المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأعراف (7) : آية 167] - التحرير والتنوير - جـ ٩

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 88 الى 89]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 90 إِلَى 92]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 96 إِلَى 99]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 101 إِلَى 102]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 104 إِلَى 108]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 109 إِلَى 112]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 113 إِلَى 116]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 117 إِلَى 119]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 120 إِلَى 126]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 127 إِلَى 128]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 129]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 130 إِلَى 131]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 132 إِلَى 133]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 134 إِلَى 135]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 136]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 137]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 138 إِلَى 140]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 141]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 142]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 143 إِلَى 144]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 145]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 146]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 147]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 148]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 149]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 150 إِلَى 151]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 152 إِلَى 153]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 154]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 155 الى 157]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 158]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 159]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 160]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 161 إِلَى 162]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 163]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 164 إِلَى 166]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 167]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 168]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 169 إِلَى 170]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 171]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 172 إِلَى 174]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 175 الى 176]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 177]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 178]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 179]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 180]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 181 إِلَى 183]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 184]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 185]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 186]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 187]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 188]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 189 إِلَى 190]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 191 إِلَى 192]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 193]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 194]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 195]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 196 إِلَى 197]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 198]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 199]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 200]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 201]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 202]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 203]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 204]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 205]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 206]

- ‌8- سُورَةُ الْأَنْفَالِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 12 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 20 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 32 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

الفصل: ‌[سورة الأعراف (7) : آية 167]

أَنْ يُقَالَ: فَلَمَّا نَسُوا وَعَتَوا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ وَذُكِّرُوا بِهِ قُلْنَا لَهُمْ إِلَخْ، فَعُدِلَ عَنْ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ إِلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ مِنَ الْإِطْنَابِ لِتَهْوِيلِ أَمْرِ الْعَذَابِ، وَتَكْثِيرِ أَشْكَالِهِ، وَمَقَامُ التَّهْوِيلِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْإِطْنَابِ، وَهَذَا كَإِعَادَةِ التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِ لَبِيدٍ:

فَتَنَازَعَا سَبِطًا يَطِيرُ ظِلَالُهُ

كَدُخَانِ مُشْعَلَةٍ يُشَبُّ ضِرَامُهَا

مَشْمُولَةٍ غُلِثَتْ بِنَابِتٍ عَرْفَجِ

كَدُخَانِ نَارٍ سَاطِعٍ أَسْنَامُهَا

وَلَكِنَّ أُسْلُوبَ الْآيَةِ أَبْلَغُ وَأَوْفَرُ فَائِدَةً، وَأَبْعَدُ عَنِ التَّكْرِيرِ اللَّفْظِيِّ، فَمَا فِي بَيْتِ لَبِيدٍ كَلَامٌ بَلِيغٌ، وَمَا فِي الْآيَةِ كَلَام معجز.

و (العتو) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ [77] .

وَقَوْلُهُ: قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [65] ، وَلِأَجْلِ التَّشَابُهِ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ، وَذِكْرِ الْعَدْوِ فِي السَّبْتِ فِيهِمَا، وَذِكْرِهِ هُنَا فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْقَرْيَةِ، جَزَمَ الْمُفَسِّرُونَ بِأَنَّ الَّذِينَ نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ وَعَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ هُمْ أَهْلُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ، وَبِأَنَّ الْأُمَّةَ الْقَائِلَةَ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً هِيَ أُمَّةٌ مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ فَجَزَمُوا بِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ لَا يَنْبُو عَنْهُ الْمَقَامُ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَشَابُهَ فَرِيقَيْنِ فِي الْعَذَابِ، فَقَدْ بَيَّنْتُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي جَعْلَ الْقِصَّةِ فِي مَعْنَى قِصَّتَيْنِ مِنْ جِهَة الِاعْتِبَار.

[167]

[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 167]

وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167)

عُطِفَ على جملَة: وَسْئَلْهُمْ [الْأَعْرَاف: 163] بِتَقْدِيرِ اذْكُرْ، وَضَمِيرُ عَلَيْهِمْ عَائِدٌ إِلَى الْيَهُودِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ بِالضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إِلَيْهِمْ بِدَلَالَةِ الْمَقَامِ فِي قَوْله تَعَالَى: وَسْئَلْهُمْ [الْأَعْرَاف: 163] كَمَا تَقَدَّمَ بَيَان ذَلِك كُله مسستوفى عِنْد قَوْله: وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ [الْأَعْرَاف:

163] فَالْمُتَحَدَّثَ عَنْهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ لَا عَلَاقَةَ لَهُمْ بِأَهْلِ الْقَرْيَةِ الَّذِينَ عَدَوْا فِي السَّبْتِ.

