الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَالْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ الْمَوْعِظَةُ وَالْعِبْرَةُ وَلَيْسَتْ مِنَّةً عَلَيْهِمْ، وَقَرِينَتُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ أَيْ نَمْتَحِنُ طَاعَتَهُمْ بِتَعْرِيضِهِمْ لِدَاعِي الْعِصْيَانِ وَهُوَ وُجُودُ الْمُشْتَهَى الْمَمْنُوعِ.
وَجُمْلَةُ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِجَوَابِ سُؤَالِ مَنْ يَقُولُ: مَا فَائِدَةُ هَذِهِ الْآيَةِ مَعَ عِلْمِ اللَّهِ بِأَنَّهُمْ لَا يَرْعَوُونَ عَنِ انْتِهَاكِ حُرْمَةِ السَّبْتِ.
وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْبَلْوَى الدَّالِّ عَلَيْهَا نَبْلُوهُمْ أَيْ مِثْلَ هَذَا الِابْتِلَاءِ الْعَظِيمِ نَبْلُوهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [143] .
وَأَصْلُ الْبَلْوَى الِاخْتِبَارُ، وَالْبَلْوَى إِذَا أُسْنِدَتْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى كَانَتْ مَجَازًا عَقْلِيًّا أَيْ لِيَبْلُوَ النَّاسَ تَمَسُّكَهُمْ بِشَرَائِعِ دِينِهِمْ.
وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَ (مَا) مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ بِفِسْقِهِمْ، أَيْ تَوَغُّلُهُمْ فِي الْعِصْيَان أضراهم عَلَى الزِّيَادَةِ مِنْهُ، فَإِذَا عَرَضَ لَهُمْ دَاعِيهِ خَفُّوا إِلَيْهِ وَلَمْ يَرْقُبُوا أَمْرَ الله تَعَالَى.
[164- 166]
[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 164 إِلَى 166]
وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (166)
جُمْلَةُ: وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: إِذْ يَعْدُونَ [الْأَعْرَاف: 163] وَالتَّقْدِيرُ: وَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ، فَإِذْ فِيهِ اسْمُ زَمَانٍ لِلْمَاضِي وَلَيْسَتْ ظَرْفًا، وَلَهَا حكم إِذْ [الْأَعْرَاف: 163] أُخْتِهَا، الْمَعْطُوفَةِ هِيَ عَلَيْهَا، فَالتَّقْدِيرُ: وَاسْأَلْهُمْ عَنْ وَقْتِ قَالَتْ أُمَّةٌ، أَيْ عَنْ زَمَنِ قَوْلِ أُمَّةٍ مِنْهُمْ، وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِمِنْ عَائِدٌ إِلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ ضمير وَسْئَلْهُمْ [الْأَعْرَاف: 163] وَلَيْسَ عَائِدًا إِلَى الْقَرْيَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَوْبِيخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كُلِّهِمْ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ حَصَلَ فِي تِلْكَ الْقرْيَة كَمَا ذكره الْمُفَسِّرُونَ كَانَ غَيْرَ مَنْظُورٍ إِلَى حُصُولِهِ فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ، بَلْ مَنْظُورًا إِلَيْهِ بِأَنَّهُ مَظْهَرٌ آخَرُ مِنْ مَظَاهِرِ عِصْيَانِهِمْ وَعُتُوِّهِمْ وَقِلَّةِ جَدْوَى الْمَوْعِظَةِ
فِيهِمْ، وَأَنَّ ذَلِكَ شَأْنٌ مَعْلُومٌ مِنْهُمْ عِنْدَ عُلَمَائِهِمْ وَصُلَحَائِهِمْ، وَلِذَلِكَ لَمَّا عُطِفَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ أُعِيدَ مَعَهَا لَفْظُ اسْمِ الزَّمَانِ فَقِيلَ: وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ وَلَمْ يُقَلْ: وَقَالَتْ أُمَّةٌ.
