المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[التسميع بقراءة اللحان والمصحف] - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - جـ ٣

[السخاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[الْمُكَاتَبَةُ]

- ‌[إِعْلَامُ الشَّيْخِ]

- ‌[الْوَصِيَّةُ بِالْكِتَابِ]

- ‌[الْوِجَادَةُ]

- ‌[كِتَابَةُ الْحَدِيثِ وَضَبْطُهُ]

- ‌[حُكْمُ كِتَابَةِ الْحَدِيثِ وَأَدِلَّتُهَا]

- ‌[حُكْمُ ضَبْطِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ]

- ‌[حُكْمُ دِقَّةِ الْخَطِّ]

- ‌[كَيْفِيَّةُ ضَبْطِ الْحُرُوفِ الْمُهْمَلَة]

- ‌[رُمُوزُ الْكُتَّابِ وَحُكْمَهَا]

- ‌[الْحَثُّ عَلَى كِتْبَةِ ثَنَاءَ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ]

- ‌[الْمُقَابَلَةُ]

- ‌[تَخْرِيجُ السَّاقِطِ]

- ‌[التَّصْحِيحُ وَالتَّمْرِيضُ]

- ‌[الْكَشْطُ وَالْمَحْوُ وَالضَّرْبُ]

- ‌[الْعَمَلُ فِي اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ]

- ‌[الْإِشَارَةُ بِالرَّمْزِ]

- ‌[رَمْزُ قَالَ وَحَذْفُهَا]

- ‌[وَضْعُ " حَ " بَيْنَ الْأَسَانِيدِ وَمَعْنَاهَا]

- ‌[كِتَابَةُ التَّسْمِيعِ]

- ‌[صِفَةُ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَأَدَائِهِ]

- ‌[جَوَازُ الرِّوَايَةِ مِنَ الْكُتُبِ الْمَصُونَةِ]

- ‌[الرِّوَايَةُ مِنَ الْأَصْلِ]

- ‌[الرِّوَايَةُ بِالْمَعْنَى]

- ‌[الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِ الْحَدِيثِ]

- ‌[التَّسْمِيعُ بِقِرَاءَةِ اللَّحَّانِ وَالْمُصَحِّفِ]

- ‌[إِصْلَاحُ اللَّحْنِ وَالْخَطَأِ]

- ‌[اخْتِلَافُ أَلْفَاظِ الشُّيُوخِ]

- ‌[الزِّيَادَةُ فِي نَسَبِ الشَّيْخِ]

- ‌[الرِّوَايَةُ مِنَ النُّسَخِ الَّتِي إِسْنَادُهَا وَاحِدٌ]

- ‌[تَقْدِيمُ الْمَتْنِ عَلَى السَّنَدِ]

- ‌[إِذَا قَالَ الشَّيْخُ مِثْلَهُ أَوْ نَحْوَهُ]

- ‌[إِبْدَالُ الرَّسُولِ بِالنَّبِيِّ وَعَكْسُهُ]

- ‌[السَّمَاعُ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْوَهْنِ أَوْ عَنْ رَجُلَيْنِ]

- ‌[آدَابُ الْمُحَدِّثِ]

- ‌[وُجُوبُ تَقْدِيمِ النِّيَّةِ وَتَصْحِيحِهَا عِنْدَ التَّحْدِيثِ]

- ‌[اسْتِحْبَابُ عَقْدِ مَجْلِسِ الْإِمْلَاءِ]

- ‌[آدَابُ طَالِبِ الْحَدِيثِ]

- ‌[تَصْحِيحُ النِّيَّةِ وَتَحْقِيقُ الْإِخْلَاصِ]

- ‌[الِاعْتِنَاءُ بِمَعْرِفَةِ عِلْمِ الْحَدِيثِ وَأُصُولِهِ]

- ‌[الْعَالِي وَالنَّازِلُ]

- ‌[الْإِسْنَادُ خَصِّيصَةٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ]

- ‌[الْمُوَافَقَةُ وَالْبَدَلُ]

- ‌[عُلُوُّ الصِّفَةِ قَلِيلُ الْجَدْوَى]

- ‌[عُلُوُّ الْإِسْنَادِ بِقِدَمِ السَّمَاعِ]

الفصل: ‌[التسميع بقراءة اللحان والمصحف]

بِالْبَاقِي فَلَا كَرَاهَةَ، وَإِنْ نَزَلَ عَنْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ تَرَتَّبَتِ الْكَرَاهَةُ بِحَسَبِ مَرَاتِبِهِ فِي ظُهُورِ ارْتِبَاطِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَخَفَائِهِ.

[التَّسْمِيعُ بِقِرَاءَةِ اللَّحَّانِ وَالْمُصَحِّفِ]

(639)

وَلْيَحْذَرِ اللَّحَّانَ وَالْمُصَحِّفَا

عَلَى حَدِيثِهِ بِأَنْ يُحَرَّفَا

(640)

فَيُدْخِلَا فِي قَوْلِهِ مَنْ كَذَبَا

فَحَقٌّ النَّحْوُ عَلَى مَنْ طَلَبَا

(641)

وَالْأَخْذُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ لَا الْكُتُبِ

أُدْفَعُ لِلتَّصْحِيفِ فَاسْمَعْ وَادْأَبِ

[حُكْمُ اجْتِنَابِ اللَّحْنِ وَالتَّصْحِيفِ] :

الْفَصْلُ الْخَامِسُ (التَّسْمِيعُ) مِنَ الشَّيْخِ (بِقِرَاءَةِ اللَّحَّانِ وَالْمُصَحِّفِ)، وَالْحَثُّ عَلَى الْأَخْذِ مِنْ أَفْوَاهِ الشُّيُوخِ:(وَلْيَحْذَرِ) الشَّيْخُ الطَّالِبَ (اللَّحَّانَ) بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ، أَيِ: الْكَثِيرَ اللَّحْنِ فِي أَلْفَاظِ النُّبُوَّةِ، وَكَذَا لِيَحْذَرِ (الْمُصَحِّفَا) فِيهَا وَفِي أَسْمَاءِ الرُّوَاةِ، وَلَوْ كَانَ لَا يَلْحِنُ (عَلَى حَدِيثِهِ بِأَنْ يُحَرِّفَا) أَيْ: خَوْفَ التَّحْرِيفِ فِي حَرَكَاتِهِ أَوْ ضَبْطِهِ (مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا) فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ (فَيُدْخِلَا) أَيِ: الشَّيْخُ، وَكَذَا الطَّالِبُ مِنْ بَابِ أَوْلَى (فِي) جُمْلَةِ (قَوْلِهِ) صلى الله عليه وسلم (مَنْ كَذَبَا) أَيْ:(كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَلْحَنُ.

قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: جَاءَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ عَنِ الْأَصْلِ مُعْرَبَةً، يَتَأَكَّدُ الْوَعِيدُ مَعَ اخْتِلَالِ الْمَعْنَى فِي اللَّحْنِ وَالتَّصْحِيفِ. وَإِلَى الدُّخُولِ أَشَارَ الْأَصْمَعِيُّ، فَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّنْجِيُّ: سَمِعْتُ الْأَصْمَعِيَّ يَقُولُ: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى

ص: 158

طَالِبِ الْعِلْمِ إِذَا لَمْ يَعْرِفِ النَّحْوَ أَنْ يَدْخُلَ فِي جُمْلَةِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ) . لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَلْحَنُ، فَمَهْمَا رَوَيْتَ عَنْهُ وَلَحَنْتَ فِيهِ فَقَدْ كَذَبْتَ عَلَيْهِ.

وَعَنْ سَالِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ هُبَيْرَةَ الْأَكْبَرِ، فَجَرَى ذِكْرُ الْعَرَبِيَّةِ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا اسْتَوَى رَجُلَانِ دِينُهُمَا وَاحِدٌ وَحَسَبُهُمَا وَاحِدٌ وَمُرُوءَتُهُمَا وَاحِدَةٌ، أَحَدُهُمَا يَلْحَنُ، وَالْآخَرُ لَا يَلْحَنُ ; لِأَنَّ أَفْضَلَهُمَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الَّذِي لَا يَلْحِنُ.

