المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[السماع على نوع من الوهن أو عن رجلين] - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - جـ ٣

[السخاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[الْمُكَاتَبَةُ]

- ‌[إِعْلَامُ الشَّيْخِ]

- ‌[الْوَصِيَّةُ بِالْكِتَابِ]

- ‌[الْوِجَادَةُ]

- ‌[كِتَابَةُ الْحَدِيثِ وَضَبْطُهُ]

- ‌[حُكْمُ كِتَابَةِ الْحَدِيثِ وَأَدِلَّتُهَا]

- ‌[حُكْمُ ضَبْطِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ]

- ‌[حُكْمُ دِقَّةِ الْخَطِّ]

- ‌[كَيْفِيَّةُ ضَبْطِ الْحُرُوفِ الْمُهْمَلَة]

- ‌[رُمُوزُ الْكُتَّابِ وَحُكْمَهَا]

- ‌[الْحَثُّ عَلَى كِتْبَةِ ثَنَاءَ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ]

- ‌[الْمُقَابَلَةُ]

- ‌[تَخْرِيجُ السَّاقِطِ]

- ‌[التَّصْحِيحُ وَالتَّمْرِيضُ]

- ‌[الْكَشْطُ وَالْمَحْوُ وَالضَّرْبُ]

- ‌[الْعَمَلُ فِي اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ]

- ‌[الْإِشَارَةُ بِالرَّمْزِ]

- ‌[رَمْزُ قَالَ وَحَذْفُهَا]

- ‌[وَضْعُ " حَ " بَيْنَ الْأَسَانِيدِ وَمَعْنَاهَا]

- ‌[كِتَابَةُ التَّسْمِيعِ]

- ‌[صِفَةُ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَأَدَائِهِ]

- ‌[جَوَازُ الرِّوَايَةِ مِنَ الْكُتُبِ الْمَصُونَةِ]

- ‌[الرِّوَايَةُ مِنَ الْأَصْلِ]

- ‌[الرِّوَايَةُ بِالْمَعْنَى]

- ‌[الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِ الْحَدِيثِ]

- ‌[التَّسْمِيعُ بِقِرَاءَةِ اللَّحَّانِ وَالْمُصَحِّفِ]

- ‌[إِصْلَاحُ اللَّحْنِ وَالْخَطَأِ]

- ‌[اخْتِلَافُ أَلْفَاظِ الشُّيُوخِ]

- ‌[الزِّيَادَةُ فِي نَسَبِ الشَّيْخِ]

- ‌[الرِّوَايَةُ مِنَ النُّسَخِ الَّتِي إِسْنَادُهَا وَاحِدٌ]

- ‌[تَقْدِيمُ الْمَتْنِ عَلَى السَّنَدِ]

- ‌[إِذَا قَالَ الشَّيْخُ مِثْلَهُ أَوْ نَحْوَهُ]

- ‌[إِبْدَالُ الرَّسُولِ بِالنَّبِيِّ وَعَكْسُهُ]

- ‌[السَّمَاعُ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْوَهْنِ أَوْ عَنْ رَجُلَيْنِ]

- ‌[آدَابُ الْمُحَدِّثِ]

- ‌[وُجُوبُ تَقْدِيمِ النِّيَّةِ وَتَصْحِيحِهَا عِنْدَ التَّحْدِيثِ]

- ‌[اسْتِحْبَابُ عَقْدِ مَجْلِسِ الْإِمْلَاءِ]

- ‌[آدَابُ طَالِبِ الْحَدِيثِ]

- ‌[تَصْحِيحُ النِّيَّةِ وَتَحْقِيقُ الْإِخْلَاصِ]

- ‌[الِاعْتِنَاءُ بِمَعْرِفَةِ عِلْمِ الْحَدِيثِ وَأُصُولِهِ]

- ‌[الْعَالِي وَالنَّازِلُ]

- ‌[الْإِسْنَادُ خَصِّيصَةٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ]

- ‌[الْمُوَافَقَةُ وَالْبَدَلُ]

- ‌[عُلُوُّ الصِّفَةِ قَلِيلُ الْجَدْوَى]

- ‌[عُلُوُّ الْإِسْنَادِ بِقِدَمِ السَّمَاعِ]

الفصل: ‌[السماع على نوع من الوهن أو عن رجلين]

أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ إِلَى غَيْرِهِ فَهُوَ رَسُولٌ، وَإِلَّا فَهُوَ نَبِيٌّ غَيْرُ رَسُولٍ.

وَحِينَئِذٍ فَالنَّبِيُّ وَالرَّسُولُ اشْتَرَكَا فِي أَمْرٍ عَامٍّ وَهُوَ النَّبَأُ، وَافْتَرَقَا فِي الرِّسَالَةِ، فَإِذَا قُلْتَ: فُلَانٌ رَسُولٌ. تَضَمَّنَ أَنَّهُ نَبِيٌّ رَسُولٌ، وَإِذَا قُلْتَ: فُلَانٌ نَبِيٌّ. لَمْ يَسْتَلْزِمْ أَنَّهُ رَسُولٌ.

وَلَكِنْ قَدْ نَازَعَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ فِي قَوْلِهِمْ: كُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ. حَيْثُ قَالَ: هُوَ كَلَامٌ يُطْلِقُهُ مَنْ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام وَغَيْرَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُكْرَمِينَ بِالرِّسَالَةِ رُسُلٌ لَا أَنْبِيَاءُ. قُلْتُ: وَلِذَا قَيَّدَ الْفَرْقَ بَيْنَ الرَّسُولِ وَالنَّبِيِّ بِالرَّسُولِ الْبَشَرِيِّ.

وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ فِي تَعَلُّمِ مَا يُقَالُ عِنْدَ النَّوْمِ، إِذْ رَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ إِبْدَالَهُ لَفْظَ " النَّبِيِّ " بِـ " الرَّسُولِ "، فَقَالَ:(لَا، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ) يَمْنَعُ الْقَوْلَ بِجَوَازِ تَغْيِيرِ " النَّبِيِّ " خَاصَّةً، بَلِ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ لِمُجَرَّدِ الْمَنْعِ مَمْنُوعٌ بِأَنَّ أَلْفَاظَ الْأَذْكَارِ تَوْقِيفِيَّةٌ، فَلَا يَدْخُلُهَا الْقِيَاسُ، بَلْ تَجِبُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى اللَّفْظِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ، إِذْ رُبَّمَا كَانَ فِيهِ خَاصِّيَّةٌ وَسِرٌّ لَا يَحْصُلُ بِغَيْرِهِ، أَوْ لَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ.

وَلَا شَكَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، فَهُوَ إِذَنْ أَكْمَلُ فَائِدَةً، وَذَلِكَ يَفُوتُ بِقَوْلِهِ:(وَبِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ) . وَأَيْضًا فَالْبَلَاغَةُ مُقْتَضِيَةٌ لِذَلِكَ لِعَدَمِ تَكْرِيرِ اللَّفْظِ لِوَصْفٍ وَاحِدٍ فِيهِ. زَادَ بَعْضُهُمْ: أَوْ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى ; لِأَنَّ (بِرَسُولِكَ) يُدْخِلُ جِبْرِيلَ وَغَيْرَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ.

[السَّمَاعُ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْوَهْنِ أَوْ عَنْ رَجُلَيْنِ]

(678)

ثُمَّ عَلَى السَّامِعِ بِالْمُذَاكَرَهْ

بَيَانُهُ كَنَوْعِ وَهْنٍ خَامَرَهْ

(679)

وَالْمَتْنُ عَنْ شَخْصَيْنِ وَاحِدٌ جُرِحْ

لَا يَحْسُنُ الْحَذْفُ لَهُ لَكِنْ يَصِحْ

(680)

