المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأعراف (7) : آية 204] - التحرير والتنوير - جـ ٩

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 88 الى 89]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 90 إِلَى 92]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 96 إِلَى 99]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 101 إِلَى 102]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 104 إِلَى 108]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 109 إِلَى 112]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 113 إِلَى 116]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 117 إِلَى 119]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 120 إِلَى 126]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 127 إِلَى 128]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 129]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 130 إِلَى 131]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 132 إِلَى 133]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 134 إِلَى 135]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 136]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 137]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 138 إِلَى 140]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 141]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 142]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 143 إِلَى 144]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 145]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 146]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 147]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 148]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 149]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 150 إِلَى 151]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 152 إِلَى 153]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 154]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 155 الى 157]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 158]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 159]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 160]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 161 إِلَى 162]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 163]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 164 إِلَى 166]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 167]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 168]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 169 إِلَى 170]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 171]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 172 إِلَى 174]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 175 الى 176]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 177]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 178]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 179]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 180]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 181 إِلَى 183]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 184]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 185]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 186]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 187]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 188]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 189 إِلَى 190]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 191 إِلَى 192]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 193]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 194]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 195]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 196 إِلَى 197]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 198]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 199]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 200]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 201]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 202]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 203]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 204]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 205]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 206]

- ‌8- سُورَةُ الْأَنْفَالِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 12 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 20 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 32 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

الفصل: ‌[سورة الأعراف (7) : آية 204]

وَالْبَصَائِرُ جَمْعُ بَصِيرَةٍ وَهِيَ مَا بِهِ اتِّضَاحُ الْحَقِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [104] ، وَهَذَا تَنْوِيهٌ بِشَأْنِ الْقُرْآنِ وَأَنَّهُ خَيْرٌ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي يَسْأَلُونَهَا، لِأَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الدَّلَالَةِ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ بِوَاسِطَةِ دَلَالَةِ الْإِعْجَازِ وَصُدُورِهِ عَنِ الْأُمِّيِّ، وَبَيْنَ الْهِدَايَةِ وَالتَّعْلِيمِ وَالْإِرْشَادِ، وَالْبَقَاءِ عَلَى الْعُصُورِ.

وَإِنَّمَا جَمَعَ «الْبَصَائِرَ» لِأَنَّ الْقُرْآنِ أَنْوَاعًا مِنَ الْهُدَى عَلَى حَسَبِ النَّوَاحِي الَّتِي يَهْدِي إِلَيْهَا، مِنْ تَنْوِيرِ الْعَقْلِ فِي إِصْلَاحِ الِاعْتِقَادِ، وَتَسْدِيدِ الْفَهْمِ فِي الدِّينِ، وَوَضْعِ الْقَوَانِينِ لِلْمُعَامَلَاتِ وَالْمُعَاشَرَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَالدَّلَالَةِ عَلَى طُرُقِ النَّجَاحِ وَالنَّجَاةِ فِي الدُّنْيَا، وَالتَّحْذِيرِ مِنْ مَهَاوِي الْخُسْرَانِ.

وَأَفْرَدَ الْهُدَى وَالرَّحْمَةَ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ عَامَّانِ يَشْمَلَانِ أَنْوَاعَ الْبَصَائِرِ فَالْهُدَى يُقَارِنُ الْبَصَائِرَ وَالرَّحْمَةُ غَايَةٌ لِلْبَصَائِرِ، وَالْمُرَادُ بِالرَّحْمَةِ مَا يَشْمَلُ رَحْمَةَ الدُّنْيَا وَهِيَ اسْتِقَامَةُ أَحْوَالِ الْجَمَاعَةِ وَانْتِظَامُ الْمَدَنِيَّةِ وَرَحْمَةَ الْآخِرَةِ وَهِيَ الْفَوْزُ بِالنَّعِيمِ الدَّائِمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ [النَّحْل: 97] .

وَقَوْلُهُ: مِنْ رَبِّكُمْ تَرْغِيبٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَتَخْوِيفٌ لِلْكَافِرِينَ.

ولِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يتنازعه (بصائر) و (هدى) و (رَحْمَة) لِأَنَّهُ إِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ، فَالْمَعْنَى هَذَا بَصَائِرُ لَكُمْ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ خَاصَّةً إِذْ لَمْ يَهْتَدُوا، وَهُوَ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ غَيْرَ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسُوا أَهْلًا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ وَأَنَّهُمْ لَهَوْا عَنْ هَدْيِهِ بِطَلَبِ خوارق الْعَادَات.

