الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ مَضَى فِي مُشَابِهَتِهَا عِنْدَ قَوْلِهِ: وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فِي سُورَة الْبَقَرَة [60] .
وفَانْبَجَسَتْ مُطَاوِعُ بَجَسَ إِذَا شَقَّ، وَالتَّعْقِيبُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْفَاءُ تَعْقِيبٌ مَجَازِيٌّ تَشْبِيهًا لِقِصَرِ الْمُهْلَةِ بِالتَّعْقِيبِ وَنَظَايِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ، وَمِنْهُ مَا وَقَعَ فِي خَبَرِ الشُّرْبِ إِلَى أُمِّ زَرْعٍ قَوْلُهَا:«فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ كَالْفَهْدَيْنِ يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا» إِذِ التَّقْدِيرُ فَأَعْجَبَتْهُ فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا.
وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.
ضَمَائِرُ الْغَيْبَةِ رَاجِعَةٌ إِلَى قَوْمِ مُوسَى، وَهَذِهِ الْآيَةُ نَظِيرُ مَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ سِوَى اخْتِلَافٍ بِضَمِيرَيِ الْغَيْبَةِ هُنَا وَضَمِيرَيِ الْخِطَابِ هُنَاكَ لِأَنَّ مَا هُنَالِكَ قُصِدَ بِهِ التَّوْبِيخُ.
وَقَدْ أُسْنِدَ فِعْلُ (قِيلَ) فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ [الْأَعْرَاف: 161] إِلَى الْمَجْهُولِ وَأُسْنِدَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [58] إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ وَإِذْ قُلْنَا لِظُهُورِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَصْدُرُ إِلَّا مِنَ الله تَعَالَى.
[161، 162]
[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 161 إِلَى 162]
وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ (162)
هَذِهِ الْآيَةُ أَيْضًا نَظِيرُ مَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ إِلَّا أَنَّهُ عَبَّرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ: اسْكُنُوا وَفِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [58] بِقَوْلِهِ: ادْخُلُوا لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ قِيلَا لَهُمْ، أَيْ قِيلَ لَهُمُ: ادْخُلُوا وَاسْكُنُوهَا فَفُرِّقَ ذَلِكَ عَلَى الْقِصَّتَيْنِ عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ فِي تَغْيِيرِ أُسْلُوبِ الْقَصَصِ اسْتِجْدَادًا لِنَشَاطِ السَّامِعِ.
وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ التَّعْبِيرِ فِي قَوْلِهِ هُنَا: وَكُلُوا وَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [58] فَكُلُوا فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ لَهُمْ بِمَا يُرَادِفُ فَاءَ التَّعْقِيبِ، كَمَا جَاءَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لِأَنَّ التَّعْقِيبَ مَعْنًى زَائِدٌ عَلَى مُطْلَقِ الْجَمْعِ الَّذِي تُفِيدُهُ وَاوُ الْعَطْفِ، وَاقْتُصِرَ هُنَا عَلَى حِكَايَةِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ، وَكَانَتْ آيَةُ الْبَقَرَةِ أَوْلَى بِحِكَايَةِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ فَاءُ التَّعْقِيبِ، لِأَنَّ آيَةَ الْبَقَرَةِ سِيقَتْ مَسَاقَ التَّوْبِيخِ فَنَاسَبَهَا مَا هُوَ أَدَلُّ عَلَى الْمِنَّةِ، وَهُوَ تَعْجِيلُ الِانْتِفَاعِ بِخَيْرَاتِ الْقَرْيَةِ، وَآيَاتُ الْأَعْرَافِ سِيقَتْ لِمُجَرَّدِ الْعِبْرَةِ بِقِصَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَلِأَجْلِ هَذَا الِاخْتِلَافِ مُيِّزَتْ آيَةُ الْبَقَرَةِ بِإِعَادَةِ الْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ فِي قَوْلِهِ: فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً [الْبَقَرَة: 59] وَعُوِّضَ عَنْهُ هُنَا بِضَمِيرِ الَّذِينَ ظَلَمُوا، لِأَنَّ الْقَصْدَ فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ بَيَانُ سَبَبِ إِنْزَالِ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ مَرَّتَيْنِ أُشِيرَ إِلَى أُولَاهُمَا بِمَا يُومِئُ إِلَيْهِ الْمَوْصُولُ مِنْ عِلَّةِ الْحُكْمِ، وَإِلَى الثَّانِيَةِ بِحَرْفِ السَّبَبِيَّةِ، وَاقْتُصِرَ هُنَا عَلَى الثَّانِي.
