المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأعراف (7) : آية 199] - التحرير والتنوير - جـ ٩

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 88 الى 89]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 90 إِلَى 92]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 96 إِلَى 99]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 101 إِلَى 102]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 104 إِلَى 108]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 109 إِلَى 112]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 113 إِلَى 116]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 117 إِلَى 119]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 120 إِلَى 126]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 127 إِلَى 128]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 129]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 130 إِلَى 131]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 132 إِلَى 133]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 134 إِلَى 135]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 136]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 137]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 138 إِلَى 140]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 141]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 142]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 143 إِلَى 144]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 145]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 146]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 147]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 148]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 149]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 150 إِلَى 151]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 152 إِلَى 153]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 154]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 155 الى 157]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 158]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 159]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 160]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 161 إِلَى 162]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 163]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 164 إِلَى 166]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 167]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 168]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 169 إِلَى 170]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 171]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 172 إِلَى 174]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 175 الى 176]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 177]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 178]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 179]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 180]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 181 إِلَى 183]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 184]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 185]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 186]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 187]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 188]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 189 إِلَى 190]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 191 إِلَى 192]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 193]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 194]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 195]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 196 إِلَى 197]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 198]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 199]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 200]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 201]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 202]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 203]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 204]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 205]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 206]

- ‌8- سُورَةُ الْأَنْفَالِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 12 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 20 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 32 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

الفصل: ‌[سورة الأعراف (7) : آية 199]

[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 198]

وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لَا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ [الْأَعْرَاف: 197] الْآيَةَ أَيْ قُلْ لِلْمُشْرِكِينَ: وَإِنْ تَدْعُوا الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا.

وَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ لِلْمُشْرِكِينَ، وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ، أَيِ الْأَصْنَامُ.

وَالْهُدَى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَا فِيهِ رُشْدٌ وَنَفْعٌ لِلْمَدْعُوِّ. وَذِكْرُ إِلَى الْهُدَى لِتَحْقِيقِ عَدَمِ سَمَاعِ الْأَصْنَامِ، وَعَدَمِ إِدْرَاكِهَا، لِأَنَّ عَدَمَ سَمَاعِ دَعْوَةِ مَا يَنْفَعُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِعَدَمِ الْإِدْرَاكِ.

وَلِهَذَا خُولِفَ بَيْنَ قَوْلِهِ هُنَا لَا يَسْمَعُوا وَقَوْلِهِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ لَا يَتَّبِعُوكُمْ [الْأَعْرَاف: 193] لِأَنَّ الْأَصْنَامَ لَا يَتَأَتَّى مِنْهَا الِاتِّبَاعُ، إِذْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهَا الْمَشْيُ الْحَقِيقِيُّ وَلَا الْمَجَازِيُّ أَيِ الِامْتِثَالُ.

وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ وَتَراهُمْ لِمَنْ يَصْلُحُ أَنْ يُخَاطَبَ فَهُوَ مِنْ خِطَابِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ.

وَمَعْنَى يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ عَلَى التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ، أَيْ تَرَاهُمْ كَأَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ، لِأَنَّ صُوَرَ كَثِيرٍ مِنَ الْأَصْنَامِ كَانَ عَلَى صُوَرِ الْأَنَاسِيِّ وَقَدْ نَحَتُوا لَهَا أَمْثَالَ الْحِدَقِ النَّاظِرَةِ إِلَى الْوَاقِفِ أَمَامَهَا قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» «لِأَنَّهُمْ صَوَّرُوا أَصْنَامَهُمْ بِصُورَةِ مَنْ قَلَّبَ حَدَقَتَهُ إِلَى الشَّيْءِ ينظر إِلَيْهِ» .