وَمُسْلِمٌ عَنْهُ كَنَى فَلَمْ يُوَفْ

وَالْحَذْفُ حَيْثُ وُثِّقَا فَهْوَ أَخَفْ

ص: 205

(

681 -

) وَإِنْ يَكُنْ عَنْ كُلِّ رَاوٍ قِطْعَهْ

أَجِزْ بِلَا مَيْزٍ بِخَلْطٍ جَمْعَهْ

(682) مَعَ الْبَيَانِ كَحَدِيثِ الْإِفْكِ

وَجَرْحُ بَعْضٍ مُقْتَضٍ لِلتَّرْكِ

(683) وَحَذْفَ وَاحِدٍ مِنَ الْإِسْنَادِ

فِي الصُّورَتَيْنِ امْنَعْ لِلِازْدِيَادِ

[بَيَانُ بَعْضِ الْوَهْنِ الْوَاقِعِ فِي السَّمَاعِ] : الْفَصْلُ الثَّالِثَ عَشَرَ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْأُولَى: (السَّمَاعُ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْوَهْنِ أَوْ) بِإِسْنَادٍ قُرِنَتْ فِيهِ الرِّوَايَةُ (عَنْ رَجُلَيْنِ) فَأَكْثَرَ، (ثُمَّ) بَعْدَ اسْتِحْضَارِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّحَرِّي فِي الْأَدَاءِ (عَلَى السَّامِعِ) مِنْ حِفْظِ الْمُحَدِّثِ (بِالْمُذَاكَرَهْ) أَيْ: فِي الْمُذَاكَرَةِ، (بَيَانُهُ) عَلَى الْوَجْهِ الْوَاقِعِ، كَأَنْ يَقُولَ: أَنَا فُلَانٌ مُذَاكَرَةً. وَذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخَطِيبُ.

وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ الْوُجُوبَ، فَقَدْ فَعَلَهُ بِدُونِ بَيَانٍ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ مُتَقَدِّمِي الْعُلَمَاءِ، بَلْ يُقَالُ مِمَّا الظَّاهِرُ خِلَافُهُ كَمَا تَقَدَّمَ آخِرَ رَابِعِ أَقْسَامِ التَّحَمُّلِ: إِنَّ مَا يُورِدُهُ الْبُخَارِيُّ فِي (صَحِيحِهِ) عَنْ شُيُوخِهِ بِصِيغَةِ: قَالَ لِي. أَوْ: قَالَ لَنَا. أَوْ: زَادَنَا. أَوْ: زَادَنِي. أَوْ: ذَكَرَ لَنَا. أَوْ: ذَكَرَ لِي. وَنَحْوِهَا مِمَّا حَمَلَهُ عَنْهُمْ فِي الْمُذَاكَرَةِ.

(كَنَوْعِ وَهْنٍ خَامَرَهُ) أَيْ خَالَطَهُ، بِأَنْ سَمِعَ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ، أَوْ كَانَ هُوَ أَوْ شَيْخُهُ يَتَحَدَّثُ أَوْ يَنْعُسُ أَوْ يَنْسَخُ فِي وَقْتِ الْإِسْمَاعِ، أَوْ كَانَ سَمَاعُهُ أَوْ سَمَاعُ شَيْخِهِ بِقِرَاءَةِ لَحَّانٍ أَوْ مُصَحِّفٍ، أَوْ كِتَابَةُ التَّسْمِيعِ حَيْثُ لَمْ يَكِنِ الْمَرْءُ ذَاكِرًا لِسَمَاعِ نَفْسِهِ بِخَطِّ مَنْ فِيهِ نَظَرٌ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.

وَقَدْ أَوْرَدَ أَبُو دَاوُدَ فِي (سُنَنِهِ) عَنْ شَيْخِهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلَاءِ حَدِيثًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: لَمْ أَفْهَمْ إِسْنَادَهُ مِنَ ابْنِ الْعَلَاءِ كَمَا أُحِبُّ. وَكَذَا أَوْرَدَ فِيهَا أَيْضًا عَنْ بُنْدَارٍ حَدِيثًا طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ: خَفِيَ عَلَيَّ مِنْهُ بَعْضُهُ. لِمُشَارَكَةِ السَّمَاعِ فِي الْمُذَاكَرَةِ غَالِبًا لِهَذِهِ الصُّوَرِ فِي الْوَهْنِ، إِذِ الْحِفْظُ خَوَّانٌ، وَرُبَّمَا يَقَعُ فِيهَا بِسَبَبِ ذَلِكَ التَّسَاهُلُ،

ص: 206

بَلْ أَدْرَجَهَا ابْنُ الصَّلَاحِ فِيمَا فِيهِ بَعْضُ الْوَهْنِ.

وَلِذَا مَنَعَ ابْنُ مَهْدِيٍّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ وَغَيْرُهُمُ مِنَ التَّحَمُّلِ عَنْهُمْ فِيهَا، وَامْتَنَعَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْ رِوَايَةِ مَا يَحْفَظُونَهُ إِلَّا مِنْ كُتُبِهِمْ. وَفِي إِغْفَالِ الْبَيَانِ إِيهَامٌ وَإِلْبَاسٌ يَقْرُبُ مِنَ التَّدْلِيسِ، وَكَمَا يُسْتَحَبُّ الْبَيَانُ فِيمَا تَقَدَّمَ، كَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ بَيَانُ مَا فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَزِيدِ ضَبْطٍ وَإِتْقَانٍ، كَتَكَرُّرِ سَمَاعِهِ لِلْمَرْوِيِّ، وَقَدْ فَعَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ، فَيَقُولُونَ: ثَنَا فُلَانٌ غَيْرَ مَرَّةٍ.

[لَا يُحْسِنُ حَذْفَ الْمَجْرُوحِ إِذَا كَانَ الْحَدِيثُ عَنْهُ وَعَنْ ثِقَةٍ] :

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: (وَالْمَتْنُ عَنْ شَخْصَيْنِ) مَقْرُونَيْنِ مِنْ شُيُوخِهِ الَّذِينَ أَخَذَ عَنْهُمْ أَوْ مِمَّنْ فَوْقَهُمْ (وَاحِدٌ) مِنْهُمَا (جُرِحْ) ، وَالْآخَرُ وُثِّقَ، كَحَدِيثٍ لِأَنَسٍ يَرْوِيهِ عَنْهُ مَثَلًا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ وَأَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ (لَا يَحْسُنُ) لِلرَّاوِي عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ (الْحَذْفُ لَهُ) أَيْ: لِلْمَجْرُوحِ وَهُوَ أَبَانٌ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى ثَابِتٍ، خَوْفًا مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ عَنْ أَبَانٍ خَاصَّةً، وَحَمَلَ الْمُحَدِّثُ عَنْهُمَا أَوْ مَنْ دُونَهُ لَفْظَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. قَالَهُ الْخَطِيبُ.

(لَكِنْ يَصِحْ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ - كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ -: اتِّفَاقُ الرِّوَايَتَيْنِ، وَمَا ذُكِرَ مِنَ الِاحْتِمَالِ نَادِرٌ بَعِيدٌ، فَإِنَّهُ مِنَ الْإِدْرَاجِ الَّذِي لَا يَجُوزُ تَعَمُّدُهُ. نَعَمْ قَالَ الْخَطِيبُ: إِنَّ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ مِثْلِهِ فَقَالَ فِيهِ نَحْوًا مِمَّا ذَكَرْنَا.

ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ حَرْبِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ أَنَّ أَحْمَدَ قِيلَ لَهُ فِي مِثْلِ هَذَا: أَتُجَوِّزُ أَنْ أُسَمِّيَ ثَابِتًا وَأَتْرُكَ أَبَانًا؟ قَالَ: لَا، لَعَلَّ فِي حَدِيثِ أَبَانٍ شَيْئًا لَيْسَ فِي حَدِيثِ ثَابِتٍ. وَقَالَ: إِنْ كَانَ هَكَذَا فَأُحِبُّ أَنْ أُسَمِّيَهُمَا. وَهَذَا مُحْتَمِلٌ.

وَيَتَأَيَّدُ الِاسْتِحْبَابُ بِسُلُوكِ مُسْلِمٍ مَعَ حِرْصِهِ عَلَى الْأَلْفَاظِ لَهُ، فَإِنَّهُ أَخْرَجَ فِي النِّكَاحِ مِنْ (صَحِيحِهِ) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئِ،

ص: 207

عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِّيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حَدِيثَ:( «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ» ) . فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَيْوَةَ، وَذَكَرَ آخَرَ، كِلَاهُمَا عَنْ شُرَحْبِيلَ بِهِ.

وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي (صَحِيحِهِ) مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ عِيسَى الْبِسْطَامِيِّ، عَنِ الْمُقْرِئِ، عَنْ حَيْوَةَ وَذَكَرَ آخَرَ قَالَا: ثَنَا شُرَحْبِيلُ. وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئِ، عَنْ حَيْوَةَ وَابْنِ لَهِيعَةَ قَالَا: ثَنَا شُرَحْبِيلُ. إِذِ الظَّاهِرُ مِنْ تَشْدِيدِ مُسْلِمٍ حَيْثُ حَذَفَ الْمَجْرُوحَ أَنَّهُ أَوْرَدَهُ بِلَفْظِ الثِّقَةِ إِنْ لَمْ يَتَّحِدْ لَفْظُهُمَا.

وَنَحْوُهُ مَا وَقَعَ لَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ (صَحِيحِهِ) حَيْثُ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حَدِيثَ:( «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ» ) . وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ، بَلْ أَحَالَ بِهِ عَلَى طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ الْمَشْهُورَةِ، فَتَبَيَّنَ مِنْ تَصْنِيفِ ابْنِ وَهْبٍ فِيمَا أَفَادَهُ ابْنُ طَاهِرٍ أَنَّ اللَّفْظَ لِابْنِ لَهِيعَةَ.

وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ أَخْرَجَهُ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ. وَسَاقَ الْإِسْنَادَ وَالْمَتْنَ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِأَنْ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ بِذَلِكَ.

لَكِنْ أَفَادَ شَيْخُنَا فِي هَذَا الْمَتْنِ بِخُصُوصِهِ أَنَّ حَذْفَ ابْنِ لَهِيعَةَ مِنَ ابْنِ وَهْبٍ لَا مِنْ مُسْلِمٍ، وَأَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ شَيْخَيْهِ تَارَةً، وَيُفْرِدُ ابْنَ شُرَيْحٍ أُخْرَى، بَلْ لِابْنِ وَهْبٍ فِيهِ شَيْخَانِ آخَرَانِ بِسَنَدٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدُ الْبَرِّ فِي (بَيَانِ الْعِلْمِ) لَهُ مِنْ طَرِيقِ سَحْنُونٍ: ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ: ثَنَا مَالِكٌ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ

ص: 208

بِاللَّفْظِ الْمَشْهُورِ.

(وَمُسْلِمٌ) أَيْضًا (عَنْهُ) أَيْ عَنِ الْمَجْرُوحِ رُبَّمَا (كَنَى) حَيْثُ يُصَرِّحُ بِالثِّقَةِ ثُمَّ يَقُولُ: وَآخَرُ. وَهُوَ مِنْهُ قَلِيلٌ بِخِلَافِهِ مِنَ الْبُخَارِيِّ، فَإِنَّهُ أَوْرَدَ فِي تَفْسِيرِ النِّسَاءِ وَآخِرِ الطَّلَاقِ وَالْفِتَنِ وَعِدَّةِ أَمَاكِنَ، مِنْ طَرِيقِ حَيْوَةَ وَغَيْرِهِ.

وَفِي (الِاعْتِصَامِ) مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُرَيْحٍ وَغَيْرِهِ. وَالْغَيْرُ فِي هَذِهِ الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا هُوَ ابْنُ لَهِيعَةَ بِلَا شَكٍّ، وَكَذَا أَوْرَدَ فِي الطِّبِّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ أَيْضًا هُوَ، لَكِنْ فِيمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ.

وَفِي الْعِتْقِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ فُلَانٍ كِلَاهُمَا، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ. وَالْمُبْهَمُ هُنَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادَةَ بْنِ سَمْعَانَ. وَكَذَا أَكْثَرَ مِنْهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ (فَلَمْ يُوَفْ) مُسْلِمٌ وَلَا غَيْرُهُ مِمَّنْ أَشَرْنَا إِلَيْهِ بِالْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ الْمَجْرُوحِ إِنِ اخْتَصَّ عَنِ الثِّقَةِ بِزِيَادَةٍ، لَكِنَّ الظَّنَّ الْقَوِيَّ بِالشَّيْخَيْنِ أَنَّهُمَا عَلِمَا اتِّفَاقَهُمَا وَلَوْ بِالْمَعْنَى.

وَلِهَذَا الصَّنِيعِ حِينَئِذٍ فَائِدَتَانِ، وَهُمَا الْإِشْعَارُ بِضَعْفِ الْمُبْهَمِ وَكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ، وَكَثْرَةُ الطُّرُقِ الَّتِي يَرْجُحُ بِهَا عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ. وَإِنْ أَشَارَ الْخَطِيبُ إِلَى أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْخَاصَّةِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهَا، قَالَ: لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ لِأَجْلِ مَا اعْتَلَلْنَا بِهِ فَخَبَرُ الْمَجْهُولِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ، إِذْ

ص: 209

إِثْبَاتُ ذِكْرِهِ وَإِسْقَاطُهُ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَ عَوَّلَ عَلَى مَعْرِفَتِهِ هُوَ بِهِ ; فَلِمَاذَا ذَكَرَهُ بِالْكِنَايَةِ عَنْهُ، وَلَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْأَمَانَةِ عِنْدَهُ.