وَالْأُمَّةُ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ الْمُشْتَرِكَةُ فِي هَذَا الْقَوْلِ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ دَائِبَةً عَلَى الْقِيَامِ بِالْمَوْعِظَةِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَمَةً كَانَتْ قَامَتْ بِذَلِكَ ثُمَّ أَيِسَتْ مِنَ اتِّعَاظِ الْمَوْعُوظِينَ وَأَيْقَنَتْ أَنْ قَدْ حَقَّتْ عَلَى الْمَوْعُوظِينَ الْمُصِمِّينَ آذَانَهُمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ، وَأُمَّةً كَانَتْ سَادِرَةً فِي غُلَوَائِهَا، لَا تَرْعَوِي عَنْ ضَلَالَتِهَا، وَلَا تَرْقُبُ اللَّهَ فِي أَعْمَالِهَا.
وَقَدْ أَجْمَلَتِ الْآيَةُ مَا كَانَ مِنَ الْأُمَّةِ الْقَائِلَةِ إِيجَازًا فِي الْكَلَامِ، اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرِينَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُمُ: اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مُنْكِرِينَ عَلَى الْمَوْعُوظِينَ، وَأَنَّهُمْ مَا عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ مُهْلِكُهُمْ إِلَّا بَعْدَ أَنْ مَارَسُوا أَمْرَهُمْ، وَسَبَرُوا غَوْرَهُمْ، وَرَأَوْا أَنَّهُمْ لَا تُغْنِي مَعَهُمُ الْعِظَاتُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ التَّقَدُّمِ لَهُمْ بِالْمَوْعِظَةِ، وَبِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ إِذْ جَعَلَ النَّاسَ فَرِيقَيْنِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ الْقَائِلِينَ مِنَ الْفَرِيقِ النَّاجِي، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِظَالِمِينَ، وَعَلِمْنَا أَنَّهُمْ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْوَعْظِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [63] وَعِنْدَ قَوْلِهِ آنِفًا مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فِي هَذِهِ السُّورَةِ [145] .
وَاللَّامُ فِي لِمَ تَعِظُونَ للتعليم، فَالْمُسْتَفْهَمُ عَنْهُ مِنْ نَوْعِ الْعِلَلِ، وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ فِي مَعْنَى النَّفْيِ، فَيَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ جَمِيعِ الْعِلَلِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يُوعَظَ لِتَحْصِيلِهَا، وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى الْيَأْسِ مِنْ حُصُولِ اتِّعَاظِهِمْ، وَالْمُخَاطَبُ بِ تَعِظُونَ أُمَّةً أُخْرَى.
وَوَصْفُ الْقَوْمِ بِأَنَّ اللَّهَ مُهْلِكُهُمْ: مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُمْ تَحَقَّقَتْ فِيهِمُ الْحَالُ الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ بِأَنَّهُ يُهْلِكُ أَوْ يُعَذِّبُ مَنْ تَحَقَّقَتْ فِيهِ، وَقَدْ أَيْقَنَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهَا قَدْ تَحَقَّقَتْ فِيهِمْ، وَأَيْقَنَّ الْمَقُولُ لَهُمْ بِذَلِكَ حَتَّى جَازَ أَنْ يَصِفَهُمُ الْقَائِلُونَ لِلْمُخَاطَبِينَ بِهَذَا الْوَصْفِ الْكَاشِفِ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ مَوْصُوفُونَ بِالْمَصِيرِ إِلَى أَحَدِ الْوَعِيدَيْنِ.
وَاسْمَا الْفَاعِلِ فِي قَوْلِهِ: مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ مُسْتَعْمَلَانِ فِي مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ، وَبِقَرِينَةِ التَّرَدُّدِ بَيْنَ الْإِهْلَاكِ وَالْعَذَابِ، فَإِنَّهَا تُؤْذِنُ بِأَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ غَيْرُ مُعَيَّنِ
الْحُصُولِ، لِأَنَّهُ مُسْتَقْبَلٌ وَلَكِنْ لَا يَخْلُو حَالُهُمْ عَنْ أَحَدِهِمَا.
وَفُصِلَتْ جُمْلَةُ قالُوا لِوُقُوعِهَا فِي سِيَاقِ الْمُحَاوَرَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أَيْ قَالَ الْمُخَاطَبُونَ بِ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً إِلَخْ.