[204]

[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 204]

وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)

يُؤْذِنُ الْعَطْفُ بِأَنَّ الْخِطَابَ بِالْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: فَاسْتَمِعُوا- وأَنْصِتُوا وَفِي قَوْلِهِ:

لَعَلَّكُمْ تَابِعٌ لِلْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ هَذَا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ [الْأَعْرَاف: 203] إِلَخْ، فَقَوْلُهُ: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ مِنْ جُمْلَةِ مَا أُمِرَ الرَّسُولُ عليه الصلاة والسلام بِأَنْ يَقُولَهُ لَهُمْ وَذَلِكَ إِعَادَةُ تَذْكِيرٍ لِلْمُشْرِكِينَ تَصْرِيحًا أَوْ تَعْرِيضًا بِأَنْ لَا يُعْرِضُوا عَنِ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ وَبِأَنْ يَتَأَمَّلُوهُ لِيَعْلَمُوا أَنَّهُ آيَةٌ عَظِيمَةٌ، وَأَنَّهُ بَصَائِرُ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ، لِمَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَلَا يُعَانِدُ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَنَاهَوْنَ عَنِ الْإِنْصَاتِ إِلَى الْقُرْآنِ وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت: 26] .

ص: 238

وَذِكْرُ اسْمِ الْقُرْآنِ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ بِوَاسِطَةِ اسْمِ الْإِشَارَةِ فَنُكْتَةُ هَذَا الْإِظْهَارِ: التَّنْوِيهُ بِهَذَا الْأَمْرِ، وَجَعَلَ جُمْلَتَهُ مُسْتَقِلَّةً بِالدَّلَالَةِ غَيْرَ مُتَوَقِّفَةٍ عَلَى غَيْرِهَا، وَهَذَا مِنْ وُجُوهِ الِاهْتِمَامِ بِالْكَلَامِ وَمِنْ دَوَاعِي الْإِظْهَارِ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ اسْتَقْرَيْتُهُ مِنْ كَلَامِ الْبُلَغَاءِ.

وَالِاسْتِمَاعُ الْإِصْغَاءُ وَصِيغَةُ الِافْتِعَالِ دَالَّةٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْفِعْلِ، وَالْإِنْصَاتُ الِاسْتِمَاعُ مَعَ تَرْكِ الْكَلَامِ فَهَذَا مُؤَكَّدُ (لَا تَسْمَعُوا) . مَعَ زِيَادَةِ مَعْنًى. وَذَلِكَ مُقَابِلُ قَوْلِهِمْ:

لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ [فصلت: 26] ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِمَاعُ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ، وَهُوَ الِامْتِثَالُ لِلْعَمَلِ بِمَا فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لَا يَسْمَعُوا [الْأَعْرَاف: 198] وَيَكُونُ الْإِنْصَاتُ جَامِعًا لِمَعْنَى الْإِصْغَاءِ وَتَرْكِ اللَّغْوِ.

وَهَذَا الْخِطَابُ شَامِلٌ لِلْكُفَّارِ عَلَى وَجْهِ التَّبْلِيغِ، وَلِلْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِ الْإِرْشَادِ لِأَنَّهُمْ أَرْجَى لِلِانْتِفَاعِ بِهَدْيِهِ لِأَنَّ قَبْلَهُ قَوْلَهُ: وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الْأَعْرَاف: 203] .

وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي جُمْلَةِ الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا وَعَلَى مُنَاسَبَتِهَا، سَوَاءٌ أُرِيدَ بِضَمِيرِ الْخِطَابِ بِهَا الْمُشْرِكُونَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعًا، أَمْ أُرِيدَ الْمُسْلِمُونَ تَصْرِيحًا وَالْمُشْرِكُونَ تَعْرِيضًا، أَمْ أُرِيدَ الْمُشْرِكُونَ لِلِاهْتِدَاءِ وَالْمُسْلِمُونَ بِالْأَحْرَى لِزِيَادَتِهِ.

فَالِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ الْمَأْمُورُ بِهِمَا هُمَا الْمُؤَدِّيَانِ بِالسَّامِعِ إِلَى النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَالِاهْتِدَاءِ بِمَا يَحْتَوِي عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى صدق الرَّسُول صلى الله عليه وسلم الْمَقْضِيِّ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ، وَلِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ إِصْلَاحِ النُّفُوسِ، فَالْأَمْرُ بِالِاسْتِمَاعِ مَقْصُودٌ بِهِ التَّبْلِيغُ وَاسْتِدْعَاءُ النَّظَرِ وَالْعَمَلُ بِمَا فِيهِ، فَالِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ مَرَاتِبُ بِحَسَبِ مَرَاتِبِ الْمُسْتَمِعِينَ.