[199]

[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 199]

خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (199)

أَشْبَعَتْ هَذِهِ السُّورَةُ مِنْ أَفَانِينِ قَوَارِعِ الْمُشْرِكِينَ وَعِظَتِهِمْ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَبَعَثَتْهُمْ عَلَى التَّأَمُّلِ وَالنَّظَرِ فِي دَلَائِلِ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَصدق رَسُوله صلى الله عليه وسلم وَهُدَى دِينِهِ وَكِتَابِهِ وَفَضْحِ ضَلَالِ الْمُشْرِكِينَ وَفَسَادِ مُعْتَقَدِهِمْ وَالتَّشْوِيهِ بِشُرَكَائِهِمْ، وَقَدْ تَخَلَّلَ ذَلِك كلّه التسجيل بِمُكَابَرَتِهِمْ، وَالتَّعْجِيبِ مِنْهُمْ كَيفَ يركبون رؤوسهم، وَكَيف يَنْأَوْنَ بِجَانِبِهِمْ، وَكَيْفَ يُصِمُّونَ أَسْمَاعَهُمْ، وَيُغْمِضُونَ أَبْصَارَهُمْ عَمَّا دُعُوا إِلَى سَمَاعِهِ وَإِلَى النَّظَرِ فِيهِ، وَنُظِرَتْ أَحْوَالُهُمْ بِأَحْوَالِ الْأُمَمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا مِنْ قَبْلِهِمْ،

ص: 225

وَكَفَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ فَحَلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ مِنْ أَصْنَافِ الْعَذَابِ، وَأَنْذَرَ هَؤُلَاءِ بِأَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِأُولَئِكَ، ثُمَّ أَعْلَنَ بِالْيَأْسِ مِنَ ارْعِوَائِهِمْ، وَبِانْتِظَارِ مَا سَيَحِلُّ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ، وَبِتَثْبِيتِ الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَتَبْشِيرِهِمْ وَالثَّنَاءِ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْهُدَى، فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عِبْرَةٌ لِلْمُتَبَصِّرِينَ، وَمَسْلَاةٌ لِلنَّبِيءِ وَلِلْمُسْلِمِينَ، وَتَنْوِيهٌ بِفَضْلِهِمْ وَإِذْ قَدْ كَانَ مِنْ شَأْنِ ذَلِكَ أَنْ يُثِيرَ فِي أَنْفُسِ الْمُسْلِمِينَ كَرَاهِيَةَ أَهْلِ الشِّرْكِ وَتُحَفِّزَهُمْ لِلِانْتِقَامِ مِنْهُمْ وَمُجَافَاتِهِمْ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ دُعَائِهِمْ إِلَى الْخَيْرِ، لَا جَرَمَ شرع فِي استيناف غَرَضٍ جَدِيدٍ، يَكُونُ خِتَامًا لِهَذَا الْخَوْضِ الْبَدِيعِ، وَهُوَ غَرَضُ أَمْرِ الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ بِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِجَفَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَصَلَابَتِهِمْ، وَبِأَنْ يَسَعُوهُمْ مِنْ عَفْوِهِمْ وَالدَّأْبِ عَلَى مُحَاوَلَةِ هَدْيِهِمْ وَالتَّبْلِيغِ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ الْآيَاتِ.

وَالْأَخْذُ حَقِيقَتُهُ تَنَاوُلُ شَيْءٍ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ أَوْ لِإِضْرَارِهِ، كَمَا يُقَالُ: أَخَذْتُ الْعَدُوَّ مِنْ تَلَابِيبِهِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ فِي الْأَسِيرِ أَخِيذٌ، وَيُقَالُ لِلْقَوْمِ إِذَا أُسِرُوا أُخِذُوا وَاسْتُعْمِلَ هُنَا مَجَازًا فَاسْتُعِيرَ لِلتَّلَبُّسِ بِالْوَصْفِ وَالْفِعْلِ مِنْ بَيْنِ أَفْعَالٍ لَوْ شَاءَ لَتَلَبَّسَ بِهَا، فَيُشَبِّهُ ذَلِكَ التَّلَبُّسَ وَاخْتِيَارَهُ عَلَى تَلَبُّسٍ آخَرَ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ بَيْنِ عِدَّةِ أَشْيَاءَ، فَمَعْنَى (خُذِ الْعَفْوَ) : عَامِلْ بِهِ وَاجْعَلْهُ وَصْفًا وَلَا تَتَلَبَّسْ بِضِدِّهِ. وَأَحْسَبُ اسْتِعَارَة الْأَخْذ للْعُرْف مِنْ مُبْتَكَرَاتِ الْقُرْآن وَلذَلِك ارْجع أَنَّ الْبَيْتَ الْمَشْهُورَ وَهُوَ:

خُذِي الْعَفْوَ مِنِّي تَسْتَدِيمِي مَوَدَّتِي

وَلَا تَنْطِقِي فِي سَوْرَتِي حِينَ أَغْضَبُ

هُوَ لِأَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ، وَأَنَّهُ اتَّبَعَ اسْتِعْمَالَ الْقُرْآنِ، وَأَنَّ نِسْبَتَهُ إِلَى أَسْمَاءَ بن خَارِجَة الْفَزارِيّ أَوْ إِلَى حَاتِمٍ الطَّائِيِّ غَيْرُ صَحِيحَةٍ.

