِ، الْوَارِدِ بَعْدَ الْإِجْمَالِ وَالْجَمْعِ.

وَالْفِئَةُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كَمْ مِنْ فِئَةٍ

قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ

فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [249] .

وَالْخطاب فِي: يَرَوْنَهُمْ كَالْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ: قَدْ كانَ لَكُمْ.

وَالرُّؤْيَةُ هُنَا بَصَرِيَّةٌ لِقَوْلِهِ: رَأْيَ الْعَيْنِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكُفَّارَ رَأَوُا الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَالتَّلَاحُمِ مِثْلَيْ عَدَدِهِمْ، فَوَقَعَ الرُّعْبُ فِي قُلُوبِهِمْ فَانْهَزَمُوا. فَهَذِهِ الرُّؤْيَةُ جُعِلَتْ آيَةً لِمَنْ رَأَوْهَا وَتَحَقَّقُوا بَعْدَ الْهَزِيمَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا وَاهِمِينَ فِيمَا رَأَوْهُ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَشَدَّ حَسْرَةً لَهُمْ، وَتَكُونُ هَذِهِ الرُّؤْيَةُ غَيْرَ الرُّؤْيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَنْفَالِ [44] بِقَوْلِهِ: وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ فَإِنَّ تِلْكَ يُنَاسِبُ أَنْ تَكُونَ وَقَعَتْ قَبْلَ التَّلَاحُمِ، حَتَّى يَسْتَخِفَّ الْمُشْرِكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَأْخُذُوا أُهْبَتَهُمْ لِلِقَائِهِمْ، فَلَمَّا لَاقَوْهُمْ رَأَوْهُمْ مِثْلَيْ عَدَدِهِمْ فَدَخَلَهُمُ الرُّعْبُ وَالْهَزِيمَةُ، وَتَحَقَّقُوا قِلَّةَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ انْكِشَافِ الْمَلْحَمَةِ فقد كَانَت إِرَادَة القلّة وَإِرَادَة الْكَثْرَةِ سَبَبَيْ نَصْرٍ لِلْمُسْلِمِينَ بِعَجِيبِ صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى. وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ رَأَوُا الْمُشْرِكِينَ مِثْلَيْ عَدَدِ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِهِمْ، فَقَلَّلَهُمُ اللَّهُ فِي أَعْيُنِ أَنَّهُمْ ثَلَاثَةُ أَضْعَافِهِمْ لَخَافُوا الْهَزِيمَةَ، وَتَكُونُ هَذِهِ الْإِرَاءَةُ هِيَ الْإِرَاءَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [44] : وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيَكُونُ ضَمِيرُ الْغَيْبَةِ فِي قَوْله:

(مقليهم) رَاجِعًا لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ، وَأَصْلُهُ تَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْكُمْ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْمَقُولِ.

ص: 177