فَهَذِهِ الْآيَةُ مُجْمَلَةٌ فِي مَعْنَى الِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ وَفِي مُقْتَضَى الْأَمْرِ مِنْ قَوْلِهِ:

فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا، يُبَيِّنُ بَعْضَ إِجْمَالِهَا سِيَاقُ الْكَلَامِ وَالْحَمْلُ عَلَى مَا يُفَسِّرُ سَبَبَهَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ [فصلت: 26] ، وَيُحَالُ بَيَانُ مُجْمَلِهَا فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ عَلَى أَدِلَّةٍ أُخْرَى. وَقَدِ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ بِمُجَرَّدِهِ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ مُؤَوَّلٌ، فَلَا يَقُولُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ

ص: 239

يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِذَا سَمِعَ أَحَدًا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالِاسْتِمَاعِ وَيُنْصِتَ، إِذْ قَدْ يَكُونُ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِمَحْضَرِ صَانِعٍ فِي صَنْعَتِهِ فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِمَاعُ لَأُمِرَ بِتَرْكِ عَمَلِهِ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي مَحْمَلِ تَأْوِيلِهَا:

فَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهَا بِسَبَبٍ رَأَوْا أَنَّهُ سَبَبُ نُزُولِهَا، فَرَوَوْا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قِرَاءَةِ الْإِمَامِ فِي الْجَهْرِ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ صَلَّى وَرَاء النبيء صلى الله عليه وسلم صَلَاةً جَهْرِيَّةً فَكَانَ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاة والنبيء صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَمْرِ النَّاسِ بِالِاسْتِمَاعِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ. وَهَؤُلَاءِ قَصَرُوا أَمْرَ الِاسْتِمَاعِ عَلَى قِرَاءَةٍ خَاصَّةٍ دَلَّ عَلَيْهَا سَبَبُ النُّزُولِ عِنْدَهُمْ عَلَى نَحْوٍ يَقْرُبُ مِنْ تَخْصِيصِ الْعَامِ بِخُصُوصِ سَبَبِهِ، عِنْدَ مَنْ يُخَصِّصُ بِهِ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ نُزُولَ الْآيَةِ عَلَى هَذَا السَّبَبِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَا هُوَ مِمَّا يُسَاعِدُ عَلَيْهِ نظم الْآيَة الَّتِي مَعَهَا، وَمَا قَالُوهُ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ وَتَأْوِيلٌ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مَأْثُورٌ عَن النبيء صلى الله عليه وسلم.

وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْقَى أَمْرَ الِاسْتِمَاعِ عَلَى إِطْلَاقِهِ الْقَرِيبِ مِنَ الْعُمُومِ، وَلَكِنَّهُمْ تَأَوَّلُوهُ عَلَى أَمْرِ النَّدْبِ، وَهَذَا الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ، وَلَوْ قَالُوا الْمُرَادُ من قَوْله قرىء قِرَاءَةٌ خَاصَّةٌ، وَهِيَ أَنْ يَقْرَأَهُ الرَّسُولُ عليه الصلاة والسلام عَلَى النَّاسِ لِعِلْمِ مَا فِيهِ وَالْعَمَلِ بِهِ لِلْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ، لَكَانَ أَحْسَنَ تَأْوِيلًا.

وَفِي «تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ» عَنْ سَعِيدِ (بْنِ الْمُسَيِّبِ) : كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَأْتُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى جَوَابًا لَهُمْ وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا.

عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْإِخْبَارِ فِي مَحْمَلِ سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ وَتِلْكَ الْحَوَادِثُ حَدَثَتْ فِي الْمَدِينَةِ. أَمَّا اسْتِدْلَالُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى تَرْكِ قِرَاءَةِ

الْمَأْمُومِ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ مُسِرًّا بِالْقِرَاءَةِ، فَالْآيَةُ بِمَعْزِلٍ عَنْهُ إِذْ لَا يَتَحَقَّقُ فِي ذَلِكَ التَّرْكِ مَعْنَى الْإِنْصَاتِ.

وَيَجِبُ التَّنَبُّهُ إِلَى أَنْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ صِيغَةٌ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ لِأَنَّ الَّذِي فِيهَا فعلان هما (قرىء)(وَاسْتَمعُوا) وَالْفِعْلُ لَا عُمُومَ لَهُ فِي الْإِثْبَاتِ.

وَمَعْنَى الشَّرْطِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ (إِذَا) يَقْتَضِي إِلَّا عُمُومَ الْأَحْوَالِ أَوِ الْأَزْمَانِ دُونَ

ص: 240