المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : آية 285] - التحرير والتنوير - جـ ٣

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 253]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 254]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 255]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 256]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 257]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 258]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 259]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 260]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 261 إِلَى 262]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 263 إِلَى 264]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 265]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 266]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 267]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 268]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 269]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 270]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 271]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 272]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 273]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 274]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 275]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 276]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 277]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 278 إِلَى 279]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 280]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 281]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 282]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 283]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 284]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 285]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 286]

- ‌3- سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 2 الى 4]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 12 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 15 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 21 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 23 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 35 الى 36]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 39 إِلَى 41]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 42 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 48 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 50 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 52 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 55 الى 57]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 59 إِلَى 60]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 70 إِلَى 71]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 72 الى 74]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 79 إِلَى 80]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 81 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 84]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 86]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 87 إِلَى 89]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 91]

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : آية 285]

فَيَسْرِقُ، وَإِنْ عَزَمَ عَلَيْهِ وَرَجَعَ عَنْ فِعْلِهِ اخْتِيَارًا لِغَيْرِ مَانِعٍ مَنَعَهُ، فَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ وَهُوَ مَوْرِدُ

حَدِيثِ «مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ»

وَإِنْ رَجَعَ لِمَانِعٍ قَهَرَهُ عَلَى الرُّجُوعِ فَفِي الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ قَوْلَانِ. أَيْ إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَعْنَى يُجَازِيكُمْ وَأَنَّهُ مُجْمَلٌ تُبَيِّنُهُ مَوَارِدُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ فِي أَدِلَّةٍ شَرْعِيَّةٍ كَثِيرَةٍ، وَإِنَّ مَنْ سَمَّى ذَلِكَ نَسْخًا مِنَ السَّلَفِ فَإِنَّمَا جَرَى عَلَى تَسْمِيَةٍ سَبَقَتْ ضَبْطَ الْمُصْطَلَحَاتِ الْأُصُولِيَّةِ فَأَطْلَقَ النَّسْخَ عَلَى مَعْنَى الْبَيَانِ وَذَلِكَ كَثِيرٌ فِي عِبَارَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ، وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ دَلَائِلُ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ، هِيَ الْبَيَانُ لِمَنْ يَشَاء فِي قَوْله تَعَالَى: فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ.

وَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نُسِخَتْ بِالَّتِي بَعْدَهَا» أَيْ بِقَوْلِهِ:

لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [الْبَقَرَة: 286] كَمَا سَيَأْتِي هُنَالِكَ.

وَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْمَشِيئَةَ هُنَا مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى أَحْوَال المبدى والمحفى، كَمَا هُوَ بَيِّنٌ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: فَيَغْفِرْ وَيُعَذِّبْ بِالْجَزْمِ، عَطْفًا عَلَى يُحَاسِبْكُمْ، وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ، وَعَاصِمٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَيَعْقُوبُ: بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ بِتَقْدِيرِ فَهُوَ يغْفر، وهم وَجْهَانِ فَصِيحَانِ، وَيَجُوزُ النَّصْبُ وَلَمْ يُقْرَأْ بِهِ إِلَّا فِي الشَّاذِّ.

وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تَذْيِيلٌ لِمَا دَلَّ عَلَى عُمُومِ الْعِلْمِ، بِمَا يَدُلُّ عَلَى عُمُوم الْقُدْرَة.

[285]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 285]

آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)

قَالَ الزَّجَّاجُ: «لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ أَحْكَامًا كَثِيرَةً، وَقِصَصًا، خَتَمَهَا بِقَوْلِهِ:

آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ تَعْظِيمًا لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَتْبَاعِهِ، وَتَأْكِيدًا وَفَذْلَكَةً لِجَمِيعِ ذَلِكَ الْمَذْكُورِ مِنْ قَبْلُ» . يَعْنِي: أَنَّ هَذَا انْتِقَالٌ مِنَ الْمَوَاعِظِ، وَالْإِرْشَادِ،

ص: 131

وَالتَّشْرِيعِ، وَمَا تَخَلَّلَ ذَلِكَ: مِمَّا هُوَ عَوْنٌ عَلَى تِلْكَ الْمَقَاصِدِ، إِلَى الثَّنَاءِ عَلَى رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي إِيمَانِهِمْ بِجَمِيعِ ذَلِكَ إِيمَانًا خَالِصًا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِالرَّسُولِ وَالْكِتَابِ، يَقْتَضِي الِامْتِثَالَ لِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عَمَلٍ. فَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ وُضِعَتْ فِي هَذَا الْمَوْقِعِ لِمُنَاسَبَةِ مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ انْتِقَالٌ مُؤْذِنٌ بِانْتِهَاءِ السُّورَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا انْتَقَلَ مِنْ أَغْرَاضٍ مُتَنَاسِبَةٍ إِلَى غَرَضٍ آخَرَ:

هُوَ كَالْحَاصِلِ وَالْفَذْلَكَةِ، فَقَدْ أَشْعَرَ بِأَنَّهُ اسْتَوْفَى تِلْكَ الْأَغْرَاضَ. وَوَرَدَ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ أَنَّ قَوْلَهُ: آمَنَ الرَّسُولُ يَرْتَبِطُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ [الْبَقَرَة: 284] كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا.

وأل فِي الرَّسُول للعد. وَهُوَ عَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِي وَقْتِ النُّزُولِ قَالَ تَعَالَى:

وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ [التَّوْبَة: 13] . والْمُؤْمِنُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى الرَّسُولُ، وَالْوَقْفُ عَلَيْهِ.

وَالْمُؤْمِنُونَ- هُنَا- لَقَبٌ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلِذَلِكَ كَانَ فِي جَعْلِهِ فَاعِلًا لِقَوْلِهِ: آمَنَ فَائِدَةٌ، مَعَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِكَ: قَامَ الْقَائِمُونَ.

وَقَوْلُهُ: كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ جَمْعٌ بَعْدَ التَّفْصِيلِ، وَكَذَلِكَ شَأْنُ (كُلٌّ) إِذَا جَاءَتْ بَعْدَ ذِكْرِ مُتَعَدِّدٍ فِي حُكْمٍ، ثُمَّ إِرَادَةُ جَمْعِهِ فِي ذَلِكَ، كَقَوْلِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ اللِّهْبِيِّ، بَعْدَ أَبْيَاتٍ:

كُلٌّ لَهُ نِيَّةٌ فِي بُغْضِ صَاحِبِهِ

بِنِعْمَةِ اللَّهِ نقليكم وتقلونا

وَإِذ كَانَتْ (كُلٌّ) مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُلَازِمَةِ الْإِضَافَةَ فَإِذَا حُذِفَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ نُوِّنَتْ تَنْوِينَ عِوَضٍ عَنْ مُفْرَدٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ مَالِكٍ فِي «التَّسْهِيلِ» . وَلَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ (كُلٌّ) اسْمٌ مُعْرَبٌ لِأَنَّ التَّنْوِينَ قَدْ يُفِيدُ الْغَرَضَيْنِ فَهُوَ مِنِ اسْتِعْمَالِ الشَّيْءِ فِي مَعْنَيَيْهِ. فَمَنْ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ عَطْفُ الْمُؤْمِنُونَ عَطْفَ جُمْلَةٍ وَجَعَلَ الْمُؤْمِنُونَ مُبْتَدَأً وَجَعَلَ كُلٌّ مُبْتَدَأً ثَانِيًا وآمَنَ خَبَرُهُ، فَقَدْ شَذَّ عَنِ الذَّوْقِ الْعَرَبِيِّ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَكُتُبِهِ بِصِيغَةِ جَمْعِ كِتَابٍ، وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ: وَكِتَابِهِ، بِصِيغَةِ الْمُفْرَدِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْقُرْآنُ أَوْ جِنْسُ الْكِتَابِ. فَيَكُونُ مُسَاوِيًا لِقَوْلِهِ: وَكُتُبِهِ، إِذِ الْمُرَادُ

الْجِنْسُ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُفْرَدَ وَالْجَمْعَ سَوَاءٌ فِي إِرَادَةِ الْجِنْسِ، أَلَا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ:

ص: 132

إِنَّ الْجَمْعَ فِي مَدْخُولِ الْ الْجِنْسِيَّةِ صُوَرِيٌّ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ: إِذَا دَخَلَتْ الْ الْجِنْسِيَّةُ عَلَى جَمْعٍ أَبْطَلَتْ مِنْهُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ، فَكَذَلِكَ كُلُّ مَا أُرِيدَ بِهِ الْجِنْسُ كَالْمُضَافِ فِي هَاتَيْنِ الْقِرَاءَتَيْنِ، وَالْإِضَافَةُ تَأْتِي لِمَا تَأْتِي لَهُ اللَّامُ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ، لَمَّا سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ:«كِتَابِهِ أَكْثَرُ مِنْ كُتُبِهِ- أَوِ- الْكِتَابُ أَكْثَرُ مِنَ الْكُتُبِ» فَقِيلَ أَرَادَ أَنَّ تَنَاوُلَ الْمُفْرَدِ الْمُرَادِ بِهِ الْجِنْسُ أَكْثَرُ مِنْ تَنَاوُلِ الْجَمْعِ حِينَ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ، لِاحْتِمَالِ إِرَادَةِ جِنْسِ الْجُمُوعِ، فَلَا يَسْرِي الْحُكْمُ لِمَا دُونَ عَدَدِ الْجَمْعِ مِنْ أَفْرَادِ الْجِنْسِ، وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ «الْمِفْتَاحِ» «اسْتِغْرَاقُ الْمُفْرَدِ أَشْمَلُ مِنِ اسْتِغْرَاقِ الْجَمْعِ» . وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا لَا يَقْصِدُهُ الْعَرَبُ فِي نَفْيِ الْجِنْسِ وَلَا فِي اسْتِغْرَاقِهِ فِي الْإِثْبَاتِ. وَأَنَّ كَلَامَ ابْنِ عَبَّاسٍ- إِنْ صَحَّ نَقْلُهُ عَنْهُ- فَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ أَكْثَرُ لِمُسَاوَاتِهِ لَهُ مَعْنًى، مَعَ كَوْنِهِ أَخْصَرَ لَفْظًا، فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْأَكْثَرِ مَعْنَى الْأَرْجَحِ وَالْأَقْوَى.

وَقَوْلُهُ: لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِنُونِ الْمُتَكَلِّمِ الْمُشَارَكِ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ الِالْتِفَاتَ: بِأَنْ يَكُونَ مِنْ مَقُولِ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ وَعُطِفَ وَقالُوا عَلَيْهِ. أَوِ النُّونُ فِيهِ لِلْجَلَالَةِ أَيْ آمَنُوا فِي حَالِ أَنَّنَا أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ، لِأَنَّنَا لَا نُفَرِّقُ فَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ. وَقِيلَ: هُوَ مَقُولٌ لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ آمَنَ لِأَنَّ الْإِيمَانَ اعْتِقَادٌ وَقَوْلٌ. وَقَرَأَهُ يَعْقُوبُ بِالْيَاءِ: عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ.

وَالتَّفْرِيقُ هُنَا أُرِيدَ بِهِ التَّفْرِيقُ فِي الْإِيمَانِ بِهِ وَالتَّصْدِيقِ: بِأَنْ يُؤْمِنَ بِبَعْضٍ وَيَكْفُرَ بِبَعْضٍ.

وَقَوْلُهُ: لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نَظِيرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [الْبَقَرَة: 136] .

وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا عَطْفٌ عَلَى آمَنَ الرَّسُولُ وَالسَّمْعُ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الرِّضَا، وَالْقَبُولِ، وَالِامْتِثَالِ، وَعَكْسُهُ لَا يَسْمَعُونَ أَيْ لَا يُطِيعُونَ وَقَالَ النَّابِغَةُ:

تَنَاذَرَهَا الرَّاقُونَ مِنْ سُوءِ سَمْعِهَا

ص: 133