وَقَدْ وَقَعَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [59] لَفْظُ فَأَنْزَلْنا وَوَقَعَ هُنَا لَفْظُ فَأَرْسَلْنا وَلَمَّا قُيِّدَ كِلَاهُمَا بِقَوْلِهِ: مِنَ السَّماءِ كَانَ مُفَادُهُمَا وَاحِدًا، فَالِاخْتِلَافُ لِمُجَرَّدِ التَّفَنُّنِ بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ.
وَعُبِّرَ هُنَا بِما كانُوا يَظْلِمُونَ وَفِي الْبَقَرَةِ [59] بِما كانُوا يَفْسُقُونَ لِأَنَّهُ لَمَّا اقْتَضَى الْحَالُ فِي الْقِصَّتَيْنِ تَأْكِيدَ وَصْفِهِمْ بِالظُّلْمِ وَأُدِّيَ ذَلِكَ فِي الْبَقَرَةِ [59] بُقُولِهِ: فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا، اسْتُثْقِلَتْ إِعَادَةُ لَفْظِ الظُّلْمِ هُنَالِكَ ثَالِثَةً، فَعُدِلَ عَنْهُ إِلَى مَا يُفِيدُ مُفَادَهُ، وَهُوَ الْفِسْقُ، وَهُوَ أَيْضًا أَعَمُّ، فَهُوَ أَنْسَبُ بِتَذْيِيلِ التَّوْبِيخِ، وَجِيءَ هُنَا بِلَفْظِ يَظْلِمُونَ لِئَلَّا يَفُوتَ تَسْجِيلُ الظُّلْمِ عَلَيْهِمْ مَرَّةً ثَالِثَةً، فَكَانَ تَذْيِيلُ آيَةِ الْبَقَرَةِ أَنْسَبَ بِالتَّغْلِيطِ فِي ذَمِّهِمْ، لِأَنَّ مَقَامَ التَّوْبِيخِ يَقْتَضِيهِ.
وَوَقَعَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَلَمْ يَقَعْ لَفْظُ مِنْهُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَوَجْهُ زِيَادَتِهَا هُنَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ تَبْدِيلَ الْقَوْلِ لَمْ يَصْدُرْ مِنْ جَمِيعِهِمْ، وَأُجْمِلَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ لِأَنَّ آيَةَ الْبَقَرَةِ لَمَّا سِيقَتْ مَسَاقَ التَّوْبِيخِ نَاسَبَ إِرْهَابُهُمْ بِمَا يُوهِمُ أَنَّ الَّذِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ هُمْ جَمِيعُ الْقَوْمِ، لِأَنَّ تَبِعَاتِ بَعْضِ الْقَبِيلَةِ تُحْمَلُ عَلَى جَمَاعَتِهَا.
وَقُدِّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [58] قَوْلُهُ: وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً عَلَى قَوْلِهِ: وَقُولُوا حِطَّةٌ [الْبَقَرَة: 58] وَعُكِسَ هُنَا وَهُوَ اخْتِلَافٌ فِي الْإِخْبَارِ لِمُجَرَّدِ التَّفَنُّنِ، فَإِنَّ كِلَا الْقَوْلَيْنِ وَاقِعٌ قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ.