المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأعراف (7) : آية 184] - التحرير والتنوير - جـ ٩

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 88 الى 89]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 90 إِلَى 92]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 96 إِلَى 99]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 101 إِلَى 102]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 104 إِلَى 108]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 109 إِلَى 112]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 113 إِلَى 116]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 117 إِلَى 119]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 120 إِلَى 126]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 127 إِلَى 128]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 129]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 130 إِلَى 131]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 132 إِلَى 133]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 134 إِلَى 135]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 136]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 137]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 138 إِلَى 140]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 141]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 142]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 143 إِلَى 144]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 145]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 146]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 147]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 148]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 149]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 150 إِلَى 151]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 152 إِلَى 153]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 154]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 155 الى 157]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 158]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 159]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 160]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 161 إِلَى 162]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 163]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 164 إِلَى 166]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 167]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 168]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 169 إِلَى 170]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 171]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 172 إِلَى 174]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 175 الى 176]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 177]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 178]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 179]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 180]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 181 إِلَى 183]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 184]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 185]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 186]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 187]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 188]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 189 إِلَى 190]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 191 إِلَى 192]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 193]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 194]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 195]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 196 إِلَى 197]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 198]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 199]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 200]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 201]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 202]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 203]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 204]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 205]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 206]

- ‌8- سُورَةُ الْأَنْفَالِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 12 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 20 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 32 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

الفصل: ‌[سورة الأعراف (7) : آية 184]

لِأَنَّ مَضْمُونَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى هَذَا شَامِلٌ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ مَعَ زِيَادَةِ الْوَصْفِ، الْمَتِينِ، مَا لَوْ حُمِلَ الْكَيْدُ عَلَى مَعْنَى الْأَخْذِ عَلَى خَفَاءٍ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ إِظْهَارِ خِلَافِ مَا يُخْفِيهِ، فَإِنَّ جُمْلَةَ: إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ لَا تُفِيدُ إِلَّا تَعْلِيلَ الِاسْتِدْرَاجِ وَالْإِمْلَاءِ بِأَنَّهُمَا مِنْ فِعْلِ مَنْ يَأْخُذُ عَلَى خَفَاءٍ دُونَ تَلْوِينِ أَخْذِهِ بِمَا يَغُرُّ الْمَأْخُوذَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ كَائِدِينَ لَهُمْ، إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ.

وَإِطْلَاقُهُ هُنَا جَاءَ عَلَى طَرِيقَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ بِتَشْبِيهِ الْحَالِ الَّتِي يَسْتَدْرِجُ اللَّهُ بِهَا الْمُكَذِّبِينَ مَعَ تَأْخِيرِ الْعَذَابِ عَنْهُمْ إِلَى أَمَدٍ هُمْ بَالِغُوهُ، بِحَال من يهيىء أَخْذًا لِعَدُوِّهِ مَعَ إِظْهَارِ الْمُصَانَعَةِ وَالْمُحَاسَنَةِ لِيَزِيدَ عَدُوَّهُ غُرُورًا، وَلِيَكُونَ وُقُوعُ ضَرِّ الْأَخْذِ بِهِ أَشَدَّ وَأَبْعَدَ عَنِ الاستعداد لتلقيه.

و (المتين) الْقَوِيُّ، وَحَقِيقَتُهُ الْقَوِيُّ الْمَتْنِ أَيِ الظَّهْرِ، لِأَنَّ قُوَّةَ مَتْنِهِ تُمَكِّنُهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الشَّدِيدَةِ، وَمَتْنُ كُلِّ شَيْءٍ عَمُودُهُ وَمَا يتماسك بِهِ.

[184]

[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 184]

أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (184)

لَمَّا كَانَ تَكْذِيبُهُمْ بِالْآيَاتِ مُنْبَعِثًا عَنْ تَكْذِيبِهِمْ مَنْ جَاءَ بِهَا، وَنَاشِئًا عَنْ ظَنٍّ أَنَّ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَجِيءُ بِهَا الْبَشَرُ، وَأَنَّ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ مَجْنُونٌ، عَقَّبَ الْإِخْبَارَ عَنِ الْمُكَذِّبِينَ وَوَعِيدَهُمْ بِدَعْوَتِهِمْ لِلنَّظَرِ فِي حَالِ الرَّسُولِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ كَمَا يَزْعُمُونَ.

وَاسْتِعْمَالُ الْعَرَبِ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ مَعَ حُرُوفِ الْعَطْفِ الْمُشْرَكَةِ فِي الْحُكْمِ اسْتِعْمَالٌ عَجِيبٌ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [87] .

وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ، وَهِيَ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ فِي مُحَاجَّتِهِمْ وَتَنْبِيهِهِمْ بَعْدَ الْإِخْبَارِ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ مُسْتَدْرَجُونَ وَمُمْلًى لَهُمْ.

