الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَهِيَ تُفِيدُ مَعْنَى التَّعْلِيلِ وَلِهَذَا فُصِلَتِ الْجُمْلَةُ.
وَالْمُخَاطَبُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ: إِمَّا الْمَلَائِكَةُ، فَتَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُوحَى بِهِ إِلَيْهِمْ إِطْلَاعًا لَهُمْ عَلَى حِكْمَةِ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى. لِزِيَادَةِ تَقْرِيبِهِمْ، وَلَا يَرِيبُكَ إِفْرَادُ كَافِ الْخِطَابِ فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَافِ مَعَ اسْمِ الْإِشَارَةِ الْإِفْرَادُ وَالتَّذْكِيرُ، وَإِجْرَاؤُهَا عَلَى حَسَبِ حَالِ الْمُخَاطَبِ بِالْإِشَارَةِ جَائِزٌ وَلَيْسَ بِالْمُتَعَيِّنِ، وَإِمَّا مَنْ تَبْلُغُهُمُ الْآيَةُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الْأَحْيَاءِ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ، وَلِذَا فَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ لِلتَّحْذِيرِ مِنَ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى مُشَاقَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
وَالْقَوْلُ فِي إِفْرَادِ الْكَافِ هُوَ هُوَ إِذِ الْخِطَابُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ وَالْمُرَادُ نَوْعٌ خَاصٌّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُخَاطَبُ بِهِ النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم.
وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ ضَرْبِ الْأَعْنَاقِ وَقَطْعِ الْبَنَانِ.
وَإِفْرَادُ اسْمِ الْإِشَارَةِ بِتَأْوِيلِهِ بِالْمَذْكُورِ، وَتَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ.
وَالْمُشَاقَّةُ الْعَدَاوَةُ بِعِصْيَانٍ وَعِنَادٍ، مُشْتَقَّةٌ مِنَ الشِّقِّ- بِكَسْرِ الشِّينِ- وَهُوَ الْجَانِبُ، هُوَ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَشْقُوقِ أَيِ الْمُفَرَّقُ، وَلَمَّا كَانَ الْمُخَالِفُ وَالْمُعَادِي يَكُونُ مُتَبَاعِدًا عَنْ عَدُوِّهِ فَقَدْ جُعِلَ كَأَنَّهُ فِي شِقٍّ آخَرَ، أَيْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، وَالتَّصْرِيحُ بِسَبَبِ الِانْتِقَامِ تَعْرِيضٌ لِلْمُؤْمِنِينَ لِيَسْتَزِيدُوا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِنَّ الْمَشِيئَةَ لَمَّا كَانَتْ سَبَبَ هَذَا الْعِقَابِ الْعَظِيمِ فَيُوشِكُ مَا هُوَ مُخَالَفَةٌ لِلرَّسُولِ بِدُونِ مُشَاقَّةٍ أَنْ يُوقِعَ فِي عَذَابٍ دُونَ ذَلِكَ، وَخَلِيقٌ بِأَنْ يَكُونَ ضِدَّهَا وَهُوَ الطَّاعَةُ مُوجِبًا لِلْخَيْرِ.
وَجُمْلَةُ: مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ
تَذْيِيلٌ يَعُمُّ كُلَّ مَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَيَعُمُّ أَصْنَافَ الْعَقَائِدِ.
وَالْمُرَادُ من قَوْله: إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ
الْكِنَايَةُ عَنْ عِقَابِ الْمُشَاقِّينَ وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ الِارْتِبَاطُ بَيْنَ الْجَزَاءِ وَبَيْنَ الشَّرْطِ بِاعْتِبَارِ لَازِمِ الْخَبَرِ وَهُوَ الْكِنَايَةُ عَنْ تَعَلُّقِ مَضْمُونِ ذَلِكَ الْخَبَرِ بِمَنْ حَصَلَ مِنْهُ مَضْمُونُ الشَّرْطِ، كَقَوْلِ عنترة:
إِن تغد فِي، دُونِي الْقِنَاعَ فَإِنَّنِي
…
طَبٌّ بِأَخْذِ الْفَارِسِ الْمُسْتَلْئِمِ
يُرِيدُ فَإِنِّي لَا يَخْفَى عَلَيَّ مَنْ يَسْتُرُ وَجْهَهُ مِنِّي وَأَنِّي أتوسّمه وأعرفه.