قَالَ: وَلَا أَحْسَبُ اسْتِجَازَةَ إِسْقَاطِهِ ذِكْرَهُ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الثِّقَةِ إِلَّا لِأَنَّ الظَّاهِرَ اتِّفَاقُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ. يَعْنِي مِمَّنْ يَحْرِصُ عَلَى الْأَلْفَاظِ، كَمُسْلِمٍ الَّذِي الِاحْتِجَاجُ بِصَنِيعِهِ فِيهِ أَعْلَى أَوْ فِي مَعْنَاهُ، إِنْ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِاللَّفْظِ، وَاحْتَاطَ فِي ذَلِكَ بِذِكْرِ الْكِنَايَةِ عَنْهُ مَعَ الثِّقَةِ تَوَرُّعًا، وَإِنْ كَانَ لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَيْهِ.

وَقَدْ أَشَارَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي (مَدْخَلِهِ) إِلَى أَنَّهُ فِي (مُسْتَخْرَجِهِ) تَارَةً يَحْذِفُ الضَّعِيفَ، وَتَارَةً يُنَبِّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: وَإِذَا كَتَبْتُ الْحَدِيثَ - فِيهِ أَيْ فِي (الْمُسْتَخْرَجِ) - عَنْ رَجُلٍ يَرْوِيهِ عَنْ جَمَاعَةٍ، وَأَحَدُهُمْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ هَذَا الْكِتَابِ ; فَإِمَّا أَنْ أَتْرُكَ ذِكْرَهُ وَأَكْتَفِيَ بِالثِّقَةِ الَّذِي الضَّعِيفُ مَقْرُونٌ إِلَيْهِ، أَوْ أُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ مَحْكِيٌّ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْكِتَابِ. انْتَهَى.

وَإِذَا تَقَرَّرَتْ صِحَّةُ حَذْفِ الْمَجْرُوحِ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ صِحَّةِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ ; لِمَا قَدْ يَنْشَأُ عَنْهُ مِنْ تَضْعِيفِ الْمَتْنِ وَعَدَمِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ لِلْقَاصِرِ أَوِ الْمُسْتَرْوِحِ، وَفِيهِ مِنَ الضِّرَرِ مَا لَا يَخْفَى.

[حُكْمُ إِسْقَاطِ أَحَدُ الثِّقَتَيْنِ] :

(وَ) أَمَّا (الْحَذْفُ) لِأَحَدِ الرَّاوِيَيْنِ (حَيْثُ وُثِّقَا) كَمَا وَقَعَ لِلْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ الْمُدَّثِّرِ، فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ وَغَيْرِهِ كِلَاهُمَا، عَنْ حَرْبِ بْنِ شَدَّادٍ حَدِيثًا. وَفَسَّرَ الْغَيْرَ بِأَنَّهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ الَّذِي لَمْ يُخْرِجْ لَهُ الْبُخَارِيُّ شَيْئًا، (فَهْوَ أَخَفْ) مِمَّا قَبْلَهُ ; لِأَنَّهُ وَإِنْ تَطَرَّقَ مِثْلُ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا إِلَيْهِ، وَهُوَ كَوْنُ شَيْءٍ مِنْهُ عَنِ الْمَحْذُوفِ خَاصَّةً فَمَحْذُورُ الْإِسْقَاطِ فِيهِ أَقَلُّ ; لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِ الرَّاوِي ثِقَةً كَمَا إِذَا قَالَ:

ص: 210

أَخْبَرَنِي فُلَانٌ أَوْ فُلَانٌ. فَإِنَّهُ إِنْ كَانَا ثِقَتَيْنِ فَالْحُجَّةُ بِهِ قَائِمَةٌ ; لِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ ثِقَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ ثِقَةٍ، وَهُوَ نَحْوُ الصُّورَةِ الْأُولَى، لَا يَكُونُ الْخَبَرُ حُجَّةً، لِاحْتِمَالِ اخْتِصَاصِهِ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَبَرِ عَنِ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ مِنَ الْمُحْتِرَيْ خِلَافَهُ كَمَا قُرِّرَ.

