المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأنفال (8) : آية 11] - التحرير والتنوير - جـ ٩

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 88 الى 89]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 90 إِلَى 92]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 96 إِلَى 99]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 101 إِلَى 102]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 104 إِلَى 108]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 109 إِلَى 112]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 113 إِلَى 116]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 117 إِلَى 119]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 120 إِلَى 126]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 127 إِلَى 128]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 129]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 130 إِلَى 131]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 132 إِلَى 133]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 134 إِلَى 135]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 136]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 137]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 138 إِلَى 140]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 141]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 142]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 143 إِلَى 144]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 145]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 146]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 147]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 148]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 149]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 150 إِلَى 151]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 152 إِلَى 153]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 154]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 155 الى 157]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 158]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 159]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 160]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 161 إِلَى 162]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 163]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 164 إِلَى 166]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 167]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 168]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 169 إِلَى 170]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 171]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 172 إِلَى 174]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 175 الى 176]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 177]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 178]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 179]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 180]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 181 إِلَى 183]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 184]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 185]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 186]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 187]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 188]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 189 إِلَى 190]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 191 إِلَى 192]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 193]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 194]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 195]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 196 إِلَى 197]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 198]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 199]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 200]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 201]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 202]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 203]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 204]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 205]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 206]

- ‌8- سُورَةُ الْأَنْفَالِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 12 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 20 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 32 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

الفصل: ‌[سورة الأنفال (8) : آية 11]

بُشْرى عَنْ أَنْ يُعَلِّقَ بِهِ لَكُمْ إِذْ كَانَتِ الْبُشْرَى لِلنَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ لَمْ يَتَرَدَّدُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آلِ عِمْرَانَ.

ثَانِيهَا: تَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ هُنَا فِي قَوْلِهِ: بِهِ قُلُوبُكُمْ وَهُوَ يُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ لَا بِغَيْرِهِ، وَفِي هَذَا الِاخْتِصَاصِ تَعْرِيضٌ بِمَا اعْتَرَاهُمْ مِنَ الْوَجَلِ مِنَ الطَّائِفَةِ ذَاتِ الشَّوْكَةِ وَقَنَاعَتِهِمْ بِغَنْمِ الْعُرُوضِ الَّتِي كَانَتْ مَعَ الْعِيرِ، فَعَرَّضَ لَهُمْ

بِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَفَهَّمُوا مُرَادَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، حِينَ اسْتَشَارَهُمْ، وَأَخْبَرَهُمْ بِأَنَّ الْعِيرَ سَلَكَتْ طَرِيقَ السَّاحِلِ فَكَانَ ذَلِكَ كَافِيًا فِي أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ الطَّائِفَةَ الْمَوْعُودَ بِهَا تَمَحَّضَتْ أَنَّهَا طَائِفَةُ النَّفِيرِ، وَكَانَ الشَّأْنُ أَنْ يَظُنُّوا بِوَعْدِ اللَّهِ أَكْمَلَ الْأَحْوَالِ، فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَسْكِينَ رَوْعِهِمْ، وَعَدَهُمْ بِنُصْرَةِ الْمَلَائِكَةِ عِلْمًا بِأَنَّهُ لَا يُطَمْئِنُ قُلُوبَهُمْ إِلَّا ذَلِكَ، وَجَعَلَ الْفَخْرُ: التَّقْدِيمَ هُنَا لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ بِذَلِكَ الْوَعْدِ، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّقْدِيمِ لَكِنَّهُ وَجَّهَ تَأْخِيرَهُ فِي آلِ عِمْرَانَ بِمَا هُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ.

ثَالِثُهَا: أَنَّهُ قَالَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [126] الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فَصَاغَ الصِّفَتَيْنِ الْعَلِيَّتَيْنِ فِي صِيغَةِ النَّعْتِ، وَجَعَلَهُمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِي صِيغَةِ الْخَبَرِ الْمُؤَكَّدِ، إِذْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فَنَزَّلَ الْمُخَاطَبِينَ مَنْزِلَةَ مَنْ يَتَرَدَّدُ فِي أَنَّهُ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ: وَهُمَا الْعِزَّةُ، الْمُقْتَضِيَةُ أَنَّهُ إِذَا وَعَدَ بِالنَّصْرِ لَمْ يُعْجِزْهُ شَيْءٌ، وَالْحِكْمَةُ، فَمَا يَصْدُرُ مِنْ جَانِبِهِ غَوْصُ الْأَفْهَامِ فِي تَبَيُّنِ مُقْتَضَاءِهِ، فَكَيْفَ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى أَنَّ اللَّهَ لَمَّا وَعَدَهُمُ الظَّفَرَ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَقَدْ فَاتَتْهُمُ الْعِيرُ أَنَّ ذَلِكَ آيِلٌ إِلَى الْوَعْدِ بِالظَّفَرِ بِالنَّفِيرِ.