وَالْمَعْذِرَةُ- بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الذَّالِ- مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ لِفِعْلِ (اعْتَذَرَ) عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ،
وَمَعْنَى اعْتَذَرَ أَظْهَرَ الْعُذْرَ- بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الذَّالِ- وَالْعُذْرُ السَّبَبُ الَّذِي تَبْطُلُ بِهِ الْمُؤَاخَذَةُ بِذَنْبٍ أَوْ تَقْصِيرٍ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحُجَّةِ الَّتِي يُبْدِيهَا الْمُؤَاخَذُ بِذَنْبٍ لِيُظْهِرَ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِمَّا نُسِبَ إِلَيْهِ، أَوْ مُتَأَوِّلٌ فِيهِ، وَيُقَالُ: عَذَرَهُ إِذَا قَبِلَ عُذْرَهُ وَتَحَقَّقَ بَرَاءَتَهُ، وَيُعَدَّى فِعْلُ الِاعْتِذَارِ بِإِلَى لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِنْهَاءِ وَالْإِبْلَاغِ.
وَارْتَفَعَ مَعْذِرَةً عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ السَّائِلَيْنِ لِمَ تَعِظُونَ وَالتَّقْدِيرُ مَوْعِظَتُنَا مَعْذِرَةٌ مِنَّا إِلَى اللَّهِ.
وبالرفع قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ، وَقَرَأَهُ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ أَيْ وَعَظْنَاهُمْ لِأَجْلِ الْمَعْذِرَةِ.
وَقَوْلُهُ: وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ عِلَّةٌ ثَانِيَةٌ لِلِاسْتِمْرَارِ عَلَى الموعظة أَي رَجَاء لِتَأْثِيرِ الْمَوْعِظَةِ فِيهِمْ بِتَكْرَارِهَا.
فَالْمَعْنَى: أَنَّ صُلَحَاءَ الْقَوْمِ كَانُوا فَرِيقَيْنِ. فَرِيقٌ مِنْهُمْ أَيِسَ مِنْ نَجَاحِ الْمَوْعِظَةِ وَتَحَقَّقَ حُلُولَ الْوَعِيدِ بِالْقَوْمِ، لِتَوَغُّلِهِمْ فِي الْمَعَاصِي، وَفَرِيقٌ لَمْ يَنْقَطِعْ رَجَاؤُهُمْ مِنْ حُصُولِ أَثَرِ الْمَوْعِظَةِ بِزِيَادَةِ التَّكْرَارِ، فَأَنْكَرَ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ عَلَى الْفَرِيقِ الثَّانِي اسْتِمْرَارَهُمْ عَلَى كُلْفَةِ الْمَوْعِظَةِ. وَاعْتَذَرَ الْفَرِيقُ الثَّانِي بِقَوْلِهِمْ: مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَالْفَرِيقُ الْأَوَّلُ أَخَذُوا بِالطَّرَفِ الرَّاجِحِ الْمُوجِبِ لِلظَّنِّ. وَالْفَرِيقُ الثَّانِي أَخَذُوا بالطرف الْمَرْجُوح جمعيا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّاجِحِ لِقَصْدِ الِاحْتِيَاطِ، لِيَكُونَ لَهُمْ عُذْرًا عِنْدَ اللَّهِ إِنْ سَأَلَهُمْ لماذَا أَقْلَعْتُمْ عَنِ الْمَوْعِظَةِ وَلِمَا عَسَى أَنْ يَحْصُلَ مِنْ تَقْوَى الْمَوْعُوظِينَ بِزِيَادَةِ الْمَوْعِظَةِ، فَاسْتِعْمَالُ حَرْفِ الرَّجَاءِ فِي مَوْقِعِهِ، لِأَنَّ الرَّجَاءَ يُقَالُ عَلَى جِنْسِهِ بِالتَّشْكِيكِ فَمِنْهُ قَوِيٌّ وَمِنْهُ ضَعِيفٌ.