[كَيْفَ يُرْوَى الْحَدِيثُ إِذَا كَانَ مُنْتَهٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مُلَفَّقًا] :

ثُمَّ إِنَّ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا يَكُونُ جَمِيعُ الْمَتْنِ عَنْهُمَا، (وَإِنْ يَكُنْ) مَجْمُوعُهُ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الرُّوَاةِ مُلَفَّقًا بِأَنْ كَانَ (عَنْ كُلِّ رَاوٍ) مِنْهُمْ (قِطْعَهْ) مِنْهُ، فَـ (أَجِزْ بِلَا مَيْزٍ) أَيْ: تَمْيِيزٍ لِمَا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْهُ أَيْضًا (بِخَلْطِ جَمْعَهْ) لَكِنْ (مَعَ الْبَيَانِ) لِذَلِكَ إِجْمَالًا، وَأَنَّ عَنْ كُلِّ رَاوٍ بَعْضَهُ. (كَحَدِيثِ الْإِفْكِ) فَإِنَّهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ عَائِشَةَ.

قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا، وَبَعْضُهُمْ أَوَعَى مِنْ بَعْضٍ وِأَثْبَتُهُ اقْتِصَاصًا. وَفِي لَفْظٍ: وَبَعْضُ الْقَوْمِ أَحْسَنُ سِيَاقًا، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ، وَبَعْضُ حَدِيثِهِ يُصَدِّقُ بَعْضًا، زَعَمُوا أَنَّ عَائِشَةَ. وَسَاقَهُ بِطُولِهِ، وَلَفْظُ ابْنِ إِسْحَاقَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكُلٌّ حَدَّثَنِي بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ جَمَعْتُ لَكَ الَّذِي حَدَّثُونِي.

وَلَمَّا ضَمَّ ابْنُ إِسْحَاقَ إِلَى رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنِ الْأَرْبَعَةِ رِوَايَتَهُ هُوَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ، وَعَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ كِلَاهُمَا، عَنْ عَائِشَةَ قَالَ: وَكُلُّ حَدِيثِ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا يُحَدِّثُ بَعْضُهُمْ مَا لَمْ يُحَدِّثْ صَاحِبُهُ، وَكُلٌّ كَانَ ثِقَةً، فَكُلٌّ حَدَّثَ عَنْهَا مَا سَمِعَ. وَذَكَرَهُ.

ص: 211

وَنَحْوُ صَنِيعِ الزُّهْرِيِّ مَا فِي الْوَكَالَةِ مِنَ (الْبُخَارِيِّ) ثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرِهِ، يَعْنِي كَأَبِي الزُّبَيْرِ، يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، لَمْ يُبَلِّغْهُ كُلَّهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَنْ جَابِرٍ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي نُعَيْمٍ فِي (الْمُسْتَخْرَجِ) لَمْ يُبَلِّغْهُ كُلَّهُ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَذَكَرَ حَدِيثًا، وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ رضي الله عنهما، يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ حَدِيثًا، وَفَعَلَهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ عِيَاضٌ، فَقَالَ فِي (الشِّفَاءِ) : وَعَنْ عَائِشَةَ وَالْحَسَنِ، يَعْنِي ابْنَ عَلِيٍّ، وَأَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِمْ، فِي صِفَتِهِ صلى الله عليه وسلم، وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ عَلَى بَعْضٍ.

وَكَثِيرًا مَا يَسْتَعْمِلُهُ أَصْحَابُ الْمَغَازِي وَالسِّيَرِ. وَجَازَفَ عَصْرِيٌّ مِمَّنْ كَثُرَتْ مَنَاكِيرُهُ فَاسْتَعْمَلَهُ فِي أَمْرٍ بَشِيعٍ شَنِيعٍ يَحْرُمُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَلَكَهُ إِجْمَاعًا، فَقَالَ: وَفِي (إِنْجِيلِ مَتَّى وَلُوقَا وَمُرْقُصَ) يَزِيدُ أَحَدُهُمْ عَلَى الْآخَرِ، وَقَدْ جَمَعْتُ بَيْنَ أَلْفَاظِهِمْ.

وَحَاصِلُ مَا فَعَلَهُ الزُّهْرِيُّ وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُ أَنَّ جَمِيعِ الْحَدِيثِ عَنْ مَجْمُوعِهِمْ لَا أَنَّ مَجْمُوعَهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَا يُعْلَمُ مِنْ مُجَرَّدِ السِّيَاقِ الْقَدْرُ الَّذِي رَوَاهُ مِنْهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُسَمَّيْنَ.