والاستفهام لِلتَّعْجِيبِ مِنْ حَالِهِمْ وَالْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ، وَ (مَا) فِي قَوْلِهِ: مَا بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ نَافِيَةٌ كَمَا يُؤْذِنُ بِهِ دُخُولُ (مِنْ) عَلَى مَنْفِيِّ مَا، لِتَأْكِيدِ الِاسْتِغْرَاقِ.

وَفِعْلُ يَتَفَكَّرُوا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ، فَلَا يُقَدَّرُ لَهُ مُتَعَلِّقٌ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْ ذَلِكَ بِمَا

ص: 193

دَلَّ عَلَيْهِ النَّفْيُ فِي قَوْلِهِ: مَا بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ أَيْ أَلَمْ يَكُونُوا مِنَ الْمُفَكِّرِينَ أَهْلَ النَّظَرِ، وَالْفِعْلُ الْمُعَلَّقُ عَنِ الْعَمَلِ لَا يُقَدَّرُ لَهُ مَفْعُولٌ وَلَا مُتَعَلِّقٌ.

وَالْمَقْصُودُ مِنْ تَعْلِيقِ الْفِعْلِ هُوَ الِانْتِقَالُ مِنْ عِلْمِ الظَّانِّ إِلَى تَحْقِيقِ الْخَبَرِ الْمَظْنُونِ وَجَعْلِهِ قَضِيَّةً مُسْتَقِلَّةً، فَيَصِيرُ الْكَلَامُ بِمَنْزِلَةِ خَبَرَيْنِ خَبَرٍ مِنْ جَانِبِ الظَّانِّ وَنَحْوِهِ، وَخَبَرٍ مِنْ جَانِبٍ الْمُتَكَلِّمِ دَخَلَ فِي قِسْمِ الْوَاقِعَاتِ فَنَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ [الْأَنْبِيَاء: 65] هُوَ فِي قُوَّةِ أَنْ يُقَالَ: لَقَدْ عَلِمْتَ لَا يَنْطِقُونَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ، أَيْ ذَلِكَ عِلْمُكَ وَهَذَا عِلْمِي، وَقَوْلُهُ هُنَا: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ فِي قُوَّة: أَو لم يَتَفَكَّرُوا صَاحِبُهُمْ غَيْرُ مَجْنُونٍ، مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جَنَّةٍ. فَتَعْلِيقُ أَفْعَالِ الْقَلْبِ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ الْإِيجَازِ، وَأَحْسَبُ هَذَا هُوَ الْغَرَضُ مِنْ أُسْلُوبِ التَّعْلِيقِ لَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْمَعَانِي، وَأَنَّ خَصَائِصَ الْعَرَبِيَّةِ لَا تَنْحَصِرُ.

وَ «الصَّاحِبُ» حَقِيقَتُهُ الَّذِي يُلَازِمُ غَيْرَهُ فِي حَالَةٍ مِنْ سَفَرٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:

يَا صاحِبَيِ السِّجْنِ [يُوسُف: 41] ، وَسُمِّيَتِ الزَّوْجَةُ صَاحِبَةً، وَيُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى الَّذِي لَهُ مَعَ غَيْرِهِ حَادِثٌ عَظِيمٌ وَخَبَرٌ، تَنْزِيلًا لِمُلَازَمَةِ الذِّكْرِ مَنْزِلَةَ مُلَازَمَةِ الذَّاتِ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيِّ لِامْرَأَتِهِ، أُمِّ مَعْبَدٍ، لَمَّا أَخْبَرَتْهُ بِدُخُول النبيء صلى الله عليه وسلم بَيْتَهَا فِي طَرِيقِ الْهِجْرَةِ وَوَصَفَتْ لَهُ هَدْيَهُ وَبَرَكَتَهُ:«هَذَا صَاحِبُ قُرَيْشٍ» ، وَقَوْلُ الْحَجَّاجِ فِي بَعْضِ خُطَبِهِ لِأَهْلٍ

الْعِرَاقِ «أَلَسْتُمْ أَصْحَابِي بِالْأَهْوَازِ حِينَ رُمْتُمُ الْغَدْرَ وَاسْتَبْطَنْتُمُ الْكُفْرَ» يُرِيدُ أَنَّهُمُ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ بِالْأَهْوَازِ، فَمَعْنَى كَوْنِهِمْ أَصْحَابَهُ أَنَّهُ كَثُرَ اشْتِغَالُهُ بِهِمْ، وَقَوْلُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ اللَّهَبِيِّ:

كُلٌّ لَهُ نِيَّةٌ فِي بُغْضِ صَاحِبِهِ

بِنِعْمَةِ اللَّهِ نَقْلِيكُمْ وَتَقْلُونَا

فوصف الرَّسُول صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ صَاحِبُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْآيَاتِ: هُوَ بِمَعْنَى الَّذِي اشْتَغَلُوا بِشَأْنِهِ وَلَزِمُوا الْخَوْضَ فِي أَمْرِهِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ [التكوير: 22] .