فَقُلْتُ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ، هَذَا أَفْضَلُ فِي الدُّنْيَا لِفَضْلِ فَصَاحَتِهِ وَعَرَبِيَّتِهِ، أَرَأَيْتَ الْآخِرَةَ مَا بَالُهُ أَفْضَلُ فِيهَا؟ قَالَ: إِنَّهُ يَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ عَلَى مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ، وَإِنَّ الَّذِي يَلْحِنُ يَحْمِلُهُ لَحْنُهُ عَلَى أَنْ يُدْخِلَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَيُخْرِجَ مَا هُوَ فِيهِ. فَقُلْتُ: صَدَقَ الْأَمِيرُ وَبَرَّ.

وَعَنْ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ لِإِنْسَانٍ: إِنْ لَحَنْتَ فِي حَدِيثِي فَقَدْ كَذَبْتَ عَلَيَّ. فَإِنِّي لَا أَلْحَنُ. وَصَدَقَ رحمه الله، فَإِنَّهُ كَانَ مُقَدَّمًا فِي ذَلِكَ، بِحَيْثُ إِنَّ سِيبَوَيْهِ شَكَى إِلَى الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ فِي رَجُلٍ رَعُفَ، - يَعْنِي بِضَمِ الْعَيْنِ عَلَى لُغَةٍ ضَعِيفَةٍ - فَانْتَهَرَهُ، وَقَالَ لَهُ: أَخْطَأْتَ، إِنَّمَا هُوَ رَعَفَ - يَعْنِي بِفَتْحِهَا - فَقَالَ لَهُ الْخَلِيلُ: صَدَقَ، أَتَلْقَى بِهَذَا الْكَلَامِ أَبَا أُسَامَةَ؟ وَهُوَ مِمَّا ذُكِرَ فِي سَبَبِ تَعَلُّمِ سِيبَوَيْهِ الْعَرَبِيَّةَ، وَيُقَالُ: إِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ أَيْضًا كَانَتْ سَبَبًا لِتَعَلُّمِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ أَحَدِ التَّابِعِينَ مِنْ شُيُوخِ حَمَّادٍ هَذَا لَهَا.

كَمَا رُوِّينَا فِي (الْعِلْمِ) لِلْمَوْهِبِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: سَأَلَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ

ص: 159

الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَا تَقُولُ فِي " رَعُفَ "؟ فَقَالَ: وَمَا " رَعُفَ "؟ أَتَعْجِزُ أَنْ تَقُولَ: رَعَفَ؟ فَاسْتَحَى ثَابِتٌ وَطَلَبَ الْعَرَبِيَّةِ حَتَّى قِيلَ لَهُ مِنَ انْهِمَاكِهِ فِيهَا: ثَابِتٌ الْعَرَبِيُّ.

وَكَذَا كَانَ سَبَبُ اشْتِغَالِ أَبِي زَيْدٍ النَّحْوِيِّ بِهِ لَفْظَةً، فَإِنَّهُ دَخَلَ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ فَقَالَ لَهُ: ادْنُهْ. فَقَالَ: أَنَا دَنِيٌّ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، لَا تَقُلْ: أَنَا دَنِيٌّ. وَلَكِنْ قُلْ: أَنَا دَانٍ.

وَأَلْحَقَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الدُّخُولِ فِي الْوَعِيدِ مَنْ قَرَأَ الْحَدِيثَ بِالْأَلْحَانِ وَالتَّرْجِيعِ الْبَاعِثِ عَلَى إِشْبَاعِ الْحَرْفِ الْمُكْسِبِ لِلَّفْظِ سَمَاجَةً وَرَكَاكَةً، فَسَيِّدُ الْفُصَحَاءِ صلى الله عليه وسلم بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ.

وَيُرْوَى أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ لِشَخْصٍ كَانَ يُطَرِّبُ فِي أَذَانِهِ: إِنِّي أُبْغِضُكَ فِي اللَّهِ.