وَالْعَفو الصَّفْحُ عَنْ ذَنْبِ الْمُذْنِبِ وَعَدَمُ مُؤَاخَذَتِهِ بِذَنْبِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى:

وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ [الْبَقَرَة: 219] وَقَوْلِهِ: فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [109] ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَعُمُّ الْعَفْوَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَعَدَمُ مُؤَاخَذَتِهِمْ بِجَفَائِهِمْ وَمُسَاءَتِهِمُ الرَّسُولَ وَالْمُؤْمِنِينَ.

وَقَدْ عَمَّتِ الْآيَةُ صُوَرَ الْعَفْوِ كُلَّهَا: لِأَنَّ التَّعْرِيفَ فِي الْعَفْوِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ فَهُوَ مُفِيدٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ إِذَا لَمْ يَصْلُحْ غَيْرُهُ مِنْ مَعْنَى الْحَقِيقَةِ وَالْعَهْدِ، فَأمر الرَّسُول صلى الله عليه وسلم بِأَنْ

ص: 226

يَعْفُوَ وَيَصْفَحَ وَذَلِكَ بِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِجَفَائِهِمْ وَسُوءِ خُلُقِهِمْ، فَلَا يُعَاقِبُهُمْ وَلَا يُقَابِلُهُمْ بِمِثْلِ صَنِيعِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ [آل عمرَان: 159] ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَا الْعُمُومِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَفْوِ أَزْمَانِهِ وَأَحْوَالِهِ إِلَّا مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ مِثْلَ الْعَفْوِ عَنِ الْقَاتِلِ غِيلَةً، وَمِثْلَ الْعَفْوِ عَنِ انْتِهَاكِ حُرُمَاتِ اللَّهِ، وَالرَّسُولُ أَعْلَمُ بِمِقْدَارِ مَا يَخُصُّ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ، وَقَدْ يُبَيِّنُهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَأُلْحِقَ بِهِ مَا يُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ الْمُبَيَّنِ، وَفِي قَوْلِهِ: وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ضَابِطٌ عَظِيمٌ لِمِقْدَارِ تَخْصِيصِ الْأَمْرِ بِالْعَفْوِ.

ثُمَّ الْعَفْوُ عَنِ الْمُشْرِكِينَ الْمَقْصُودُ هُنَا أَسْبَقُ أَفْرَادِ هَذَا الْعُمُومِ إِلَى الذِّهْنِ مِنْ بَقِيَّتِهَا وَلَمْ يَفْهَمِ السَّلَفُ مِنَ الْآيَةِ غَيْرَ الْعُمُومِ فَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَ الْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الْأَمِيرِ فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ «هِيهِ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ وَلَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ» فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ، وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ» وَفِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا فِي أَخْلَاقِ النَّاسِ» وَمَنْ قَالَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَسَخَتْهَا آيَاتُ الْقِتَالِ فَقَدْ وَهِمَ: لِأَنَّ الْعَفْوَ بَابٌ آخَرَ، وَأَمَّا الْقِتَالُ فَلَهُ أَسْبَابُهُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مِنَ النَّسْخِ مَا يَشْمَلُ مَعْنَى الْبَيَانِ أَوِ التَّخْصِيصِ فِي اصْطِلَاحِ

أُصُولِ الْفِقْهِ.