وَجُمْلَةُ: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ مستأنفة استينافا ابْتِدَائِيًّا جُعِلَتْ كَالْإِخْبَارِ بِمَا لَيْسَ بِمَعْلُوم لَهُم.

[11]

[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 11]

إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (11)

لَقَدْ أَبْدَعَ نَظْمُ الْآيَاتِ فِي التَّنَقُّلِ مِنْ قِصَّةٍ إِلَى أُخْرَى مِنْ دَلَائِلِ عِنَايَةِ اللَّهِ

ص: 277

تَعَالَى بِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَبِالْمُؤْمِنِينَ، فَقَرَنَهَا، فِي قَرْنِ زَمَانِهَا، وَجَعَلَ يَنْتَقِلُ مِنْ إِحْدَاهَا إِلَى الْأُخْرَى بِوَاسِطَةِ إِذِ الزَّمَانِيَّةُ، وَهَذَا مِنْ أَبْدَعِ التَّخَلُّصِ، وَهُوَ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ الْقُرْآنِ فِيمَا أَحْسَبُ.

وَلِذَلِكَ فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الظَّرْفُ مَفْعُولًا فِيهِ لِقَوْلِهِ: وَمَا النَّصْرُ [الْأَنْفَال: 10] فَإِنَّ إِغْشَاءَهُمُ النُّعَاسَ كَانَ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ، فَلَا جَرَمَ أَنْ يَكُونَ وَقت حُصُوله طرفا لِلنَّصْرِ.

وَالْغَشْيُ وَالْغَشَيَانُ كَوْنُ الشَّيْءِ غَاشِيًا أَيْ غَامًّا وَمُغَطِّيًا، فَالنَّوْمُ يُغَطِّي الْعَقْلَ.

وَالنُّعَاسُ النَّوْمُ غَيْرُ الثَّقِيلِ، وَهُوَ مِثْلُ السِّنَةِ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ: يُغَشِّيكُمُ، بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ وَتَخْفِيفِ الشِّينِ بَعْدَهَا يَاءٌ مُضَارِعُ أَغْشَاهُ وَبِنَصْبِ النُّعاسَ وَالتَّقْدِيرُ: إِذْ يُغْشِيكُمُ اللَّهُ النُّعَاسَ، وَالنُّعَاس

مفعول ثَانِي لِيَغْشَى بِسَبَبِ تَعْدِيَةِ الْهَمْزَةِ وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو: بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الشِّينِ بَعْدَهَا أَلِفٌ، وَبِرَفْعِ النُّعَاسِ، عَلَى أَنَّ يَغْشَاكُمْ مُضَارِعُ غَشِيَ وَالنُّعَاسُ فَاعِلٌ، وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ: بِضَمِّ التَّحْتِيَّة وَفتح الْغَيْن وَتَشْدِيدِ الشِّينِ وَنَصْبِ النُّعَاسِ، عَلَى أَنَّهُ مُضَارِعُ غَشَّاهُ الْمُضَاعَفِ وَالنُّعَاسُ مَفْعُولٌ ثَانٍ.

فَإِسْنَادُ الْإِغْشَاءِ أَوِ التَّغْشِيَةِ إِلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ الَّذِي قَدَّرَ أَنْ يَنَامُوا فِي وَقْتٍ لَا يَنَامُ فِي مِثْلِهِ الْخَائِفُ، وَلَا يَكُونُ عَامًّا سَائِرَ الْجَيْشِ، فَهُوَ نَوْمٌ مَنَحَهُمُ اللَّهُ إِيَّاهُ لِفَائِدَتِهِمْ.

وَإِسْنَادُ الْغَشْيِ إِلَى النُّعَاسِ حَقِيقَةٌ عَلَى الْمُتَعَارَفِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ تَقْدِيرِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ أَمَنَةً مِنْهُ.

و (الأمنة) الْأَمْنُ، وَتَقَدَّمَ فِي آلِ عِمْرَانَ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ نَصَبَ (النُّعَاسَ) ، وَعَلَى الْحَالِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ رَفَعَ (النُّعَاسَ) .

وَإِنَّمَا كَانَ (النُّعَاسُ) أَمْنًا لَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَامُوا زَالَ أَثَرُ الْخَوْفِ مِنْ نُفُوسِهِمْ فِي مُدَّةِ النَّوْمِ فَتِلْكَ نِعْمَةٌ، وَلَمَّا اسْتَيْقَظُوا وَجَدُوا نَشَاطًا، وَنَشَاطُ الْأَعْصَابِ يُكْسِبُ صَاحِبَهُ شَجَاعَةً وَيُزِيلُ شُعُورِ الْخَوْفِ الَّذِي هُوَ فُتُورُ الْأَعْصَابِ.

وَصِيغَةُ الْمُضَارِعِ فِي يُغَشِّيكُمُ لِاسْتِحْضَارِ الْحَالَةِ.

ص: 278

وَ (مَنْ) فِي قَوْلِهِ: مِنْهُ لِلِابْتِدَاءِ الْمَجَازِيِّ، وَهُوَ وصف ل (أَمَنَة) لِإِفَادَةِ تَشْرِيفِ ذَلِكَ النُّعَاسِ وَأَنَّهُ وَارِدٌ مِنْ جَانِبِ الْقُدُسِ، فَهُوَ لُطْفٌ وَسَكِينَةٌ وَرَحْمَةٌ رَبَّانِيَّةٌ، وَيَتَأَكَّدُ بِهِ إِسْنَادُ الْإِغْشَاءِ إِلَى اللَّهِ، عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ نَصَبُوا (النُّعَاسَ) ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ إِسْنَادٌ مَخْصُوصٌ، وَلَيْسَ الْإِسْنَادُ الَّذِي يَعُمُّ الْمَقْدُورَاتِ كُلِّهَا، وَعَلَى قِرَاءَةِ مَنْ رَفَعُوا (النُّعَاسَ) يَكُونُ وَصْفُ الْأَمَنَةِ بِأَنَّهَا مِنْهُ سَارِيًا إِلَى الْغَشْيِ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ غَشْيٌ خَاصٌّ قُدْسِيٌّ، وَلَيْسَ مِثْلَ سَائِرِ غَشَيَانِ النُّعَاسِ فَهُوَ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ كَانَ كَرَامَةً لَهُمْ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ كَمَا هُوَ صَرِيحُ هَذِهِ الْآيَةِ وَحَصَلَ النُّعَاسُ يَوْمَ أُحُدٍ لِطَائِفَةٍ مِنَ الْجَيْشِ قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [154]، وَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» عَنْ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ:«كُنْتُ فِيمَنْ تَغَشَّاهُ النُّعَاسَ يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى سَقَطَ سَيْفِي مِنْ يَدِي مِرَارًا» .

وَذَكَرَ اللَّهُ مِنَّةً أُخْرَى جَاءَتْ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ: وَهِيَ أَنَّهُ أَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْمَطَرَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَإِسْنَادُ هَذَا الْإِنْزَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ أَكْرَمَهُمْ بِهِ وَذَلِكَ لِكَوْنِهِ نَزَلَ فِي وَقْتِ

احْتِيَاجِهِمْ إِلَى الْمَاءِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ فِيهِ نُزُولُ الْأَمْطَارِ فِي أُفُقِهِمْ، قَالَ أَهْلُ السِّيَرِ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ اقْتَرَبُوا مِنْ بَدْرٍ رَامُوا أَنْ يَسْبِقُوا جَيْشَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى مَاءِ بَدْرٍ، وَكَانَ طَرِيقُهُمْ دَهْسَاءَ أَيْ رَمْلًا لَيِّنًا، تَسُوخُ فِيهِ الْأَرْجُلُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِسْرَاعُ السَّيْرِ إِلَى الْمَاءِ وَكَانَتْ أَرْضُ طَرِيقِ الْمُشْرِكِينَ مُلَبَّدَةً، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ الْمَطَرَ تَلَبَّدَتِ الْأَرْضُ فَصَارَ السَّيْرُ أَمْكَنَ لَهُمْ، وَاسْتَوْحَلَتِ الْأَرْضُ لِلْمُشْرِكِينَ فَصَارَ السَّيْرُ فِيهَا مُتْعِبًا، فَأَمْكَنَ لِلْمُسْلِمِينَ السَّبْقُ إِلَى الْمَاءِ مِنْ بَدْرٍ وَنَزَلُوا عَلَيْهِ وَادَّخَرُوا مَاءً كَثِيرًا مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ، وَتَطَهَّرُوا وَشَرِبُوا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ.

و (الرجز) الْقَذَرُ، وَالْمُرَادُ الْوَسَخُ الْحِسِّيُّ وَهُوَ النَّجَسُ، وَالْمَعْنَوِيُّ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ بِالْحَدَثِ. وَالْمُرَادُ الْجَنَابَةُ، وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَعُمُّ الْجَيْشَ كُلَّهُ فَلِذَلِكَ قَالَ: وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ، وَإِضَافَتُهُ إِلَى الشَّيْطَانِ لِأَنَّ غَالِبَ الْجَيْشِ لَمَّا نَامُوا احْتَلَمُوا فَأَصْبَحُوا عَلَى جَنَابَةٍ وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ خَوَاطِرَ الشَّيْطَانِ يُخَيِّلُهَا لِلنَّائِمِ لِيُفْسِدَ عَلَيْهِ طَهَارَتَهُ بِدُونِ اخْتِيَارٍ طَمَعًا فِي تَثَاقُلِهِ عَنِ الِاغْتِسَالِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَلِأَنَّ فُقْدَانَ الْمَاءِ يُلْجِئُهُمْ إِلَى الْبَقَاءِ فِي تَنَجُّسِ الثِّيَابِ وَالْأَجْسَادِ

ص: 279