[14]
[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 14]
ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (14)
الْخِطَابُ فِي ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذين قتلوا، وَالَّذين قُطِعَتْ بَنَانُهُمْ أَيْ يُقَالُ
لَهُمْ هَذَا الْكَلَامُ حَيْثُ تُضْرَبُ أَعْنَاقُهُمْ وَبَنَانُهُمْ بِأَنْ يُلْقَى فِي نُفُوسِهِمْ حِينَمَا يُصَابُونَ إِنَّ إِصَابَتَهُمْ كَانَتْ لِمُشَاقَّتِهِمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ تَوَعُّدَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِالْعَذَابِ وَالْبَطْشِ كَقَوْلِهِ: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [الدُّخان: 16] وَقَوْلِهِ: وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [الْأَنْفَال: 34] وَنَحْوِ ذَلِكَ وَكَانُوا لَا يَخْلُونَ مِنَ اخْتِلَاجِ الشَّكِّ نُفُوسَهُمْ، فَإِذَا رَأَوُا الْقَتْلَ الَّذِي لَمْ يَأْلَفُوهُ، وَرَأَى الْوَاحِدُ مِنْهُمْ نَفْسَهُ مَضْرُوبًا بِالسَّيْفِ، ضَرْبًا لَا يَسْتَطِيعُ لَهُ دِفَاعًا، عَلِمَ أَنَّ وَعِيدَ اللَّهِ تَحَقَّقَ فِيهِ، فَجَاشَ فِي نَفْسِهِ أَنَّ ذَلِكَ لِمُشَاقَّتِهِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ إِصَابَاتٍ تُصِيبُهُمْ مِنْ غَيْرِ مَرْئِيٍّ، فَجُمْلَةُ:
ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: قَائِلِينَ، هُوَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ [الْأَنْفَال: 12] .
وَاسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ إِلَى الضَّرْبِ الْمَأْخُوذِ مِنْ قَوْلِهِ: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ [الْأَنْفَال: 12] وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، فَإِمَّا أَنْ يُقَدَّرَ ذَلِكَ هُوَ الْعِقَابُ الْمَوْعُودُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله: أَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
[الْأَنْفَال:
13] فَالتَّقْدِيرُ ذَلِكَ بِأَنَّكُمْ شَاقَقْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
وَتَفْرِيعُ فَذُوقُوهُ عَلَى جُمْلَةِ: ذلِكُمْ بِمَا قُدِّرَ فِيهَا تَفْرِيعٌ لِلشَّمَاتَةِ عَلَى تَحْقِيقِ الْوَعِيدِ، فَصِيغَةُ الْأَمْرِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الشَّمَاتَةِ وَالْإِهَانَةِ، وَمَوْقِعُ فَذُوقُوهُ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ الْجُمْلَةِ وَالْمَعْطُوفِ فِي قَوْلِهِ: وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ، وَالِاعْتِرَاضُ يَكُونُ بِالْفَاءِ كَمَا فِي قَوْلِ النَّابِغَةِ:
ضِبَابِ بَنِي الطُّوَالَةِ فَاعْلَمِيهِ
…
وَلَا يَغْرُرْكِ نَأْيِي وَاغْتِرَابِي
قَالُوا وَفِي قَوْلِهِ: وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ للْعَطْف على الْمَقُول فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْقَوْلِ، وَالتَّعْرِيفُ فِي الْكَافِرِينَ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَهُوَ تَذْيِيلٌ.
وَالْمَعْنَى: ذَلِكُمْ، أَيْ ضَرْبُ الْأَعْنَاقِ، عِقَابُ الدُّنْيَا، وَأَنَّ لَكُمْ عَذَابَ النَّارِ فِي الْآخِرَةِ مَعَ جَمِيعِ الْكَافِرِينَ، وَالذَّوْقُ مَجَازٌ فِي الْإِحْسَاسِ وَالْعَلَاقَةُ الْإِطْلَاقُ.
وَقَوْلُهُ: وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ عَطْفٌ عَلَى الْخَبَرِ الْمَحْذُوفِ أَيْ ذَلِكُمُ الْعَذَابُ وَأَنَّ عَذَابَ النَّارِ لجَمِيع الْكَافرين.