وَالْعرْف اسْمٌ مُرَادِفٌ لِلْمَعْرُوفِ مِنَ الْأَعْمَالِ وَهُوَ الْفِعْلُ الَّذِي تَعْرِفُهُ النُّفُوسُ أَيْ لَا تُنْكِرُهُ إِذَا خُلِّيَتْ وَشَأْنَهَا بِدُونِ غَرَضٍ لَهَا فِي ضِدِّهِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى مُرَادِفَتِهِ لِلْمَعْرُوفِ قَوْلُ النَّابِغَةِ:

فَلَا النُّكْرُ مَعْرُوفٌ وَلَا الْعرف ضايع فَقَابَلَ النُّكْرَ بِالْعُرْفِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ

ص: 227

وَالْأَمْرُ يَشْمَلُ النَّهْيَ عَنِ الضِّدِّ، فَإِنَّ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَالْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ نَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، فَالِاجْتِزَاءُ بِالْأَمْرِ بِالْعُرْفِ عَنِ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ مِنَ الْإِيجَازِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْأَمْرِ بِالْعُرْفِ هُنَا: لِأَنَّهُ الْأَهَمُّ فِي دَعْوَةِ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُ يَدْعُوهُمْ إِلَى أُصُولِ الْمَعْرُوفِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ أَرْسَلَهُ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ فَانْهُ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ قَالَ:

«فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ» وَلَوْ كَانَتْ دَعْوَةُ الْمُشْرِكِينَ مُبْتَدَأَةً بِالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ لَنَفَرُوا وَلَمَلَّ الدَّاعِي، لِأَنَّ الْمَنَاكِيرَ غَالِبَةٌ عَلَيْهِمْ وَمُحْدِقَةٌ بِهِمْ، وَيَدْخُلُ فِي الْأَمْرِ بِالْعُرْفِ الِاتِّسَامُ بِهِ وَالتَّخَلُّقُ بِخُلُقِهِ: لِأَنَّ شَأْنَ الْآمِرِ بِشَيْءٍ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِفًا بِمِثْلِهِ. وَإِلَّا فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلِاسْتِخْفَافِ عَلَى أَنَّ الْآمِرَ يَبْدَأُ بِنَفْسِهِ فَيَأْمُرُهَا كَمَا قَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ:

يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ

هَلَّا لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ

عَلَى أَنَّ خِطَابَ الْقُرْآنِ النَّاسَ بِأَنْ يَأْمُرُوا بِشَيْءٍ يُعْتَبَرُ أَمْرًا لِلْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَرْجَمَةُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ هُوَ أَمْرٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ.

وَالتَّعْرِيفُ فِي الْعُرْفِ كَالتَّعْرِيفِ فِي الْعَفْوَ يُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ.

وَحُذِفَ مَفْعُولُ الْأَمْرِ لِإِفَادَةِ عُمُومِ المأمورين وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ [يُونُس:

25] ، أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِأَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ بِكُلِّ خَيْرٍ وَصَلَاحٍ فَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْعُمُومِ الْمُشْرِكُونَ دُخُولًا أَوَّلِيًّا لِأَنَّهُمْ سَبَبُ الْأَمْرِ بِهَذَا الْعُمُومِ أَيْ لَا يَصُدَّنَّكَ إِعْرَاضُهُمْ عَنْ إِعَادَةِ إِرْشَادِهِمْ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ [النِّسَاء: 63] .

وَالْإِعْرَاضُ: إِدَارَةُ الْوَجْهِ عَنِ النَّظَرِ لِلشَّيْءِ. مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَارِضِ وَهُوَ الْخَدُّ، فَإِنَّ الَّذِي

يَلْتَفِتُ لَا يَنْظُرُ إِلَى الشَّيْءِ وَقَدْ فُسِّرَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ [الْإِسْرَاء:

83] وَهُوَ هُنَا، مُسْتَعَارٌ لِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِمَا يَسُوءُ مِنْ أَحَدٍ، شَبَّهَ عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى الْعَمَلِ بِعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهِ فِي كَوْنِهِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُ الْعَلَمِ بِهِ لِأَنَّ شَأْنَ الْعِلْمِ بِهِ أَنْ تَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْمُؤَاخَذَةُ.

وَ «الْجَهْلُ» هُنَا ضِدُّ الْحِلْمِ وَالرُّشْدِ، وَهُوَ أَشْهَرُ إِطْلَاقِ الْجَهْلِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَالْمُرَادُ بِالْجَاهِلِينَ السُّفَهَاءُ كُلُّهُمْ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ فِيهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَأَعْظَمُ

ص: 228