وتَأَذَّنَ عَلَى اخْتِلَافِ إِطْلَاقَاتِهِ، وَمِمَّا فِيهِ هُنَا مُشْتَقٌّ مِنَ الْإِذْنِ وَهُوَِِ

ص: 154

الْعِلْمُ، يُقَالُ:

أَذِنَ أَيْ عَلِمَ، وَأَصْلُهُ الْعِلْمُ بِالْخَبَرِ، لِأَنَّ مَادَّةَ هَذَا الْفِعْلِ وَتَصَارِيفَهُ جَائِيَةٌ مِنَ الْأُذُنِ، اسْمِ الْجَارِحَةِ الَّتِي هِيَ آلَةُ السَّمْعِ، فَهَذِهِ التَّصَارِيفُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْجَامِدِ نَحْوَ اسْتَحْجَرَ الطِّينُ أَيْ صَارَ حَجَرًا، وَاسْتَنْسَرَ الْبُغَاثُ أَيْ صَارَ نَسْرًا، فَتَأَذَّنَ: بِزِنَةٍ تَفَعَّلَ الدَّالَّةِ عَلَى مُطَاوَعَةِ فَعَلَ، وَالْمُطَاوَعَةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعْنَى قُوَّةِ حُصُولِ الْفِعْلِ، فَقِيلَ: هُوَ هُنَا بِمَعْنَى أَفْعَلَ كَمَا يُقَالُ:

تَوَعَّدَ بِمَعْنَى أَوْعَدَ فَمَعْنَى تَأَذَّنَ رَبُّكَ أَعْلَمَ وَأَخْبَرَ لَيَبْعَثَنَّ، فَيَكُونُ فِعْلُ أَعْلَمَ مُعَلَّقًا عَنِ الْعَمَلِ بِلَامِ الْقَسَمِ، وَإِلَى هَذَا مَالَ الطَّبَرِيُّ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا قَلَقٌ مِنْ جِهَةِ التَّصْرِيفِ إِذْ نِسْبَةُ تَأَذَّنَ إِلَى الْفَاعِلِ غَيْرُ نِسْبَةِ أَعْلَمَ، وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ مِنَ التَّعَدِّي وَغَيْرِهِ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ:

تَأَذَّنَ تَأَلَّى قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» مَعْنَاهُ عَزَمَ رَبُّكَ، لِأَنَّ الْعَازِمَ عَلَى الْأَمْرِ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِهِ» أَرَادَ أَنَّ إِشْرَابَهُ معنى الْقسم ناشىء عَنْ مَجَازٍ فَأُطْلِقَ التَّأَذُّنُ عَلَى الْعَزْمِ، لِأَنَّ الْعَازِمَ عَلَى الْأَمْرِ يُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَهُ، فَهُوَ يُؤْذِنُهَا بِفِعْلِهِ فَتَعْزِمُ نَفْسُهُ، ثُمَّ أُجْرِيَ مَجْرَى فِعْلِ الْقَسَمِ مِثْلَ عَلِمَ

اللَّهُ، وَشَهِدَ اللَّهُ. وَلِذَلِكَ أُجِيبَ بِمَا يُجَابُ بِهِ الْقَسَمُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:«وَقَادَهُمْ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ دُخُولُ اللَّامِ فِي الْجَوَابِ، وَأَمَّا اللَّفْظَةُ فَبَعِيدَةٌ عَنْ هَذَا» وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَأَذَّنَ رَبُّكَ قَالَ رَبُّكَ يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ أَعْلَنَ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ رُسُلِهِ.

وَحَاصِلُ الْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ وَتَوَعَّدَهُمْ بِهِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ [7] .

وَمَعْنَى الْبَعْثِ الْإِرْسَالُ وَهُوَ هُنَا مَجَازٌ فِي التَّقْيِيضِ وَالْإِلْهَامِ، وَهُوَ يُؤْذِنُ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُسْتَمِرًّا يَوْمًا فيوما، وَلذَلِك اختبر فِعْلُ لَيَبْعَثَنَّ دُونَ نَحْوِ لَيُلْزِمَنَّهُمْ، وَضُمِّنَ مَعْنَى التَّسْلِيطِ فَعُدِّيَ بِعَلَى كَقَوْلِهِ: بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا [الْإِسْرَاء: 5] وَقَوْلِهِ: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ [الْأَعْرَاف: 133] .

وإِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ غَايَةٌ لِمَا فِي الْقَسَمِ مِنْ مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ، وَهِيَ غَايَةٌ مَقْصُودٌ مِنْهَا جَعْلُ أَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلِ كُلِّهِ ظَرْفًا لِلْبَعْثِ، لِإِخْرَاجِ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ. وَهَذَا الِاسْتِغْرَاقُ لِأَزْمِنَةِ الْبَعْثِ أَيْ أَنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فِي خِلَالِ الْمُسْتَقْبَلِ كُلِّهِ، وَالْبَعْثُ مُطْلَقٌ لَا عَامٌّ.

