الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَجُمْلَةُ: وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئاً فَتَكُونُ صِلَةً ثَانِيَةً.
وَالْقَوْلُ فِي الْفِعْلَيْنِ مِنْ لَا يَسْتَطِيعُونَ- وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ كَالْقَوْلِ فِي مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئاً.
وَتَقْدِيمُ الْمَفْعُولِ فِي وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ لِلِاهْتِمَامِ بِنَفْيِ هَذَا النَّصْرِ عَنْهُمْ، لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى عَجْزِ تِلْكَ الْآلِهَةِ لِأَنَّ مَنْ يُقَصِّرُ فِي نَصْرِ غَيْرِهِ لَا يُقَصِّرُ فِي نَصْرِ نَفْسِهِ لَوْ قَدَرَ.
وَالْمَعْنَى: أَنْ الْأَصْنَامَ لَا يَنْصُرُونَ مَنْ يَعْبُدُونَهُمْ إِذَا احْتَاجُوا لِنَصْرِهِمْ وَلَا يَنْصُرُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنْ رَامَ أَحَدٌ الِاعْتِدَاءَ عَلَيْهَا.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَخْصِيصَ النَّصْرِ مِنْ بَيْنِ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَتَخَيَّلُونَ أَنْ تَقُومَ بِهَا الْأَصْنَامُ مَقْصُودٌ مِنْهُ تَنْبِيهُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى انْتِفَاءِ مَقْدِرَةِ الْأَصْنَامِ عَلَى نَفْعِهِمْ، إِذْ كَانَ النَّصْرُ أَشَدَّ مَرْغُوبٍ لَهُمْ، لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا أَهْلَ غارات وقتال وتراث، فَالِانْتِصَارُ مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ لَدَيْهِمْ قَالَ تَعَالَى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ [يس:
74، 75] وَقَالَ تَعَالَى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ [مَرْيَم: 81، 82]، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَ أُحُدٍ «أَعْلُ هُبْلُ» - وَقَالَ أَيْضًا- «لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ» وَأَنَّ اللَّهَ أَعْلَمَ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ تَعْرِيضًا بِالْبِشَارَةِ بِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ سَيُغْلَبُونَ قَالَ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ [آل عمرَان: 12] وَأَنَّهُمْ سَيَمْحَقُونَ الْأَصْنَامَ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ الذب عَنْهَا.
[193]
[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 193]
وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (193)
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئاً [الْأَعْرَاف: 191] زِيَادَةً فِي التَّعْجِيبِ مِنْ حَالِ الْمُشْرِكِينَ بِذِكْرِ تَصْمِيمِهِمْ عَلَى الشِّرْكِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ سَخَافَةِ الْعُقُولِ وَوَهَنِ الدَّلِيلِ، بَعْدَ ذِكْرِ مَا هُوَ كَافٍ لِتَزْيِيفِهِ.
فَضَمِيرُ الْخِطَابِ الْمَرْفُوعِ فِي وَإِنْ تَدْعُوهُمْ مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُسْلِمِينَ مَعَ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم، وَضَمِيرُ جَمْعِ الْغَائِبِ الْمَنْصُوبِ عَائِدٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ كَمَا عَادَ
ضمير أَيُشْرِكُونَ [الْأَعْرَاف:
191] فَبَعْدَ أَنْ عَجَّبَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ حَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ أَنْبَأَهُمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ الدَّعْوَةَ إِلَى الْهُدَى.
وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ بِالنَّظَرِ إِلَى الْغَالِبِ مِنْهُمْ، وَإِلَّا فَقَدْ آمَنَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ حِينٍ وَتَلَاحَقُوا بِالْإِيمَانِ، عَدَا مَنْ مَاتُوا عَلَى الشِّرْكِ.
وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْأَلْيَقُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لَا يَسْمَعُوا [الْأَعْرَاف: 198] الْآيَةَ لِيَكُونَ الْمُخْبَرُ عَنْهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرَ الْمُخْبَرِ عَنْهُمْ فِي الْآيَة الْآتِيَة، لظهر تَفَاوُتِ الْمَوْقِعِ بَيْنَ لَا يَتَّبِعُوكُمْ وَبَيْنَ لَا يَسْمَعُوا [الْأَعْرَاف: 198] .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى إِلَخْ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ الصِّلَةِ فِي قَوْلِهِ: لَا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ [الْأَعْرَاف: 191] فَيَكُونُ ضَمِيرُ الْخِطَابِ فِي تَدْعُوهُمْ خِطَابًا لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانَ الْحَدِيثُ عَنْهُمْ بِضَمَائِرِ الْغَيْبَةِ مِنْ قَوْلِهِ: فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الْأَعْرَاف: 190] إِلَى هُنَا، فَمُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ: وَإِنْ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتْبَعُوهُمْ، فَيَكُونُ الْعُدُولُ عَنْ طَرِيقِ الْغَيْبَةِ إِلَى طَرِيقِ الْخِطَابِ الْتِفَاتًا مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ تَوَجُّهًا إِلَيْهِمْ بِالْخِطَابِ، لِأَنَّ الْخِطَابَ أَوْقَعُ فِي الدَّمْغِ بِالْحُجَّةِ.
والْهُدى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَا يُهْتَدَى إِلَيْهِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِهِ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَجِيبُونَ إِذَا دَعَوْتُمُوهُمْ إِلَى مَا فِيهِ خَيْرُهُمْ فَيُعْلَمُ أَنَّهُمْ لَوْ دَعَوْهُمْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَكَانَ عَدَمُ اتِّبَاعِهِمْ دَعْوَتَهُمْ أَوْلَى.
وَجُمْلَةُ: سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ مُؤَكِّدَةٌ لِجُمْلَةِ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لَا يَتَّبِعُوكُمْ فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ.
وسَواءٌ اسْمٌ لِلشَّيْءِ الْمُسَاوِي غَيْرَهُ أَيْ لَيْسَ أَوْلَى مِنْهُ فِي الْمَعْنَى الْمَسُوقِ لَهُ الْكَلَامُ وَالْهَمْزَةُ الَّتِي بَعْدَ سَواءٌ يُقَالُ لَهَا هَمْزَةُ التَّسْوِيَةِ، وَأَصْلُهَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ اسْتُعْمِلَتْ فِي التَّسْوِيَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [6] ، أَيْ سَوَاءٌ دَعْوَتُكُمْ إِيَّاهُمْ وَصَمْتُكُمْ عَنِ الدَّعْوَةِ.
وَ (عَلَى) فِيهَا لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ وَهِيَ بِمَعْنَى الْعِنْدِيَّةِ أَيْ: سَوَاءٌ عِنْدَهُمْ. وَإِنَّمَا جُعِلَ الْأَمْرَانِ سَوَاءٌ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ وَلَمْ يُجْعَلَا سَوَاءً عَلَى الْمَدْعُوِّينَ فَلَمْ يَقُلْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا سَوَاءً عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْكَلَامِ هُوَ تَأْيِيسُ
الْمُخَاطَبِينَ مِنَ اسْتِجَابَةِ الْمَدْعُوِّينَ إِلَى مَا يَدْعُونَهُمْ إِلَيْهِ لَا الْإِخْبَارُ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَيَانِ مُتَلَازِمَيْنِ كَمَا أَنَّهُمَا فِي قَوْلِهِ سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ [الْبَقَرَة: 6] مُتَلَازِمَانِ فَإِنَّ الْإِنْذَارَ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ: عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنَّ الْغَرَضَ هُنَالِكَ بَيَانُ انْعِدَامِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْهُدَى.
وَهَذَا هُوَ الْقَانُونُ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَا يَصِحُّ أَنْ يُسْنَدَ فِيهِ فِعْلُ التَّسْوِيةِ إِلَى جَانِبَيْنِ وَبَيْنَ مَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يُسْنَدَ فِيهِ إِلَى جَانِبٍ وَاحِدٍ إِذَا كَانَتِ التَّسْوِيَةُ لَا تُهِمُّ إِلَّا جَانِبًا وَاحِدًا، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ [الطّور: 16] فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ تُجْعَلَ التَّسْوِيَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُخَاطَبِينَ، وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ سَوَاءٌ عَلَيْنَا- وَكَقَوْلِهِ: سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ [إِبْرَاهِيم: 21] فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ التَّسْوِيَةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُتَكَلِّمِينَ.
وَوَقَعَ قَوْلُهُ: أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ مُعَادِلَ أَدَعَوْتُمُوهُمْ مَعَ اخْتِلَافِ الْأُسْلُوبِ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ بِالْفِعْلِيَّةِ وَالِاسْمِيَّةِ، فَلَمْ يَقُلْ: أَمْ صَمَتُّمْ، فَفِي «تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ» ، عَنْ ثَعْلَبٍ: أَنَّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ رَأْسُ آيَةٍ (أَيْ لِمُجَرَّدِ الرِّعَايَةِ عَلَى الْفَاصِلَةِ) قَالَ: وَصَامِتُونَ وَصَمَتُّمْ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَاحِدٌ، (أَيِ الْفِعْلُ وَالْوَصْفُ الْمُشْتَقُّ مِنْهُ سَوَاءٌ) يُرِيدُ لَا تَفَاوُتَ بَيْنَهُمَا فِي أَصْلِ الْمَعْنَى، لِأَنَّ مَا بَعْدَ هَمْزَةِ التَّسْوِيَةِ لَمَّا كَانَ فِي قُوَّةِ الْمَصْدَرِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَثَرٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالِاسْمِ إِذِ التَّقْدِيرُ: سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ دَعْوَتُكُمْ إِيَّاهُمْ وَصَمْتُكُمْ عَنْهُمْ، فَيَكُونُ الْعُدُولُ إِلَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ لَيْسَ لَهُ مُقْتَضٍ مِنَ الْبَلَاغَةِ بَلْ هُمَا عِنْدَ الْبَلِيغِ سِيَّانَ، وَلَكِنَّ الْعُدُولَ إِلَى الِاسْمِيَّةِ مِنْ مُقْتَضَى الْفَصَاحَةِ، لِأَنَّ الْفَوَاصِلَ وَالْأَسْجَاعَ مِنْ أَفَانِينِ الْفَصَاحَةِ، وَفِيهِمَا تَظْهَرُ بَرَاعَةُ الْكَلَامِ إِذْ يَكُونُ فِيهِ إِيفَاءٌ بِحَقِّ الْفَاصِلَةِ مَعَ السَّلَامَةِ مِنَ التَّكَلُّفِ، كَمَا تَظْهَرُ بَرَاعَةُ الشَّاعِرِ فِي تَوْفِيَتِهِ بِحَقِّ الْقَافِيَةِ إِذَا سَلَمَ مَعَ ذَلِكَ مِنَ التَّكَلُّفِ، قَالَ الْمَرْزُوقِيُّ فِي دِيبَاجَةِ «شَرْحِهِ عَلَى الْحَمَاسَةِ» «وَالْقَافِيَةُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ كَالْمَوْعُودِ بِهِ الْمُنْتَظَرِ يَتَشَوَّقُهَا الْمَعْنَى بِحَقِّهِ، وَاللَّفْظُ بِقِسْطِهِ، وَإِلَّا كَانَتْ قَلِقَةً فِي مَقَرِّهَا مُجْتَلَبَةً لِمُسْتَغْنٍ عَنْهَا» .
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْجُمْلَةَ الِاسْمِيَّةَ دَلَّتْ عَلَى ثُبُوتِ الْوَصْفِ الْمُتَضَمَّنِهِ، مَعَ عَدَمِ تَقْيِيدٍ بِزَمَانٍ وَلَا إِفَادَةِ تَجَدُّدٍ، بِخِلَافِ الْفِعْلِيَّةِ، وَهُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الشَّيْخِ فِي «دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ» ، وَالسَّكَاكِيِّ فِي «الْمِفْتَاحِ» ، لَكِنَّ كَلَامَ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يُنَادِي