وَالْجِنَّةُ- بِكَسْرِ الْجِيمِ- اسْمٌ لِلْجُنُونِ، وَهُوَ الْخَبَالُ الَّذِي يَعْتَرِي الْإِنْسَانَ مِنْ أَثَرِ مَسِّ الْجِنِّ إِيَّاهُ فِي عُرْفِ النَّاسِ، وَلِذَلِكَ عُلِّقَتِ الْجِنَّةُ بِفِعْلِ الْكَوْنِ الْمُقَدَّرِ،

ص: 194

بِحَرْفِ الْبَاءِ الدَّالِّ عَلَى الْمُلَابَسَةِ. وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ وَعَجِبَ مِنْ إِعْرَاضِهِمْ عَنِ التَّفَكُّرِ فِي شَأْنِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ غَيْرُ مَجْنُونٍ، رَدًّا عَلَيْهِمْ وَصْفَهُمْ إِيَّاهُ بِالْجُنُونِ وَقالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [الْحجر: 6] ، وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ [الدُّخان: 14] وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ [التكوير: 22] .

وَجُمْلَةُ: إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِجَوَابِ سَائِلٍ مِنْهُمْ يَقُولُ: فَمَاذَا شَأْنُهُ، أَوْ هِيَ تَقْرِيرٌ لِحُكْمِ جُمْلَةِ: مَا بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ فَفُصِلَتْ لِكَمَالِ الِاتِّصَالِ بَيْنَهُمَا الْمُغْنِي عَنِ الْعَطْفِ.

وَالنَّذِيرُ الْمُحَذِّرُ مِنْ شَيْءٍ يَضُرُّ، وَأَصْلُهُ الَّذِي يُخْبِرُ الْقَوْمَ بِقُدُومٍ عَدُوِّهِمْ، وَمِنْهُ الْمَثَلُ «أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ» يُقَالُ أَنْذَرَ نِذَارَةً بِكَسْرِ النُّونِ مِثْلَ بِشَارَةٍ فَهُوَ مُنْذِرٌ وَنَذِيرٌ.

وَهَذَا مِمَّا جَاءَ فِيهِ فَعِيلٌ فِي مَوْضِعٍ مُفْعِلٍ، مِثْلَ الْحَكِيمِ، بِمَعْنَى الْمُحْكِمِ، وَقَوْلِ عَمْرو بن معديكرب:

أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ أَيِ الْمُسْمِعُ. وَالْمُبِينُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَبَانَ إِذا أوضح، وَوَقع هَذَا الْوَصْفِ عقب الْإِخْبَار ب (نَذِير) يَقْتَضِي أَنَّهُ وَصْفٌ لِلْخَبَرِ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ النَّذِيرُ الْمُبِينُ لِنِذَارَتِهِ بِحَيْثُ لَا يُغَادِرُ شَكًّا فِي صِدْقِهِ، وَلَا فِي تَصْوِيرِ الْحَالِ الْمُحَذَّرِ مِنْهَا، فَالْغَرَضُ مِنْ إِتْبَاعِ «النَّذِيرِ» بِوَصْفِ «الْمُبِينِ» التَّعْرِيضُ بِالَّذِينَ لَمْ يَنْصَاعُوا لِنِذَارَتِهِ، وَلَمْ يَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ مِنْ شَرٍّ مَا حَذَّرَهُمْ مِنْهُ، وَذَلِكَ يَقْطَعُ عُذْرَهُمْ.

وَيَجُوزُ جَعْلُ مُبِينٌ خَبَرًا ثَانِيًا عَنْ ضَمِيرِ صَاحِبِهِمْ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ نَذِيرٌ وَأَنَّهُ مُبِينٌ

فِيمَا يُبَلِّغُهُ مِنْ نِذَارَةٍ وَغَيْرِهَا.

وَالْقَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنَ النَّفْيِ وَالِاسْتِثْنَاءِ قَصْرٌ مَوْصُوفٌ عَلَى صِفَةٍ، وَهُوَ يَقْتَضِي انْحِصَارَ أَوْصَاف الرَّسُول صلى الله عليه وسلم فِي النِّذَارَةِ وَالْبَيَانِ، وَذَلِكَ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ، هُوَ قَصْرُ قَلْبٍ، أَيْ هُوَ نَذِيرٌ مُبِينٌ لَا مَجْنُونٌ كَمَا يَزْعُمُونَ، وَفِي هَذَا اسْتِغْبَاءٌ أَوْ تَسْفِيهٌ لَهُمْ بِأَنَّ حَالَهُ لَا يَلْتَبِسُ بِحَالِ الْمَجْنُونِ لِلْبَوْنِ الْوَاضِحِ بَيْنَ حَالِ النِّذَارَةِ الْبَيِّنَةِ وَحَالِ هَذَيَانِ الْمَجْنُونِ. فَدَعْوَاهُمْ جُنُونَهُ: إِمَّا غَبَاوَةٌ مِنْهُمْ بِحَيْثُ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِمُ الْحَقَائِقُ الْمُتَمَايِزَةُ،

ص: 195