ويَسُومُهُمْ يَفْرِضُ عَلَيْهِمْ، وَحَقِيقَةُ السَّوْمِ أَنَّهُ تَقْدِيرُ الْعِوَضِ الَّذِي يُسْتَبْدَلُ

ص: 155

بِهِ الشَّيْءُ، وَاسْتُعْمِلَ مَجَازًا فِي الْمُعَامَلَةِ اللَّازِمَةِ بِتَشْبِيهِهَا بِالسَّوْمِ الْمُقَدِّرِ لِلشَّيْءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [49] وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَتَقَدَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ نَظِيرُهُ، فَالْمَعْنَى يُجْعَلُ سُوءُ الْعَذَابِ كَالْقِيمَةِ لَهُمْ فَهُوَ حَظُّهُمْ.

وَسُوءُ الْعَذَابِ أَشَدُّهُ، لِأَنَّ الْعَذَابَ كُلَّهُ سُوءٌ فَسُوءُهُ الْأَشَدُّ فِيهِ.

وَالْآيَةُ تُشِيرُ إِلَى وَعِيدِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِأَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ كُلَّمَا نَقَضُوا مِيثَاقَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ تَكَرَّرَ هَذَا الْوَعِيدُ مِنْ عَهْدِ مُوسَى عليه السلام إِلَى هَلُمَّ جَرًّا، كَمَا فِي سِفْرِ التَّثْنِيَةِ فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ فَفِيهِ «إِنْ لَمْ تَحْرِصْ لِتَعْمَلَ بِجَمِيعِ كَلِمَاتِ هَذَا النَّامُوسِ

وَيُبَدِّدُكَ اللَّهُ فِي جَمِيعِ الشُّعُوبِ وَفِي تِلْكَ الْأُمَمِ لَا تَطْمَئِنُّ وَتَرْتَعِبُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَا تَأْمَنْ عَلَى حَيَاتِكَ» وَفِي سِفْرِ يُوشَعَ الْإِصْحَاحِ 23 «لِتَحْفَظُوا وَتَعْمَلُوا كُلَّ الْمَكْتُوبِ فِي سِفْرِ شَرِيعَةِ مُوسَى وَلَكِنْ إِذا رجعتم ولصفتم بِبَقِيَّةِ هَؤُلَاءِ الشُّعُوبِ اعْلَمُوا يَقِينًا أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُهُمْ لَكُمْ سَوْطًا عَلَى جَنُوبِكُمْ وَشَوْكًا فِي أَعْيُنِكُمْ حَتَّى تَبِيدُوا حِينَمَا تَتَعَدَّوْنَ عَهْدَ الرَّبِّ إِلَهِكُمْ» .

وَأَعْظَمُ هَذِهِ الْوَصَايَا هِيَ الْعَهْدُ بِاتِّبَاعِ الرَّسُولِ الَّذِي يُرْسَلُ إِلَيْهِمْ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَلِذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُ: لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ مَعْنَاهُ مَا دَامُوا عَلَى

إِعْرَاضِهِمْ وَعِنَادِهِمْ وَكَوْنِهِمْ أَتْبَاعَ مِلَّةِ الْيَهُودِيَّةِ مَعَ عَدَمِ الْوَفَاءِ بِهَا، فَإِذَا أَسْلَمُوا وَآمَنُوا بِالرَّسُولِ النَّبِيءِ الْأُمِّيِّ فَقَدْ خَرَجُوا عَنْ مُوجِبِ ذَلِكَ التَّأَذُّنِ وَدَخَلُوا فِيمَا وَعَدَ اللَّهُ بِهِ الْمُسْلِمِينَ.

وَلِذَلِكَ ذُيِّلَ هَذَا بِقَوْلِهِ: إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ أَيْ لَهُمْ، وَالسُّرْعَةُ تَقْتَضِي التَّحَقُّقَ، أَيْ أَنَّ عِقَابَهُ وَاقِعٌ وَغَيْرُ مُتَأَخِّرٍ. لِأَنَّ التَّأَخُّرَ تقليل فِي التَّحْقِيق إِذِ التَّأَخُّرُ اسْتِمْرَارُ الْعَدَمِ مُدَّةً مَا.

وَأَوَّلُ مَنْ سُلِّطَ عَلَيْهِمْ «بُخْتَنَصَّرُ» مَلِكُ (بَابِلَ) . ثُمَّ تَوَالَتْ عَلَيْهِمُ الْمَصَائِبُ فَكَانَ أَعْظَمَهَا خَرَابُ (أُرْشَلِيمَ) فِي زمن (إدريانوس) انبراطور (رومة) وَلَمْ تَزَلِ الْمَصَائِبُ تَنْتَابُهُمْ وَيُنَفَّسُ عَلَيْهِمْ فِي فَتَرَاتٍ مَعْرُوفَةٍ فِي التَّارِيخِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ فَهُوَ وَعْدٌ بِالْإِنْجَاءِ مِنْ ذَلِكَ إِذَا تَابُوا وَاتَّبَعُوا

ص: 156