نَعَمْ رُبَّمَا يُعْرَفُ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ أَوْ كُلِّهِمْ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ ذَاكَ الرَّاوِي، بَلْ وَمِنْ طَرِيقِهِ أَيْضًا، عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي التَّفْسِيرِ مِنَ (الصَّحِيحِ) أَيْضًا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ: وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ الَّذِي حَدَّثَنِي عُرْوَةُ.

فَفَهِمَ الْبُلْقِينِيُّ وَبَعْضُ أَتْبَاعِهِ أَنَّ عُرْوَةَ حَدَّثَهُ بِجَمِيعِ الْحَدِيثِ، وَأَنَّ الَّذِي حَدَّثَهُ بِالْبَعْضِ حَتَّى تَلَفَّقَ مَنْ عَدَاهُ، وَصَارَتْ صُورَةً أُخْرَى غَيْرَ الْأُولَى، وَلَكِنَّ هَذِهِ

ص: 212

اللَّفْظَةَ مَعَ كَوْنِهَا لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي ذَلِكَ، بَلْ تَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الَّذِي حَدَّثَهُ عُرْوَةُ أَوَّلَ شَيْءٍ مِنْهُ، خَاصَّةً مِمَّا زَادَهَا اللَّيْثُ عَنْ سَائِرِ مَنْ رَوَاهُ عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ صَحَّ كَوْنُ الزُّهْرِيِّ اسْتَعْمَلَ التَّلْفِيقَ، وَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ قَالَ عِيَاضٌ مَعَ كَوْنِهِ مِمَّنِ اسْتَعْمَلَهُ كَمَا أَسْلَفْتُهُ: إِنَّهُمُ انْتَقَدُوا عَلَيْهِ صَنِيعَهُ لَهُ، وَقَالُوا: كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُفْرِدَ حَدِيثَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنِ الْآخَرِ. انْتَهَى. وَالْأَمْرُ فِيهِ سَهْلٌ، فَالْكُلُّ ثِقَاتٌ، وَلَا يَخْرُجُ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ صَحِيحًا.

(وَجَرْحُ بَعْضٍ) مِنَ الْمَرْوِيِّ عَنْهُمْ، وَضَعْفُهُ أَنْ لَوِ اتَّفَقَ مَعَ عَدَمِ التَّفْصِيلِ (مُقْتَضٍ لِلتَّرْكِ) لِجَمِيعِ الْحَدِيثِ ; لِأَنَّهُ مَا مِنْ قِطْعَةٍ مِنَ الْحَدِيثِ إِلَّا وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ عَنْ ذَاكَ الرَّاوِي الْمَجْرُوحِ.

(وَ) لِهَذِهِ الْعِلَّةِ وُجُوبًا (حَذْفَ) بِالنَّصْبِ، مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ، (وَاحِدٍ مِنْ) الرُّوَاةِ الْمُجْتَمِعِينَ فِي (الْإِسْنَادِ) أَوْ بَعْضِ الْحَدِيثِ (فِي) هَاتَيْنِ (الصُّورَتَيْنِ) الثِّقَاتِ كُلِّهِمْ، وَالضَّعِيفِ بَعْضِهِمْ، (امْنَعْ لِلِازْدِيَادِ) أَيْ: لِأَجْلِ الزِّيَادَةِ عَلَى بَقِيَّةِ الرُّوَاةِ لِمَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِمْ، أَوْ إِسْقَاطِ مَا اخْتَصَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَنِ الْبَاقِينَ.

فَائِدَةٌ: لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ فِي " بَابِ كَيْفَ كَانَ يَعِيشُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ " مِنْ كِتَابِ الرِّقَاقِ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ. بِنَحْوٍ مِنْ نِصْفِ هَذَا الْحَدِيثِ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ.

فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ صَرِيحًا فِي كَوْنِهِ لَمْ يَسْمَعْ جَمِيعَهُ مِنْهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ بِطَرِيقِ الْوِجَادَةِ أَوِ الْإِجَازَةِ، أَوْ حَمَلَهُ عَنْ شَيْخٍ آخَرَ مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ غَيْرِ أَبِي نُعَيْمٍ، أَوْ سَمِعَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ مِنْ شَيْخٍ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَعَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ يَكُونُ مِنَ التَّعَالِيقِ، وَلِذَا أَوْرَدَهُ شَيْخُنَا رحمه الله فِي كِتَابِهِ

ص: 213