وَضَمِيرُ نَسُوا عَائِدٌ إِلَى قَوْماً وَالنِّسْيَانُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِعْرَاضِ الْمُفْضِي إِلَى النِّسْيَانِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ
وَ (الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ) هُمُ الْفَرِيقَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي قَوْلِهِ آنِفًا وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً- إِلَى قَوْلِهِ- وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، والَّذِينَ ظَلَمُوا هُمُ الْقَوْمُ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلِهِ: قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ إِلَخْ.
وَالظُّلْمُ هُنَا بِمَعْنَى الْعِصْيَانِ، وَهُوَ ظُلْمُ النَّفْسِ، حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي عَدَمِ الِامْتِثَالِ لِأَمْرِهِ.
وبيس قَرَأَهُ نَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ- بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مُشْبَعَةً بِيَاءٍ تَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ وَبِتَنْوِينِ
السِّينِ- عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ بِئْسَ- بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ فَخُفِّفَتِ الْهَمْزَةُ يَاءً مِثْلَ قَوْلِهِمْ: ذِيبٌ فِي ذِئْبٍ.
وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ بِئْسٍ بِالْهَمْزَةِ السَّاكِنَةِ وَإِبْقَاءِ التَّنْوِينِ عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ بَئِيسٍ.
وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بَئِيسٍ- بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ وَتَنْوِينِ السِّينِ- عَلَى أَنَّهُ مِثَالُ مُبَالَغَةٍ مِنْ فِعْلِ بَؤُسَ- بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَضَمِّ الْهَمْزَةِ- إِذَا أَصَابَهُ الْبُؤْسُ، وَهُوَ الشِّدَّةُ مِنَ الضُّرِّ. أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِثْلُ عَذِيرٍ وَنَكِيرٍ.
وَقَرَأَهُ أَبُو بَكْرٍ عَن عَاصِم بَئِيسٍ بِوَزْنِ صَيْقَلٍ، عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَوْصُوفِ بِفعل الْبُؤْس مُبَالغَة، وَالْمَعْنَى، عَلَى جَمِيعِ الْقِرَاءَاتِ: أَنَّهُ عَذَابٌ شَدِيدُ الضُّرِّ.
وَقَوْلُهُ: بِما كانُوا يَفْسُقُونَ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيرِهِ قَرِيبًا.
وَقَدْ أُجْمِلَ هَذَا الْعَذَابُ هُنَا، فَقِيلَ هُوَ عَذَابٌ غَيْرُ الْمَسْخِ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ، وَهُوَ عَذَابٌ أُصِيبَ بِهِ الَّذِينَ نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ، فَيَكُونُ الْمَسْخُ عَذَابًا ثَانِيًا أُصِيبَ بِهِ فَرِيقٌ شَاهَدُوا الْعَذَابَ الَّذِي حَلَّ بِإِخْوَانِهِمْ، وَهُوَ عَذَابٌ أَشَدُّ، وَقَعَ بَعْدَ الْعَذَابِ الْبِيسِ، أَيْ أَنَّ اللَّهَ أَعْذَرَ إِلَيْهِمْ فَابْتَدَأَهُمْ بِعَذَابِ الشِّدَّةِ، فَلَمَّا لَمْ يَنْتَهُوا وَعَتَوْا، سَلَّطَ عَلَيْهِمْ عَذَابَ الْمَسْخِ.
وَقيل: الْعَذَاب البئيس هُوَ الْمَسْخُ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ بَيَانا» جمال الْعَذَاب البئيس، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: فَلَمَّا عَتَوْا بِمَنْزِلَةِ التَّأْكِيدِ لِقَوْلِهِ: فَلَمَّا نَسُوا صِيغَ بِهَذَا الْأُسْلُوبِ لِتَهْوِيلِ النِّسْيَانِ وَالْعُتُوِّ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى: أَنَّ النِّسْيَانَ، وَهُوَ الْإِعْرَاضُ، وَقَعَ مُقَارِنًا لِلْعُتُوِّ.
وَمَا ذُكِّرُوا بِهِ وَمَا نُهُوا عَنْهُ مَا صدقهما شَيْءٌ وَاحِدٌ، فَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