[وُجُوبُ تَعَلُّمِ عِلْمِ النَّحْوِ] :

وَلِلْخَوْفِ مِنَ الْوَعِيدِ (فَحَقٌّ النَّحْوُ) يَعْنِي: الَّذِي حَقِيقَتُهُ عِلْمٌ بِأُصُولٍ مُسْتَنْبَطَةٍ مِنَ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ وُضِعَتْ حِينَ اخْتِلَاطِ الْعَجَمِ وَنَحْوِهِمْ بِالْعَرَبِ، وَاضْطِرَابِ الْعَرَبِيَّةِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، يُعْرَفُ بِهَا أَحْوَالُ الْكَلِمَةِ الْعَرَبِيَّةِ إِفْرَادًا وَتَرْكِيبًا، وَكَذَا اللُّغَةُ الَّتِي هِيَ الْعِلْمُ بِالْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْمَعَانِي لِيُتَوَصَّلَ بِهَا إِلَيْهَا تَكَلُّمًا، (عَلَى مَنْ طَلَبَا) الْحَدِيثَ، وَأَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا يَتَخَلَّصُ بِهِ عَنْ شَيْنِ اللَّحْنِ وَالتَّحْرِيفِ.

وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حَيْثُ قَالَ فِي أَوَاخِرِ (الْقَوَاعِدِ) : الْبِدْعَةُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ، فَالْوَاجِبَةُ كَالِاشْتِغَالِ بِالنَّحْوِ الَّذِي يُفْهَمُ بِهِ كَلَامُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ; لِأَنَّ حِفْظَ الشَّرِيعَةِ وَاجِبٌ لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بِذَلِكَ،

ص: 160

فَيَكُونُ مِنْ مُقَدِّمَةِ الْوَاجِبِ. وَلِذَا قَالَ الشَّعْبِيُّ: (النَّحْوُ فِي الْعِلْمِ كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ لَا يَسْتَغْنِي شَيْءٌ عَنْهُ) .

ثُمَّ قَالَ الْعِزُّ: وَكَذَا مِنَ الْبِدَعِ الْوَاجِبَةِ شَرْحُ الْغَرِيبِ، وَتَدْوِينُ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَالتَّوَصُّلُ إِلَى تَمْيِيزِ الصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ. يَعْنِي بِذَلِكَ عِلْمَ الْحَدِيثِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُحَرَّمَةَ وَالْمَنْدُوبَةَ وَالْمُبَاحَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ ذَلِكَ - يَعْنِي مَا ذَكَرَ فِي الْمُبَاحَةِ - مَكْرُوهًا أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى. وَكَذَا صَرَّحَ غَيْرُهُ بِالْوُجُوبِ أَيْضًا.

لَكِنْ لَا يَجِبُ التَّوَغُّلُ فِيهِ، بَلْ يَكْفِيهِ تَحْصِيلُ مُقَدِّمَةٍ مُشِيرَةٍ لِمَقَاصِدِهِ بِحَيْثُ يَفْهَمُهَا وَيُمَيِّزُ بِهَا حَرَكَاتِ الْأَلْفَاظِ وَإِعْرَابِهَا، لِئَلَّا يَلْتَبِسَ فَاعِلٌ بِمَفْعُولٍ، أَوْ خَبَرٌ بِأَمْرٍ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْخَطِيبُ قَالَ فِي (جَامِعِهِ) :(إِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُحَدِّثِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّحْنَ فِي رِوَايَتِهِ، وَلَنْ يَقْدِرَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ دُرْبَةِ النَّحْوِ، وَمُطَالَعَتِهِ عِلْمَ الْعَرَبِيَّةِ) . ثُمَّ سَاقَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: (لَيْسَ يَتَّقِي مَنْ لَا يَدْرِي مَا يَتَّقِي) .

وَمِمَّنْ أَشَارَ لِذَلِكَ شَيْخُنَا فَقَالَ: وَأَقَلُّ مَا يَكْفِي مَنْ يُرِيدُ قِرَاءَةَ الْحَدِيثَ أَنْ يَعْرِفَ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ أَلَّا يَلْحِنَ.

وَيُسْتَأْنَسُ لَهُ بِمَا رُوِّينَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤْمَرُونَ، أَوْ قَالَ الْقَائِلُ: كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ السُّنَّةَ، ثُمَّ الْفَرَائِضَ، ثُمَّ الْعَرَبِيَّةَ الْحُرُوفَ الثَّلَاثَةَ. وَفَسَّرَهَا بِالْجَرِّ وَالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّوَغُّلَ فِيهِ قَدْ يُعَطِّلُ عَلَيْهِ إِدْرَاكَ هَذَا الْفَنِّ الَّذِي صَرَّحَ أَئِمَّتُهُ بِأَنَّهُ لَا يَعْلَقُ إِلَّا بِمَنْ قَصَرَ نَفْسَهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَضُمَّ غَيْرَهُ إِلَيْهِ.

وَقَدْ قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ فَارِسٍ فِي جُزْءِ " ذَمِّ الْغِيبَةِ ": إِنَّ غَايَةَ عِلْمِ النَّحْوِ وَعِلْمِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْهُ أَنْ يَقْرَأَ فَلَا يَلْحَنَ، وَيَكْتُبَ فَلَا يَلْحَنَ، فَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ، فَمَشْغَلَةٌ

ص: 161

عَنِ الْعِلْمِ وَعَنْ كُلِّ خَيْرٍ. وَنَاهِيكَ بِهَذَا مِنْ مِثْلِهِ.

وَقَالَ أَبُو الْعَيْنَاءِ لِمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الصُّولِيِّ: (النَّحْوُ فِي الْعُلُومِ كَالْمِلْحِ فِي الْقِدْرِ، إِذَا أَكْثَرْتَ مِنْهُ صَارَ الْقِدْرُ زُعَاقًا) .

وَعَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: إِنَّمَا الْعِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمٌ لِلدِّينِ، وَعِلْمٌ لِلدُّنْيَا، فَالَّذِي لِلدِّينِ الْفِقْهُ، وَالْآخَرُ الطِّبُّ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الشِّعْرِ وَالنَّحْوِ فَهُوَ عَنَاءٌ وَتَعَبٌ. رَوِّينَاهُ فِي " جُزْءِ ابْنِ حَكَمَانَ "، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ حَالُ مَنْ وُصِفَ مِنَ الْأَئِمَّةِ بِاللَّحْنِ، كَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَسِيِّ، وَعَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ، وَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَهُشَيْمٍ، وَوَكِيعٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيِّ.

وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى عَبْدَانُ حَالَ تَحْدِيثِهِ وَابْنُ سُرَيْجٍ يَسْمَعُ: " مَنْ دُعِيَ فَلَمْ يَجِبْ ". بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ: أَرَأَيْتَ أَنْ تَقُولَ: يُجِبُ. يَعْنِي: بِضَمِّهَا، فَأَبَى أَنْ يَقُولَ، وَعَجِبَ مِنْ صَوَابِ ابْنِ سُرَيْجٍ، كَمَا عَجِبَ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ خَطَئِهِ فِي آخَرِينَ مِمَّنْ لَا أُطِيلُ بِإِيرَادِ أَخْبَارِهِمْ لَا سِيَّمَا وَقَدْ شَرَعْتُ فِي جُزْءٍ فِي ذَلِكَ، وَإِلَيْهِمْ أَشَارَ 5 السِّلَفِيُّ لَمَّا اجْتَمَعَ بِأَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَذَّاءِ الْقَيْسِيِّ الصَّقَلِّيِّ بِالثَّغْرِ، وَالْتَمَسَ مِنْهُ السَّمَاعَ وَتَعَلَّلَ بِأُمُورٍ عُمْدَتُهُ فِيهَا التَّحَرُّزُ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْكَذِبِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ قِرَاءَةٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ، بِقَوْلِهِ:(وَقَدْ كَانَ فِي الرُّوَاةِ عَلَى هَذَا الْوَضْعِ قَوْمٌ، وَاحْتُجَّ بِرِوَايَاتِهِمْ فِي الصِّحَاحِ، وَلَا يَجُوزُ تَخْطِئَتُهُمْ وَتَخْطِئَةُ مَنْ أَخَذَ عَنْهُمْ) . وَسَبَقَهُ النَّسَائِيُّ فَقَالَ فِيمَا رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي (الْكِفَايَةِ)

ص: 162

مِنْ طَرِيقِهِ: إِنَّهُ لَا يُعَابُ اللَّحْنُ عَلَى الْمُحَدِّثِينَ، وَقَدْ كَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ يَلْحَنُ وَسُفْيَانُ. وَذَكَرَ ثَالِثًا. ثُمَّ قَالَ: وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ.

وَقَالَ السِّلَفِيُّ أَيْضًا فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَادِشٍ الْحَنْبَلِيِّ: إِنَّهُ كَانَ قَارِئَ بَغْدَادَ، وَالْمُسْتَمْلَى بِهَا عَلَى الشُّيُوخِ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ ثِقَةٌ كَثِيرُ السَّمَاعِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أُنْسٌ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَكَانَ يَلْحَنُ لَحْنَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ.

وَقَالَ ابْنُ مَاكُولَا: أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَيْمُونٍ الصَّدَفِيُّ: أَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ الْحَافِظُ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى الْقَاضِي أَبِي الطَّاهِرِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَصْرٍ الذُّهْلِيِّ كِتَابَ (الْعِلْمِ) لِيُوسُفَ الْقَاضِي، فَلَمْا فَرَغْتُ قُلْتُ لَهُ: قَرَأْتُهُ عَلَيْكَ كَمَا قَرَأْتَهُ أَنْتَ. قَالَ: نَعَمْ، إِلَّا اللَّحْنَةَ بَعْدَ اللَّحْنَةَ. فَقُلْتُ لَهُ: أَيُّهَا الْقَاضِي، أَفَسَمِعْتَهُ أَنْتَ مُعْرَبًا؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: هَذِهِ بِهَذِهِ، وَقُمْتُ مِنْ لَيْلَتِي فَجَلَسْتُ عِنْدَ ابْنِ الْيَتِيمِ النَّحْوِيِّ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَدَّادِ الْفَقِيهُ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ حَرْبٍ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ حَرْبَوَيْهِ جُزْءًا مِنْ حَدِيثِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى، فَلَمْا قَرَأْتُ قُلْتُ: قَرَأْتُ كَمَا قُرِئَتْ عَلَيْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِلَّا الْإِعْرَابَ، فَإِنَّكَ تُعْرِبُ، وَمَا كَانَ يُوسُفَ يُعْرِبُ.

وَفِي (اللُّقَطِ) لِلْبَرْقَانِيِّ، وَعَنْهُ رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي

ص: 163

(الْكِفَايَةِ) مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مَهْرَانَ قَالَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنِ اللَّحْنِ فِي الْحَدِيثِ - يَعْنِي إِذَا لَمْ يُغَيِّرِ الْمَعْنَى - فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ.

وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنَ الذَّمِّ الشَّدِيدِ لِمَنْ طَلَبَ الْحَدِيثَ وَلَمْ يُبْصِرِ الْعَرَبِيَّةَ، كَقَوْلِ شُعْبَةَ: إِنَّ مَثَلَهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ عَلَيْهِ بُرْنُسٌ وَلَيْسَ لَهُ رَأْسٌ. وَقَوْلِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: إِنَّهُ كَمَثَلِ الْحِمَارِ عَلَيْهِ مِخْلَاةٌ لَا شَعِيرَ فِيهَا. الَّذِي نَظَمَهُ جَعْفَرٌ السَّرَّاجُ شَيْخُ السِّلَفِيِّ فِي قَوْلِهِ:

مَثَلُ الطَّالِبِ الْحَدِيثَ وَلَا

يُحْسِنُ نَحْوًا وَلَا لَهُ آلَاتُ

كَحِمَارٍ قَدْ عُلِّقَتْ لَيْسَ فِيهَا

مِنْ شَعِيرٍ بِرَأْسِهِ مِخْلَاتُ

فَذَاكَ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ فِيهَا عَمَلٌ أَصْلًا، عَلَى أَنَّ رُبَّ شَخْصٍ يَزْعُمُ مَعْرِفَتَهُ بِذَلِكَ، وَهُوَ إِنْ قَرَأَ لَحَّنَهُ النُّحَاةُ، وَخَطَّأَهُ لِتَصْحِيفِهِ الرُّوَاةُ، فَهُوَ كَمَا قِيلَ:

هُوَ فِي الْفِقْهِ فَاضِلٌ لَا يُجَارَى

وَأَدِيبٌ مِنْ جُمْلَةِ الْأُدَبَاءِ

لَا إِلَى هَؤُلَاءِ إِنْ طَالَبُوهُ

وَجَدُوهُ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ

وَقَدْ كَانَ لِعَمْرِو بْنِ عَوْنٍ الْوَاسِطِيِّ مُسْتَمْلٍ يَلْحَنُ كَثِيرًا فَقَالَ: أَخِّرُوهُ. وَتَقَدَّمَ إِلَى وَرَّاقٍ كَانَ يَنْظُرُ فِي الْأَدَبِ وَالشِّعْرِ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ، فَكَانَ لِكَوْنِهِ لَا يَعْرِفُ شَيْئًا مِنَ الْحَدِيثِ يُصَحِّفُ فِي الرُّوَاةِ كَثِيرًا، فَقَالَ عَمْرٌو: رُدُّونَا إِلَى الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَلْحَنُ فَلَيْسَ يَمْسَخُ. وَنَحْوُ هَذَا الصَّنِيعِ تَرْجِيحُ شَيْخِنَا مَنْ عَرَفَ مُشْكِلَ

ص: 164

الْأَسْمَاءِ وَالْمُتُونِ دُونَ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى مَنْ عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ فَقَطْ.

[سَبِيلُ السَّلَامَةِ مِنَ اللَّحْنِ] :

(وَالْأَخْذُ) لِلْأَسْمَاءِ وَالْأَلْفَاظِ (مِنْ أَفْوَاهِهِمْ) ; أَيِ: الْعُلَمَاءِ بِذَلِكَ الضَّابِطِينَ لَهُ مِمَّنْ أَخَذَهُ أَيْضًا عَمَّنْ تَقَدَّمَ مِنْ شُيُوخِهِ، وَهَلُمَّ جَرًّا، (لَا) مِنْ بُطُونِ (الْكُتُبِ) أَوِ الصُّحُفِ مِنْ غَيْرِ تَدْرِيبِ الْمَشَايِخِ.

(أَدْفَعُ لِلتَّصْحِيفِ) وَأَسْلَمُ مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ، (فَاسْمَعْ) أَيُّهَا الطَّالِبُ مَا أَقُولُهُ لَكَ، (وَادْأَبِ) أَيْ: جِدَّ فِي تَلَقِّيهِ عَنِ الْمُتْقِنِينَ الْمُتَّقِينَ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: لَا تَأْخُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ مُصْحَفِيٍّ، وَلَا الْعِلْمَ مِنْ صُحُفِيٍّ. وَقَالَ ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ: لَا يُفْتِي النَّاسَ صُحُفِيٌّ، وَلَا يُقْرِئُهُمْ مُصْحَفِيٌّ. وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ:

وَمِنْ بُطُونِ كَرَارِيسَ رِوَايَتُهُمْ

لَوْ نَاظَرُوا بَاقِلًا يَوْمًا لَمَا غَلَبُوا

وَالْعِلْمُ إِنْ فَاتَهُ إِسْنَادُ مُسْنِدِهِ

كَالْبَيْتِ لَيْسَ لَهُ سَقْفٌ وَلَا طُنُبُ

فِي أَهَاجِي كَثِيرَةٍ لِلْمُتَّصِفِ بِذَلِكَ أَوْرَدَ مِنْهَا الْعَسْكَرِيُّ فِي (التَّصْحِيفِ) نُبْذَةً، وَكَذَا أَوْرَدَ فِيهِ مِمَّا مُدِحَ بِهِ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ:

لَا يَهِمُ الْحَاءَ بِالْقِرَاءَةِ بِالْخَاءِ وَلَا يَأْخُذُ إِسْنَادَهُ مِنَ الصُّحُفِ وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما لَمَّا حَدَّثَ بِحَدِيثٍ

ص: 165